الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد بين القانون والتكليف

عبد الحسين العطواني

2017 / 12 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


ليس من الممكن للإنسان أن يعيش دون قانون وشريعة, ولا يمكن أن يكون معاصرا وهو منفصلا عن التكليف , إذ أن الحقوق لا تأتي إلا من خلال نظام قانوني مع تمسك الناس والتزامهم بالتكاليف لأنها تمثل الفلسفة الحياتية , وهي الأساس لجميع الحقوق والواجبات , وان الهدف الوحيد في هذه التكاليف هو الحفاظ على مصالح الشعب وليس مصالح الحاكم والمشرع الذي يمتلك عناصر ومقومات تشكيل ظاهرة السلطة السياسية بعنصريها القوة , والشرعية .
ففي ثقافة الديانات السماوية خلق الإنسان وبفعل طاقاته ليسلك سبيل الخير والسعادة , ليتقرب من الله تعالى بذلك , وان الدنيا هي الساحة والاختبار لهذا السعي الحثيث , ليصبح دور لجميع الأفعال الإنسانية الفردية منها والجماعية , في إدارة الأعمال والأمور الاجتماعية .
لا أبالغ إذا قلت أن معظم المؤسسات الحكومية هي مؤسسات لا تلبي طموحات الشعب لان مشكلة المحسوبية والمنسوبية مازالت تتحكم بمستقبل هذه المؤسسات وقدرتها على الاستمرار, ما نحن يصدده في الواقع هو معركة الفساد , الحقيقة انه وضع بائس ومؤسف ويتطلب أن نلتفت إلى ما تتعرض له مؤسسات الدولة من نهب , وأظن أن أنظمة الحكم عموما في بلادنا لديها مشروع واحد هو مشروع الحكم .وان الخلافات بين هذه الكتل أصبحت واضحة , لان المواطن العراقي يستطيع أن يستشف جزءا من الحقيقة , حين تتراشق الكتل السياسية لتكشف هفوات بعضها , بدلا من أن تعمل من اجل تنمية الشخصية المسؤولة التي تتحلى بالمصداقية والنزاهة . لذلك وحتى تستطيع المؤسسات الحكومية أن تشارك في مكافحة الفساد عليها أن تبدأ بإصلاح نفسها وان تجد وسائل جديدة لتحقيق الحد الأدنى من الاستقلال والنزاهة وتفعيل الملاحقة القضائية للضغط على المفسدين .
لان السلطة تمارس تأثيراتها على المؤسسات من خلال القوانين واللوائح , ومن خلال ضغوط الإدارة والإجراءات القانونية, فالمال العام أصبح تعبير عن المصالح المباشرة لفئة أو طرف من أطراف الحلف الطبقي الحاكم أو القوى المسيطرة اقتصاديا أو سياسيا في البلاد , وصيانة مصالحهم , نحن أمام هيمنة مطلقة لا يمكن الفكاك عنها , والجهة الحاكمة وضعت السكة المناسبة للفساد , كذلك فأن تشخيص الأوضاع شئ مهم , ولكن الأهم منه أن نركز على سبل الإصلاح وبخاصة تحديد الأولويات , لكون أساليب الرشا تعددت , وآدت إلى تراكم الصعوبات الداخلية الاقتصادية , والسياسية والاجتماعية المتناهية , وولدت حالة من الفوضى , بسبب وجود قوى سياسية منظمة قادرة على استغلال مناصبها فاقت بمشاهدها العملية كل التوقعات , بقدر ما عملت على خذلان الشعب وإحداث الانقسام والفرقة بين مكوناته ونهب ثرواته وأمواله أمام أنظار قادته , فتحالف لصوص الخارج مع لصوص الداخل ولم يتركوا شئ إلا سرقوه .
تعلمنا من عبر التاريخ أن الذي يحصر تفكيره في مسائله الشخصية فقط , لا يفكر بالأمور الاجتماعية , وغالبا ما تكون مشكلات الشعب خارج دائرة تفكير ه , كما آن السكوت على الظلم وعدم ألاستجابة لما يعانيه الشعب , دليل على عدم الخوف من الله , وقد روي عن النبي محمد ( ص ) انه قال (( من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ))
لا نبالغ إذا قلنا أن العراق شهد خلال السنوات التي تلت النظام الجديد صراعا في تحديد مسار العبور بين مشروعين سياسيين احدهما ير يد السلطة والثروة وفق منطق الغنيمة والاستحواذ بالغلبة , والأخر يريد دولة مدنية وفق منطق الدستور والقانون , المشروع الثاني ذا قاعدة عريضة لكنها غير منظمة , الأمر الذي يمكن معه أصحاب مشروع الغنيمة من أحكام سيطرتهم على ممكنات البناء السياسي وذهبت تصنع لها مشروعية شعبية حينا , وقانونية حينا أخر حتى عصف الفساد وأصبحت حاجة الإصلاح ضرورة لامناص لها ليلهم المجتمع بمسار جديد للعبور نحو الدولة المدنية , وفي هذا نحتاج إلى طفرة أو إلى نقلة نوعية تزيل عنها آثار التلوث ويجعل منها طاقة تغييريه ايجابية مهذبة للعقلية والنفسية وللسلوك قبل أن نبحث عن ثقافة معرفية .
ونحن نأمل إنشاء الله أن معركة القضاء على الفساد بقيادة السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر ألعبادي تبدو أنها عازمة على الشروع , حتى تتجلى ملامح الدولة المدنية في العراق , الدولة التي تلتزم بالعمل المؤسسي , وبالمبادئ الديمقراطية , وسيادة القانون , وتحقيق المواطنة المتساوية والقبول بالآخر , وحرية الرأي والعقيدة والفكر , وتحقيق الأمن للو طن والمواطن , وتوفير الاستقرار والتنمية , على الرغم من الصعوبة التي ستواجهها السلطة التنفيذية عندما تسير في الإصلاحات بشكل جدي بتشخيص المفسدين , فقد تحتاج إلى تغيرات بنيوية في هيكلها وهو ما عرقل حزمة الإصلاحات التي أطقها السيد رئيس الوزراء في السنوات الماضية , إذ أن التكلفة التي تؤمن للعراقيين نجاح معركة القضاء على الفساد المالي والإداري لابد وان تدفع من جيب الحكومة والبرلمان , لا من حقوق البسطاء من الموظفين والمتعففين, وكان هذا من ابسط البديهيات التي ستنتج عنها معركة الفساد وكما أثبتتها تجارب العالم إذ أن العراق ليست استثناء وشعبها لا يختلف عن باقي الشعوب . وحينها تستطيع الدولة من ممارسة سيادتها , مع الالتزام بالسياق العام وبالحد الأدنى الذي تفترضه المسلمات الأساسية لوجود أي دولة ,فالساسة هم الرعاة الحقيقيون الذين يسهرون على الرعية أما إذا كان الراعي فاسدا فأين الهرب .
وأخيرا على الإعلام يضطلع بدوره الريادي بتسمية الأمور في مسمياتها وان يكون تشخيص الخلل واضحا دون خوف آو وجل , وان يكون الإعلام جريئا في الحديث عن الأمور المصيرية , فلا يكشف الرموز أو البدايات ويغطي على الأحداث والشخصيات , حتى لا تغيب الحقيقة عن الأنظار وتتجلى الغمامة السوداء من خلال الأطر القانونية بعيدا عن الإجراءات الشكلية لان معركة الفساد لا تقل ضراوة عن معركة الإرهاب .



















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة