الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة ضد الحكومات * الفصل بين الميلشيوي والثوري

معتز نادر

2017 / 12 / 25
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عندما أتحدث عن تركيا كلاجئ أو مقيم تنتابني مشاعر متناقضة حيال هذا البلد الذي إستقبل ملايين اللاجئين السوريين والعراقيين على وجه الخصوص -وبين تعاطي نخبته السياسية مع قضايا المنطقة العالقة ومنها القضية السورية بمجمل تشعباتها ، ولكن ما يحضرني هنا تفشّي النظرة الداعمة والمؤيدة من قبل الكثير من المعارضين للنظام السوري *أقصد السوريين والعرب * لحكومة هذا البلد بوصفه حامل لواء الدفاع عن قضية الشعب السوري والتي بدورها تثير شكوك كبيرة حول متانة القيِم التي تفجرت لأجلها الإحتجاجات الشعبية في سورية ومدى صلاحيتها في التأثير بالأجيال القادمة ونَقل وعيها إليهم .
والسؤال هنا : لماذا يدافع بعض السوريين والعرب المتواجدين في تركيا عن سياسات الحكومة التركية بتبريرهم غالبية قرارات وسلوكيات الحزب الحاكم الجانحة مؤخرا وبسرعة البرق نحو التسلط والديكتاتورية بشكلها الكلاسيكي التقليدي بعدما كانت حذرة بخطواتها قبل الإنقلاب الفاشل بِكَم افواه أصحاب الرأي والفاعلين بالمجتمع التركي وعلى الأخص المتواجدين في المواقع الريادية بالدولة ،
من وجهة نظر سطحية ولكنها حاضرة على الساحة التركية الشعبية فإن حدوث حالة الإنقلاب العام المنصرم وتحمليها لجهة معينة بحد ذاتها ربما يبرر للقاعدة الإجتماعية في تركيا جنوح الحكومة والرئيس أردوغان نحو السلوك السياسي الإستبدادي او التسلطي إن جاز التعبير وبشكله الواضح ،
ولكن عندما اشعر وأجد كإنسان مقيم بالأراضي التركية بصرف النظر عن صفتي القانونية كلاجئ أو سائح أو مواطن أجنبي أو تركي *لا يهم*- بأن كل من ينطق بكلمة تعارض السلطات عرضة للإعتقال والتقويض سواء كان كاتبا أوصحافيا أو رساما او أكاديميا أو طالبا جامعيّا فإن هذا السلوك يشعرني بالإهانة كشخص يؤمن بحرية الرأي والتعبير –أولا- وكفرد جاء من شعب عانى أسوأ أنواع الإضطهاد السياسي والإجتماعي على حد سواء -ثانياً -، ولا يحق لي بطبيعة الحال لكوني أقيم بالأراضي التركية أو لأني أشعر بالإمتنان حيال الأتراك على حسن ضيافتهم- بأن ادير ظهري لما يجري من حولي من تداعيات تمس حقوق الإنسان أو أن أبرر إعتقال أصحاب القلم و الرأي تحت أي ظرف..
المفترض أننا -كلنا -لم نرفض ظلم النظام السوري كي نقبل بظلم حكومة أخرى بذريعة أننا نقيم قي أراضيها ، هذا خداع وكذب على النفس ولا علاقة له بطبيعة الحال بأي نزعة ثورية نقية
نحن نرفض القمع والإستبداد ليس فقط عندما يقع على السوريين أو العرب * بل عندما يقع على غيرنا من البشر أيضا ، ولأنه موجود أصولا
وهنا أقصد حالة الصمت من الأجانب والعرب في تركيا على الإعتقال التعسفي للمواطنين الاتراك من قبل حكومتهم -
-إذا كنا لم نختار جنسية بلداننا فعلى وعي المطلب الثوري ألا يختار وطناً له –
وبذلت الوقت يبدو من الصعب لنا التصديق بأن حكومة تقوم بإعتقال الكتاب و الطلاب الجامعين ستكون حريصة على حرية شعبٍ اخر مثلما تدعي الحكومة لتركية ،
وليس من العسير أن يرى المتتبع مؤخرا ومنذ إبرام الإتفاق التركي الأوروبي حول تقييد حركة المهاجرين من تركيا واليونان بإتجاه أوروبا ، بأن السوري في تركيا يُعامل بشيء من الإبتزاز والمتاجرة بأزمته من قبل الحكومة التركية على الرغم من كرم الضيافة المتعلق بإستضافة قرابة ثلاثة ملايين لاجئ -الصغير منهم والذي لا يتجاوز عمره عشر سنوات يعمل بكد من أجل لقمة العيش
وفي خضم الحرب الدائرة في سوريا يتحالف الرئيس التركي أردوغان مع روسيا واصفا -وهو الوحيد بذلك- الرئيس الروسي الذي تقوم قواته بتدمير ممنهج للمدن السورية -بصديقي – بعد أن وصفه بأقبح الألفاظ سابقا وبأنه يقتل الشعب السوري، ليقول لك بعد ذلك السوري المعارض المتعاطف مع الحكومة التركية بأن هذه سياسة ؟!!!
حسنا ،لماذا نلوم إذا مؤيدي النظام وإجرامه إذا كنّا سنبرر كل سلوك سياسي أو عسكري ينجم من حلفاء المعارضة ، إذ هم بدورهم أي مؤيدي النظام يبررون سلوكيات نظامهم بوصفه يحارب إرهابيين من وجهة نظرهم ،
لماذا نعارض على سبيل المثال دخول إيران وميليشيا حزب الله إذا كنّا سنبرر ونقبل دخول القوات التركية أو غيرها إلى الأراضي السورية ـ
لماذا يدعم الإعلام العربي و السوري المعارض فصائل إسلامية راديكالية لا تؤمن من قريب او بعيد بمشروع الدولة القائمة على المواطنة وسيادة القانون علما اننا نعلم جيدا أنه في اللحظة التي سيسقط بها النظام سيتم تحالف عسكري ودولي جديد لتصفية تلك الفصائل بوصفها متشددة تتعارض مع مشروع الدولة الجديدة الناشئة بينما يدعوهم الإعلام والأحزاب والمؤسسات المعارضة الحالية القريبة من الفكر الليبرالي كالإئتلاف المعارض والمجلس الوطني –بـ الثوار- والسبب في هذا التعاطف الحالي لأنها تحتاج بنادقهم ولأنهم يمثلون أيضا ورقة تفاوض في وجه النظام الدموي ، لكن بعد ذلك ستؤيد تلك القوى السياسية تصفية الفصائل الإسلامية لرفضها الإندماح بمشروع الدولة المحتمل حالما تنتهي الحرب ،وستغدو المواجهة حتمية بين الاطراف السورية المعارضة بكافة مستوياتها وقناعاتها .
من جانب أخر عندما انتقد تعاطف بعض السوريين للسياسة التركية لا يعني هذا موافقتنا على التعاطف مع شكل الدعم السعودي أو القطري لا بل يبدو الموقف التركي على الرغم من تحفظاتنا على سياسة حكومته وتشرخاتها مؤخراً أفضل من موقف دول الخليج كافةً فعلى الأقل تركيا سمحت بدخول اللاجئين إليها – أما السعودية وقطرعلى سبيل المثال تدعمان فصائل إسلامية سوريّة مقاتلة وفي ذات الوقت لا تظهران أي إستعداد لإستقبال لاجئين سوريين أو غيرهم ؟!! ما هذه الإزدواجية ؟ أوجاع الشعب السوري ليست فقط سياسية بل إنسانية لها علاقة بالتشرد والجوع وإنعدام الأمن ، ماذا تقدم تلك الدول على هذا المستوى ؟
و الذي حصل بأن شركة بترول الإمارات قامت بفصل كافة العاملين السوريين لديها بذريعة الوقاية الأمنية من أي تهديدات محتملة
لماذا تقبل المعارضة بهذا الواقع معللة ذلك بأنها سياسة و بأن لكل دولة مصلحتها وغايتها ، نعلم أن لكل بلد براغماتيته السياسية الخاصة به ولكن ليس من الصائب كمعارضة سياسية من المفترض ان تكون جامعة لكافة فئات الشعب السوري أن تتأقلم وتتقبل كافة انواع التدخلات والتقلبات السياسية والتي من الوارد جدا ان تنعكس عليها سلباً وبلاءاً مثلما جرى بمدينة حلب أو غيرها في الكثير من المناطق السورية
ما هو الهدف العملي من كل ذلك ؟غير إستمرار الحرب بشكلها البشع المتوحش الذي نراه ! هذه التحالفات لا تصنع فكر دولة او مجتمع ناضج بل تقوم بصنع ليس فقط ميلشيات عسكرية بل ميلشيات فكرية وإجتماعية وتربوية
ما أود قوله في هذا الشأن هو إذا كنا نريد ان نكون أصحاب قضية وصادقين معها بالمقام الأول ونرغب بالفعل بتصدير أفكار تساعد على بناء دولة تقوم على مبدأ التعايش ًفإن تلك -التحالفات اللوجستية الهشّة – التي باتت خياراً أكثر من كونها حاجة مرحلية لدى المعارضة السياسية لن تجدي ولن تبني دولة و إذا كنا كمعارضين للظلم وللإستبداد السياسي فعلينا إذاً ان نكون مختلفين من نظرة الأخر *أي المؤيد للنظام* للواقع الدموي الراهن لا أن نحاكيها ونماثلها بشكل مختلف من حيث القشرة الخارجية لكنه مشابه من حيث المضمون - و أن لا نرضخ للخديعة و الشعارات مثلما كنا ايام عز الخطاب العربي القومي الكاذب على حساب ألاف المعتقلين وقتلى التعذيب إذ لا يجب أن نرضى في أن يستهتر احد بعقولنا ،
وبالعودة لتركيا فإن بعض المعارضين يعتبرون الرئيس التركي زعيما للعالم الإسلامي وبالتالي كل ما يفعله من تجاوزات تعسفية مبرر على الرغم انه لا يظهر دائما بوصفه المدافع الأول عن المسلمين المنجذبين بدورهم وبسذاجة لأي خطاب ديني عاطفي وإنفعالي ، فعندما صدر مرسوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول منع دخول مسلمي سبع دول إلى الولايات المتحدة إحتجّ الكثير من السياسين العالميين على هذه الخطوة لكننا لم نسمع الرئيس التركي يعلق بكلمة واحدة تعارض هذا الأمر، والذي قام بإدخال المسافرين العالقين بمطارات الولايات المتحدة هو رئيس الوزراء الكندي وليس زعيم العالم الإسلامي المرتقب مثلما يصفه البعض ،على العكس إذ يبدو الرئيس التركي حتى وقتً قصير صديقا محتملا لترامب مثلما هو صديق لبوتين ،
اليوم أردوغان بإسلوبه الشعبوي يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل القدس على خلفية نقل الولايات المتحدة سفارتها إليها لكن الرئيس التركي لم يقطع علاقاته الدبلوماسية لا بأمريكا ولا بإسرائيل
منذ أيام شعرت بالإهانة عندما كنت جالسا مع صديقي في مقهى بتركيا وعندما حضر إسم أردوغان خفض صوته
لماذا أيها السوري المعارض المقيم في تركيا والعاشق لأردوغان تؤيد رئيساً تخشاه في اعماقك ؟
هكذا كان الشعب في الداخل السوري –الشعب العربي- ولم يتغير حتى هذه اللحظة ؟!!
في الواقع الذي يجعلني اكتب هذه المادة ليس جوهره نقد السياسة التركية بحد ذاتها أو تحريض السوريين على نصب العداء للحكومة التركية ، وإنما هو حالة أسف على إستمرار تصديق السوريين وغيرهم من الشعوب العربية للشعارات الرنانة على حساب حقيقة الواقع بعد كل ما عانوه من تشرد وقتل وتدمير ، بعد كل هذه الألوف من الضحايا والمعتقلين ، بعد كل ذلك ،هذا أمر يدعو للحيرة والحزن في أن معاً
وكمتتبع للشأن السوري أرى أن على المعارضة السورية القيام بمراجعة نقدية من الناحية السياسية العملية وتبنّي وضعية وقوف مع الذات من أجل أن تتذكر السبب التي تفجرت الثورة الشعبية لأجلها ..
حلفاء المعارضة مثلما تشير الوقائع مثل حلفاء النظام لا يعنيهم ولو بقشة دولة القانون أوحقوق الإنسان او أي كائن اخر ..
أليست السعودية من قامت –وهذا جزء بسيط من إنتهاكات الحكم السعودي -بسجن الناشط رائف بدوي لأنه طالب بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر /
أليست قطر من حكمت على شاعر بالسجن المؤبد لأنه تعاطف مع الثورات العربية بينما لم تتجرأ القنوات والإعلام القطري بالتلميح للخبر .
ثَمة دَافِع أكثر من كونِه سياسياً كان حاضراً في التظاهر ضد النظام السوري أيام الإحتجاجات السلمية الرائعة ..
كان ثمة إحساس عميق بـ ظلم وبهدر كرامة إستمر لسنوات و أن أوان زواله-
تقريبا الأن وبحسب المعطيات السياسية الدولية والميدانية زال هذا الإحساس بالظلم والذي هو أساس الحّس والنزعة الثورية وحل محله منظومة مقايضات هنا وهناك لصالح ذاك الطرف أو ذاك ، والسبب هو تأقلم الجبهة المعارضة مع ثقافة التسليح ..
إذا وقعت مجزرة في منطقة مؤيدة للنظام قلما نجد إعلام معارض ينتقد هذه المجزرة .... في هذه النقطة بالتحديد يجب أن نختلف عن الأخر المؤيد، ....عن* الشبيح* لا أن نكون شبيحة معارضة وحسب .
إن الثورة تخسر الكثير عندما تشبه خصومها .

---------------------------
الشبّيح :هو الشخص الذي يؤيد أجندة سياسية ويعمل لصالحها دون أي إعتبارات إنسانية أخلاقية





التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي


اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم



.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا