الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الثورة السورية إلى الأزمة الأخلاقية الكبرى :

معتز نادر

2017 / 12 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


البداية ستكون من واقع بديهي وهولكل دولة في العالم مصالح إستراتيجية من خلال علاقات تجمعها مع غيرها من الدول ,
والسؤال يكمن بماهية الهدف السامي أوالغاية العظمى التي سيجنيها أيّ بلد أو أمة من انهيارأو نكبة تحل في بلد ما بصرف النظر عن موقع ذلك البلد السياسي أو الإستراتيجي,أي ما هوذلك التوازن العظيم الذي ستذهب إليه هذه المصالح العليا جراّء ذلك في حال كانت قائمة أساسا على مفهوم التصفية
من وجهة عملية اّن الأوان كي يُحَجَم الفكر السياسي البراغماتي الذي يعيش في عمق تفكيره على مصائب الشعوب واّلامها وعلى اعتبار أن مبدأه الأساسي يقول : إن ازدهار بلد على حساب اّ خر مهما كان ثمن ذلك هو شيء طبيعي - ولا يجب أن تتأثر معنويا أو قيميّا قيادات ذلك البلد المستفيد من تلك المصيبة أو الحرب الأهلية ذلك لأنها محكومة بطبيعة النزعة البشرية وتساعد في نفس الوقت على استقرار الكوكب من الناحية الإقتصادية والأمنية على المدى الطويل ،
في حقيقة الأمر أرى أن الخلفية الباطنية للفكر الذي سلف والذي لا يخفى على أحد بأننا نعيشه ونحياه يمثل شرخا عميق الغور في بنية التفكير الإنساني عموما والسياسي خاصة ذلك لأنه يستهتر بالقضايا الكبرى كالجوع والإضطهاد العنصري والتلوث, فتصبح مشاعرالشفقة والتعاطف على هذا المستوى بالنسبة لتلك الرؤى السياسية رخيصة وعديمة الاهمية بل هي ليست إلا عواطف طبقية مرحلية تعيشها الفئة الأقل حظا بالمجتمعات سرعان ما تزول بزوال الحدث ،ملتفتةٍ بدل ذلك إلى التطور العسكري الذري الذي يزيد من رقعة الصراع والتلوث وعليه من وجهة نظر سياسية عائدة لتلك النظرة - التصدي لمشاعر الرقّة التي تهتم بالحياة اليومية للإنسان بواقعية ميكافيللية تستند إلى نظرة براغماتية بحتة
تطمس الإحساس الأول والعام إزاء مشاكل الإنسان الحقيقية وتعزز التناحر الذي يخلق الحروب ويغذّي مشاعر الدونيّة والنقص ويعمّق هوّة الإ ختلاف الحضاري بين الشعوب.
وفي هذا الزمن المتقدم علميا وتقنيا يأخذ الفكر السياسي العالمي طابعا تصفوي غير عسكري بل ذو شكل اقتصادي سياسي فتعم المجاعة والفساد الذي يجسّد النقمة الأولى, ولنتذكر بأن مئات الملايين من سكان العالم يعانون الجوع في الوقت الذي يستطيع أغنى مئة رجل في العالم على سبيل المثال المساهمة الفعلية في حل مشكلة الفقر, وعليه فإن ما سلف يتم تعزيزه تدريجيا من خلال إذكاء الحس التعصبي لدى النشئ فينعكس سلوكهم على كافة أشكال الحياة
أما في سوريا فنحن أمام استنزاف مُحزن وغير واعي للموجود الإنساني والحضاري لهذا البلد يعززه بكل تأكيد نرجسية النظام هناك وإحساسه المدمر بأنه مختلف عن كل أنظمة الكوكب وان إختلافه هذا إيجابي
وندّي ومميز ،
إن ما يحدث في سوريا أكبر من كونه مرتبط بتغيير سياسي بل هو إنساني وجودي محض وأهم من فكرة مؤيد ومعارض وإنما هو حالة إنسانية واسعة كشفت هشاشة النظام العالمي المتحكم وعرّت الوضع المتردي لمجلس الأمن المكبّل بقوانين تحكمه الدول العظمى, ومع أن هذا الأمر معروف لكنه وصل الاّن مع الأزمة السورية وحرب اليمن إلى درجة غير مسبوقة من الإحراج والعجز,وبأنه غير قادر على التعامل مع اّلام الشعوب فما معنى إمتناع دولة عن التصويت قد يتسبب في بؤس دولة أخرى أو هذا ما يظهر لنا على الأقل,
وعلى هذا الأساس يبدو فعليا أن العالم مقتنع بإستحالة الوصول إلى حلول إلا إذا تحولت سورية إلى ركام ومن هنا يجب الكف عن التنديد وبالتالي إظهار أدنى احترام لعقل الشعوب ،ربما يواجهني اتهام بأن ما أتطرق إليه نابع من فكر يساري أو من شعور عميق بالإضطهاد والحقيقة هي شعور بالمأزق الأخلاقي الذي نعيش ويعيشه المجتمع الدولي بوصفه مصاب بمرض إسمه (الأمن القومي)الذي هو برأي -وهم عاطفي أكثر من كونه حقيقة سياسية - بهذا الخصوص لنا أن نتذكر كيف قام اتحاد كتاب روسيا البلد الذي أنجب خيرة أدباء العالم بمنح وسام استحقاق في وقت سابق للرئيس السوري وهذا بحد ذاته استهزاء وإمتهان كبير للأرواح التي تُزهق في سوريا ووصمة عار في تاريخ الحياة والثقافة الروسية , لأنه وبصرف النظر عن الرأي الشخصي ببشار الأسد فإنه يتحمل مسؤولية الدمار الحاصل في البلاد وبذات الوقت يصعب فهم كيف أن أُناس يمضون جل عمرهم بتثقيف أنفسهم وتمجيد الحياة الإنسانية عبر قلمهم يبررون الموت والدمار بهذه الشاكلة لا بل يمنحون أوسمة لأجل ذلك وهذا أيضا مأزق أخلاقي تعيشه روسيا التي يبدو أنها لم تتخلص من الإ رث الإستبدادي الكبير الذي مرتّ به منذ حكم القياصرة وحتى يومنا هذا فدفع الملايين من الروس ثمنه جوعا وقهرا وتهميشا أثناء الحرب العالمية الثانية وفترة الحكم الستاليني بسبب السياسيات المتطرفة وبمناسبة الحديث عن الأمن القومي فإن هذا المصطلح مرتبط إرتباط لا ينفصم بالإستبداد الذي عاشه العالم العربي وحتى بداية ثورات الربيع العربي فكل ما سمعناه ورأيناه من القومية هو أن نظام يأتي على رأس السلطة يستبد بها وينشء المعتقلات ثم يصدّر فكرة ثابتة إلى الدول المجاورة تتبنى القضية الفلسطينية وهذا بحد ذاته إستهزاء و إستغباء لقضية الشعب الفلسطيني المليء بالمثقفين والذي يتعرض لما يتعرض له السوريين من قصف وقتل وهذا بالطبع من أجل (الأمن القومي !؟),في حين أن القومية الحقيقية هي تصدير ثقافة فكرية وأُسس تعليمية تعمل على تطوير مستوى الفرد بغية الإرتقاء الى مصاف الدول المتقدمة أي أن تكون مرتبطة بإحساس أُممي خلّاق هدفه التصالح مع العالم وليس التصادم معه وبديهيا لا يمكن لأحد أن يكون قوميا ما لم يكن حريصا من حيث المبدأ على سلامة وأمن المكان الذي يعيش فيه
ولا يحق لأي إنسان أن يدّعي بأنه يعشق فلسطين أكثر من الفلسطيني الذي عاش وكبر فيها ويرى البؤس كل يوم
مثال اّخرعلى الأزمات الأخلاقية --أمريكا أقوى دول العالم وأغناها- فعندما خرج الرئيس أوباما بقانون تأمين صحي يستفيد منه الملايين ثار العديد من السياسيين وأصحاب الشركات ضده ووجهت إليه انتقادات عديدة من أن هذا القانون يهدد الإقتصاد الأمريكي حتى أن البعض اتهمه بالجنوح نحو الشيوعية وهذا الإتهام يمثل طامة كبرى بالنسبة للفكر السياسي الأمريكي بالرغم من العدد الهائل للفقراء والمتسولين في هذا البلد .
إذا لماذا كل هذا الجشع من السياسيين والإقتصاديين الأمريكيين ؟
وحديثي ينطبق من ناحية وبطريقة أخرى على دول كإيران وكوبا وفنزويلا بوصفها ذات صبغة تدعي الإشتراكية والتحررية وبضمير مرتاح أقول أن هذه الدول تعاني من ازدواجية في القَيم فمن جهة تعتبر أمريكا وإسرائيل أعداء للإنسانية ومن جهة أُخرى تُبرر القتل والقصف الجاري في سوريا واليمن بحجة نظرية المؤامرة التي تسيطر سيطرة نفسية على قيادات هذه الدول ما ينتج عنه قناعة راسخة في ذهن تلك القيادات تعتبر موت الاّلاف سبيلا لا مفر منه لمواجهة المؤامرة التي تهدد الشعوب المغلوب على أمرها
إن بحر الدم الذي يجري في سوريا من كافة الفئات والأطياف مأساة كُبرى ومنذ البداية كان على الكتائب المقاتلة المعارضة والتي كنت أقف ضد شرعنتها –عدم الدخول للأ حياء المأ هولة بالسكان كي لا تقود النظام المجنون إلى جنونه فيُقتل الابرياء وُتدمر الأحياء والأماكن الاثرية أكثر مما هي عليه وبهذه النقطة تقع المسؤؤلية على الجميع ,
إن الازمات والشر لا نهاية لهما وسوريا اليوم هي امتداد لأزمة أخلا قية كبرى مفادها التسلط والأنانية وتفشي الذهنية السريالية الشريرة والغير خلّاقة ووهمَا يحفّز على الصراع والتصادم في كل أصقاع الأرض ويُبرز ما كان يخشاه الزعيم الهندي(غاندي)من أن يصبح العالم أعمى,وهذا الوهم اسمه: الأمن القومي العالمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال