الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام وتجنيد الغافلين مجانا

فاتح الخطيب

2017 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


أصبح من الواضح تماما مدى التأثير الذي تمارسه وسائل الإعلام المختلفة في توجهات الأفراد وحركة الرأي العام في المجتمعات. فالذي يحصل على الساحة الدولية من أحداث ومنعطفات تاريخية إنما يدل على أثر وسائل الإعلام التي تقوم بدور كبير في صناعة الرأي العام وتوجيهه. وقد أدرك صناع القرار والسياسة في العالم أهمية الإعلام وتأثيره في المجتمعات؛ فقامت الدول والحكومات بإنشاء الفضائيات المتنوعة المسلحة بطواقم من جيوش مدربة من الإعلاميين والكتاب والصحفيين والمثقفين للترويج لسياستها ورؤيتها والدفاع عن توجهاتها. وإذا كان سابقا يطلق على الإعلام إسم السلطة الرابعة, فإنه وبدون أدنى شك أصبح السلطة الأولى مع التطور الهائل الذي طرأ على وسائل الاعلام ووسائل الإتصال والتواصل الإجتماعي, حتى صار الإعلام يتدخل بشكل مباشر في تكوين الوعي الجمعي للشعوب, و يتدخل في تفاصيل الحياة اليومية, ولا يقتصر على الجانب السياسي.
لا أحد يدري كم هو حجم المخططات التي توضع لتسميم العقول عبر الإعلام, لكننا ندرك أنها كبيرة, بل كبيرة جدا, والسبب هو أن الصراع بين قوى الشر- وهنا أقصد اسرائيل وامريكا على وجه التحديد- وبين وعي الشعوب هو صراع وجودي. و سوف أقتصر الحديث في هذه المقالة على جانبين أراهما غاية في الأهمية؛ وهما تزييف الحقائق والتجنيد المجاني للإعلاميين.
فيما يتعلق بتزييف الحقائق سوف أستعين بمقطع الفيديو( * ) وهو للقاء الذي جمع الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مع مجموعة من اليهود. وكان عنوان الفيديو "حقيقة العلاقة بين ايران واسرائيل", والذي انتشر جزء مقتطع من اللقاء بشكل واسع على وسائل التواصل الإجتماعي. وكانت النصوص المرفقة مع الفيديو تتحدث عن عمق العلاقة بين ايران واسرائيل, وأن حقيقة العلاقة بينهم إنما عداء في العلن وصداقة في الخفاء, وأنهم يحيكون المؤامرات ضد العرب والسنة. وقد لاقى هذا الفيديو رواجا واسعا بين جمهور هو مهيأ أصلا لتصديق مثل هكذا خبر, فالأرضية الذهنية خصبة جدا لتصيدق أي خبر أو مشهد يؤكد عداء ايران للعرب السنة, بسبب عشرات الفضائيات التي أنشأتها قوى الشر لتأجيج حرب طائفية بين الشيعة والسنة, الرابح الوحيد منها هو الكيان الصهيوني. وبالتالي فإن منتج هذا المقطع كان متأكدا أن أحدا لن يتوقف عند الخبر ويراجع المصادر لكي يتأكد من صدقه, لذلك نجح الفيديو نجاحا باهرا بانتشاره على مدى واسع في الوطن العربي, وأسهم في توصيل رسالة مفادها أن ايران واسرائيل في خندق واحد ضد العرب السنة.
لكن حقيقة هذا اللقاء هي العكس؛ فهو لقاء جمع أحمدي نجاد مع أعضاء من يهود "ناطوري كارتا", وهي حركة يهودية أرثوذكسية ترفض الصهيونية بكل أشكالها وتعارض وجود دولة اسرائيل. ويتواجدون في القدس ولندن ونيويورك. هي جماعة دينية يهودية تم تأسيسها في سنة 1935 تعارض الصهيونية وتنادي بإنهاء الكيان الاسرائيلي وتؤمن بوجوب منع اليهود من الحصول على دولة خاصة بهم حتى مجيء المسيح. وقد كان لقاء أحمدي نجاد مع أعضاء من هذه الحركة عندما كان في نيويورك تقديرا من هذه الحركة للجهود الذي يبذلها ضد اسرائيل والداعمة للحق الفلسطيني, وسوف يشرح الفيديو المرفق طبيعة هذا اللقاء, والذي انصح بمشاهدته.
أما الموضوع الثاني فهو التجنيد المجاني للإعلاميين. وهذا الموضوع يتسع لمساحة عريضة من الأمثلة, وكلها يدور حول شخص عادي, أي ليس مأجورا ولا عميلا وليس ساذجا, وكيف يتحول الى بوق إعلامي لموضوع ما. وقبل الخوض في عرض المثال الذي اخترته حبذا لو شاهدتم معي الفيديو المرفق في الرابط(**) فيديو لتجربة الإمتثال الإجتماعي, فهو يعبر بشكل رائع عن الفكرة. وكمثال سوف أتناول الملهاة القطرية السعودية. فبالأمس القريب كانوا أشقاء ويشتركون في معظم أمور حياتهم الداخلية وقراراتهم الخارجية, وكان إعلامهم يكمل بعضه البعض, فكلها كانت تنقل من مصدر واحد وتتحدث بلسان واحد. ليتحول الأشقاء بين ليلة وضحاها الى أعداء, وتتهم كل دولة الاخرى بدعمها للإرهاب وغيرها من الإتهامات. في الحقيقة أننا لا نعلم ما هي الأسباب الحقيقية وراء هذه المهزلة المفتعلة ولا الغاية التي ارادتها قوى الشر منها, لكننا نعلم بأن قرارا يتخذ في تل ابيب أو في لوبيات الكونجريس الأمريكي بعودة المياه لمجاريها, لتعود كما كانت وفي نفس السرعة. وكلنا يعلم أن هذه الدول ذات القوة الإقتصادية الهائلة لا يمكن أن تحكم بمثل هؤلاء الحكام ولولا الرعاية الأمريكية لما كانت حكوماتها لتصمد الى الان. لكن المصيبة التي فاجأتني هي النقلة السريعة لمثقفي وإعلاميي وكتاب كلا الدولتين وانقسامهم الى فريقين من السبابين والرداحين, كل فريق يخون الاخر ويتهمه بالارهاب. ولم يمض أسبوع واحد حتى ينقسم الشارع العربي على نفسه إن كانت قطر أو السعودية على حق. وهنا يأتي موضوع حديثنا الذي أود الاشارة إليه, حيث وصل الإنقسام في هذه الملهاة الى البيت الواحد لتجد من يؤيد قطر ويتهم السعودية بصناعة الإرهاب وتصديره, في الوقت الذي يعارضه أخوه في ذلك ليتهم قطر بدعم الإرهاب والتسبب في كل ويلات المنطقة. وهنا تبدأ الحكاية, عندما يتحول أناس عاديون ليسوا من هذا الطرف او ذاك الى محاربين شرسين على وسائل التواصل الإجتماعي وبالمجان ليصبح الواحد منهم فيما بعد طرفا فعالأ في هذه المسرحية ....
إن خطر هذه الجيوش المجانية من الإعلاميين لا يقل عن خطر أصحاب فكرة تضليل الرأي العام أنفسهم. فكل من اقتنع بفيديو نجاد, يصبح ناقلا للكذبة وحريصا على نشرها, فالميزة الأساسية لهؤلاء الجنود المجانيين أنهم لا يراجعون حقيقة ما يقنعهم ومصادره. فهم لم يراجعوا حقيقة فيديو نجاد, ولا تساءلوا عن السبب الذي يقدم لتفسير الخلاف المزعوم بين قطر والسعودية, وإن كان مقنعا أم لا, فالإعلام يعتبر المواطن الذي لا يراجع ما يقذف في رأسه من أخبار ورسائل, ضحية مرشحة للتجنيد المجاني من قبله.
نحن وقوى الشر في سباق دائم, فهم يحيكون المؤامرات ضدنا ونحن نحاول كشفها. وعلينا أن ندرك بأنهم ليسوا ساذجون, ويعلمون أن وصول الشعوب لحالة من الوعي الحقيقي يعني فناء كل القوى المتاَمرة عليها, لذلك فهم يكرسون معظم طاقاتهم لضرب هذا الوعي بإعلامهم الخبيث المسموم. وما أقدمه هنا إنما محاولة لتسليط الضوء على طريقتين يستخدمهما أعداؤنا للعب فينا وهما تزييف الحقائق والتجنيد المجاني للإعلاميين, وكيفية تأثيرهم في تشكيل وعينا وتدخلهم بشكل مباشر على تفاصيل حياتنا اليومية. عل وعسى بأن نتعاون جميعا للوقوف عند كل خبر صغيرا كان أم كبيرا, للتأكد من مصدره, ومن مدى صدقه, وتحليله وحساب بعده أو قربه من قضايانا وما قد يكون الهدف منه.

(*) فيديو لقاء محمود أحمدي نجاد مع اليهود ناطوري كارتا
https://www.youtube.com/watch?v=CD58DdmI8Po&t=337s
(**) فيديو لتجربة الامتثال الإجتماي
https://www.youtube.com/watch?v=u4_cfVdQwBY&t=47s








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت