الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية تخون نفسها

فريدة النقاش

2018 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


قضية للمناقشة: الليبرالية تخون نفسها


أثارت تصريحات الدكتور «يوسف زيدان» الكاتب والروائي حول « أخلاق» صلاح الدين الأيوبي «موجة واسعة من الانتقاد، خاصة أن ما قاله «زيدان» يمكن أن يدخل فى باب الشتائم، وفى ظني أنه بالرغم مما فى هذه التصريحات وغيرها « لزيدان» وآخرين ما يدعو إلى فتح ملف حرية الرأي والتعبير على أوسع من السجال العابر، فإنه يدعو أيضا إلى إعادة فحص وتدقيق بعض المسلمات الشائعة والمستقرة فى حياتنا الثقافية والسياسية بطريقة موضوعية لا طريقة «زيدان».
يحدث هذا فى مصر التي تنتمي إلى ما سمى بالعالم الثالث بما له من خصائص أنتجتها طبائع الاستبداد.
أما الجديد فى هذا السياق فهو التضييق على الحريات سواء حرية الفكر والتعبير أو الحريات الأكاديمية فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وهو ما استنفر مفكرين وأساتذة وطلابا كانوا قد استعادوا ذكريات الممارسات المكارثية فى أمريكا والفاشية فى أوروبا، بعد أن تابعوا بقلق نشاط الجماعات التي تتفنن فى التضييق على أصحاب الآراء المخالفة لآرائهم، ومثل هذا النشاط هو صدى لانتعاش النزعات والأحزاب اليمينية والمتطرفة فى أوروبا.
وقال الكاتب «نيكولا وولكوك» فى جريدة الصنداي تايمز، محذراً: أن دور الجامعات يتمثل فى تفتيح العقول لا إغلاقها، ولذا يجب فرض عقوبات صارمة على الجامعات التي لا تحترم حرية الرأي والتعبير. وأضاف الكاتب «إن أكثر الطرق فعالية لمواجهة الأفكار السيئة أو حتى الأكاذيب التي يرتب عليها البعض أفكارا: هو مواجهتها فى نقاش حر مفتوح «.
وأخذ كثير من المفكرين والكتاب يحذرون من إفقار الجامعات وتحويلها إلى مناطق جرداء خالية من النقاشات الحرة، بل يجب أن تبقى هي الساحات والمنصات التي يجري فيها مناقشة الأفكار والقضايا الشائكة، وأن تتوفر الحرية للأفراد والجماعات مهما كانت وجهات نظرهم مثيرة للجدل أو خلافية تخاصم الشائع بل وتشكك فيه، بحيث يمكن تحدي هذه الآراء بوضوح وعلانية فى إطار القانون العام.
ونعرف جميعا عمق الفروق بين القوانين التي تنظم الحريات فى بلداننا، وتلك التي تنظمها فى بلدان أحرزت تقدما كبيرا فى هذا الميدان، ومازلنا نحن نكافح من أجل الالتزام بالمعايير العالمية، التي تصون الحريات وتجرم الاعتداء عليها، وفى المقدمة منها حرية الفكر والتعبير والاعتقاد مع منظومة من الحقوق لابد من توفرها سياسية كانت أو اجتماعية اقتصادية، ولا ننسى فى هذا الصدد ذلك التاريخ الطويل من ملاحقة كتاب ومفكرين من «طه حسين» لخالد محمد خالد لنصر حامد أبو زيد، وصولا لقتل فرج فودة».
ولطالما تباهت الدول الأمريكية والأوروبية بمبادئها الليبرالية وهي تعايرنا باستبداد حكامنا وتخلف قوانيننا فى هذا الميدان، بل إن كلا من أمريكا والاتحاد الأوروبي وضعت شرط احترام حقوق الإنسان لمنح القروض والمعونات للبلدان الفقيرة التي انهكتها طبائع الاستبداد، وللحق فإن هذا الشرط شكل حماية لمناضلين من أجل حقوق الإنسان فى بلدان كثيرة، ومنع عنهم أذى أشد مما وقع لهم فعلا، بل وأنقذ بعضهم من موت محقق.
ولكن هذا كله لا ينفى ما يمكن أن نعتبره الآن ظاهرة تتجلى فى كل من البلدان المتقدمة ديموقراطيا- وفى بلداننا بطبيعة الحال مع اختلاف فى الدرجات. إذ أن الليبرالية تخون نفسها، وتدوس على مبادئها، حين تتجاهل المنظمات والأحزاب والمفكرين الذين يرفعون الرايات الليبرالية، كل الممارسات التي تنتهك مبادئها صراحة، وخاصة فيما يتعلق بالحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطنين وتجريم العنصرية والكراهية.
صحيح أن الليبرالية لا تعترف بالصراع الطبقي، لكن ممثليها يدعون أن الحريات الأساسية هي فى مقام المقدس بالنسبة لهم.
فإذا قرأنا بعناية خطاب المندوبة الأمريكية فى الأمم المتحدة وهي تهدد بقطع المعونة الأمريكية عن الدول التي صوتت ضد قرار «ترمب» الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وهو ما سماه الزميل «طارق أبو العينين» بتسليع السياسة الدولية»، أي استخدام المال سلاحا لإخضاع الدول وإجبارها على اتخاذ مواقف تتناقض مع مبادئها وحتى مع مصالحها، وحيث تتحكم الشركات والآن شركات إنتاج السلاح بشكل خاص فى رسم السياسة العامة دون أدنى اعتبار لا لمبادئ الليبرالية، ولا للأخلاق بينما يتشدق الساسة بالالتزام بالأخلاق وباحترام الحريات.
ويحق لنا هنا ان ننظر إلى الوراء قليلاً فى تاريخ أمريكا الدامي ضد الشعوب، ونتذكر جيداً ذلك الانقلاب الذي دبرته المخابرات الأمريكية فى « شيلي» مطلع السبعينيات من القرن الماضي والمذبحة التي نظمها عملاؤها ضد شعبها الذي جاء برئيس «يساري» عبر الانتخابات هو «سلفادور الليندي» والذي جرى قتله، كما أن هناك شكوكا أنهم قتلوا الشاعر «بابلونيرودا» وهل ينسى التاريخ ممارسات المكارثية التي طالت المثقفين اليساريين وطاردتهم فى خمسينيات القرن الماضي باسم مواجهة خطر الشيوعية.
سوف نظل دائماً فى حاجة إلى قراءة التاريخ بصورة شاملة بما فى ذلك تاريخ الأفكار حتى لا نغرق فى الأوهام ونبني قلاعا على الرمال.
وإذا ما قرأنا تاريخ الليبرالية فى بلادنا سوف تصدمنا الحقائق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال