الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع- 13-الموت والحياة

طوني سماحة

2018 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وكان إنسان مريضا وهو لعازر من بيت عنيا. أرسلت الأختان مريم ومرثا تقولان ليسوع "يا سيد، هوذا الذي تحبه مريض". فلما سمع يسوع، قال "هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله، ليتمجد ابن الله به". كان يسوع يحب مرثا ومريم ولعازر. مكث يومين حيث كان ثم دعا تلاميذه للذهاب الى اليهودية. قال لهم "لعازر حبيبنا قد نام. لكني أذهب لأوقظه". قالوا له "إن كان قد نام فهو يشفى". ظنوا أنه كان يقول عن رقاد النوم. فقال لهم يسوع "لعازر قد مات".

"لعازر قد مات". قد تكون هذه اللحظة، لحظة الموت، أصدق لحظات الحياة. فالضحك والسعادة، اللهو والنجاح، الفرح والشهرة، الغنى والصحة، يسقطون جميعا أمام هذه اللحظة المأساوية. لعازر قد مات، ومعه لا بد أن تموت كل أحلامه ونجاحاته وآماله. لعازر قد مات وكأنه لم يولد ولم يكن. فما نفع النجاح ولماذا صارع في الحياة؟ لماذا فرح وبكى، لماذا خاصم الآخرين وصادقهم؟ لماذا أحب أو كره؟ لماذا آذى غيره وتأذى منهم؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟

لعازر قد مات. وصل يسوع الى القبر. كان الميت قد أنتن. هذا الرجل الذي كان ذات يوم شعلة من المشاعر والاحاسيس، كتلة من الرجولة والقوة، استحال وفي أقل من لحظة الى غنيمة شهية لدود الارض. هذا الرجل الذي كان يرى نفسه محور الكون لم يعد سوى جسدا باردا يتحلل رويدا رويدا ويتحول شيئا فشيئا الى تراب الأرض. في لحظة الموت تصبح الولادة أكذوبة الحياة، ويصبح الموت الحقيقة المطلقة. أمام موت لعازر، وقفت الأختان والأحبة والأصدقاء أمام هول اللحظة التي تسقط أمامها كل اعتبارات الحياة، لتصبح الحقيقة أكذوبة والأكذوبة حقيقة.

وصل يسوع الى القبر. تجمع اليهود. البعض أتوا لتقديم تعازيهم ومساندة الأختين. آخرون كانوا يريدون رؤية يسوع. سمعوا عنه، لكنهم لم يعرفوه. أهو نبي ؟ أهو مشعوذ يخدع الناس؟ أيستطيع أن يقيم الاموات كما كان يشفي المرضى؟ أم تراه شأنه شأن كل الناس يقف أمام هول الموت عاجزا؟ قالت مرثا ليسوع "يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي". كانت وكأنها تلومه على تأخيره في المجيء وربما تقصيره تجاه صديقه. قال لها يسوع "سيقوم أخوك". بدا وكأن مرثا لم تقتنع بجواب يسوع، فهي تريد لعازر حيا الآن. تريده سندا لها ولأختها في مجتمع تعتبر فيها الانثى الوحيدة غنيمة سهلة للرجال. قالت له مرثا "أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة، في اليوم الأخير". قال لها يسوع " أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حيا وآمن بي، فلن يموت الى الابد".

غريب هو يسوع. ماذا يعني أن يكون هو القيامة والحياة؟ بينما كانت مرثا تركز على الحياة الحاضرة، كان يسوع يصرف نظرها الى ما بعد الموت. كان يقول لها أن الحياة لا تنتهي عندما يتوقف الجسد عن الحركة، ويتجمد الدم في العروق، ويغادر الهواء الرئتين والانسجة، ويعجز القلب عن الطرق المستمر ويبدأ الجسم البارد بالتحلل. كان يقول لها يسوع أنه هو بشخصه يختصر الحياة والموت، البداية والنهاية. كان يسوع يقول لمرثا أن الحياة ليست ان يتنفس الانسان كما ان الموت ليس أن يتوقف واحدنا عن التنفس، إنما الحياة ملك لأبناء الحياة، كما ان الموت حصر على أبناء الموت. عندما قال يسوع لمرثا "من آمن بي ولو مات فسيحيا"، كان يعلن انتصار الحياة على الموت لمن يريدون الحياة. قالت له مرثا "نعم، يا سيد، أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله، الآتي الى العالم".

دعت مرثا مريم أختها. ركضت مريم الى القبر ومعها جمع من اليهود. بكت مريم وبكى معها يسوع. كان خالق الحياة يقف أمام الموت. فهو لهذا قد أتى الى العالم. أتى ليحارب الموت الذي هو الشوكة والعدو. أتى ليضع حدا لمن أبكى الناس وحطمهم وفرّقهم. أتى ليميت الموت وليهب الحياة لمن هم في القبور. وقف يسوع أمام القبر. كانت اللحظة حاسمة. لو ان القبر انتصر على يسوع، لسقط أمل كل إنسان في الحياة. وإن هو يسوع انتصرعلى الموت، لصار بإمكان المائتين أن يحصلوا على إكسير الحياة للأبد.

كان القبر مغارة وضع عليها حجر. قال يسوع "ارفعوا الحجر". اعترضت مرثا. قالت له "يا سيد، له أربعة أيام وقد أنتن". قال لها يسوع " ألم أقل لك: إن أنت آمنت ترين مجد الله؟" رفع يسوع عينيه وقال "أيها الآب، أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا في كل علمت انك تسمع لي، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت، ليؤمنوا أنك أرسلتني". ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم "لعازر، هلم خارجا".

خرج الميت ويداه ورجلاه مربوطتان بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل. خرج لعازر ليعود للحياة وليس للموت. صحيح أنه سوف يموت فيما بعد، لكن الموت لن يكون بالنسبة للعازر نهاية الرحلة بل بدايتها. أصبح الموت بالنسبة أليه مجرد نفق الى الحياة. مات الكثيرون بعد لعازر وما زال الكثيرون يموتون اليوم، لكن الموت يبقى للجميع مفترق الطرق. البعض اختاروا لأنفسهم أن يعبروا الى الحياة من خلال المسيح، وآخرون رفضوا القيامة والحق، وبالتالي أصبحت نهاية الرحلة لهم العدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التلاعب بالكلمات
احمد الج ( 2018 / 1 / 4 - 18:20 )
لا اعلم كيف يسمح بنشر المقالات التبشيرية رغم ان الحوار المتمدن مصارم بحق ذلك
لكن لا يهم
ما هذا التلاعب بالكلمات
تقول
القيامة والحق، وبالتالي أصبحت نهاية الرحلة لهم العدم
قولها كما هي وهي الهلاك وليس العدم
الهلاك الابدي في النار يتعذبون 24 ساعة الى ابد الابدين
ليءكد لنا انه فعلا الاه المحبة


2 - الأخ المسلم
كامل مراد ( 2018 / 1 / 4 - 19:55 )

لا أدرى على أى شىء يعترض الأخ المسلم .. الملحدون يكتبون والمسلمون يكتبون .. والقرآنيون يكتبون .. لماذا تستكثر على المسيحيين الكتابة ؟ .. وعن أى تبشير تتحدث ومن أى تبشير تتضجر وتتألم ؟ .. أليس لديكم شيئا من الخجل وقد ملأتم الأرض قبحا وخرابا ؟


3 - التلاعب بالكلمات
طوني سماحة ( 2018 / 1 / 4 - 20:17 )
أستاذ أحمد الج
أن كان التلاعب بالكلمات قد آذاك، فأنا أعتذر منك ونزولا عند رغبتك أقول -الدينونة- بدل العدم. لك ان تقبل او ان ترفض. لا شأن لي بذلك. شكرا. أما بالنسبة للحوار المتمدن، فأنا أحيي القييمين على الموقع لأنهم يفسحون المجال للرأي والرأي الآخر


4 - الاخ المسلم
طوني سماحة ( 2018 / 1 / 4 - 23:04 )
شكرا اخ كامل مراد على المداخلة ولك مني كل تحية واحترام


5 - حدث خطير يذكره إنجيل واحد فقط
مصطفى خروب ( 2018 / 1 / 5 - 01:13 )

تحيات طيبة أستاذ طوني


لا شك أن إقامة ميت هو حدث كبير جداً وخطير بحد ذاته فكيف إذا كان الميت قد أنتن ؟ إن قيامة لعازر هي المعجزة الأكبر بين كل المعجزات التي اجترحها يسوع حتى أنها تتفوق على قيامته هو من الأموات بعد صلبه، لأن المسيح ظهر لبعض الناس بعد القيامة، أما لعازر فقد ظهر لكثير من الناس بجسده وبروحه وتابع حياته كما باقي البشر إلى أن مات ثانيةً.


إن ولادة المسيح من عذراء معجزة غير مؤكدة إلا بالمرويات، لذا كان على الانجيليين التركيز على معجزة إقامة لعازر أكثر من الولادة العجائبية


بالمقابل نرى إن الأناجيل القانونية تتجاهل هذا الحدث العظيم ليذكره الشيخ يوحنا في انجيله المتأخر.


لقد تكلم القرآن عن إحياء عيسى للأموات بإذن الله ، لكن لا شواهد فعلية البتة وإحياء الطفل كما إبنة يايرس رئيس المجمع قد لا يتعديان إقامة من كان غائباً عن الوعي.


النفس التبشيري فيما كتبت واضح، لك الحق بالطبع أن تكرز بما تؤمن به، ولنا الحق في إعمال عقلنا في ما نراه طريقة ديكارتية


سلامي وإحترامي

....


6 - حدث خطير
طوني سماحة ( 2018 / 1 / 5 - 02:15 )
أستاذ مصطفى خروب، تحية طيبة
أولا دعني أقدر فيك حوارك الراقي. كما دعني أبتدأ الحوار من النقطة الأخيرة التي ذكرتها حضرتك - وهي أن لكل انسان الحق في إعمال عقله فيما يراه-. أنا أوافقك الراي. فأنا أطرح الأمور من الزاوية التي أنظر منها وذلك لا يعني أنه على أي انسان ان يتبنى رأيي. كما دعني أقول اني لست من السذاجة كيما أعتقد أنه على كل قارئ أن يوافقني الرأي. سوف يكون هناك المؤييدون كما المعارضون. هذه هي العلمانية (ان نفصل الدين عن الدولة وان يؤمن كل انسان بما يشاء) أو الديمقراطية الحقة (حق كل انسان التعبير عن رأيه), بكل الحالات المعارضة لرأيي لا تزعجني طالما انها لا تأخذ منحى االشتم او التهجم على الشخص بدل الفكرة. (يتبع في التعليق التالي


7 - حدث خطير
طوني سماحة ( 2018 / 1 / 5 - 02:37 )
تابع الاستاذ مصطفى خروب
أما بالنسبة لاقامة الاموات، نحن امام اربعة اشخاص واعني بهم الانجيليين الاربعة، ذكروا هذه
الامور. اثنان منهم شهود عيان لحياة المسيح (متى ويوحنا) واثنان نقلوا عن شهود عيان
مرقس ولوقا عن بطرس وتلاميذ المسيح. رفض شهادة هؤلاء الرجال الاربعة يتركنا امام حتمالين: نظرية المؤامرة او تفسير مثل الذي ذكرته حضرتك (كانوا غائبين عن الوعي). بالنسبة لي، أسهل علي تصديق اربعة شهود عيان أضافة الى ما نقله الينا مؤرخون عن حياة المسيح، أذكر منها يوسيفوس اليهودي مؤرخ الامبراطور الروماني، والتلمود اليهودي المعادي للمسيح، وتاسيتوس (المؤرخ والسيناتور الروماني) وبليني الاصغر (حاكم ولاية بيثينا في آسيا
الصغرى الذي كتب الى الامبراطور الروماني تراجان لاطلاعه عن كيفية جري الامور في مقاطعته، . لو انت اخذت كل هذه الكتابات المعادية للمسيحية وجمعتها في اطارها الثقافي والديني وقارنتها بكتابات الانجيليين لوجدتها تعطي المسيح مصداقية عالية وكبيرة تجعل من نطرية المؤامرة غير قابلة للحياة. مرة اخرى اشكرك على الحوار ولست بوارد فرض رأيي باي حال من الاحوال


8 - من أمن بي ولو مات فسيحيا
nasha ( 2018 / 1 / 5 - 07:18 )
هذه العبارة الجميلة هي عبارة الأمل والرجاء
الموت الجسدي المادي محتوم على الجميع ولكن الموت الروحي ليس محتوما .
الحياة الروحية باقية لا تموت لانها ليست مادة أو جسد عضوي يتحلل بمرور الزمن .
ما أعظم هذه الفلسفة وما أجملها أنها تملأ النفس بالأمل والرجاء أنها فلسفة الحياة .
أما فلسفة الفناء والموت فإنها طريق الياس والقنوط والعبث.
تحياتي مجددا أخي العزيز طوني


9 - ذكر الطيب في لوقا ومتى ومرقس لم يستدع ذكر القيامة
مصطفى خروب ( 2018 / 1 / 5 - 12:59 )

بعد الشكر على ردك الراقي أود أن أقول لك ولا أنا بوارد فرض رأيي باي حال من الاحوال.

تقول أنه من السهل أن تصدق أربعة شهود لكن في حالتنا الشاهد واحد، كنت لتكون محقاً لو كانوا أربعة في قضية قيامة لعازر !

اتفق معك أن يوحنا ومتى من الشهود العيان وتتفق معي أن حدث إقامة لعازر بعد أن أنتن لا يمكن أن يمر دون تسجيله من قبلهم ، لماذا استفرد يوحنا فقط بالتسجيل ؟

أما البشيران مرقس ولوقا فلم يأتيا البتة على ذكر هذه الواقعة، التي لو حصلت فعلاً ثم وصلت إليهم سماعاً لسجلت مضخمة أكثر ، فحادثة سكب الطيب في لوقا ومتى ومرقس لم تستدع ذكر الأخ المقام .

قيامة لعازر كانت لتهز أركان الأمبراطورية الرومانية .

هي وجهة نظر لا أكثر ولن تغيير وجهة نظر المؤمن، لكنها مساحة للتفكير الحر، اسمك يوحي بأنك من آل سماحة من الخنشارة في وطني لبنان،وطن الرسالة وهل هناك أعظم من رسالة تبادل الأفكار بين البشر حيث الجميع يمارس إيمانه بحسب طقوسه و شعائره ؟

لن أطيل عليك بل ساتمنى لك -دايم - دايم - مبارك وأذكرك بإضاءة دارك الليلة لعل يسوع يمر مباركاً منزلك وأهله وليكن لك حسب ايمانك لا حسب إيمان الأخرين


سلام

...


10 - مصطفى خروب
طوني سماحة ( 2018 / 1 / 5 - 14:33 )
تحية مجددا أخي مصطفى
أقول هذه المرة اخي وليس استاذ مصطفى لأن الاخوة التي تجمعنا الآن مضاعفة أخوة الوطن وأخوة الانسانية. نعم انا لبناني، من البقاع، أبلح، جذورنا البعيدة تعود للخنشارة لكني لم ازر هذه
البلدة الجميلة الا مرة واحدة.

في قصة لعازر الشاهد واحد، أوافقك الرأي، لكن الانحيليين الآخرين ذكروا حادثة قيامة ابنة ارملة
نايين (لوقا) وابنة يايرس (متى). وهاتان القصتان لا تقلان أهمية عن قيامة لعازر. أما بالنسبة لعدم ذكر الواقعة نفسها من قبل الانجيليين الاربعة فذلك لا يعد ضعفا في النص ما لم يكن هناك تناقض بينهم. وليس هناك تناقض، بل كل واحد منهم يسرد الوقائع التي تخدم موضوعه.
أما عن هز الامبراطورية الرومانية، فلا أظن ذلك واقعيا، إذ ان الرومان كانوا يحتقرون اليهود و الههم ولن
يعظموا شأن نجار يهودي هو بالنسبة لهم نكرة. لا بلل زوس او جوبيتر حسب رأيهم قادر على ما هو اعظم. في كل الحالات يبقى ان الموضوع موضوع ايمان شخصى وقبوله ورفضه يتوقف على الشخص. مرة اخرى لك مني كل تحية واسعدني حوارك


11 - ناشا
طوني سماحة ( 2018 / 1 / 5 - 14:37 )
ما يميز الايمان المسيحي هو الرجاء والقيامة، فما اتعس الحياة لو كانت نهايتها دودا وكومة تراب تغطي جسدا متحللا . ما كنت اظن ان المسيحية كانت لتستمر لولا فلسفة الحياة والقيامة ، قيامة المسيح وقيامتنا. مرة اخرى اسعدني حوارك ولك مني كل تحية

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س