الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في العراق وحده.. من نصر الى نصر

قاسم علي فنجان

2017 / 12 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هل ان النصر تحديد او أمر؟ وهل عندما نقول اننا انتصرنا فذلك يعني اننا كذلك؟ ثم من الذي يحدد النصر؟ ومن يأمر بهذه المفردة "النصر" ان تكون؟ وما هي معايير الانتصار؟.
في منتصف ليلة صيف حار من بداية شهر آب من العام 1988, صدح صوت المذيع المقتدر "مقداد مراد", ليعلن بيان البيانات وليزف للشعب بشرى النصر الكبير على العدو الفارسي آنذاك, اشتعلت الدنيا ايام وليالي, الناس في فرح عارم وقد ملأوا الشوارع, فكل يحتفل بطريقته الخاصة, العيارات النارية التي كانت ممنوعة قد طرشت اذاننا, والاغاني الوطنية والاهازيج التي تتغنى بحب القائد ثم الوطن لم تسكت ابدا, تكرارا "سيدي شكد انت رائع سيدي" و"اللـه يخلي الريس" و"منصوره يا بغداد", التهاني والتبريكات لم تنقطع في التلفزيون والصحف والاذاعة, من اعضاء القيادتين القومية والقطرية, واعضاء الحزب, والوزراء وقادة الجيش والمديرين العامين, الكل يهنئ القيادة الحكيمة وعلى رأسها وفوقها المهيب الركن وقائد النصر, ايام "نصر" لم تزل في الذاكرة.
لكن ما ان خفتت بهجة الفرح, وهدأت النفوس, حتى بدأ الناس بالتساؤل في ما بينهم, ترى كيف بدأت الحرب؟ ومن الذي بدأها؟ وكم خسرنا؟ والى ما افضت؟ وما هي الثمرة التي جنيناها؟ وهل ان مليون شاب الذين راحوا ضحية هذه الحرب, بين قتيل وجريح وأسير وفقيد, قد ذهبوا عبثا؟ والمدن المدمرة والنفسية المنهزمة والمكسورة, والاقتصاد المنهار, بماذا خرجنا؟ والسؤال الذي كان يؤرقهم اكثر والذين لم يقتنعوا بأية اجابة عنه هو: لماذا بدأت الحرب اصلا؟ كانت هذه التساؤلات وغيرها الكثير تدور في اذهان الناس, لانهم لم يروا نتائج على واقعهم البائس. بدأ الخوف مرة اخرى يدب في عقول الناس وبدأوا يتساءلون: وماذا بعد ذلك؟ هل نحن موعودون بنصر اخر؟ فمسيرة الانتصارات لا تتوقف. فـ"كلما التأم جرح جد في التذكار جرح".
كان غزو الكويت نصر-نا الاخر, نصر شكل حلقة مفصلية في سلسلة الانتصارات التي كنا نمر بها, فلقد كانت طموحات القائد هذه المرة استعمارية وتوسعية, فكانت تلك الحرب المؤلمة في كل تفاصيلها, تهدمت البنية التحتية بالكامل, انهار الجيش ورجع مهزوما ومكسورا, لم يبق جسر في بغداد لم يطاله القصف, المصانع العملاقة التي كانت تضم الاف العمال دمرت, مدارس جامعات مستشفيات دوائر خدمية وغير خدمية اكثرها طالها القصف, لكن القائد رغم كل ذلك اعلن فيها بأننا "العراقيون" قد انتصرنا لأننا واجهنا ثلاثين جيشا من مختلف دول العالم, وبعد ذلك انتصر-نا على "الغوغاء 91", وعندما كان الامريكان يغيرون بطائراتهم على مدى عقد كامل "التسعينات" ويهدمون ويدمرون ما تبقى من بناء, كان القائد يعلن انها مسيرة الانتصار الكبير الذي وعدنا به, وحتى الحصار ومآسيه والامه والذي ضرب بأعمق اعماق نفوسنا, كان جزءا من حالة النصر التي يعيشها القائد, كنا نتنفس النصر, ونعيش زمن الانتصارات, دلالات النصر بانت حتى في التسميات, انتشر اسم "انتصار" للفتيات, وتسمت الشوارع والاحياء باسم النصر, شارع النصر, ساحة النصر, حي النصر, قوس النصر, كان كل شيء يعبر عن النصر, اصبح ملازما لكل شيء, وانتصرنا وانتصرنا وانتصرنا.
خفت بريق النصر في 2003 عندما اقدم الامريكان على اسقاط نظام النصر, واتوا لنا بنظام لا يعيش ولا يستمر الا بالنصر, فبدأت حلقة من سلسلة الانتصارات, ابتدأت بالحرب في ما بينهم على من سيكون الاقوى, وكان كل جمهور يتبع فصيلا مسلحا معينا يقول انتصرنا, ثم يتطور الصراع لتتشكل ميليشيات تعترف بها الدول التي ترعاها, ولتتقاتل بينها, وكل يدعي النصر. تظهر القاعدة كحلقة من السلسلة, ويأخذ الصراع منحى آخر, يتشكل جيش وحكومة شكلية, مع بقاء وجود الميليشيات, والامريكان معهم يعلنون النصر على تنظيم القاعدة, كانت قد تهدمت مدن والتفجيرات في كل مكان, والموت منتشر كالطاعون الاسود, لكننا منتصرون, وهو ما نصبو اليه.
بعد ذلك بدأت الحرب على "المحتل الغازي" الامريكي, الذي شكل الحكم والدستور والميليشيات والقاعدة, كان عليه ان يرحل من ارض الانبياء والمقدسات, فكانت حرب مدن, وفي النهاية اعلنت القوات "المحتلة" انسحابها, واعلنا الانتصار.
ثم جاءت الحلقة الاقصى في سلسلة الانتصارات, فكانت "داعش", ثلاث سنوات من الموت والخراب والتهجير والاغتصاب والمقابر الجماعية, ومشاهد لا تستطيع ان تكمل رؤيتها, اعدامات بالألاف, لمدنين وعسكريين ونساء واطفال وعجزه, بدأت الحرب على هذه العصابات, وبعد مسيرة موت طويلة وقاسية, اعلن رئيس الوزراء تحقيق النصر, وتعطيل الدوام في كل العراق, واقامة الاحتفالات, وسمي بـ"عيد النصر" وصدحت حناجر المطربين بالغناء والتهليل بالنصر "يعراق يومك هاليوم" و"هلهل يعراق انزفت بشاره" وغيرها الكثير, وبدأت التهاني والتبريكات من كل حدب وصوب, رجال دين وقادة ميليشيات ورؤساء كتل وقادة جيش ورجال عشائر, الكل يهنئ المرجعية الرشيدة والحكومة بتحقيق النصر, انه النصر الاكبر, او قد يكون, لا نعلم ذلك.
هذه المرة لم تنزل الناس للشوارع, ولم نسمع اطلاق العيارات النارية, والتي نسمعها يوميا بداع وبدونه, لم تتفاعل الجماهير كعادتها مع القائد, قد يكون من الممكن وجود اكثر من قائد, او لأن النصر هذه المرة كان قاسيا جدا, فحجم الدمار هائل, فلا توجد مدن بالمعنى التقليدي للكلمة, والجثث حتى الان تحت الانقاض, هذه المرة لم تضرب المدارس او المستشفيات او المعامل, بل قد تهدم كل شيء, وضحايا الحرب قد ملئت المقابر, لم يبق اي شيء, بقي فقط النصر, مع ذلك بقيت تلك الاسئلة تدور في اذهان الناس عن معنى تلك الحروب, وعن معنى النصر, لكن على الكل مرغما ان يتفهم معنى النصر, والى نصر قادم.......
وانتصرنا بعد ما زال الحريق
وافقنا ليت انّا لا نفيق
مع الاعتذار للشاعر ابراهيم ناجي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة