الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما أشتعلت الشرارة صبيحة ذلك اليوم الربيعي الجميل

قاسم علوان

2006 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


شهادة بمناسبة ذكرى انتفاضة 2 آذار 1991 الباسلة
عندما اشتعلت الشرارة صبيحة ذلك اليوم الربيعيّ الجميل
إلى حيدر الشلال... وتلك الأيام التي كانت سببا لافتراقنا...
كنا ننتظر معجزة حقيقية لكي يسقط ذلك النظام الفاشيّ الرهيب... وذلك بعد أن أعلن موافقته على الانسحاب مهزوما من الكويت...؟ لم نكن نجرؤ أن نصدق ذلك.. كنا ننتظر من قوات التحالف الدولي لا أن تكتفي بتحرير الكويت.. كنا نريد أن نراها تكمل زحفها إلى بغداد حينذاك.....!!! كنا نحلم.. قبل ليلتين من ذلك اليوم، أي مساء الخميس التقينا ونحن مجموعة من الأصدقاء، وسهرنا في شقة أحد أصدقائنا، بانتظار وقف إطلاق النار الذي كان موعده منتصف تلك الليلة... هل يتذكر الآن حيدر الشلال ذلك...؟ كنت أراهن وبحماس مفرط على سقوط النظام رغم انسحابه من الكويت... الجميع أحياء.. في اليوم التالي وفي المساء منه، أي في 1 آذار.. تسقطّت الأخبار من الإذاعات الأجنبية.. لم يكن هناك من خبر يجعلك أن تأمل خيرا.. فقط أل BBC أشارت الى تمزيق صور صدام حسين وبشكل علني في شوارع البصرة على يد الجنود المنسحبين أو المهزومين من الكويت، وإطلاق النار على الجداريات التي تحمل صوره من قبل أولئك الجنود.. وكنا شهودا على ذلك عندما خرجنا صباح الجمعة بعد نهاية سهرتنا تلك، هذه بادرة طيبة كان منظر ذلك الجيش الكبير وهو ممزق بذلك الشكل ترك بارقة أمل كبيرة لدي بنهاية النظام... لذا صدقت الخبر فورا عندما طرق أحد الجيران علينا فجر ذلك اليوم، ليزّف لنا بشرى سقوط صدام...!! وعلى أن (ثورة أو انقلابا) حدث في بغداد...!!! خرجنا إلى الشارع فورا لنستطلع الأمر نحن الذين افتقدنا منذ سنين طويلة أخبار الانقلابات والثورات...!!!، وإذا بتظاهرة عارمة تجوب شوارع (حي الحسين) وتهتف (لا أله إلا الله.. صدام عدوّ الله) هذا شعار جميل وفعلا صدام عدو الله.. ولكن من هؤلاء...؟ هل نخرج معهم أم لا...؟ وقفت على الرصيف حينها أتفرج وأتساءل مترددا.. من هؤلاء المتظاهرون...؟ من له القدرة في الداخل على تحريض هذا العدد الكبير والخروج بهذه التظاهرة الضخمة صباح هذا اليوم...؟ من يقودهم...؟ هل هي تظاهرة عفوية أم أن هناك جهة ما تقف خلفها...؟ وأنت مع من تقف في هذه اللحظة التي طال انتظارك لها...؟ الأسئلة كثيرة... هربت (من نفسي) إلى البيت، يجب أن أتصرّف بسرعة وأحسم هذا التردد أو هذا الموقف...! هل تجلس في بيتك بانتظار النتائج.. أم تساهم في حسمها...؟ لا زالت المعاناة من بطش صدام وأجهزته ورفاقه، والخوف منهم يجثم على صدورنا بشكل رهيب، الخوف من قمع أجهزة صدام مسألة غير طبيعية.... هل هناك من يقول عكس ذلك....؟
فاجأتني والدتي بصراخها الملتاع وهي تبحث عن أخي الأصغر الذي خرج منذ أن فتحنا الباب في الفجر ولم يعد للبيت في ذلك الوضع الجديد الملتهب، حينها كان أطلاق النار العشوائي مستمرا ولم يتوقف منذ أيام، حتى بعد إعلان وقف أطلاق النار الرسمي في منتصف الليلة قبل الماضية... ولم نكن نعرف مصدر ذلك الإطلاق، أو هو مع من وضد من...؟ لا أحد يعرف ذلك.. أنها الفرصة المناسبة إذن للخروج... أعطوني بندقيتي لأخرج وابحث عن أخي هاشم (بعد أن غيرت ملابسي) وخرجت فعلا.. لأجد نفسي بعد دقائق في مقدمة مجموعة مسلحة تهرول باتجاه مقر قيادة (شعبة الحزب) وهي التي تعرف بـ (شعبة القائد) في حي الخليج، فاجأني أحدهم ونحن نقترب من الخلف من مبنى (الشعبة..) عندما سألني:- هل تحتاج إلى عتاد أضافي...؟ نظرت أليه باستغراب، لم أكن اعرفه، وكان رجلا أنيقا جدا...!! فحصته بنظراتي من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، كان يرتدي بدلة بنية نظيفة ومكوية جيدا، وحذاء بنيا عالي الرقبة لماعا في ذلك اليوم...!! قلت له:- بعد تردد نعم.. فأخرج من جيبه كمية من اطلاقات الكلاشنكوف وأخذتها منه وجلا.. ترى من يكون هذا...؟ كنا نخشى مخابرات صدام...!!
اقتربنا من السياج الخلفي لقيادة (الشعبة الحزبية) تحت رمي متقطع للمدافعين عنها، من نوافذ الطابق الثاني والثالث لها وهو مبنى ضخم كما يعرفه أبناء البصرة، أقترب مني شاب عرفته من أول وهلة.. كان أحد طلابي سابقا في معهد الفنون الجميلة، وقال (أستاذ...!! لماذا أنت مكشوف الوجه...؟) أنه الآن الشيخ المعروف عبد الستار البهادلي...!! وأعطاني كوفية بيضاء لألفها على رأسي وذهب...!! هكذا هي الثورة دائما وفي كل العصور... يبدؤها مجهولون صغار... انقسمنا بعد أن أزداد عددنا وبالاتفاق إلى مجموعتين، للالتفاف على مبنى (الشعبة...) مجموعة باتجاه اليمين وأخرى من اليسار.. كنت أنا في مقدمة المجموعة التي ذهبت باتجاه (ثانوية الخالصة للبنات) التي تحاذي الشعبة من جهة الشمال، كنت أكبرهم سنا، وكنت أول من دخل المدرسة من بابها الرئيسيّ باستقامة الجدار مع واجهة (الشعبة...) بعد أن طلبت من أحدهم أن يغطي دخولي بالرمي باتجاه بابها الذي كان يصدر منه رمي متقطع... نعرف أن هذه المدرسة أصبحت أيضا مقر حزبيا في تلك الأيام، إلا إنها في تلك الساعة لم يصدر منها أي أطلاق نار باتجاهنا وحتى قبل أن ندخلها، أبواب الصفوف والإدارة كانت مفتوحة، غرف مليئة بصناديق البنادق والعتاد المختلف الأنواع، وكذلك الأدوية...!! فتشت الغرف فلم أجد أحدا، كان أحد الأبواب مواربا.. لم أكن أعرف أنه الحمّام الخاص بالإدارة، دفعته فوجئت بوجود رجلّين متوسطي العمر غير مسلحين وبملابس نصف مدنية.. نصف عسكرية، عرفت فورا أنهم من الحرس الخاص بالمبنى من هم بدرجة (نصير) في (الحزب..) أو من (المؤيدين) الذي يجبرون على أداء الخفارات في المقرات الحزبية، كانت وجوههم واجمة تشي بخوف رهيب.. أول كلمة نطق بها أحدهم (دخيلك...!!) أغلب المهاجمين انشغلوا بتفتيش الغرف وتقليب موجوداتها، وهيئة هؤلاء لا تختلف عن هيئة أولئك، قلت لهم أخرجوا بسرعة ولا تلتفتوا نحو أحد....!!!
هيا لنكمل المشوار... قلت لمجموعتي، بعد أن خفت حدة المقاومة من داخل الشعبة بمرور الوقت.. تقدمنا بمحاذاة الجدار من بابها الرئيسي لنلتقي بمجاميع أخرى من المهاجمين جاءت من جهات مختلفة، هناك بعض الرمي المتقطع من الداخل، ولكن وكما يبدو يائسا، كان هناك (رفيق حزبي) وهذا ما يبدا لي من (الزيتوني) الذي يرتديه.. ممددا قرب الباب الخارجي على أنه قتيل...! لا يبدو عليه أنه مصاب، فقط يتظاهر بالموت عسى أن يفلت من قبضته المحكمة...!! أدركت ذلك بسرعة، ولكن (الرفيق الغبي) كانت يمناه تقبض على مسدس يحاول أن يخفيه تحت فخذه، أنا فتأكدت من أنه حي، تساءلت هل أستطيع أنا أن أطلق النار على إنسان..؟ أي إنسان كان حتى لو كان بعثيا..؟ يا الله.. كيف أنقذه..؟ لو أكتشفه أي من أولئك المهاجمين سيقتله فورا...! وفعلا حاول أحدهم نزع المسدس من يده فلم ترتخ كفه..! فعرف أنه حي فأطلق النار على رأسه...! كان تحت أقدامي مباشرة، قلت للذي أطلق النار والذي يقف بجانبي.. لماذا قتلته ألا يمكن أن نأخذه أسيرا...؟ قال لو بقي حيا للحظات لقتلنا معا... أفحمني... فترت همة المدافعين، بعضهم خرج رافعا يديه الى الأعلى متوسلا الأبقاء على حياته.. جاء أحد المهاجمين بدبابة لا يجيد قيادتها ودخل بها الى المبنى كيفما أتفق، فخرج البقية أحياءا واقتادوهم أسرى.
ها نحن أسقطنا رمزا كبيرا من رموز النظام في البصرة على الأقل، كانت الفرحة غامرة... شعور خاطئ غمرني بأن لم يبق إلا القليل على نهاية النظام ككل، أو أن هذا الذي حدث هنا... لابد أنه قد حدث في جميع أنحاء العراق....!! لماذا البصرة فقط..؟ عندها تذكرت شقيقي الذي خرجت للبحث عنه، قلت لنفسي هذا أخطر مكان يمكن أن يصل أليه، وهاأنذا فيه ولم ألتقه، إذن لابد أن يكون في مكان آخر أقل خطورة... أغمضت عينيّ تحت نشوة (النصر المؤقت...!) ذاك للحظات لأرى شريط ذكريات كان دائما يراودني، استدعيته الآن برغبتي، استعرضت كل وجوه أصدقائي ترى أين هو كاظم الحجاج الآن ليراني في هذه اللحظة مقاتلا...؟ أصدقائي وأقربائي الذين فقدتهم طيلة كل تلك السنين هل التقيهم مجددا..؟ هل يمكن أن أرى ثانية مصطفى ياسين.. رياض النعماني.. جواد ألأسدي.. عايد كاظم...؟ هل ثأرت في هذا الهجوم لأصدقائي الشهداء خليل المعاضيدي وجليل المياح وماهر كاظم أو لأبن أخي الفتى صلاح حسين..؟ كما تخيلت حينها شريطا لرجال (كومونة باريس) كما قرأته في مسرحية برخت هل كنّا مثلهم في هذه اللحظات...؟
بعد ساعات جاء الخبر المفرح الآخر.. إن مبنى المخابرات و (قيادة فرع الحزب..) قد سقطا أيضا...!! ولم يبق في البصرة أي جيب للمقاومة يذكر. رغم تلك الانتصارات.. كنت خائفا وجلا من أن انتفاضتنا هذه لن يكتب لها النجاح، لم أكشف مخاوفي هذه لأحد. مساءا عندما سمعت نشرة ألBBC التي قالت أنه حدثت في مدينة البصرة أعمال شغب...!!! يا لله أعمال شغب فقط..!! هذه الانتفاضة الرهيبة التي أسقطت الحكومة المحلية وحزبها.. هي أعمال شغب فقط...؟ كما عرجت النشرة على أنباء انتشار الفوضى في أغلب المدن العراقية، وإشاعات مفادها أن صداما قد هرب الى الجزائر أو روسيا... إذن هناك بذرة أمل نستطيع أن نغرسها في نفوسنا على أساس هذه (الشائعات..) وليهرب إلى أي مكان يريد.. في اليوم نفسه التقيت مع (مجموعتي) الجديدة، معظمهم كانوا مجهولين بالنسبة أليّ، عدا أصدقائي القدامى.. حيدر الشلال المقيم الآن في أستراليا، وأكبرنا سنا المرحوم منشد أبو علي، الذي ألتقيته خلال الهجوم على (الشعبة..) وكان شجاعا مندفعا، والذي توفي بعد سنوات بمرض عضال الم به، وكذلك عبد الرسول مذخور، والذي كان أيضا طالبا لدي، والمقيم الآن في أستراليا أيضا، وعقيل عبد الرسول الشلال، وآخرين لا أتذكر أسماءهم في الوقت الحاضر، واتفقنا على أن نهاجم بيوت الرفاق السيئين، السيئين منهم فقط، لم أكشف لرفاقي عن مخاوفي وريبتي في الأيام القادمة.. يظهر أني كنت المتابع الوحيد لنشرات الأخبار... بل كنت متفائلا أمامهم، لكن التردد بدا على البعض منهم، وفعلا نفّذنا بعض العمليات الهجومية، ولكن بدون خسائر تذكر للطرفين....! لم نكن جادين لإلحاق الضرر بأحد...! خرجنا أيضا أنا ومنشد أبو علي لنكتب الشعارات على الجدران بالسبريه.. منها (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان)
يوم 5 آذار دخل (حرس صدام الجمهوري) إلى المدينة، وهي من شكلها وحدات عسكرية لم تشارك في الهزيمة من الكويت، وكان أول حيّ سكنيّ يدخله ذلك الجيش هو (حي الحسين) عرفنا أن أي نوع من المقاومة غير مجد في حينها أمام الدبابات والمجنزرات المتنوعة لذلك الجيش، معنى ذلك خسائر جسيمة في الأرواح والمباني السكنية التي ستسقط على رؤوس ساكنيها من غير المعنيين، سعينا وبنجاح الى أن نمنع أي شكل للمقاومة المسلحة نهارا، وفعلا لم تكن هناك أية خسائر تذكر في ذلك اليوم واليوم الذي تلاه، إلا أن تلك (القوات المسلحة) كانت تخرج مع حلول الظلام من الأحياء السكنية الى خارجها، غرب طريق بصرة ـ بغداد، لتغير عليها مجموعات من المقاومين من مناطق مختلفة، وتحرق بعضا من دباباتهم وأسلحتهم. لم نيأس مطلقا كنت أغالط نفسي وأبشر المحيطين بي بان صداما ورقة محترقة وأن نظامه قد انتهى، وسيسقط وأصحابه ولو بعد حين، فقط الأمر يحتاج الى شيء من الصبر لا غير.
بعد دخول الجيش واستنفار (الرفاق الحزبيين) الذين اختبأوا جيدا في تلك الأيام، وخرجوا الآن، حاولت أن أترك بيتي.. مرة فكرت بالذهاب باتجاه إيران عبر التنومة... وفعلا قررت بدون أن أخبر أحدا عدا زوجتي.. أطلعتها على قراري وطلبت منها أن لا تطلع أحدا في الوقت الحاضر...! فقطعت المسافة من منزلي إلى (الداكير) على ضفة شط العرب مشيا على الأقدام، لكني لم استطع أن أعبر شط العرب حينها، لأن فلول (جيش صدام) كانت موجودة على الضفة الغربية تعد للهجوم المنتفضين في الضفة الشرقية، فعدت إلى البيت بعد ساعات لنتناول الغداء أنا وحيدر بتفاؤل مفرط...!! قمنا ببعض أعمال (المقاومة) مساءا... بدأ ظهور (الرفاق الحزبيين) الملثمين الخائفين مع قوات الجيش التي تفتش المناطق السكنية وتعتقل من يتعرف عليهم أولئك الرفاق لينفذ فيهم الإعدام فورا.... أغلب الأحيان كانت الاعتقالات عشوائية... ذهبت أيضا سيرا على الأقدام الى بيت أخي الكبير في محلة (5 ميل) هربا.. وكم كان المنظر مفرحا بالنسبة لي.. أعاد الثقة الى نفسي والى ما كنت أطرحه فيما يخص انهيار النظام في الأيام القادمة... أرتال طويلة من الدبابات والدروع المحطمة تتناثر في شوارع المدينة مهشمة، لم تكن المسافة التي تفصل بين دبابة محطمة وأخرى أقل من خمسين مترا أحيانا، العشرات منها....!! هذا المنظر أزال بعض الضيق عن صدري ودفعني إلى شيء من التفاؤل الساذج...!!
ولم يستمر الأمر هكذا.. بل أسرع صدام في بسط نفوذه الدموي بسرعة قياسية، وبأشراف علي حسن المبيد في البصرة، وعلى كل مناطق (التمرد) في جميع أنحاء العراق بقيادة الآخرين من عائلته وحزبه، وذلك بما أبقت له قوات (التحالف الدولي) من جيش قادر على إقامة ذلك النظام على قدميه مرة أخرى بوجه الشعب العراقي....
أما كيف بقينا نحن أحياءا إلى هذه اللحظة في (عراق صدام) فهذا أمر آخر وحديث ذو شجون.. نتركه ربما إلى مناسبة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة