الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شظايا جسد متفتت.

عدي الراضي
باحث في التاريخ والتراث.

([email protected])

2018 / 1 / 1
الادب والفن


تماس كهربائي في خيوط الدهر.بين الموجب والسالب انفجر عداد الجسد كزجاجة وقعت فوق الصخر.
مضمون رسالة مختصرة .توصل بها الطيب من مجهول وضعها في صندوق الرسائل بباب العمارة.
استغرب من هذه الكلمات المبهمة.سأل حارس العمارة عن هوية المراسل.لكن إجابته زادت للقضية غموضا.لقد وضعها ساعي البريد مع زمرة من الرسائل في الصندوق وغادر دون تحية.
يولد الإنسان جسد ويكبر جسما ويموت جثة.لماذا وضع كاتب الرسالة الجسد بدل الجسم .في هذه البرقية الملغومة.قال الطيب للحارس.
-الجسد حقيقة الإنسان؛ حالة يخرج بها من أبواب الحياة ليلج فضاء الوجود.
-الجسد هو الخريطة الطبيعية للإنسان.من خلالها تظهر تضاريس جغرافيته بدون أقنعة.والجسم عبارة عن أزياء وملابس .تخفي حقيقة الجسد والمظاهر لاتعكس كنه الأشياء.وفي المهد والحمام والمقابر تتوحد الأجساد والجثث.والثياب الفاخرة تميز مظهريا فقط بين الجسم والجسد.بين اللب والمظهر.
-الزجاج المتكسر لايجبر.والجروح الموشومة بخناجر اللسان في لب القلوب لاتضمد.والجسد المتفتت يمكث شظايا متناثرة بين دروب الدهر وأزقة الزمن.لاتجمع أشلاؤه إلا بعد اللحاق بالأجداث والرمس بالمقابر.
نعم أنا جسد متفتت قال الطيب بعد صمت مرفق بتفكير عميق في وجه حارس العمارة.استرجع فيها شريط حياته مشهد بعد الآخر. تيار الحياة يسري في عروقنا سلبا وإيجابا.اقراحا وأحزانا.وتظل وضعية الذات بين الغيوم والصفاء.وأجسادنا تنفجر بين صراع المتناقضات الواهبة للحياة المتوازنة مثل خيوط الكهرباء. من خلال تضادها نستنير في غياهب الظلام الدامس. وبفعل تماسها تحدث كوارث مهددة للوجود البشري.
-الإنسان جسد تتقاذفه الأزمنة كالكرة بين الأرجل في الملعب. طفولة بريئة وساذجة ومبدعة في نفس الوقت.نمارس شغبها بحلاوة فريدة.
-بين جبال وربى قريتنا تعلمنا مبادئ الحياة.ومن مناهل ينابيعها ارتوينا صفاء المعاشرة.والوفاء بالوعود.والإخلاص في العمل.فوق ركام الثلج نمشي حفاة.بأسمال نعدو بين الحقول. حفر الفقر فوق أجسامنا وشما بارزا . لن تزيله العمليات الجراحية لأمهر الأطباء.
نخترع لعب الأطفال نقلد من خلالها أعمال الكبار.من أوراق الجوز والصفصاف نصنع كتبا.ومن جمر عيدان البلوط المحترقة نبدع أقلاما.بسوادها نتعلم الكتابة فوق الصخور.على غبار الأندر نخطط بالبنصر ألفاظ وجمل وبوادر مواهبنا الأدبية.تشققت بصمات الأصبع ونقاوم الألم في سبيل الكتابة.والعزيمة هو الطريق المعبد إلى قمة الهدف.والطموح هو المسلك الصعب المؤدي نحو ميدان الغايات.
الطيب طفل خجول إلى حد التوحد.يعشق الانعزال.ويهوى مطاردة العصافير.واللعب بين مدرجات "تقشاشت"يستحضر حكايات وقصص أبيه.بمنزل الأجداد يتأمل محارب الصلاة وتيمم المنابر.خزائن المخطوطات احترقت تحت قذائف الاستعمار . أحد فقهاء العائلة من طرف الصعاليك أيام السبة والفوضى.المرافقة لدخول المحتل إلى القرية.أتلفت الكتب النفيسة التي بحوزة الفقيه المغدور.فقدت الشجرة أحد أغصانه اليانعة.وثمرتها الناضجة.وغابت تربة البذور.وازدادت كنه الذات غموضا.وكسرت مرآة الهوية وشظاياها المفتتة منيعة الجبر.فأين يمكن مشاهدة والتمعن في ملامح وجه العائلة؟
الرواية الشفوية المتداولة بين السلف والخلف؛خدش زجاجها ولانعكس إلا وجوها مبهمة القسمات.
باخرة تاريخ الهوية تائهة في ظلمات المحيط.فمن يشيد في شاطئها منارة النجاة.
اقسم الطيب باليمين.أنه سيكرس حياته لجمع الشظايا. ولبحث عن مفتاح السر المفقود.لفتح أقفال الهوية الموصدة.والمدفونة بتربة أهل الدلاء برواية الأجداد. المنقولة من مشتل سيدي الغازي بربوع تافيلالت.وتكيفت بأجواء أيت إسحاق وأنتجت سلالة طيبة فاح عطرها بملوية ومنابع زيز وجبل العياشي من ماركة سيدي أحمد أبو الطيب اللغز المحير والجدث المزار. وسألوا مدافن تاعرعارت عن حقيقة أهل الدار. ومناقب الأولياء الأمجاد الشيخان محمد وأحمد.ومعرفة الجذوع يتطلب إدراك موطن الجذور ومنبت الشتائل.

كان الحلم سعير يحرق الأجواف.ولوج المدرسة موعد منتظر على أحر من الجمر.
انتشر الخبر في ظرف وجيز بين سكان القرية.البراح ينادي بأعلى الأصوات.رافقوا أطفالكم غدا إلى المدرسة .حل الخوجا (المعلم بالامازيغية المحلية) سيدي عبد القادر إلى القرية.
نوبة فرحة ممزوجة بخوف ورعب امتلكت الطيب الطفل البريء.الحالم بتعلم القراءة والكتابة.لم ينم تلك الليلة.
-حل الصباح ارتدى جلابة صوفية بيضاء من نسج أمه وجدته.وخياطة المعلم حدو وقسو. كان يوما باردا من شهر فبراير1979م .قصد المدرسة صحبة أبيه.ولج القاعة. فوق منضدة صغيرة يقعد معلم شاب اسمر السحنات.ويتحدث أمازيغية واضحة. وبجانبه شيخ القبيلة ومقدم القرية.
-مرحبا سيدي قالها المعلم لوالد الطيب.
ماإسم ابنك ؟
- اسمه الطيب وعمره تسع سنوات.
سجله المعلم في ورقة بيضاء بخط أنيق.لحظتها تمنى الطيب لو كان خط يده مثل الأستاذ.
تفوق في الدراسة على الأقران.واهتم بها أكثر من الأتراب.
-لحق بالقسم الخامس ابتدائي.ودرس في فرعية بعيدة عن القرية .تحمل قسوة المناخ وزمهرير شتاء الجبل.من اجل التعلم يقاوم كل المثبطات.
كان يوم 8غشت من صيف 1982م منعطف خطير في حياة الطيب.رياح المنية أسقطت مظلة الحنان فوق رأسه.ونضبت مياه العطف في نهر طفولته.وجفت ينابيع الأحضان الدافئة من حوله. لقد لحقت فاطمة وسيدي بالرفيق الأعلى بعد مرض مزمن عانت جرائه عقدا من الزمن.
حاولت الجدة والأب ملء الفراغ العاطفي للأيتام.وماء المزن في الشتاء لن يروي الحقل الظمآن زمن صهد منازل الصيف القائظ.تأثر الطيب بهذا الحدث الغير المنتظر.والغير المتوقع .رغم مرضها فهي كنز في المنزل.ينام في حضن جسمها الهزيل.ويحس بأمان واطمئنان.في غيابها لايقوي الدخول والعودة إلى البيت مساء. وتغير برنامج حياة الطيب .وعاد إلى البداية .كيف لطفل صغير في عقده الأول أن يتحمل رجة الزلزال الذي مس أركان الأسرة من عمادها؟
شمعة الكانون فقدت خيطها.من ينير غياهب أركان البيت الحالكة.
-الأم شمعة تحترق لإنارة سماء حياة أبنائها.وفي عافيتهم تستمد شعاع الأضواء.
-الأم منهل فياض من الحنان لاينضب في السنوات العجاف.
-الأم قنديل دائم الأنوار لايخمد رغم العواصف الهوجاء.
-الأم دفء في برودة أيام شتاء الحياة القارسة.
-الأم بحر الحب .منبع الحنان.وكنه العواطف.وسر الوجود.
-الأم عبير وعطر يطيب أجواء حياتنا رغم نتانة الأيام.
-الأم كهف يأوينا.وبطارية نشحن منه الطاقة اللازمة.
الأم كل شيء في الحياة.رغم للأب وجود ودور في تربيتنا .فان رمز الحنان يتلخص في من اختلط روحك بروحها وأنت جنين في رحمها تحس بفرحها وحزنها.
-إن حرمان الطيب من حنانها في أعز طفولته ترك جرحا في صحته النفسية.لم تندمل رغم طول السنين.
-بهيئة بدوية ولج الداخلية وتلميذا بإعدادية أبي سليم العياشي.كان الإحساس بالنقص لهيب يكويه من الأعماق.لباس لايشبه زي الأقران.حذاء بلاستيكي في ساعة التربية المدنية بين الرفاق. فقر الأسرة يقمع رغبات المراهقة التي يعيش أوج ذروتها تلاميذ المستوى الإعدادي. اجتاحته أعاصير مدمرة.لايدري من أين يبدأ. إرضاء الذات وسط الأقران أم الانسجام ومستوي المعيشي للأسرة.كان الحل الاشتغال أيام العطل .والاعتماد على النفس صفة حميدة يجب التربية عليها منذ الصغر.
-نكبر وتنتفخ بالونات الأحلام في عمق ذواتنا.
-نكبر وتتغير ملامح الجسد وأساليب التفكير.
-نكبر وتزداد الفتوة ويتقلص الحماس.
نكبر تتقزم العاطفة وتطول قامة العقل في الوجدان.
-نكبر ويستبد العلم وتضمحل الخرافة في أفكارنا.
-نكبر يموت الهزل في تصرفاتنا وتغمر الجدية أفعالنا.
نكبر وتتغير مواقع الحب في قلوبنا.
-نكبر وننسى الأمهات ونرتمي في أحضان الزوجات.
نكبر ويزداد الحمل ثقلا.ونحمل فوق ظهرنا أرواحا بعدما كنا محمولين.
-نكبر ونعيل الأفواه .بعدما كنا عالة على الآباء.
-نكبر ونلبس ثوب الأبوة بعدما كنا في جلابيب الأبناء.
إنها حقائق يجب الإقرار بها.والتشخيص الجيد للداء بداية موفقة نحو العلاج.
عندما تجتاحنا غيوم الكآبة السوداء.علينا إنارة قناديل القضاء والقدر لبث أشعة الاستسلام.وتناول مهدئا من المكاتب ومسكنات الأقدار لقمع الهم والغم المخيم على قلوبنا.ومقاومة عصابات التشاؤم المغيرة على ذواتنا في أحلك الليالي وواضحة النهار.
-السعادة وهم نصنعه.خيال نبث فيه روح الواقعية ليصحو جسدا مفعم بالحياة.
-الأفراح كائنات نبدعها من التفاهة.والأحزان إغراق الذات في كأس الروتين اليومي العميق.وبئر الملل المظلم قعره شهدا من العسل.ودلوه من جلد القناعة والإخلاص.ومنظر شكله علقم من أوراق الدفلى.أزهارها جيدة المظهر ولبها من مرارة السنين.
-بإتقان كتابة السيناريوهات نخلق من القبح جمالا.وبعيون القناعة يظهر ابيض قوس قزحنا أسود.وبمنظار الإنسانية نكبر من حجم الأشياء.وتبرز معاني المودة في المجتمعات. وتتلون العلاقات بصباغة العطف وروح التضامن.بمضادتها الحيوية نقضي على اخطر الأوبئة المعدية.مثل الأنانية وحب الذات.وما أجمل صيدليات التربية الحسنة.ومصحات الأخلاق في أحياء مدننا.بدون ها لايمكن المعالجة من أمراض النرجسية المعدية.
-الرجوع إلى الله سي الطيب فين سرحتي؟
-إستيقظ الطيب من سباته على هول صراخ حارس العمارة.كمن فجاءته بقطعة ثلج في لحظة غفلة.
-أعود بالله لماذا لم تتركني أتمم المسلسل.
أبرسالة مجهولة شغلت ذهنك إلى هذه الدرجة؟
لا. أبحث فقط عن الجواب.وابلغ الرسائل تكون بالعناوين المجهولة.وأحسنها نراسلها إلى مجهول.الكل يعتقد انها موجهة إليه وتكتسب دلالة العام بدل الخاص.وبهذه الطريقة تتعمم الإفادة
-أخذ الطيب الورقة البيضاء وبخط أنيق ومزخرف كتب:
نوائب الدهر صخور صلداء.تتكسر عليها الأجساد القوية ؛والشظايا الناجمة عن الاصطدام بذور شتائل جسد جديد.يخلق بمواصفات أكثر قوة وأجمل صورة.
وبحبر وردي خطط العبارات .ونبت الجسد بين السطور مودعا الشظايا.وجمع أطرافه المتناثرة .وعاد الضوء أدراج العمارة بعد إصلاح العداد المتفجر من قبل تقني بارع.وأنقذ البشرية من حريق الأزمنة. والأعمال الصائبة تحمي العالم من الصدمات.وتقي المجتمع من الأزمات.ومتى نتسلح بنية الإصلاح الحقيقي بدل الترقيع.. العلة الكامنة وراء التماس الكهربائي في عداد عمارة العالم.
حرربفاس يوم الاثنين 01/01/2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير