الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا أغنّي، أنا أسمع الموسيقى، أنا أرقص، أنا حرّ، أنا حرّة

عايدة الجوهري

2017 / 12 / 10
المجتمع المدني


في لبنان، يحرص حزب ديني جهادي، على تحريم الموسيقى والغناء والرقص وشرب الخمر في مناطق نفوذه الحصرية، ويلتزم هذا المنهج في وسائل إعلامه المخصوصة، ولكنّ الأنكى أنّه يحاول فرض ممارساته على غير أنصاره، وخصوصًا شرب الخمر، فيقوم محازبوه بتخريب المخازن التي تبيع الخمر.
يتعارض ما يقوم به هذا الحزب مع مواد الدستور اللبناني التي تحمي هذا النمط من الحريات الشخصية ولا تُخضعها لأيّة شريعة دينية، ورغم هذا التعارض لا تهبّ الهيئات الرسمية للدفاع عن هؤلاء، ولا الأحزاب العلمانية، ولا الجمعيات الحقوقية المدنية، ولا وسائل الإعلام، يلتزم هؤلاء الصمت، إمّا مهابةً وخوفًا، إمّا بحجّة الأولويات السياسية التحريرية، أي عملاً بمقولة «لا شيء يعلو فوق صوت المعركة»، واهمين بأنّ الحق في الحريّة قابل للتجزئة والتصنيف، والترتيب، والتأخير والتقديم، إنّ الحريات الشخصية هي في رؤيتنا المدخل الإجباري لسائر الحريات.
لأوّل وهلة، قد تُعدّ هذه المعركة تافهةً فارغةً، لزوم ما لا يلزم، قياسًا بالمعارك التي تُخاض من أجل الحريات السياسية والإعلامية، فما أهمية الحق في اختيار اللباس أو سماع الموسيقى أو الغناء أو الرقص أو شرب الخمر أو في السفور والاختلاط أو...أو... إلخ، أمام سجينِ رأيٍ يلاقي حتفه في زنزانة أو تحت التعذيب، أو أمام صحافي يُمنع من الكتابة، أي من العيش، أو أمام متظاهرين يتمّ تفريقهم بقوة الرصاص، أو أمام تزوير الانتخابات، أو أمام شريحة اجتماعية معدمة، وتكادُ تتضوّر جوعًا.
نعم هي وقائع مهولة، مفجعة، بيد أنّ التاريخ الاجتماعي يُعلّمنا أنّ التسلّط السياسي والتسلّط الاجتماعي توأمان سياميان، كما يُعلّمنا مثلاً أنّ البلاد أو الجماعات التي تفرض بالقوة الحجاب على النساء، لم تكن يومًا ديموقراطية سياسيًّا وحرّة، ولا تلك التي تعتمد قوانين أحوال شخصية دينية جائرة، دون سائر القوانين، وتطول اللائحة...
الجسد موضوعًا للاستبداد
في الواقع، لا تنحصر السلطة في المجال السياسي بل تتخطّاه إلى الإعلامي والديني والتربوي والثقافي والطبي والشخصي، وإلى الخيارات الفردية الحميمة: إلى الجسد كذات، إلى الجسد – الذات، والسلطة الاستبدادية، ثيوقراطية أو زمنية، تنطوي على استراتيجية سياسية تمارس على الجسد شتى أنواع الإكراهات كي يُذعن وينصاع.
تقوم القوانين والأعراف على ضبط قواعد الجسد الذي لا يُمكن أن يصبحَ شرعيًّا ومقبولاً، إلاّ بعد خضوعه للقانون والسائد، وتمارَس الهيمنة الاجتماعية على الجسد في كل المؤسسات، من خلال مجموعة من العلاقات الثقافية الأساسية، تُعزّزها منظومة المعتقدات والقيم السائدة، والقائمة على الممنوع، والمنصبّة على مفهومَي الحرام والعيب، والتي تقوم العلاقات العامودية بين الحكام و المحكومين، أو العلاقات الأفقية بين المحكومين أنفسهم، على تثبيت ديمومتها، حيث تحريم الفعل وتحريم الكلام في الممنوع، جزء من العذرية العامة.
هي الرغبة في تطويع الجسد، لتطويع من يسكنه وتكريس دونيته وتبعيته، أجساد مقموعة، أفواه مكمومة، corps réprimes, bouches muselées ، يقول جان بول سارتر، فالجسد المغلول، يعني روحًا مغلولة، عقلاً مغلولاً.
مفهوم الحريّات الفرديّة
تفترق الحريات الفردية عن الحريات العامة، باعترافها بحقّ الإنسان في أن يُطوّرَ نفسه ويُنظّمَ حياته ويستمتع بها بطريقته الخاصة. هي قدرة الفرد على اتّخاذ القرار المناسب دون أي تدخل، أو أي تأثير من أي طرف خارجي.
تنطلق الحرية الفردية من مبدأ سلطان الفرد على بدنه وذهنه وعقله. أولى هذه الحريات هي حرية الاعتقاد في السياسة والدين والأخلاق، هي حرية تُتيح إعمال العقل في النظر إلى وقائع الحياة ومعانيها وظواهرها، وتُدرج عادةً الحريات المذكورة في باب «الحريات العامة»، ولكنّ «الحريات العامة» ليست سوى مجموع «الحريات الفردية» التي تبحث عن حلّ جماعيّ لها.
تلي «الحرية الفكرية»، «حرية إدارة الحياة الخاصة» ومن ضمنها، حرية اختيار مكان السكن، والمأكل والمشرب واللباس والتنقّل، وحرية اختيار وسائل الترفيه والاستمتاع، سماع الموسيقى والغناء ومشاهدة الأفلام السينمائية والعروض المسرحية، وقراءة الكتب المشتهاة، وممارسة الرياضة وفنون الرقص، إلى ما هنالك من وسائل ترفيه واستمتاع.
في المجتمعات المنغلقة لا يتمتّع الإنسان بحقّه البسيط في أكل وشرب ما يشاء، ساعةَ يشاء، إمّا بسبب الصيام الإلزامي، أو بسبب الحظر الدائم للكحول أو لبعض أنواع اللحوم وغيرها، وهو لا يتمتّع كذلك في ارتداء اللباس الذي يستهوي ذوقَه، ولا في سماع الموسيقى والأغاني التي يشتهي، ولا في مشاهدة الأفلام السينمائية والعروض المسرحية التي يبتدعها العقل البشري وتستهويه، ولا تُرضي أولياء الأمور، كما أنّه لا يجرؤ على التفكير بحقّه في الرقص، ما خلا حقّه في الرقص الفولكلوري التقليدي الذي يعزله عن النساء، إلى ما هنالك من محظورات تتحكّم بكيفية إدارة الفرد المتفرّد، لرغباته وأهوائه الشخصية.
وتشتمل الحريات الفردية على موضوع جوهري وهو حرية تقرير الحياة العاطفية واختيار الشريك دون إيعاز خارجي، وحرية الزواج من عدمه، وحرية اختيار نظام الحياة الثنائية، دون الخضوع لقوانين وأعراف تشوّه العلاقة بين الجنسين، بدعوى الحرام أو العيب أو الشرع. كل ما يستطيعه المجتمع هو الأمل في أن تؤدّي العلاقات بين الجنسين إلى المزيد من التوازن، والتفتّح، والتبادل، والاعتراف، والتعاون، والسعادة، ووضع القوانين التي تحافظ على سويّة الشراكة العاطفية الاجتماعية.
وبالمقابل، لم يعد مقبولاً أخلاقيًّا إقامة حواجز مفتعلة بين الجنسين بدعوى الخوف من الفتنة، واهتزاز النظام الإلهي والاجتماعي، حارمةً الفرد من التواصل مع جنسه الآخر، مع ذاته الأخرى. غير أنّه لا مفرّ من التنويه بأنّ نصيب النساء من انتهاكات الحريات الفردية في المجتمعات العربية والإسلامية أعلى من نصيب الرجال، لوجود خلل في علاقات القوة الاقتصادية والسياسية والرمزية، وأعني بالرمزية، الأنظمة المعرفية السائدة، ولكنّ هذا الخلل لا يطمس تعرُّض الذكور أنفسهم لتواطؤ السلطات السياسية والدينية على التحكّم بتفاصيل حياتهم الخاصّة، ولو أنصت الرجال إلى كل تعليمات الفقهاء، لارتبكوا في كلّ خطوة يخطونها، أو قرار يتّخذونه، ولكنّهم لا يُفصحون عن معاناتهم، خوفًا من شماتة النساء، وواهمين بأنّ هذه الثقافة تخدم مصالحهم الأبويّة العليا.
إنّ الحريات الفردية هي سليلة تلك المنظومة من الأفكار التنويرية التي اعتبرت الإنسان سيّدَ نفسه وغايةً بحدّ ذاته وليس وسيلةً، وأنّه صانع مصيره وليس ألعوبة القدر، وأنّ عقله يخوّله إدارة حياته كيفما شاء، ولا تُغنيه عن هذه الحريات كلّ الشعارات الأخرى البديلة. وعملاً بمضامين هذه الحريات يُعدّ كلّ تدخُّل في خيارات الفرد الشخصية انتقاصًا من كينونة هذا الفرد وكرامته، وانتهاكًا لكوكبة الحريّات العامّة المشتهاة، فهذه الأخيرة، تفقد مغزاها إذا تمّ احتقار الحريات الخاصّة، فما جدوى الحريات السياسية، على سبيل المثال، إذ حظر على الفرد إعمال عقله في كلّ الظواهر والوقائع التي تمثل أمامه، والتعبير تاليًا على استدلالاته جهرًا وعلانيةً.
نعم إنّ قضيّةَ شرب الخمر أو الغناء أو سماع الموسيقى أو الرقص هي قضايا تستحقّ أن تكونَ قضايا رأيٍ عام، كسائر القضايا التي تنال ما يسمّى «حريات عامة»، تمامًا كما كانت عليه الحال في المغرب منذ أعوام قليلة أيام المناظرات من أجل الحق في ارتداء «التنورة».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نور لبنان
عبد الحسين سلمان ( 2017 / 12 / 10 - 15:04 )
تحية للأستاذة والصديقة عايدة الجوهري

اذا كانت ميليشيا الاسلام المافوية , أن تتمكن من فرض الظلام على نور العراق , فلن يستطيع هذا الحزب الديني الجهادي، أن يفرض الظلام على نور لبنان.

اخر الافلام

.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء


.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل




.. فيتو أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة


.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا




.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة