الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مئوية ثورة اكتوبر الاشتراكية / تقييم اللجنة التاريخية في قيادة حزب اليسار الألماني*

رشيد غويلب

2017 / 12 / 20
بوابة التمدن


ترجمة: رشيد غويلب

اولا: تمثل الذكرى المئوية للثورة الروسية العام 1917 بالنسبة للجنة التاريخية لحزب اليسار الالماني، مناسبة للتذكير بأسبابها وأهميتها التاريخية العالمية، والتذكير بآمال السلام، والتحرر الاجتماعي وتقرير المصير للجماهير، ولكن ايضا التذكير بخيبات آمالهم. ارتبطت مع الثورات الروسية في العام 1917 انجازات وفرص تاريخية عظيمة، فضلا عن التناقضات العميقة والانحرافات وصولا إلى الحقبة الستالينية. إن المحاولة التي أقدم عليها البلاشفة لإيجاد بديل اشتراكي للرأسمالية ومشاركة الملايين في الحركة الشيوعية العالمية لا يمكن حصرها بأيديولوجية، ورعب حكم ديكتاتوري. إن مثل هذه الرؤية تحجب الصراعات الاجتماعية العالمية في القرن العشرين وتقلصها إلى صراع بين الشمولية ومناهضة الشمولية، دون استيعاب أسبابها وانعكاساتها التاريخية. وهنا نبين ما يأتي:
1. كانت الثورة الروسية في العام 1917 بالأساس ثورة من اجل السلام. وبانتصار ثورة أكتوبر في العام 1917، تمت اول محاولة ناجحة للقطيعة مع دورة موت الحرب العالمية الإمبريالية الأولى. لقد كانت ثورة من أجل الديمقراطية والتحرر الاجتماعي، ونبراسا للثورات اللاحقة التي هزت أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية. ولأول مرة منذ الابادة الدموية لكومونة باريس في العام 1871، وضعت ثورة أكتوبر - الثورة الاجتماعية عمليا على جدول أعمال التاريخ.
2. ان قيام دولة على اساس فهم اشتراكي قد غير العالم، ولا تزال تأثيراته تتفاعل. ولأول مرة يقام، مع مراعاة المصالح السوفيتية الخاصة، ثقل موازن للقوى الإمبريالية.
3. لقد كان الاتحاد السوفيتي، على الرغم من الضعف الذي سببه الإرهاب الستاليني، هو الذي تحمل التضحيات الهائلة في الحرب العالمية الثانية، والعبء الرئيس في النضال ضد ألمانيا النازية، واستطاع مع الحلفاء الغربيين، انقاذ البشرية من البربرية الفاشية، وكذلك الانتصار على العسكرية اليابانية. وفي آسيا واوربا قدم الشيوعيات والشيوعيين الإسهام الرئيس في مقاومة الفاشية.
4. ومثلت الدول الاشتراكية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا الشرقية والوسطى، وكذلك في آسيا وأمريكا اللاتينية، أكبر تحد، حتى ذلك الحين، للرأسمالية. فبدون دورها، ودور الأحزاب الشيوعية المؤثرة في أوروبا الغربية، لا يمكن تصور نهاية الاستعمار، ولا "القرن الديمقراطي - الاجتماعي" بحسب (دهرندورف) (عالم اجتماع وسياسي وكاتب الماني – بريطاني – المترجم) مع التقدم التحرري والديمقراطي والاجتماعي في الغرب. وعلى الرغم من الإنجازات الاجتماعية والثقافية الملحوظة في الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الأخرى، بما في ذلك جمهورية ألمانيا الديمقراطية، فإن عدم قدرتها على الاصلاح في فترة 1989 – 1991، ادت ليس فقط إلى نهاية الاشتراكية وفق النموذج السوفيتي، بل جعلت كامل نتائج التقدم المتحقق في القرن العشرين مرة اخرى في موضع مساءلة ومراجعة.
ثانيا: لم يبدأ "عصر التطرف" (هوبسبوم) "بالهجوم على قصر الشتاء"، بل في الأول من آب 1914. في الحرب العالمية الأولى تحطمت المجتمعات البرجوازية القديمة في القرن التاسع عشر بسبب منافساتها الإمبريالية، التي كانت مستعرة لفترة طويلة بين القوى الاستعمارية القديمة بريطانيا العظمى وفرنسا من جهة، وألمانيا مغامرة من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه فشل القسم الأكبر من الحركة العمالية العالمية سياسيا، وخصوصا الديمقراطية الاجتماعية الألمانية، بسبب اصطفافها على اساس جبهات الحرب القومية، مما أدى إلى انشقاق اليسار.
لقد كشفت ثورة شباط 1917 ازمة النظام القيصري الروسي، التي تفاقمت بشكل حاسم بسبب الحرب العالمية. إن عاملات وعمال بتروغراد الذين اجتاحوا عفويا شوارع العاصمة الروسية منذ 23 شباط (8 آذار –حسب التقويم الحديث)، والمتحالفين مع الجنود عبروا في ذات الوقت عن حاجة جماهير عمال أوربا إلى السلام والخبز وتقرير المصير بشكل ديمقراطي.
ومع قيام السوفيات، التي أثبتت جدارتها في ثورات 1905/1907 كمؤسسات ديمقراطية قاعدية، بينت في الوقت نفسه ان القضية الحاسمة في ذلك الوقت والمتمثلة بالسلام لم تعد قضية النخب.
وفي هذا الصراع المركزي في العام 1917 اتخذ لينين الموقف الأكثر جذرية. وبالنسبة له تحدد طابع الثورة ارتباطا بالموقف من الحرب. ووفق لينين، إذا استمرت الحكومة المؤقتة في خوض الحرب، عندها يجب على الطبقة العاملة اسقاطها، وفرض السلام، وتحويل الديمقراطية البرجوازية إلى ثورة اشتراكية. وحتى داخل قيادة البلاشفة كانت هناك، عشية انتفاضة أكتوبر، تحذيرات مفادها أن الوضع في روسيا لم ينضج بعد، وان البلاد ستغرق في حرب أهلية وقمع جديد، وهذه المرة تحت راية الاشتراكية. لقد تجاوز لينين هذه المخاوف، وأدرك ضعف الحكومة المؤقتة والقوى السياسية التي تستند اليها. ولأنها استمرت في خوض الحرب، ولم تحل قضية الأرض لصالح الفلاحين، ووضعت انتخاب الجمعية التأسيسية على الرف، فقدت الدعم الجماهيري. وهذا قاده إلى استنتاج توظيف فراغ السلطة. لقد اصبحت شعارات السلام، الأرض، وحق تقرير المصير، شعارات البلاشفة الرئيسة. واستنادا إلى تصاعد المزاج الجماهيري وبمساعدة اتساع عضوية الحزب، قررت قيادة البلاشفة أن تجعل "حلقة الرأسمالية الأضعف" طليعة للثورة العالمية. اعتمد لينين على الروح الثورية ودعم الغرب الأوروبي، وخاصة الطبقة العاملة الألمانية. لقد أطاحت الانتفاضة المسلحة التي طالب بها وتبناها سوفييت بتروغراد في ليلة 26 تشرين الأول (8 تشرين الثاني) في العام 1917 بالحكومة المؤقتة ووضعت مندوبي المؤتمر الثاني للسوفيتات، والذي تمتع فيه في هذه الأثناء البلاشفة بالأكثرية، أمام الأمر الواقع بقدر تعلق الأمر باستلام السلطة. وجاءت مراسيم السلام، والأرض، وتأميم الصناعة والبنوك، وتوسيع نطاق الحقوق الديمقراطية والاجتماعية، منسجمة مع المزاج الجماهيري السائد.
ثالثا: "وفق فهمنا ان وعي الجماهير هو ما يجعل الدولة قوية. وتصبح الدولة قوية، عندما تعرف الجماهير كل شيء، وتستطيع ان تقرر كل شيء، وتفعل كل شيء بوعي". هذا الاعتراف بالديمقراطية، التي أيدتها جماهير الشعب، بعد ثورة أكتوبر مباشرة، اصطدمت بفهم الدور الطليعي للبلاشفة كطليعة ثورية. إن ظروف روسيا الملموسة دعمت التطورات الناجمة عن هذا التناقض. وعلى غرار إعلان الحقوق الإنسانية والحقوق المدنية في 26 آب 1789 (الثورة الفرنسية)، ظلت المراسيم المتعلقة بالسلام والخبز والأراضي في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1917 وعودا مثالية ضد خيبات الأمل الحقيقية اللاحقة "كنوع من أيام الأحد تعلو فوق العمل اليومي لتاريخ البشرية" (هلموت بوك) (مؤرخ ألماني كان حتى وفاته عضو اللجنة التاريخية لحزب اليسار الألماني- المترجم).
وكما هو الحال في كل ثورة تقريبا، فإن قوى الانتفاضة في ثورة شباط 1917، وبعد نجاحها في ازالة السلطة الحاكمة السابقة، انقسمت إلى كتل واحزاب متناقضة. ان الصراع الضمني حول "موضوعات نيسان" للينين، اكتمل في مسألة الجمعية التأسيسية: القطيعة بين مختلف القوى اليسارية. حل البلاشفة الراديكاليون الجمعية التأسيسية في بداية كانون الثاني 1918 بعد رفضها الاعتراف ببرنامج الحكومة الصادر من مجلس مفوضي الشعب المنتخب من المؤتمر الثاني لسوفيتات عموم روسيا، كأساس لتحول اشتراكي جذري، ورفضها الخضوع للسوفيتات. وكان ينبغي لمجلس السوفيتات ان يكون، إطاراً لديمقراطية القاعدة، بديلا للنظام البرلماني. وهكذا استطاع الواعون طبقيا، وخصوصا العمال البلاشفة وحزبهم الحصول على الأكثرية، بطريقة أسهل مما في النظام البرلماني.
لقد نجح البلاشفة على اساس فهمهم للدور الطليعي، وتنظيمهم المركزي في السيطرة على سلطة الدولة، والانتصار في الحرب الأهلية التي تلت ذلك، وكذلك الصمود بوجه التدخل الخارجي لأربع عشرة سلطة امبريالية. وبدون تعبئة والتزام مئات الآلاف من أعضاء الحزب، وملايين العمال والجنود والفلاحين في بناء النظام الجديد والدفاع عنه، كان من المستحيل إثبات القدرة على التفوق. ولم ينحصر الصراع الحتمي بين البلاشفة وقاعدتهم الاجتماعية في سياسة "شيوعية الحرب"، بل في المطالبة في المشاركة الحقيقية، التي دخلت في تناقض مع مفهوم "الحزب الطليعي". وفي سياق تطورها لم تستطع الاشتراكية، وفق النموذج السوفياتي حل هذا الصراع أبدا، وبدلا من ذلك تحول النظام السوفيتي أداة بيد الحزب الشيوعي الحاكم لترسيخ نظام الحزب الواحد.
التناقضات الفعلية في بناء الاشتراكية فسرت من قبل لينين ومن خلفه بشكل خاص باعتبارها سيناريو من اخراج "العدو الطبقي الداخلي والخارجي". وقد تم نزع فتيل الصراعات الحقيقية عن طريق العنف، او التنازلات الاجتماعية والاقتصادية، والإرهاب - في ظل الافراط الستاليني. وكانت حدود التجاوب يرسمها باستمرار احتكار الحزب للسلطة، وهذا ما بينته السياسة الاقتصادية الجديدة باعتبارها ردا على ابتعاد الفلاحين عن الثورة، وانتفاضة كرونشتاد في ربيع العام 1921. وفي الوقت نفسه مثل قرار مؤتمر الحزب العاشر، القاضي بمنع التكتلات داخل الحزب خطوة على طريق تفكيك الديمقراطية، التي كانت تعاني اساسا من الضعف داخل الحزب. وقد تم القضاء عليها بعد بضع سنوات نتيجة لنزاعات حزبية داخلية أخرى وقرار بناء اشتراكية في بلد واحد.
ولم يكن ممكنا التغلب على البيروقراطية المتنامية، وعدم كفاءة اجهزة الحكم، كما أدرك ذلك لينين. في نهاية المطاف، وفشلت جميع محاولات الإصلاحات: السياسة الاقتصادية الجديدة في القرن الفائت، وكذلك محاولات خروتشوف في اجتثاث الستالينية، وبريسترويكا غورباتشوف.
رابعا: وعلى اساس فهمهم لدورهم كطليعة ثورية للثورة البروليتارية العالمية انفصل البلاشفة عن المناشفة في روسيا وعن احزاب الأممية الثانية الديمقراطية الاجتماعية (كان الموقف من الحرب العالمية الأولى سببا رئيسا لانشقاق الحركة العمالية العالمية – المترجم). والأسم الجديد الحزب الشيوعي الروسي جعل القطيعة، منذ اذار 1918، معلنة، وبعد عام واحد أصبح توصيفا عالميا لاحزاب الأممية الثالثة (الكومنترن). وباعتبارها حزبا شيوعيا مركزيا عالميا، كان عليها ان تدفع بالثورة العالمية قدما. ونتيجة لتغيبها، سرعان ما أصبحت الأممية الشيوعية أداة للسياسة الخارجية السوفياتية.
وكانت الحركة العمالية الألمانية، التي انقسمت فعليا خلال الحرب العالمية الأولى، قد تأثرت، وواجهت التحديات، بشكل خاص، جراء هذه التطورات. واستقبلت الثورات الروسية في العام 1917، وعلى وجه الخصوص، استيلاء البلاشفة على السلطة بشكل ايجابي من قبل أغلبية الديمقراطيين الاجتماعيين والمستقلين، وسرعان ما كانت "الأساليب البلشفية" مادة للصراع والنقد. إن تحالف قيادة الديمقراطية الاجتماعية مع النخب العسكرية والاقتصادية للإمبراطورية، التي هزمت في ثورة نوفمبر 1918، أثر على الجمهورية الجديدة وأدى إلى تحول أجزاء كبيرة من قاعدتها إلى الشيوعية. وأصبح الحزب الشيوعي في ألمانيا أكثر احزاب الأممية الشيوعية عضوية خارج الاتحاد السوفيتي. وأدى دعم الحزب غير المشروط تقريبا، منذ منتصف العشرينات، على الأقل، إلى عدم تفهمه النقد، وفي وقت الاحتفاء التضامني الذي ابدته روزا لوكسمبورغ مع الثورة الروسية. وعلى عكس كارل كاوتسكي، الذي لم يؤد صراعه النظري مع البلاشفة إلى استخلاص استنتاجات تعينه للتعامل بشكل ثوري، حللت روزا لوكسمبورغ انجازات البلاشفة واخطاءهم. لقد بين البلاشفة بحق ما يمكن ان يفعله حزب ثوري في ظل ظروف تاريخية ملموسة. وباستلامهم السلطة ووضعهم الاشتراكية على جدول الأعمال، مضوا بالأولويات الأممية قدما، وبهذا دفعوا بالصراع بين رأس المال والعمل "بقوة إلى المقدمة". لقد طرحت القضية في روسيا فقط، ولكنها يجب ان تحل عالميا.
خامسا: يجب على حزب اليسار الألماني أن يستمر في التعامل النقدي مع الآثار التاريخية وإنجازات وأخطاء الثورات الروسية في العام 1917 باعتبارها واحدة من الأحداث المركزية في القرن العشرين. وفي هذا، يمكن للحزب ان يبني على التقاليد الجذرية، والمعاداة المبدعة للحرب، والنضال الثابت والمنظم ضد العلاقات الرأسمالية، والتقدم المرتبط بذلك في المساواة بين الجنسين، والقطيعة مع امتيازات نظام التعليم البرجوازي، والانجازات الثقافية العظيمة الأخرى. وفي الوقت نفسه يجب على الحزب ان يعترف بتجربة المحاولة الاشتراكية، وان صعوبات وتناقضات التحول الاشتراكي تصبح واضحة، عندما تجري المحاولة عمليا، وتظهر على السطح. ان التغلب على المشاكل المرتبطة بذلك لا يمكن حلها، إلا على قاعدة الديمقراطية الواسعة، لأن دروس الثورات الروسية تقول أيضا: ليس هناك اشتراكية من دون الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص