الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترامب يتحدى غضب الشعوب

حزب اليسار الشيوعي العراقي

2017 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ترامب يتحدى غضب الشعوب ويحاول فرض امر واقع لن يحصل..
إنّ قرار نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة، يبدو كما لو أنّه دعابة، مع أنّه سخريّة سوداء. لكنّه ودونما شك، يفضح العقليّة التي يُدير فيها ترامب السياسة الأمريكية، عقليّة الكاوبوي الضحل الذي وصفه الممثل (دي نيرو) بالتافه واللص والغبي والسخيف والوضيع فضلاً عن خوف (دي نيرو) مما سيؤول إليه مصير أمريكا تحت قيادتة ترامب، الذي استحق هذه الأوصاف جميعها.
ساسة العالم أجمعوا على أنّ القرار باطلٌ وغيرُ مسؤولٍ واستفزازيٌ واعتباطيٌ لصفته الأحاديّة ومخالفته لقرارات الشرعيّة الدوليّة. فقرارات (مجلس الأمن) نصّت على تحريم إنشاء بعثاتٍ دبلوماسية أو نقل سفارات إلى مدينة القدس، أو الإعتراف بها كعاصمة لدولة الإحتلال الصهيوني، كما أنّها أكّدت على أنّ القدس جزءٌ لايتجزأ من أرض فلسطين المحتلة، التي احتلها الكيان الصهيوني في عدوان حزيران عام 1967. ولا نغالي إنْ قلنا إنّ قرار ترامب فضلاً عن ذلك يؤكد الانحياز الواضح ضد حقوق الشعب الفلسطيني، ويضع المنطقة على فوهة بركان من عدم الاستقرار، وهو بالنتيجة يعمل على تصعيد مشاعرِ العداء، ويشجّع العدوان الصهيوني المستمر ويمنحه شرعيّة زائفة.
وكان من نتيجةِ رعونة ترامب في محاولته لتطبيقِ سياسة فَرْض الأمر الواقع عبر هذا القرار المتهور، أنّ أمريكا وجدت نفسها في عزلة وإقصاءٍ حقيقي في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن التي عُقدت في 8/12/2017، بعد أنْ صرّح سفراء السويد وفرنسا والمانيا وايطاليا وبريطانيا وآخرون؛ أنّ قرار دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل "لا يتطابق مع قرارات مجلس الأمن الدولي" خصوصاً القرارات 467 و478 و2334.
ومن المهم ملاحظة أنّ القرار هو وعدُ بلفور آخر، وعدُ ترامب باعطاء الصهاينة ما لم يملكه، وما لاحق له او للصهيونية به. إنّه يمنحُ ارضاً ليست من حقِ أحد غير شعبنا الفلسطيني المكافح، الذي ناضل ومازال يناضل منذ سبعةِ عقودٍ، بينما يغضُ العالم كله طرفه عن حق هذا الشعب. إنّ قرار ترامب هو دورة أخرى في إغتصاب الارض الفلسطينية، وتشريع اغتصاب حق الشعوب لصالح قوى الشر والعدوان، ومحاولة بغيضة لطمس حق الفلسطينيين في تحرير كامل التراب الفلسطيني.
لقد شهدَ العالم أيضاً إستنكاراً واسعاً، من غرب أوربا إلى روسيا والصين والفاتيكان والأمم المتحدة، ولقد شاهدنا كيف دعا عمدة لندن حكومته إلى منع ترامب من الزيارة المرتقبة إلى لندن، كما صرحت (ميركل) أنّ ألمانيا لا تدعم القرار الأمريكي، بينما قالت (تيرزا ماي) إنّ المملكة المتحدة لا توافق على قرار الرئيس الأمريكي، وتحدث (ماكرون) قائلاً إنّ باريس لا تقبل بتصرّف ترامب ووصف القرار بـأنّه "مؤسف". وحرص (ملك السويد والملكة) على الظهور وهما يرتديان كوفية فلسطينية كتب عليها (أقصانا لا هيكلكم). ورسم (وزير خارجية أستراليا) صورة ترامب على ممسحة الأحذية في باب مكتبه ودعا الصحفيين ليريهم كيف يمسح حذاءه بوجه ترامب مصوَّراً ذلك بالفيديو. فيما ضجّت المنطقة العربية حكومات وجماهير بصوت عالٍ، وخرجت تظاهرات صاخبة كبيرة في استنكار القرار واصطدم الشباب الفلسطيني بقوات الأمن والجيش الصهيوني في أغلب مدن فلسطين المحتلة.
ومن اللاّزم أنْ نذكّر ان أمريكا التي أذاقتنا المرّ، حامية الحكومات الفاسدة، قد ألحقت الهزيمة والعار ببلدنا بالتعاون مع عملائها وسماسرة شركاتها ومضاربي بنوكها من الكومبرادور العراقيين. لقد جزّأت بلادنا إلى طوائفَ وأعراق ومناطقَ، وزرعت بين أبنائنا الفتنَ فتقاتلوا واستمروا يتقاتلون إلى الآن. ونزعت عن العراق الإلفة والطيبة. ومنحته القتل وانهاراً من الدم وآلاف من الضحايا المدنيين الآمنين الابرياء، نساء واطفالاً، فهي لن تهتم للدماء التي يتسبب هذا القرار الشائن في اراقتها.
ولا يمكننا أن ننسى ما لاقاه أبناء شعبنا من إذلال واستهتار أمريكي، واستهداف حياة أبنائنا ومستقبلهم، لقد أعاد ما لن تنساه الشعوب الحرّة أبداً حينما زرع هؤلاء الشذاذ الفرقة والتنازع والصراعات بين أبناء شعبنا، وحين قسّموه إلى كيانات طائفية وعنصرية ومكّنوا عملاءَهم ووكلاء شركاتهم سماسرة المصانع الرأسمالية الإحتكارية وبنوكها القذرة من خونة الشعب ليقرروا شكل الحياة المرّة وقسوتها بوجه أبنائنا واستغلوا الجهل والعوز والفقر بين صفوف الكادحين ليمرروا خرافاتهم وأبشع جرائمهم بصورها الطائفية والعرقية.
ترامب هو أمريكا، لا أكثر ولا أقل، لا أبعد لا أقرب، لاأدنى ولا أعلى، تلك هي امريكا لا غير، هي العدوان والإرهاب والإستهتار والرعونة. وترامب هو القائل، لايوجد بلد أسمه العراق، سخر منّا، سخر بل ازدرى العراقيين واستخف بهم وبشجاعتهم وبقيم المروءة والكرامة فيهم. وردد بوقاحة متناهية إنّه سوف يستولي على نفط العراق رضينا بذلك أم لم نرضَ، وأنه سوف يجبرنا على تعزيز وجوده العسكري في بلادنا، ولن يرحل أبداً عن ديارنا إلّا ونحن نمد أيدينا لكي نستجدي فتات مائدته. تلك هي تصريحات ترامب وبطانته التي أسس منها سلطته ووضع بواسطتها خططه وأحلامه. فهل نرضى هذا الهوان ونقبل الذل؟ كلا، لأنّه يمكن لشعب حر أنْ يحوّل أحلام ترامب إلى كوابيسَ، وأن يُذيقه ذلّ الهزيمة، فقط حين يدرك هذا الشعبُ الخطرَ، ويعرف أنّه حرٌ وقادرٌ على اختيار مصيره بحرية تامة. والحريّة لا تُغلب مطلقاً حتى لو انتكست لبعض الوقت. لابدّ من تلاحم قوانا الوطنية لهزيمة المعتدي الأمريكي المحتل، لابدّ من كنس عملائِه وعملاء دولِ الجوار التي وضعت العراق تحت ذلّ الإحتلال ومصادرة السيادة الوطنية والإستقلال،. لابدّ من الردّ على الذين تدخّلوا في بلادنا كلّهم، محتلين أو جيرانا.
كذلك نحن ندرك أنّ إعادة التلاحم بين شعوب المنطقة واصطفافها جنباً إلى جنب سوف يمنح الجميع القوة، ويضع بين أيديهم القدرة على مواجهة التحدي الأمريكي الذي فضحته وكشفت عنه بصورة مخزية تصريحات ترامب المتتالية منذ أيّام حملته الانتخابية. وحين نتحدث عن الشعوب الحرّة فإنّنا نعرف أنّ هذه الشعوب هي وحدها القادرة على إلحاق الهزيمة بالسياسة الأمريكية، وإيقاع السخرية بترامب وتصريحاته الفارغة، تصريحات هذا الكاوبوي المدلّل الذي يعتقد أنّ العالم كلّه مجرّد باحة خلفيّة لأمريكا، وأنّ بلادنا وبلاد الآخرين مجرّد مباءة لاتستحقّ الإلتفات إليها، هذه الشوفينية القذرة هي من يخوض في مياهها الآسنة كلّ القادة والرؤساء الأمريكان.
إنّ أمريكا تهدّد، لكنّها في الحقيقة ترتعدً خائفةً. وحين هدّد ترامب بمسحِ كوريا الديمقراطية من على وجه الأرض مع أنّ ذريعته لذلك كانت الإستبداد الذي يعانيه شعبُ شمالِ كوريا، هو نتيجة واضحة للخوف الأمريكي من هذا النمر الآسيوي الشجاع وهو يدشن خطواته التي تتقدم إلى أمام من أجل تحصين بلاده ضد أيّ عدوان قد تقوم به جارته المعتدية التي تقبع على الساحل الآخر من المحيط. نعم، إن أمريكا ترتعد لكنّها بسبب العنجهية تلك وسياسة التخبط قد تجر العالم إلى حروب مدمّرة. وهي المدلّل الذي لاينسى كراهياته للآخرين حين يصيبهم الضعف. فالقنبلتين النوويتين على هيروشيما وناكازاكي في 6 آب عام 1945هما العداوانان الغاشمان للثأر الأمريكي القذر، فقد كانتا الثمن الذي دفعته اليابان عن (بيل هاربر). وقد تباهى بهذه الجريمة قادة أمريكا وما زالوا من دون أنْ يعتذروا عن تلك الجريمة.
إنّ السكوتَ عن مخازي وعدوان أمريكا وتهوّرها التي كشفتها وفضحت فاشيّتها تصريحات ترامب وهو يزدري الشرعيّة الدولية، ويتباهى بعنجهيّته الرأسمالية، واحتقاره شعوب العالم، وازدرائه المهاجرين وعدائه للهجرة والاديان الأخرى بشكل علني ودونما حياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ذلك كلّه سوف يدفعها إلى الغلو وإعادة تجربة الإستهتار والعدوان على الشعوب، إن لم تجد من يستنكرها.
لقد طفق الحكامُ العربُ منذ زمن طويلٍ، يتهافتون لنيل رضا أمريكا، وأمريكا تزيد من غطرستها وتسحق على رقاب طالبي المغفرة والرّضا. وها نحن نجني الثمار المرّة مما فعلته في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ومحاولاتها المكشوفة والمستمرّة لإشعال الحرب في مصر. تلك هي الصورالمخزية لهذا المثال. ويكفينا أنْ نعرفَ حجمَ الدمارِ الذي ألحقته أمريكا بالعراق وسوريا وليبيا واليمن لندرك أنّ أمريكا يهمّها فعلاً أن تصبح بلداننا عوناً على نفسها عبر مدّ اليد إلى أمريكا لمصافحتها والعمل في فضاء التعاون المريب والمذلّ فيما بين بلداننا وأمريكا.
إنّ قرار ترامب بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلّة والإعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني يضع شعوبنا أمام تحدٍ مصيري يهدّد مصيرنا ومستقبلنا ومستقبل المنطقة. ويهدّدنا بوصف أمريكا طرفاً رئيسياً في الصراع الدائر في فلسطين وفي المنطقة العربية. وهو يؤكد بما لا يقبل الشك طبيعة السياسة الإمبريالية الأمريكية في رعاية الصهيونية وكيانها المدجج بالسلاح النووي، ودعم عدوانها على شعوبنا، ومصادرة حق الشعب الفلسطيني في ترابه. ويثبت عنجهيتها واستهتارها بحقوق البلدان كما فعلته في العراق وسوريا وليبيا فضلا عن محاولاتها في زعزعة استقرار مصر عبر الجرائم الإرهابية، ناهيك عن أنّ القرار، على الرغم من كلّ الادعاءات، يعلن انسحاب أمريكا من أيّة مفاوضات، لأن ترامب أكدّ بقراره أنّ بلاده هي الطرف الرئيس في الصراع ضد الشعب الفلسطيني والبلاد العربية بأجمعها وليست هي الوسيط في السلام.
لا بدّ من موقفٍ وطني حاسمٍ يُضعف موقفَ أمريكا ويردّ على غطرستها واستهتارها. هذا ما تؤكده الأحداث الراهنة، لقد استفز قرار أمريكا مشاعر الشعوب وخرجت الجماهير في كل مكان تستنكره، ولقد استنهض أعمق ما في مشاعر الوطنية والميل نحو الحرية لدى الشعوب وأصدقها. وأثبت أنّ الشعوب حتى لو صمتت فإنها لن تسكت إلى الأبد. لقد هيّج القرار المغالي الجائرمعنويات الشعوب في الدفاع عن حقوقها أمام الهيمنة الإمبريالية الأمريكية وعزّز ثقتها بحقوقها وقدرتها على الإنتصار في قضاياها المصيرية. لقد انتبه الناس إلى ضرورة النهوض والتقدم بقوة نحو حقوقهم وكرامتهم واستقلالهم وسيادتهم الوطنية.
إنّ شعوبنا قد بدأت تدرك وتستعد للمنازلة وهي تنهض من جديد، وتستنهض معها حركة التحرر الوطني، فإن نضالَ الشعوبِ يتصاعد من أجل هزيمة مخططات أمريكا وربيتها إسرائيل. لن ننسى أبداً سخريّته من العراق والعراقيين وهو ما ترفضه الشعوب الحرّة وتبذل في سبيله الغالي والنفيس.
ولا بدّ أنْ ننتبه إلى حق منحتنا إياه هذه الجريمة عفواً. إن استخفاف ترامب بقرارات الشرعية الدولية، وازدراءه قرارات مجلس الامن، وسحقها تحت أقدامه إنما يرفع الهيبة عن الإجماع الدولي، ويلقي به إلى الأرض، والأهم من كلّ ذلك أنّه يُعطي العنف الغاضب شرعيته ووجوده الصريح في ساحة النضال. فلم يعد، والحال هذه، من حقّ الشرعية الدولية التقوّل ووصم نضال الشعوب وتطلّعها نحو الحرية بوصمة (الإرهاب). إنه وبصورة خفيّة يمنح النضال الوطني فرصة التعبير عن أمل الشعوب بالعنف الثوري. فحين لم تعد قرارات الأمم المتحدة قادرة على ردع العدوانات الأمريكية المتكررة على الشعوب، ويجري الإستخفاف بالأمم المتحدة وبقراراتها من قبل الإمبريالية الأمريكية، فإنها عند ذاك لم تعد تملك شرعية وصف نضال الشعوب بأيّ وصف ينزع عنها هيبة الوطنية والنضال الوطني. لقد أطلق قرار ترامب لشعوب المنطقة حقَ الرد بالعنف الثوري على مصالح أمريكا هنا وفي كل مكان في العالم. ومع حرصنا الوطني وأسفنا على هذا الإختيار المرّ، لا بدّ من التذكير أنّه لم تعد الشرعية الدولية الحامية للسلم هي "الإطار" الذي يوحّد الأمم بل أعطى هذا القرارالأذن (للعنف) لكي يكون هو "الاطار".
المجد للمناضلين في سُبل الحريّة.
لجنة العمل الفكري
حزب اليسار الشيوعي العراقي
14/12/2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب في الحزب الحاكم في بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري


.. التصعيد الإقليمي.. العلاقات الأميركية الإيرانية | #التاسعة




.. هل تكون الحرب المقبلة بين موسكو وواشنطن بيولوجية؟ | #التاسعة


.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. المتحدث باسم البنتاغون: لا نريد التصعيد ونبقي تركيزنا على حم