الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوة إلى ثورة شعبية / اجتماعية ، يدعمها الجيش الوطني

محمد بن زكري

2017 / 12 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


1 : لزوم ما لا يلزم
ترددت طويلا ، و فكرت و أعدت التفكير مرارا ، قبل أن أعود لتناول أزمة الصراع العبثيّ - بل التآمريّ - على السلطة في ليبيا ، بهذه المقاربة التي أكتبها ، من قبيل لزوم ما لا يلزم ، و على سبيل إراحة الضمير ؛ فالواقع أنه لا جدوى من الكتابة لمخاطبة بشر معتقلين في منفاهم الاختياري الماضوي ، متماهين بثقافة قبيلة قريش البائدة ، فقدوا صلتهم بتطورات الواقع ، كما فقدوا علاقتهم بحركة التاريخ ، فهم لا يقرءُون إلا ما يتطابق مع ميولهم ، و يلبي حاجتهم النفسية لتعزيز انعزاليتهم ، و تغذية أوهامهم ، و تجميل قبح واقعهم . و لا جدوى من التوجه إلى عقول مبرمجة على ثقافة الموت و الظلام و الكراهية ، فما يكاد ناعق ينعق (تكبييير الله وااكبر) ، حتى يتحولوا إلى كتلة من الشر (الجهادي) ، يستبيحون لأنفسهم - بلا وازع من ضمير - مصادرة الحقوق و إلغاء الحريات و تكميم الأفواه و إزهاق الأرواح و نهب الأموال ، و لو تسنى لهم الأمر ، لاستباحوا سبي النساء و أباحوا لأنفسهم ما ملكت أيمانهم ، على سُنّة سلفهم الداعشي .
و لأن حكام ليبيا الجدد ، الأشد فسادا و الأسوأ أداء في تاريخ هذا البلد ، ما كانوا ليصلوا إلى مواقعهم في قمة هرم السلطة ، لولا كونهم (الصفوة !) المجتمعية التقليدية ، التي اصطفاها الشعب (ديمقراطيا) عبر صناديق الاقتراع ، تحت تأثير سلطة القبيلة و الجامع و المال ، لتمثله و تنوب عنه في إدارة شؤون الدولة ، و تعبر عن إرادته في تشريع القوانين و رسم السياسات العامة ؛ فتحصيل حاصل - إذن - أنه لا جدوى مطلقا من التوجه بأي خطاب ديمقراطي ، إلى جماهير (رثة) محكومة بالتعصب القبلي و الديني ، أو إلى طغمة فاسدة من الحكام الاستبداديين ، المعبئين حتى الحافة بثقافة (ديمومة الكراسي) ، و الذين قذفت بهم الصدفة العمياء لملء فراغ السلطة ؛ فانحرفوا بالانتفاضة الشعبوية العشوائية (المشروعة حقوقيا) ، من إمكانية التأسيس لمشروع حركة تغيير ثوري لتصحيح مسار المجتمع و الدولة ، وفقا لبرنامج عمل وطني تقدمي يحقق عدالة توزيع الثروة الوطنية ، إلى (ثورة التكبير) الرجعية المضادة ، التي أفرخت نكبة فبراير المشؤومة ، بكل تداعياتها الكارثية ، المعاشة واقعا مؤلما مظلما على الأرض ؛ فكل شعب يستحق حكامه .
لا جدوى من الكتابة ، عندما تعرف أنك لا تخاطب مواطنين أحرارا ، بل تُبّعا مستلبين مَيْثيّا ، منزوعي الوعي اجتماعيا ، فهم (رعايا) يناصبونك العداء ، لأنك لا تقول ما يروق لهم من هذر الكلام المحنط المكرر ، و لا تسايرهم في انحيازاتهم القبلية و الجهوية و الحزبية . و لا جدوى من الكتابة ، عندما تعرف حق المعرفة أنك لا تخاطب رجال دولة مسؤولين أمام الشعب ، بل (ولاة أمر) يعتبرونك مارقا خوارجيا ، ينال من قداسة مرجعيتهم السلطوية (التي يدركون زيفها) ، و يهدد سلطانهم بممارسة (بدعة) حرية التعبير . و لا جدوى من الكتابة ، عندما تعرف جيدا أنك - في أغلب الأحوال ، و بلا تعميم - لا تخاطب مثقفين (إنسانيين) يمتلكون عقولا حرة مستنيرة ، و يتفاعلون إيجابيا و بلا أحكام قطعيّة مسبقة ، مع مختلف الثقافات الإنسانية و التجارب التاريخية للشعوب و الأمم في العالم ، بل أبواقا يرتفع ضجيج أصواتها بالمزايدات الديماغوجية ؛ تعبيرا عن المصالح الخاصة للمستثمرين في بازار الدعوات الإقليمية و الجهوية و القبلية ، أو تبنيّا للتوجهات الحزبية الهجينة لأصحاب الأجندات السلطوية ، أو خدمة للتطلعات الفئوية للبورجوازية الاستغلالية من أثرياء الفساد القدامى و الجدد .
ثم أيُّ جدوى من الكتابة لاستنهاض همم المُفقَرين و المجوَّعين ، و استثارة غضب الجماهير الشعبية المُهانة المحرومة منزوعة الكرامة ، كي تثور ضد سلطة تحالف الميليشيات و الكومبرادور الفاسدة الفاشلة ؛ و أنت ترى المؤسسة العسكرية – بما تمثله (افتراضا) من قيم العزة و الشرف و الولاء للوطن – و قد تفككت بنيتها و تشوهت عقيدتها القتالية و تأدلجت قياداتها إسلامويّاً ؟! ما جدوى الكتابة ، و قد لحق الهوان و الذل بضباط الجيش ، فانكسروا داخليا و هانوا و استكانوا مثلما هان و استكان الجميع ؟! أي جدوى من الكتابة .. و لمن تكتب أو توجه النداء ، و أنت ترى جنرالات الجيش يقفون في الطوابير أمام المصارف ليستجدوا رواتبهم ، فيتعرضون للقمع و الإذلال من قِبَل أفراد الميليشيات المجرمة التي تُحكم قبضتها على العاصمة طرابلس ؟! أي جدوى من الكتابة لاستنهاض عزيمة ضباط الجيش ، و قد تنازلوا عن شرفهم العسكري و رضوا على أنفسهم أن يعملوا تحت قيادة أمراء الميليشيات و يأتمروا بأوامر سلطة دولة الميليشيات ؟!
2 : لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً
ما جرى في تونس - بداية من 26 سبتمبر 2017 - و ما سيجري ، برعاية غسان سلامة ، لن يخرج في محصلته العبثية ، عما جرى في الصخيرات ، برعاية برناردينو ليون . لو كان في ليبيا شعب حي ، و لو كان بها جيش (وطني) حقيقي ؛ لما كانت صخيرات برناردينو ، بما أفرزته من اتفاق سياسيّ معيب و غير متوازن و (لا وطنيّ) ، و لا كانت تونس سلامة ، بما تهدف إليه من : إعادة تدوير فوضى سلطة الأمر الواقع ، و إعادة إنتاج نظام الغنائم .
لقد نبهْنا مبكرا و مرارا ، إلى أن حوارا سياسيا ، تحكمه المصالح الخاصة لأطراف الأزمة السياسية المفتعلة ، بين مؤتمر طرابلس و برلمان طبرق (المنتهية صلاحيتهما) ، ليس له إلا أن ينتهي إلى ما انتهى إليه في منتجع الصخيرات ، من حل توافقي - غير قابل للتنفيذ - بين أطراف صراع المصالح الخاصة على السلطة ، بغية الاستثمار المُربِح في فوضى الفساد المالي و الإداري لدولة الميليشيات . ففي مقال نُشر بتاريخ 13/5/2016 ، تحت بعنوان : هزيمة تجربة الديمقراطية الليبية في منتجع الصخيرات (1) ، ذهبنا إلى القول بأنه " ليس في كل ما حدث - أو في ما سيحدث - أية مفاجأة ، فمنذ اللحظة الأولى ، التي قَبل فيها برلمان طبرق القبليّ ، أن يتفاوض مع مؤتمر طرابلس لتحالف فُجر ليبيا الانقلابيّ (تحالف الإسلاميين والوكلاء التجاريين) ، فهو قد وقّع وثيقة هزيمة الوطن الليبي ، وبصم مقدما على كل النتائج التي انتهت إليها مفاوضات الصخيرات " ، خاصة و أنه بمجرد قبول برلمان طبرق ، مبدأ التفاوض مع مؤتمر طرابلس ، " كان بالتالي قد قبِل ضمنا حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا ، القاضي ببطلان انتخابه ، وكان قد فَقدَ مصداقيته ، بل وفقدَ أهليته " ، و فقد بالنتيجة شرعية تمثيله للشعب الليبي ، و لم يعد يمثل غير المصالح الشخصية لأعضائه و الأجندات الفئوية الخاصة لداعميه . و لكن لا حياة لمن تنادي !
و مع العد التنازلي ، اقترابا من موعد انتهاء العمر الافتراضي للمجلس الرئاسي ، كسلطة أمر واقع . و ضِمن مقال نُشر بتاريخ 2016/12/12 ، موسوما بعنوان : انتهت اللعبة ، فلماذا لا يرحلون ؟! (2) ، كتبنا أنه " بحلول يوم 17 ديسمبر 2016 ، يكون هذا المجلس - و حكومته - قد أكمل في ممارسة السلطة مدة سنة كاملة ، هي كل مدة ولايته المنصوص عليها في الاتفاق السياسي ، التي أقر له بها المجتمع الدولي و أقره عليها (اكتسابا بالحق أم انتزاعا بالباطل) ، و بانقضاء المدة المحددة لولايته في 17 ديسمبر 2016 ، يكون وجوده معدوما و لا أثر له ؛ حيث إن أمر التجديد له منوط بتوافق الأطراف الموقعة على شهادة ميلاده المزورة ، ثم بنيل موافقة البرلمان ، و هو ما ليس واردا و لن يحصل " . و لأن شهود الزور في البرلمان و مجلس الدولة (فاقديْ الشرعية) ، ما كان لهما - كسلطتيْ أمر واقع - أن يعترضا على استمرار المجلس الرئاسي (فاقد الشرعية) لسنة إضافية - كسلطة أمر واقع - بمرجعية اتفاق الصخيرات ؛ فقد نبهنا إلى أن " المجلس الرئاسي لن يغادر السلطة طواعية ، ليس فقط حرصا من أعضائه على ما توفره السلطة - في مجتمع متخلف - من امتيازات ، ما كانت تخطر لهم حتى في أحلام اليقظة ، وطبعا ليس حرصا على مصالح الوطن أو مصالح الأغلبية الشعبية المسحوقة تحت النعال ؛ بل لأن المجلس الرئاسي بتركيبته الحالية ، يمثل المصالح الطبقية الاستغلالية للراسمالية الطفيلية التابعة ، من الوكلاء التجاريين و الموردين و المضاربين و سماسرة المشاريع الحكومية ، و يعبر عن مشروع الإسلاميين السياسي ، الذي لا يتعارض - بل يتقاطع - اقتصاديا و اجتماعيا مع الراسمالية ، سواء في النظرية أم في التطبيق ... فكل محصلة فورة فبراير الشعبوية ، هي : إعادة تدوير المخلفات (رسكلة القمامة) ليس إلا " . و لكن لا حياة لمن تنادي !
3 : مخاض الديمقراطية الغربية في مجتمع اللوياجيرغا
يخطئ كثيرا من يظن أن أيّا من حكام ليبيا الجدد القادمين من المجهول ، قد يتخلى عن السلطة فيما (لو) حسُنت لديهم النوايا ، للخروج بالبلاد من أزمة صراعهم - الهمجي - على السلطة ، ذلك أن السلطة هي التي حولت أشخاص و أسماء بعضهم ، من نكرات إلى معارف . و السلطة هي التي غيرت الأحوال المادية و الأوضاع الاجتماعية لبعضهم الآخر ، من معوزين و أصحاب دخل محدود ، إلى مترفين و أصحاب ملايين . و يبدو ذلك جليّا بأشد درجات الوضوح على مدى عمر الأزمة ، بدءً من انقلاب المؤتمر الوطني العام على نتائج العملية الديمقراطية في انتخابات يونيو 2014 .. بما صاحب الانقلاب من فظائع غزوة المطار و الحرب بين الميليشيات ، مرورا باستماتة البرلمان في الاحتفاظ لنفسه بالحق في السلطة .. رغم الحكم دستوريا ببطلان انتخابه ، و رغم تدني نسبة الاقتراع في العملية الانتخابية التي أفرزته أصلا ، و رغم فشله التام على مستويات الأداء كافة ، و انتهاءً إلى المجلس الرئاسي .. بما هو نتاج مفبرك لحوار إدارة الأزمة ، كسلطة أمر واقع ، مفروضة على بلادنا و شعبنا من الخارج بإرادة الأجنبي ، و بقوة سلاح الميليشيات . و من ثم فليس من مصداقية لافتراض إمكانية حل أزمة الصراع - الهمجي و الدموي و اللا أخلاقي - على السلطة ، فيما (لو) حسنت نوايا أطراف الصراع .
يعرّف النحويون لفظ (لو) بأنه حرف امتناع لامتناع ، و قد ثبت واقعيا و لدى الجميع ، أن امتناع وجود حل لأزمة السلطة في ليبيا ، ناتج عن امتناع وجود النوايا الحسنة لدى المستثمرين في الأزمة . فكغيري من المهتمين ، و في استعراض لتطور الأحداث سياسيا ، نُشر لي - منتصف مايو الفائت - مقال بعنوان : فاضت كؤوسها فكفُّ الشر أو الطوفان (3) ، خلصتُ فيه إلى مقترح من سبع نقاط ، يحفظ ماء الوجه لجميع أطراف الصراع (الهمجي) على السلطة ، و يكفل إنتاج برلمان جديد و رئيس للدولة ، قبل تاريخ 17 ديسمبر 2017 .. فيما (لو) حسنت النوايا . و من باب الدفع لإثبات حسن النوايا لدى حكام ليبيا الجدد ( بما هم أطراف أزمة الصراع على السلطة) ، فقد تضمن المقترح شرطا ينص على " عدم الترشح للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية ، و عدم الترشيح لشغل أي منصب وزاري ، لمدة أول فترة برلمانية و رئاسية (4 سنوات) قادمة ، و ذلك لكل من : أعضاء البرلمان و أعضاء المجلس الأعلى للدولة ، و أعضاء المؤتمر الوطني العام المعارضين لاتفاق الصخيرات ، و أعضاء المجلس الرئاسي ، و أعضاء حكومات الغويل و الثني و السراج " ، كشرط أساسي .. برسم النزاهة . لكن هؤلاء القادمين إلى السلطة بالصدفة و من المجهول ، لا يقبلون بمغادرتها - عن طيب خاطر - حتى لا يفقدوا ما آثروا به أنفسهم (فوضويا) من امتيازات فاحشة ، لم تكن تخطر لهم حتى في أحلام اليقظة . (و يكفي دليلا - فضائحيا - على ذلك ، أن الراتب الفلكي الذي خص به برلمان طبرق الفاشل أعضاءه (فرديّاً) ، يتجاوز مجموع رواتب رؤساء ثلاث دول عظمى هي روسيا و الصين و الهند ! ويفوق كثيرا مجموع المعاشات التقاعدية لعدد 35 وكيل وزارة و مدير عام سابقين ، خدموا الدولة الليبية لأكثر من ثلاثة عقود !) . أما الآن ؛ فإنه لم يعد ثمة متسع من الوقت لأي طرح قانوني .. أو لأي مقترح باستئناف أي مسار ديمقراطي ، و قد بلغت النكبة أقصى درجة من إفقار و تجويع ستة ملايين إنسان ؛ فالوقت قد تجاوز (ترف) كل الطروحات القانونية و المقترحات السياسية . كما أنه ليس ثمة من أفق لتوفر الظروف الملائمة لإجراء أو لضمان نجاح و نزاهة أية عملية انتخابية : سياسيا و تنظيميا و لوجستيا و أمنيا ، في المدى المنظور . و تحصيل حاصل أن غسان سلامة ، لن يفلح في ما لم يفلح فيه طارق متري و برناردينو ليون و مارتن كوبلر ، فهذا المبعوث الأممي (المندوب السامي للغرب الذي يسمونه المجتمع الدولي ) ، هو كسابقيه ، ليس أكثر من أداة لتنفيذ سيناريو إدارة الأزمة المحلية بين الأطراف الأجنبية ، المختلفة حول حصصها من النفوذ و الثروة في ليبيا ، و الطرف الأقوى من بينها هي الولايات المتحدة ، التي يديرها الآن مراهق سياسي و تاجر عقارات ، بعقلية عاقد صفقات . و من اللافت و المشحون بالدلالات ، أنه مع قرب انتهاء مدة سريان اتفاق الصخيرات ، فقد حرص دونلد ترمب على استدعاء رئيس المجلس الرئاسي ، بما يعطي رسالة مفادها أن اتفاق الصخيرات باقٍ .. شاء من شاء و أبى من أبى ، و أن فائز السراج هو رجل أميركا الموثوق في ليبيا (إلى حين إشعار آخر) ؛ فشعارات الديمقراطية الغربية غير مفصلة على مقاس مجتمع اللوياجيرغا .
4 : هل من شعب حي ، و هل من جيش وطني ؟
وفقا للإعلان الدستوري (النافذ) ، فإنه لا شرعية على الإطلاق لمجلس النواب (النوام) في طبرق ، فقد استنفذ مدة ولايته ، و استنفذ مدة تمديده - التعسفي - لنفسه في السلطة . و لا شرعية على الإطلاق لمجلس الدولة (المؤتمر الوطني العام سابقا) .. في طرابلس ، فقد تشكل بالمخالفة لاتفاق الصخيرات . و لا شرعية على الإطلاق للمجلس الرئاسي - ثالثة الأثافي - فهو نتاج اتفاق باطل شكلا و موضوعا ، وقد أنكره حتى طرفا الحوار العبثي - الباطل - الذي أفرخ اتفاق الصخيرات ، ثم إن اتفاق الصخيرات (المعيب) لم يلتزم به أيٌّ من أطرافه الثلاثة ، فهو في حكم العدم دستوريا و واقعيا ، و ليس من أدنى ريب في أن جميع هياكل السلطة القائمة و الكيانات التي تتنازع الشرعية في ليبيا حاليا (برلمان طبرق ، و مجلس الدولة ، و بقايا المؤتمر الوطني ، و المجلس الرئاسي ، و حكومات الغويل و الثني و السراج) ، هي سلطات أمر واقع مفروضة على الشعب .. فاقدة للشرعية و فاقدة للأهلية .
و المحصلة هي أن ما يجري مؤخرا في تونس ، من محاولة عبثية لنفخ الحياة في جثة اتفاق الصخيرات ، هي استمرار للضحك على الشعب الليبي ، و هدر للوقت و المال العام ، و استخفاف بما يعانيه الملايين من الآلام و المذلات و تردي الأوضاع المعيشية ؛ لتنتهي المهزلة إلى تقاسم سلطة الأمر الواقع بين نفس المكونات السلطوية الفاقدة للشرعية ، و اللاوطنية ، و الفاشلة ؛ و بالمِثل تقاسم الغنائم بين نفس الأشخاص (حكام ليبيا الجدد) من الفاسدين و المرتزقة . ليظلوا يتمتعون بما آثروا به أنفسهم من الرواتب و الامتيازات و المكاسب ؛ دون سائر أبناء الشعب الليبي (المضحوك عليه) ، الذي أوصلهم إلى السلطة ، و الذي سيظل يتخبط في الفقر و الجوع و المذلة .. بانتظار أن يتحول السراب إلى ماء زلال ! و لقد بات واضحا للجميع أن ما يسمى بالحوار السياسي ، لم يكن بالأصل إلا خديعة كبرى ، توافقت عليها أطراف الصراع الهمجي على السلطة ، استثمارا في الوقت الضائع ، لخدمة أجندات خاصة - محلية و خارجية - تتقاطع مع مصالحهم الذاتية . و لم يكن ذلك الحوار إلا فخا محكما نصبوه للشعب الليبي المغلوب على أمره بقوة سلاح الميليشيات ، و لم يكن - بدءً و سيرورةً و انتهاءً إلى ما انتهى إليه في الصخيرات - إلا هزيمة نكراء حاقت بالديمقراطية في الفكر و الممارسة ، و عصفت بآمال و تطلعات و حياة الشعب الليبي .. الذي خسر كل شيء .
لقد أهدروا ثلاث سنوات ، قضوها في التنقل بين العواصم ، يتمتعون بالامتيازات و الأموال التي خصوا بها أنفسهم ، و ينعمون بخدمات فنادق و منتجعات الخمسة نجوم في عواصم العالم ، بينما قضاها الشعب الليبي في معاناة مريرة بلغت حد التضور جوعا ، دون أمل في انفراج الأزمة . و هم الآن يدفعون باتجاه قبول الشعب الليبي المنكوب باستمرار المهزلة ، لينتظر ثلاث سنوات أخرى من المفاوضات المكوكية ، لتعديل اتفاق برناردينو ، بالتزامن مع جولات مباحثات (عشائرية) لشيوخ و وجهاء و أعيان و حكماء و عوّالة ترسيخ النظام القبلي لما قبل القرون الوسطى ، أو ما يسميه غسان سلامة (المؤتمر الوطني الجامع) ! .
إن هؤلاء الأدعياء منتحلي الصفة عبَدة الكراسي ، في ما يسمى البرلمان و الأعلى و الرئاسي ، لا يهمهم غير ما ينعمون به - دون الليبيين - من رواتب و امتيازات خيالية ، فضلا عن غنائم الفساد المالي و الإداري . وهم جميعا (يكذبون) عندما يدّعون تمثيل إرادة و مصالح الأمة ، أو عندما يتحدثون عن شعورهم بمدى معاناة الشعب الليبي المنكوب . و هم جميعا يعرفون أن اتفاق الصخيرات صار في حكم العدم ، و استقر في سلة مهملات التاريخ ، و هم يعرفون أنهم جميعا فاقدون للشرعية . و هم (جميعا) يعرفون أن الشعب الليبي (جميعا) يعرف أنهم أدعياء و مرتزقة و مغتصبو سلطة ، لكنهم مع كل ذلك و غيره .. مصرون على الاستمرار في هذه اللعبة السمجة القذرة . و ليس بينهم من شخص واحد .. يملك شرف الاعتراف بالفشل و الاعتذار للشعب و إعلان الانسحاب من هذا المشهد الهزلي البائس الموصوم بالعار ، و الملطخ بالفساد و الدم . لكن العيب ليس فيهم ، فالعيب لا يُعتبر عيبا عندما يأتي من أصحابه .. بل العيب في التركيبة الاجتماعية المتخلفة التي بوأتهم مواقع مسؤولية عليا ، هي أكبر كثيرا من إمكاناتهم و أحجامهم و تطلعاتهم الصغيرة .
و ليس من أدنى شك في أن هذه العصابات المافياوية ، التي تتنازع السلطة ؛ لن تتخلى طوعا و اختيارا عن مكاسبها ، و لن تغادر كراسي السلطة عن طيب خاطر أبدا ، حتى و لو بلغ الجوع بالناس درجة التساقط موتى في الشوارع . فكلهم لا يقبل بالتخلي عن نصيبه المنتظر من غنائم توقيع العقود و الأذونات الحكومية ، و كلهم مرتاح و مطمئن ، فالشعب مغلوب على أمره بالميليشيات التي تحميهم ، و الدول الكبرى ، التي يسمونها المجتمع الدولي ، لا يعنيها من الأمر كله سوى مصالحها الخاصة . و ليذهب الليبيون إلى الجحيم ، فهم عاجزون عن التمرد و العصيان .. رغم كل الكوارث التي أنزلتها بهم هذه العصابات المارقة (في كل أجسام سلطة الأمر الواقع) ، و بالأخص خلال و على مدى سنوات الحوار الثلاث الفائتة .
و أعود للقول بأن اللوم في كل ما حدث و يحدث من أزمات الصراع على السلطة ، لا يقع - أساسا - على هؤلاء الذين قفزوا في غفلة من الزمن ، لاحتلال مواقع اتخاذ القرار و إدارة شؤون الدولة و المجتمع ، قادمين إلى السلطة من المجهول ، فهم ليسوا غير نواتج فاسدة ، أفرزتها فورة - أو هبة أو انتفاضة - فبراير الشعبوية ، التي تحولت كليا و نهائيا إلى نكبة ، و صعدت بهم من القاع إلى السطح ؛ انتهازيون ركاب أمواج ، و باحثون عن أدوار ، و أصحاب سوابق جنائية ، و موتورون ، و مغامرون ، و مهربون ، و تجار محظورات ، و أثرياء فساد ، و لصوص ، و عملاء استخبارات أجنبية . و قد تذوقوا نعمة فوضى السلطة و الكسب الحرام ، فتجبروا بالثروة و السلطة و السلاح ، و لم يعودوا يقبلون إلا بما يضمن لهم الاحتفاظ بما استحوذوا عليه من مكتسبات و غنائم . لكن اللوم كل اللوم .. أولا على الجماهير الشعبية الرثة من الليبيين ، الذين انتخبوا أولائك النكرات و الأدعياء ، ليمثلوهم في السلطة التشريعية ، فمثلوا عليهم و مثلوا بهم ، على نحو ما حدث و يحدث من تداعيات كارثية متناسلة . و اللوم كل اللوم ثانيا على الجيش (النظامي) الليبي ، الذي انقسم على نفسه ، و رضِيَ بالانضواء الذليل تحت سلطة دولة الميليشيات المجرمة ، و خاصة في الغرب الليبي ، مما لن يغفره لهم التاريخ إلا بالتكفير عنه و محو آثاره ، تلبية لنداء الشعب و الوطن . أما ثالثا و رابعا و عاشرا .. فاللوم كل اللوم (بل العار كل العار) على السياسيين و (الكتَبَة) و المثقفين الوسطيين ، الذين لا زالوا مصرين على أن نكبة فبرابر .. كانت ثورة ، ثم سرقها المتربصون بها من الأعداء ، كما يسرق (الثعلب المكار) دجاجة غافلة .. بينما كانت تقاقئ لبيضتها !
5 : أفيقوا من الغيبوبة ، و أزيحوا من ركبوا ظهوركم بلا برادع
ليس لنا - نحن من نقول : لا - أيُّ عداء شخصي مع أيٍّ من حكام ليبيا الجدد ، الذين أتت بهم الصدفة و القبلية و الجهوية إلى السلطة من المجهول . فنهبوا و أهدروا ما يربو عن 400 مليار دينار ، و مارسوا كل أنواع الفساد المالي و الإداري ، و أفقروا الشعب الليبي و جوعوه ، و أذلوا كرامة الرجال و ابتزوا شرف النساء ، و استعانوا بالميليشيات المسلحة ، فشرعنوا وجودها و حموها و احتموا بها ، للحيلولة دون إعادة بناء مؤسسة الدفاع الوطني (القوات المسلحة النظامية الليبية) و مؤسسة الأمن الوطني (الشرطة و الأجهزة الأمنية النظامية المتخصصة) ، و استخدموها لإرهاب الشعب و قمع كل صوت وطني حر .
أما و قد صار واضحا أنّ دعاة الحل السياسي (التوافقي) لأزمة الصراع على السلطة في ليبيا ، ليسوا غير باعة سراب ، و أن المروجين لما يسمى (الحوار السياسي) ، ليسوا إلا مهرجين و راقصين في مهرجان تسويق الأوهام . و في أحسن الافتراضات هم (مستلبون) مغيبون عن الوعي ، و إلا فكيف لإنسان يتوفر على أدنى درجة من الوعي .. أن يراهن على سلطة فاسدة فاشلة ؛ يقودها الكومبرادور ، و بارونات التجارة الخارجية .. محتكرو اعتمادات الاستيراد " الوهمي " بسعر الصرف الرسمي ، و المضاربون في السوق السوداء ، و المهربون ، و كبار لصوص السطو المنظم على المال العام ؟! و قولا واحدا : لا غسان سلامة ، و لا مجتمع دولي ، و لا حوار سياسي لم ينتج و لن ينتج عنه غير مزيد من إفقار الشعب و ضياع الوطن . فليس من حل غير أن يفيق الشعب من غيبوبته التاريخية ، ليحرر إرادته المحتجزة ، و يستعيد كرامته المفقودة ، و يتجاوز واقعه المزري . أما كل الباقي ، فما هو غير تعاطٍ لأفيون ثنائية (الرعية / ولي الأمر) ، و تجميع الريح لأشرعة مراكب سلطات الأمر الواقع ، الفاسدة و الفاشلة .. بل و المنحطة قيَميّاً .
من المسلّم به أن الشعب هو مصدر السلطات ، و هو مصدر كل شرعية . فالنظام يسقط سياسيا ، و يفقد اعتباره و أهليته للبقاء ، إذا فقد شعبيته . و الحكومة تسقط و تفقد شرعية وجودها و تفقد أهليتها و صلاحيتها للاستمرار في السلطة ، إذا عجزت عن الإيفاء بتعهدات برنامجها للحكم .. بل حتى لو دارت شبهة فساد حول أي من أعضائها . و من المسلم به أيضا ، أنه لم يعد ثمة من اختلاف رأي يعتد به ، في كون كل أطراف الأزمة (المؤتمر و البرلمان المنتهية صلاحيتهما ، و الرئاسي و الأعلى غير الشرعيين ، و حكوماتهم الثلاث) ، لم يعد لهم - بعد يوم 17 ديسمبر 2017 - أيُّ غطاء يتسترون به للبقاء في مواقع سلطة الأمر الواقع ، ذلك أنهم جميعا لم يعودوا غير تشكيلات مافياوية موصوفة ، و كيانات غير شرعية ، منتحلة للصفة ، و مغتصبة للسلطة . فبأي حق إذن يصر حكام ليبيا الجدد - الذين أتت بهم نكبة فبراير المشؤومة إلى كراسي الحكم - على الاستمرار في السلطة ؟! لماذا يصر هؤلاء المتسلطون عموما - و الرئاسي خصوصا - على الذهاب إلى هذه الدرجة من السفه و حماقة التهافت على السلطة ، حتى و لو ضاع الوطن و غرق ستة ملايين ليبي و ليبية في مزيد من البؤس و العوز و الجوع ؟! و هم من فشلوا و تآمروا و ارتكبوا كل أنواع و أشكال الفساد (السياسي و المالي و الإداري و الأخلاقي) ، مما تنوء بتفاصيله الأراشيف ، و تقصر عن حصره و تَقصّي خفاياه أجهزة مكافحة الفساد العابر للحدود !
و مع كل هذه المعطيات ، لا أفهم لماذا لا يقوم الشباب المعطلون عن العمل ، و المنفيون على هامش الحياة في بلاد النفط و الغاز ، من أبناء الفقراء و المُفقَرين ، ليتنادوا و يقودوا طليعةَ ثورة شعبية ضد استبدادية و تسلط حكام ليبيا الجدد ، من طبقة الكومبرادور و بارونات المال الفاسد ، الذين يديرون دولة الميليشيات المجرمة في العاصمة طرابلس !؟ لماذا تنتظر هذه الجموع المجوّعة المحرومة ، أن يأتيها منقذ من خارجها ؟ لماذا لا يبادر هذا الشعب المنكوب .. فيثور ضد من أفقروه و جوعوه و استباحوا كرامته و أذلوا أبناءه و أفسدوا بناته ؟! لماذا لا تنفجر ثورة حمراء ساحقة ماحقة ، تجتث هذا السرطان من جذوره ، و تستعيد للوطن وجهه ، و تثأر لملايين المفقرين و المجوعين ، و تقتص من بارونات المال الفاسد .. دواعش الاعتمادات المستندية الوهمية و السوق السوداء و المضاربة في العملة و في قوت الفقراء ؟! لماذا ينتظرون الخلاص من حكم الكومبرادور و العملاء ، بواسطة الكومبرادور و العملاء ؟! لماذا لا يثور الفقراء و المفقرون على واقعهم و ضد من ركبوا ظهورهم بلا برادع ؟! لماذا لا يقتنع الفقراء و المفقرون بأنه ليس لديهم ما يخسرونه بالثورة غير فقرهم و بؤس حياتهم و هوانهم و مذلتهم في الطوابير أمام البنوك ؟! لماذا لا تريدون أن تفهموا أنه لا بديل لكم عن ثورة شعبية ، تقودها الطلائع الوطنية و الشبابية من أبناء الشعب بالشعب و من أجل الشعب ؟! و أنّ الثورة (الحقيقية) التي يتحتم (تاريخيا) أن تقع اليوم قبل الغد في ليبيا ، لا بد أن تكون ثورة الفقراء و المحرومين و الجياع . فهُم وحدهم ضحايا أزمة الصراع الهمجي على السلطة و الثروة ، الذي يدور بين أطراف الحوار العبثي ، و الذي جرى و يريدون له أن يجري ، لإعادة إنتاج سلطة نظام الغنائم ، برعاية ما يسمى المجتمع الدولي .
و لأننا لا ننشد أية مصلحة شخصية أو منافع خاصة من وراء العمل الوطني ، ولا نرى تحررنا أو مصلحتنا إلا ضمن تحرر ومصلحة شعبنا .. كل شعبنا . و لأننا لا نتطلع إلى أي دور سياسي رسمي (و إلا فالويل الويل لهم) ؛ فها نحن نناديكم يا كل أهلنا على امتداد الجغرافيا الليبية : أفيقوا من الغيبوبة ، و ثوروا ضد من أفقروكم و جوعوكم و أذلوكم و سرقوا قوت عيالكم ، فهم لا يعبئون بمعاناتكم و عذاباتكم ، ولا يحسون بكم ، و إنّ آخر ما يهمهم هو استقرار و أمن ليبيا أو رخاء و تحسن الأوضاع المعيشية المتردية للشعب الليبي ، و هم لا يملكون شرف الاستقالة و إعادة الأمانة إلى أصحابها ، فكل همهم أن يبقوا في السلطة ، كي يتضاعف حجم أرصدتهم و تتورم حساباتهم في بنوك السرية المصرفية ، و حتى يستنزفوا آخر درهم في الخزانة العامة ، و لن يغادروا الكراسي بطيب خاطر ، حتى لو جاء المسيح أو غاندي أو ماندلا مبعوثين أمميين ، لرعاية الحوار و حل أزمة الصراع على السلطة فيما بينهم . و أنْ يفيق المرء مؤخرا ، هو خير من أن يظل سادرا في الغيبوبة . و إن أقل و أبسط أشكال الثورة الشعبية تكلفة ، هو الدخول في عصيان مدني شامل ، يلزم فيه الجميع بيوتهم ، لا يغادرونها إلى أية دائرة حكومية أو أية مؤسسة تعليمية - و خاصة الجامعات - إلى أن يغادر كل (أكرر : كل) حكام ليبيا الجدد ، ما يحتلونه من كراسي السلطة المغتصبَة ، في البرلمان و بقايا المؤتمر و الأعلى و الرئاسي و الحكومات الثلاث ؛ ليستلم الجيش (سلميا) مسؤولية إدارة الدولة مؤقتا . فهل أقل و أيسر من أن تُعبّروا عن دعمكم للجيش - انحيازا لأنفسكم - بالعصيان المدني ؟!
6 : الضرورة التاريخية
عندما يتعرض الأمن القومي للخطر ، وعندما يسود الاستبداد والفساد ، وعندما تتحكم سياسات الإفقار والإقصاء ؛ تسقط كل جعجعات الديمقراطية التقليدية الجوفاء ، وتسقط كل دعاوى حرية التعبير المفخخة ، ويؤول الأمر كله إلى الشعب ، ويتعين الاحتكام إلى الديمقراطية الشعبية المباشرة في الشارع ؛ فتكون الثورة الشعبية الاجتماعية ، التي تفرز قياداتها المستوعبة و المستجيبة لضرورات المرحلة ، وترسم خارطة جديدة لنظام الدولة (المتحضرة) والعلاقات الاجتماعية / الاقتصادية (العادلة) . و إن الضرورة التاريخية الآن تقتضي تفويضا - بل تكليفا - شعبيا للجيش الوطني ، يُلزمه بالتدخل لحسم أزمة الصراع على السلطة ، و إن الضرورة التاريخية الملحّة ، تفرض على الجيش القيام بواجبه في إقرار الأمن و النظام ، و استعادة هيبة الدولة ، و الامتثال لإرادة الشعب و رغبته في التخلص من كل الكيانات و الأجسام اللاشرعية ؛ المغتصبة للسلطة ، و الرافضة لإعادة بناء مؤسسات الدولة ، و الخارجة عن القانون ؛ فمع استنفاذ كل إمكانات و فرص التوفيق بين أطراف سلطة الأمر الواقع ، و مع استقوائهم على الشعب بالأجنبي و بالمجموعات المسلحة الخارجة عن السيطرة ، لاغتصاب السلطة . و مع سقوط كل الدعاوى و التبريرات و التخريجات ، التي كان يتلطى وراءها مغتصبو السلطة (المؤتمر و البرلمان و الرئاسي و الأعلى و حكومات الثني و الغويل و السراج) قبل 17 ديسمبر 2017 ؛ فإنه لا بديلَ متاحٌ - واقعيا - غير الجيش الوطني ، للتعاطي إيجابيا (و وطنيا) مع الأزمة الخانقة ، الناجمة عن الصراع الفوضوي على السلطة خارج أطر الديمقراطية و القانون .
و إن الموضوعية تقتضينا الإقرار بأنه لم يعد ثمة من بديل (واقعي) غير أن يستلم الجيش إدارة شؤون الدولة ، لفترة انتقالية : من 3 – 5 سنوات . و على جميع المتشبثين بالأجسام فاقدة الشرعية (برلمان طبرق ، و الأعلى ، و الرئاسي ، و الحكومات الثلاث) ، أن يثبتوا مرة واحدة في حَيواتهم ، أنهم بشر أسوياء ؛ و لا نطلب منهم أن يكونوا مناضلين وطنيين أو أناسا شرفاء ، فذلك بعيد جدا عنهم . أقول إنه على حكام ليبيا الجدد ، أن يثبتوا مرة واحدة فقط ، أنهم بشر أسوياء ، فيمتثلوا لرغبة و إرادة أغلبية الشعب الليبي . و لْيَكُفّوا عن مضغ عبارة " تقديم تنازلات مؤلمة " ، فهم جميعا مغتصبو سلطة لا غير ، و عليهم أن يسلموا مسؤولية إدارة الدولة للجيش . أما من يمتنع عن ذلك منهم - أو من ( العسكر) الموالين لهم ، أو من أمراء العصابات الميليشياوية - فهم إنما يؤكدون بامتناعهم ذاك ، أنهم .. بأقل العبارات حدة : أعداء للوطن و الشعب ، و يحق فيهم ما يحق في أعداء الوطن و الشعب .
و لأنه لم يعد بمقدر الشعب الليبي المنكوب أن يتحمل مزيدا من معاناة ظروف تدهور الأوضاع المعيشية و الأمنية ، والفقر المدقع ، و الجوع ، و سوء التغذية ، و انفلات الأسعار ، و تدهور قيمة الدينار ، و نفاذ المدخرات ، و تفاقم ظواهر البطالة ، و الجريمة المنظمة ، و المخدرات ، و البغاء ، و التسول ؛ استمرارا لنفس الأوضاع المأساوية ، التي رافقت حكومة الكومبرادور برئاسة فائز السراج ، على مدى سنتين عجفاوين سوداوين ، هما أسوأ فترة في تاريخ ليبيا الحديث على وجه الإطلاق . و لأنه لم يعد مقبولا - بالمطلق - أن تساق الأمور في ليبيا من جديد ، على هوى مغتصبي السلطة أو على هوى ما يسمى بالمجتمع الدولي ، للدخول في ثقب أسود جديد من حوار صراع الديكة ، لتكون المحصلة إعادة إنتاج سلطة الأمر الواقع المافياوية ، في هيئة مثلث برمودا ليبي ، لتقاسم السلطة محاصصةً بين حكام ليبيا الجدد مغتصبي السلطة ، و ابتلاع ما تبقى من الاحتياطي النقدي في الخزانة العامة ، في بلد ضائع ممزق ، تسمع به لغو حديث الأقاليم و الولايات ، و كأنما هي حقيقة (جيوسياسية) قائمة فعليا على الأرض ، بينما خمسة ملايين منكوب ليبي - هم كل من بقي من الليبيين داخل الوطن المختطف - يتضورون جوعا ، بعد أن نهب حكام ليبيا الجدد (المُمَثلين في الحوار) و أهدروا نحو 400 مليار دينار ، هي كل ما وجدوه أو طالته أيديهم من قوت الشعب و رصيد الأجيال . خاصة و أنه بإحياء مومياء الصخيرات من العدم ، ستدخل بقايا أشلاء الدولة الليبية مرحلة انتقالية أخرى - ربما من سنة إلى سنتين - يتم خلالها التمكين لنظام روشتة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي في الشأن الليبي ، لتغرق البلاد في دوامة الديون و الخصخصة و بيع أصول الدولة الليبية لمليونيرات الفساد و شركائهم الأجانب ..
لكل ذلك و غير ذلك ؛ فإنه لا بديل سوى أن يتولى الجيش استلام مسؤولية إدارة الدولة ، بدلا من كل أطراف سلطة الأمر الواقع .. غير الشرعية ، (فالجيش هو المؤسسة الوحيدة الشرعية ، التي تمثل - الآن - إرادة الشعب و سيادة الدولة) ، أو أن يقوم الشعب الليبي المغبون المطحون - في يوم قيامة حمراء - ليجتث كل هذه الطفيليات من جذورها ، و يرسلهم إلى الجحيم ، و يلقي بهم في السجون ، و يسترد بلاده ، و يسترجع كل ما نهبه حكام نكبة فبراير المشؤومة (و أيضا ما نهبه أسلافهم حكام سبتمبر) من الأموال العامة ، و يصادر كل ممتلكاتهم التي اكتسبوها بما نهبوه من أرزاق الليبيين . على أنه نظرا لأن الشعب يتعذر عليه أن يتصدى وحده للميليشيات المجرمة (التي تحمي حكام و نظام دولة الغنائم) ، فالجيش هو المعول عليه بالدرجة الأولى لإزاحة الغمة . و من يقول بغير هذا ، فهو - يدري أو لا يدري - يضع نفسه في خندق واحد مع أعداء الشعب الليبي . فلا شر بعد هذا الشر الذي نقاسي عذاباته اليومية .. تجويعا و إفقارا و إذلالا و ترويعا و تركيعا و إهدارا للكرامة الإنسانية .
7 : دعوة إلى ثورة شعبية / اجتماعية يدعمها الجيش
لست من المؤمنين بالأبطال المنقذين ، فالشعب وحده من عليه أن ينقذ وطنه و ينقذ نفسه من واقع أسود و مستقبل أشد سوادا ، والشعب الذي ينتظر الخلاص على أيدي الزعيم الفرد ، هو شعب لا يستحق الاحترام و غير جدير بالحرية . و لا أومن بتدخل العناية الإلهية لتغيير مجرى التاريخ ، فزمن المعجزات الأسطورية قد طواه التاريخ . فقط العقل المنظم ، و الإرادة الجماعية ، يمكن لهما صناعة الحدث التاريخي ، لكن الجماهير الشعبية الغاضبة ، تحتاج إلى قيادة وطنية واعية ، تنظم قواها ، و توجه حركتها .
و في هذه الظروف التي اختلط فيها كل شيء بكل شيء ، ليس غير الجيش (النظامي) الوطني ، من يملك الأهلية لقيادة حركة الجماهير (مرحليا) ، للخروج بالبلاد من الكبوة التي أوقعها فيها هواة السياسة المغرمون بالسلطة و السطو على المال العام . و بكل الوضوح : الشرعية الآن هي فقط للشعب وحده لا شريك له ، و من له أن يمثل الشرعية الشعبية الآن هو فقط الجيش الوطني الليبي . و مرة أخرى ليست الأخيرة ، نكرر تأكيد أنه لم تعد ثمة - بعد 17 ديسمبر 2017 - أية صفة لأيٍّ من أطراف الصراع على السلطة و تَنازُع الشرعية ؛ فلا المؤتمر الوطني العام ، و لا مجلس النواب (المنتهية ولايتهما و المنعدمان) .. بقي لهما أدنى حق في ادعاء الشرعية . و لا ما يسمى المجلس الأعلى للدولة ، و لا ما يسمى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني (منعدميْ الوجود الشرعي أصلا) .. تنطبق عليهما أدنى شبهة من الشرعية . و لا ما يسمى : الحكومة المؤقتة ، أو حكومة الإنقاذ الوطني ، أو حكومة الوفاق الوطني .. لها أي قدر من الشرعية . و إذا شئنا العدل و الإنصاف ، فليس لهم جميعا - دون استثناء و سواء بسواء - أدنى حق حتى في الرواتب التي يتقاضونها .. و (يجب) أن تُستَرد منهم . و تحصيل حاصل أن الميليشيات المسلحة كافة – بكل مسمياتها و ألوانها و انتماءاتها – لا تملك أية صفة شرعية ، بما في ذلك الشرعية الثورية التي يدعونها افتئاتا . و مرة أخرى و ليست الأخيرة ، نكرر القول - للتأكيد - بأن الشرعية الوحيد الآن هي شرعية الشعب الليبي دون سواه ، و أن الجيش النظامي (الوطني) الليبي ، هو وحده المؤهل لتمثيل شرعية و إرادة الشعب الليبي ، و استلام مسؤولية إدارة شؤون الدولة الليبية ، لفترة انتقالية ، يتم خلالها فرض الأمن ، و تأمين شروط الاستقرار و السلام الاجتماعي ، و إعادة الاعتبار لهيبة الدولة ، ليصار من ثم إلى تنظيم انتخابات عامة برلمانية و رئاسية ، وفقا للإعلان الدستوري القائم و تعديلاته أو إعلان دستوري جديد . أخذا في الاعتبار إرجاء البث في دستور جديد للبلاد ، إلى حين انتخاب برلمان (شرعي) جديد .
و بكل الصراحة و الوضوح : رغم ما سجله التاريخ من وقائع التجربة السبتمبرية القاسية (المحكومة بظروفها) ؛ أدعو - الآن - إلى تشكيل مجلس عسكري ؛ يمسك بالسلطة ، و يدير الدولة بحكومة مدنية قوية ، من العناصر الوطنية غير المنتمية لأي حزب سياسي ، و المنزهة عن أي ولاء أو هوى قبلي ، و غير المسجل عليها أية شبهة فساد . و ذلك لفترة انتقالية (3 – 5 أعوام) ، تنتهي بإجراء انتخابات برلمانية و رئاسية ، لإنتاج إدارة سياسية ، تؤسس لبناء دولة ديمقراطية ، يكون محتوى النظام فيها هو العدالة الاجتماعية (و تحديدا عدالة توزيع ثروة المجتمع بين أبنائه الأفراد) . و مع أني أمقت (تصنيم) الأشخاص مقتا شديدا .. مهما كانت أدوارهم في صناعة الحدث التاريخي الإيجابي ؛ فإنه حتى لو كان المشير خليفة حفتر نسخة ليبية من الجنرال فرانكو ، أو نسخة من العقيد معمر القذافي (بالذات في العقد الكابوسي الأخير من نظامه) ، فلا املك - كخيار متاح - إلا أن أكون معه في خندق مواجهة قوى الظلام و الدكتاتورية الدينية الاحتكارية و توظيف الله في خدمة الشيطان ، على أن يصار إلى إعلان الحرب على الفساد ، و ضرب الفاسدين .. بنفس القوة و الإصرار و الشجاعة في إعلان الحرب على الإرهاب و ضرب الإرهابيين .
و إن أصحاب الأجندات الخاصة ؛ من الإسلاميين ، و الحزبيين ، و الكومبرادور ، و الفاسدين ، و العملاء .. هم وحدهم من يعترضون على تدخل الجيش لإنقاذ ما تبقى من كيان الدولة الليبية . فليصمت المرجفون في الأرض ، و ليبلعوا ألسنتهم ، و ليكفوا نهائيا عن تدوير الأسطوانة المشروخة ( حكم العسكر ) ؛ فحكم من يسمونهم (العسكر) ، هو على أية حال أفضل و أرحم ألف مرة من حكم الميليشيات .
و كلمة أخيرة إلى حكام ليبيا الجدد : لا تنسوا أن الشعب يمهل ، لكنه لا يهمل . و لا تنسوا أنكم لم تتركوا لهذا الشعب المنكوب غير خيار واحد ، هو ثورة شعبية حقيقية ساحقة ماحقة (ليست كهذه التي ركبتم ظهرها) ، ثورة حقيقية .. تعيد له كرامته التي دستم عليه ، و حقوقه التي صادرتموها ، و أمواله التي نهبتموها . و عندها سترون ما هو أشد هولا من مشهد يوم القيامة .
-----------------------
(1) http://archive2.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/96172
(2) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=541073
(3) http://www.libya-al-mostakbal.org/95/23355/%D9%81%D8%A7%D8%B6%D8%AA-%D9%83%D8%A4%D9%88%D8%B3-%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%83%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1-%D8%A3%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%86.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة