الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورة الفاتحة: هل هي مدخَل شعائري لصلاة الجَماعة؟ (1)

ناصر بن رجب

2018 / 1 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ترجمة وإعداد:
ناصر بن رجب

تأليف:
بول نوينكيرشن*


مقدّمة
لقد مرّ الآن أكثر من قرن منذ أن اقْترحَتْ مدارس البحث الاستشرافي فرضيّةً مفادها أنّ اللّفظة العربيّة "قرآن" يمكن أن تكون اشتقاقا من الكلمة السّريانيّة "قِرْيُونُو"(1). فهذه الكلمة، التي تعني "دِراسةَ" أو "قِراءَةَ" نصّ مُقدَّس في كتاب شعائري، تُستَعمَل إذن في سياق مسيحي لإقامة قُدّاس(2). ومن هنا، إذا كانت اللّفظة نفسها التي أعطت إسم كتاب المسلمين المقدَّس يعود أصلها إلى كلمة تقنيّة دينيّة مرتبطة بشكل ليتورجي، فإنّه بإمكاننا أن نتساءل إلى أي درجة قد تُردِّد الكتابات المقدّسة الإسلاميّة (من قرآن وحديث) أصداءَ هذه الليتورجيا المسيحيّة.

وعلى الرّغم من أنّ عديد الأعمال الجامعيّة كانت قد تناولت هذه المسألة سواء كان ذلك بطريقة إيحائيّة(3)، شموليّة(4)، أو دقيقة(5)، فإنّنا نودّ أن نأخذ نموذجا قرآنيّا مختصَرا ومحدَّدا جدّا لكي نستكْشِف ما هي الممارسة الليتورجيّة وكيف أنّ بعضا من خصائصها يمكن أن تتّضح من خلال المصادر الإسلامية التي ذكرناها سابقا.

ولكن قبل أن نهتمّ بصورة خاصّة بمسألة العلاقة بين الليتورجيا والكتابات الإسلاميّة فإنّه يتوجّب علينا قبل كلّ شيء أن نتساءَل عن ماهيّة هذه الليتورجيا. إنّ أصل هذه الكلمة مشتقّ من الإغريقيّة (leitourgia) التي تشير إلى كلّ ما هو "عمل رسمي عمومي" أو "الخدمة التي تُقدَّم للشّعب" في سياق غير ديني وسابق لمجيء الديانات التوحيديّة الثلاث؛ وهي نفسها إدغام للفظتين، الأولى (ergon) وتعني "عمل"، "فعل"، والثانيّة (leïtos) بمعنى "الشّعب"(6). ولفظة "ليتورجيا" كانت في المدن-الدول الإغريقيّة عبارة عن مصطلح فنّي سياسي يشير إلى الفريضة المضروبة على المواطنين الأثرياء لكي يساهموا في تسديد خدمات للصّالح العام (بناء نصب تذكاري، إلخ) أو بمعنى أوسع كانت تعني أيَّ خدمة يمكن أن يقدّمها شخص لشخص آخر(7). وفي هذا المعنى جاءت لفظة "ليتورجيا" في ميدان العبادة، إذ أنّ هذه هي اللفظة التي كانت تُستَخدم عندما كان يقوم شخص مّا بتقديم خدمة للآلهة (خاصّة في حالة تعبّد الإله إلوزيس، إيزيس، إلخ) (8).

في النّسخة السبعينيّة للبيْبل نجد أنّ اللفظة الإغريقيّة "ليتورجيا" ترد فقط بمعنى "الأعمال الشعائريّة"(9)؛ غير أنّ معناها السّابق سيستمرّ إلى غاية فترة مجيء المسيحيّة، كما أنّ له حتّى الآن في عالم اليهوديّة معنى "خدمة للرّب لمصلحة الشّعب"(10).

من ناحية أخرى تجدر الملاحظة بأنّ الأسس الجوهريّة لليتورجيا الأفخارستيا (القربان المقدّس) وكذلك مفهوم القريانة "كتاب الفصول" التي سترثها المسيحيّة متأتّية من واحد من مراكز العبادة اليهوديّة الثلاثة ألا هو "الكنيس"(11).

هناك العديد من البحوث المتعلّقة "بأصول" القرآن، كما قلنا آنفا، أظهرت بطريقة مقنعة وجود روابط قويّة بين شكل مّا من أشكال المسيحيّة الشرقيّة ونصّ الإسلام المقدّس. وهذا يتجلّى سواء بواسطة "العبارات التقنيّة" الخاصّة بالميدان الديني التي استُخدِمت فيه والتي هي اقتراضات من اللّغة السريانيّة، أو من خلال مجموعات طويلة نوعا مّا من الآيات التي استطعنا أن نقترح لها مصادر نصّية سابقة نابعة من الأدب المسيحي الشرقي المكتوب باللّغة السريانيّة(12).

فإذا كان باستطاعتنا أن نقترح للقرآن في نفس الوقت رابطا بين شكل من أشكال إقامة الشعائر وبين سياق مسيحي شرقي، علينا أن نركّز اهتمامنا على هذين العنصرين الأخيرين. وللقيام بذلك، فإنّنا سنقدّم بعض نقاط مقارنة، تبدو لنا ذات معنى، حول حالة خاصّة تتمثّل في سورة الفاتحة، وذلك بغية فتح مجال للتأمُّل في إشكاليّة العلاقة بين الممارسة الليتورجية داخل الشعائر المسيحيّة الشرقيّة والقرآن.

باختصار، الليتورجيا المسيحيّة الشرقيّة تجد أصولها في الليتورجيا الارثوذكسيّة وأهمّها الليتورجيا لبيزنطيّة (القريبة من الطقس السوريّ القديم لأنطاكيّة). ومن إحدى خصائص هذا الطقس هي الليتورجيا التي تُدعى ليتورجيا من يطلب العماد (فترة يقضيها المرؤ قبل أن يقع تعميده من طرف الكنيسة)، وهي المرحلة التي تهيّئ لمجيء الكلمة الإلهيّة بواسطة ترتيل المزامير، والأناشيد الدينيّة، والصلوات(13). وبالمثل، فإنّ الليتورجيا التي تُدعى ليتورجيا أعضاء الطائفة (ليتورجيا مغلقة مقصورة على الجماعة المؤمنة) فهي تُقام خاصّة بواسطة الترديد الذي يشتمل على حوار بين الكاهن والطّائفة من خلال ثلاثيّة "قدّوس، قدّوس، قدّوس" كما جاء ذلك في سفر أشعيا 6، 3 أو أيضا من خلال عبارة "أبونا"(14).

في ما سيأتي من دراستنا هذه سنركِّز اهتمامنا على عنصرين من بين العناصر الثلاثة المؤسِّسة لليتورجيا من الليتورجيات الشرقيّة لتكون موضوع بعض التأمّلات(15).

أثر يدلّ على ممارسة المَرَدّ في التقليد الإسلامي
قبل كلّ شيء، الحوار بين مُقيم القدّاس وجماعة المصلِّين يمثّل ميدانا خصبا لمحاولة فهم إحدى الوظائف الإفتراضيّة لجزء من القرآن. بالفعل، وعلى عكس ما يعتقد محمّد عبد الحليم، الذي كان قد أكّد مؤخّرا أنّه "لا يوجد شكل من أشكال الحوار بين مقيم القدّاس/جماعة المصلّين [في شعائر الصلاة الإسلاميّة]" (16)، فإنّ العديد من حالات "الحوار" بين قارئ القرآن أو مُرتِّله وبين جماعة المنصتين ورد ذكرها سواء في التفاسير أو في الأحاديث النبويّة.

هناك مثال حاسم نجده في الأحاديث النبويّة. الأمر يتعلّق بحديث جاء في صيغ مختلفة وفي أكبر المجموعات الحديثيّة السنيّة وهو إمّا أنّه يعطي الكلمة للنّبي محمّد مباشرة لكي يُصدر أمرا، أو يضعه في مشهد سردي يقدِّمه وهو بصدد النطق بكلام يُراد له أن يصبح معيارا لأهل السنّة. نعرض فيما يلي الأحاديث الأربعة مصحوبة في الهوامش بتنوّعات كلّ واحد منها:

1- مالكٌ، عن ابن شِهاب، عن سعيد بن المُسيَّب وعن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن؛ أنَّهما أخْبراه عن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله قال: إذا أَمَّنَ الإِمامُ فَأَمِّنُوا [...](17)
2- مالكٌ، عن سُمَيّ، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السَّمّان، عن أبي هريرة؛ أنّ رسولَ الله قال: إذا قالَ الإمامُ "صِراطَ الّذين أَنْعَمتَ عليْهِم غيرِ المغضوبِ عليْهِم ولا الضَّالِّينَ"، فقُولُوا: آمِينَ [...](18)
3- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب (يعني ابن عبد الرحمن) عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال القارئ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فقال من خلفه: آمين [...](19)
4- حدّثنا محمّد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن سلمة، عن حُجر أبي العَنَس الحضرمي، عن وائل بن حُجر، قال: كان رسول الله إذا قرأ "ولا الضّالِّين" قال: "آمِين" ورَفَع بها صوْتَه(20).

تبرز من هذه الأحاديث النّبويّة عدّة عناصر مُهمّة يتمثّل قاسمها المشترك في أنّها جاءت كلّها تقريبا عن طريق أبي هريرة (تـ حوالي 57-58هـ/677-678 م) ومرويّة في الغالب عن الفقيه مالك بن أنس (تـ 179 هـ/796 م) الذي أُطْلِق اسمه على مذهب فقهي وهوما يُعرف بالمذهب المالكي. الأحاديث الثلاثة الأولى مرفوعة مباشر إلى النّبيّ محمّد: الأوّل لا يقدّم أيّ سياق ولكنّه يشير إلى أنّه عندما يقول الإمام "آمين" يجب ترديد هذه الكلمة. الحديث الثاني يقدّم سياقا لهذا الأمر في إطار قراءة سورة الفاتحة، مشيرا إلى أنّه عندما يتلو الإمام/القارئ آخر آية من هذه السورة يجب أن نقول "آمين". أخيرا، الحديث الثالث يقدّم توضيحا آخر يتعلّق بتحديد مكان مَن الذي يجب عليه أن يُجيب "آمين": هو الشخص الذي يكون وراء القارئ/الإمام.

أمّا فيما يخصّ الحديث الرّابع الذي أوردناه فإنّه لا يقدّم تعليمات تتعلّق بكيفيّة أداء صلاة الجماعة، غير أنّه يُخبرنا أنّ محمّد نفسه كان يقول "آمين" بصوت عالٍ أو يجعل هذه الكلمة تُردَّد بعد قراءة آخر آية من سورة الفاتحة.

فإذا ما اعتبرنا أنّ هذا الأدب أصليّ أو على الأقل يعكس ممارسة قديمة لإقامة الصّلاة داخل الجماعة المؤمِنة النّاشئة(21)، فهذا ينجم عنه أنّه يحتوي بالفعل على شكل من أشكال المَرَدّ بين مُقيم القدّاس (إمام أو قارئ) الذي يُنهي الصّلاة سواء بعبارة "آمين"، أو "... ولا الضّالِّين" وجماعة من المصلّين الّذين في كلتي الحالتين يُجيبون بعبارة "آمين".

هذه الملاحظات تفضي إلى عدد من الأسئلة المتعلّقة بأولى سور القرآن، الفاتحة، "فاتحة الكتاب"(22).

مكانة سورة الفاتحة
منذ بدايات الإسلام كان المسلمون قد لاحظوا أنّ هذه السورة الأولى هي عبارة عن دعاء جاء بضمير الجمع المتكلم وليس سردا إلاهيّا بضمير المفرد المتكلّم أو الغائب كما هي الحال في باقي القرآن(23). وبناء عليه فإنّ الفاتحة تتمتّع فعليّا بمكانة خاصّة عن بقية السّور؛ حتّى أنّ بعض صحابة النّبي محمّد ورد عنهم أنّهم لم يعتبروا هذه السّورة على أنّها وحي على غرار السّور الأخرى؛ ولهذا السّبب رٌوِي أنّ الفاتحة لم تكن موجودة في المصحف المنسوب إلى الصّحابي عبد الله بن مسعود (تـ 32 هـ/652-653 م) (24).

ولكن، فضلا عن مسألة دمج هذه السورة أم لا في القرآن، فإنّه باستطاعتنا، من ناحية أخرى، أن نتساءل لماذا لم تتضمّن المصاحف التي تحتوي على الفاتحة على عبارة "آمين" مكتوبة في نهاية هذه السورة، وذلك باعتبار أنّ أكبر المرجعيّات السّنيّة روت عن النّبي محمّد، الرّمز الذي يمثّل بامتياز سُنّة الإسلام المعياريّة، أنّه كان يجهر دائما وأبدا بهذه اللّفظة في نهاية قراءة الفاتحة وحتّى أنّه أمر بإعادتها بعد الإمام. يبدو أيضا أنّ هذه المسألة المتعلّقة بكلمة "آمين" كانت قد طُرِحت بشكل عام وعلى نطاق واسع إذ أنّ الشيعة يعترضون على الجهر بها معتبرين أنّها تُلغي الصّلاة، كما أنّ بعض المصادر السنّية تذكِّر بحقيقة أنّ ممارسة نُطق "آمين" كانت قد توقّفت في فترة مّا(25).

في المحصّلة النهائية، هناك إدراك بأنّ الفاتحة، سواء وقع اعتبار السورة بأكملها ليست جزءا من الوحي أو لفظة من ألفاظها، كانت تمثّل إشكالا لدى أجيال المسلمين الأولى.

من جهتها، شدّدت البحوث الغربيّة بكلّ إلحاح على الطّابع الليتورجي لسورة الفاتحة التي "لم تكن في الأصل جزءا من النّص [القرآن]، ولكنّها، حسب آرثر جيفري، كانت عبارة على دعاء [...] يُتلى قبل قراءة الكتاب"(26). بالإضافة إلى ذلك، كان Goitein قد وصفها بأنّا "ليتورجيا مُثبَتة"(27)، وأنّها قد تكون، حسب محمّد أركون، قد رأت النّور في سياق ليتورجي(28). أخيرا، وحتّى نكتفي فقط بآراء بعض الباحثين، نُذكِّر بأنّ آنجيليكا نيويرت اعتبرت الفاتحة دعاءً ليتورجيّا في معنى "صلاة [نشيد] الدّخول" introitus التي تُغنّى عند دخول مُقيم القدّاس.

إنّ الوظيفة المزدوجة لأولى سور المصحف، التي في آن واحد تفتح القرآن وتمثّل دعاءً ليتورجيّا، يمكن أن تقودنا إلى النّظر في وظيفة نوعين من نصوص الليتورجيا المسيحيّة باللّغة السريانيّة بغية استقراء بعض التقاربات المحتملة مع سورة الفاتحة.

المقدّمات في كتب الفصول المسيحيّة وسورة الفاتحة
كما رأينا، كانت أولى سور القرآن، بالنّسبة لآرثر جيفري، صلاة توجَّب وضعها في بداية المصحف لكي يقع ترتيلها قبل الشروع في قراءته، وهي عادة يقول جيفري أنّها كانت شائعة في كتب الشرق الأوسط المقدّسة الأخرى(30). وعليه سنهتمّ الآن بعجالة بنوع من أنواع هذه الكتب: كتاب الفصول.

بالرّغم من أنّ كتب الفصول باللغة السريانيّة ليست كلّها مُقدَّمة بنفس الطريقة تحديدا، يبدو أنّ جزءًا منها كانت تشترك فيما بينها بمجموعة من الجمل تحتوي تقريبا على نفس العناصر والتي تُستخدَم كاستهلال لكتاب دروس ليتورجيّة(31).

لقد رجعنا إلى كتاب Palestinian Syriac Lectionary (كتاب الفصول الفلسطيني السرياني) ونشير إليه مستقبلا (أ)، وكذلك كتاب Palestinian Syriac Lectionary of the Gospels (كتاب الفصول الفلسطيني السرياني للأناجيل) ونشير إليه مستقبلا (ب)، وقد نشرتْ كليهما آنيَس سميث لويس (Agnes Smith Lewis) في آخر نهاية القرن التاسع عشر. الأوّل يعود تاريخه إلى حوالي القرن الحادي عشر ميلادي في حين يتكوّن الثاني من ثلاثة كتب قد يعود نَسخُ أقدمِها إلى عام 1030 ميلادي في مدينة القدس(33).

نلاحظ أنّ هذين المثالين جاءا بعد ظهور النّص القرآني بحوالي ثلاثة قرون، وهذا كان من شأنه أن يسبّب إشكالا على مستوى مدى وجاهة وجدوى مقارنتنا النّصيّة لو لم تكن الصّيغ المستعملة التي سنراها بعد حين هي صيغ ثابتة الوجود منذ فترة سابقة على مجيء الإسلام (أنظر أسفله) ويمكن إذن اعتبارها صيغا كانت موجودة في كتب فصول أكثر قِدمًا.

يُستهَلّ الكتاب (أ) بالصيغة "بِشْمَه دْأبو وْدأبْرُو وْرُوحُو دْقُدُشُو [...] لِعُلامْ عُلْمين [...] آمِينْ"(34)؛ في حين أنّ الكتاب (ب) يبدأ في النسخة السينائيّة بالصيغة السريانيّة الفلسطينيّة المذكورة أعلاه أو بالعربيّة في نسخة الفاتيكان "باسم الأب والإبن والروح القُدس"(35).

عندما نأخذ التعابير التي تكوّن الصيغة التي تفتح كتاب الفصول (أ) ونقارنها ببعض عناصر صيغة الفاتحة، فإنّنا نحصل على الجدول المقارن التالي:

بسم الله بِشْمَه دْأبو
الرَّحمَن ودْأبْرُو
الرَّحِيم وْرُوحُو دْقُودْشُو
رَبِّ العالَمِين لِعُلامْ عُلْمِين
آمِين آمِينْ

يسمح لنا هذا الجدول أن نسوق الملاحظات التّالية بخصوص المكوِّنات المُماثِلة في كِلتَيْ الصّيغتين التقديميَّتين:

1- صيغة " بِشْمَه دْآبو" يمكنها أن تجد لها صدى في الآية الأولى من الفاتحة في عبارة "بسم الله".
2- صيغة الإبن "وْدآبْرو" وصيغة الروح القدس "وْرُوحُو دْقُدْشُو" اللّتان من الممكن أنّهما قد حُوِّرَتا إمّا في سياق تصادُمي متأخِّر مع المسيحيّين، أو في سياق أكثر قِدَما في إطار الإبتعاد والتمايز عن المسيحيّين التَّثليثيِّين [القائلين بالإله الواحد ثلاثي الأقانيم (المترجم)]، وهذا التحوير جاء في صيغة قرآنيّة هي أيضا ذات أقنومَيْن من حيث الشّكل ولكنّها مع ذلك توحيديّة من حيث الجوهر: "الرَّحمَن الرَّحيم"(36).
3- صيغة "لعُلام عُلْمين" (بمعنى: إلى أبد الآبدين) يمكن أن تجد موازيا لها في الجزء الثاني من الآية الثانية من سورة الفاتحة "الحمد لله ربِّ العالَمين" وذلك إذا ما اعتبرنا أنّ "العالَمين" هي ترجمة عربيّة فقدت المعنى الأصلي السرياني الآرامي لصيغة "عُلام عُلْمين" التي تعني قبل كلّ شيء "الأبديّة" (وهكذا يمكن أن نفهم الآية 2 من الفاتحة "الحمد لله، ربّ الأبديّة").
4- "آمين" التي تأتي في كُتب الفصول السريانيّة أعاد استخدامها التقليد الإسلامي كختام ليتورجي (في سياق شفوي) للفاتحة بالرّغم من أنّها ليست مكتوبة حرفيّا في القرآن.

الفرضيّة الأولى التي يمكن اقتراحها قد تكون إذن متمثّلة في كون أنّ مَن قاموا بعمليّة جمع القرآن كانوا قد قرّروا لحظة الجمع بأن يُقدِّموا للقرآن – وهو عبارة عن مدوَّنة تحتوي على خليط من النصوص أو الدروس – وذلك كما تفعل كُتب الفصول المسيحية التي هي أيضا تحتوي على دروس (قريانا) مُتنوِّعة، ولكن مع تكييف هذه المقدِّمة القرآنيّة لكي تنتظم على أكمل وجه مع عقيدة الجماعة المؤمِنة الناشئة الجديدة المضادّة بشدّة للتّثليث.

ومن هنا يمكن أن يكون المقطع الأوّل قد أعيد تحويره بقصد المحافظة على الصيغة التثليثيّة (الأب، الإبن، الروح القدس) ولكن بتنزيلها في إطار الوحدة الإلهيّة (التوحيد) وذلك باستخدام ثلاثة ألفاظ مترادِفة لتوصيف الإله (الله، الرّحمن، الرّحيم).

يمكن لهذه النّظريّة أن تفسِّر مثلا لماذا لم يعتَبر بعض الصّحابة، كما قِيل، الفاتحة سورة من سور القرآن لأنّ الفاتحة، على غرار مقدّمة كتب الفصول الفلسطينيّة " بِشْمَه دْأبو..." التي ليست درسا "قريونو"، قد تكون قد اعتُبِرت بمثابة مقدِّمة وليس قرآنًا مثل بقيّة السّور التي يتكوّن منها المصحف.

بالنهاية، إنّ محدوديّة هذه الفرضيّة تكمن في أنّها بالرغم من كونها تستجيب لشرط وظيفة التقديم وتجد مكانها في كتاب ليتورجي فإنّ صفتها كصلاة ليتورجيّة ليست واضحة. بالفعل، لا نمتلك أيّ دليل يسمح لنا بأن نَلْمح حوارًا مُحتَمَلا بين الإمام الذي يلفظ جزءا من الصيغة التقديميّة والحاضرين الذي يردّون بجزء آخر – وهو عنصر يبدو أنّه يَسم الفاتحة (لا نجد فيها مثلا توازي في الآيات من 4 إلى 7 التي تشكِّل صلاة مُعَدَّة لأن يتلفّظ بها الحاضرون – أنظر أسفله).
(يتبع)

* نُشر هذا النّص بالفرنسيّة تحت عنوان:
Paul NEUENKIRCHEN : « La Fatiha : une introduction liturgique à la prière commune ? », in Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft, 2016, Harrassowitz Verlag, pp. 81-100.
_______________
الهوامش:
(1) إنّ تتبُّع تاريخ النّقاش حول الجذور المحتَمَلة لهذه الكلمة يطول، ولذلك نكتفي هنا بالتّذكير ببعض الدراسات التي تقترح هذه اللّفظة السريانيّة كأصل محتمل لكلمة "قرآن":
T. NÖLDEKE, F. SCHWALLY: Geschichte des Qorans. Leipzig 1909, pp. 33-34 - وقد تُرجم مؤخّرا إلى الإنجليزيّة من طرف W. H. BEHN, The History of the Qur an. Leyde/Boston 2013, p. 27 (= i/32 dans l édition originale)- J. WELLHAUSEN: «Zum Koran.» Dans: ZDMG 67 (1913), p. 634- J. HÖROVITZ: «Quran» Dans: Der Islam 13, 1-2 (1923), pp. 66-69- A. MINGANA: «Syriac Influence on the Style of the Kurân» Dans : Bulletin of the John Rylands Library 11, 1 (1927), p. 88.
يبدو اليوم وبما لا يدع مجالا للشّك أنّ النقاش حول التأثير السرياني على القرآن (الذي يظهر سواء كان ذلك في الأسماء، والأفعال، أو في التراكيب، أو في مصادره النصّية الافتراضية) أطلقه من جديد صاحب الاسم المستعار كريستوف لوكسنبيرغ من خلال نشر سنة 2000 دراسته الشهيرة:
Die syro-aramdische Lesart des Korans. Ein Beitrag zur Entschlüsselung der Koransprache.
حول الأصل السرياني للفظة "قرآن"، أنظر الترجمة الإنجليزيّة المُوسَّعة لهذه الدراسة:
The Syro-Aramaic Reading of the Koran-A Contribution to the Decoding of the Language of the Koran. Berlin 2007, p. 70sqq.
(2) بخصوص تعريف لفظة "قريونو"، أنظر:
C. BROCKELMANN: Lexicon Syriacum. Edinburgh/ Berlin 1895. Oregon 2004, p. 336- et J. PAYNE SMITH: A Compendious Syriac Dictionary. Oxford 1902. Oregon 1999, p. 519.
فيما يتعلّق باستعمال كُتُب الفصول في الليتورجيا المسيحيّة، أنظر خصوصا مقال:
S.P. BROCK : «Manuscrits liturgiques en syriaque» in F. CASSINGENA-TREVEDY/I. JURASZ (éds.): Les liturgies syriaques. Paris 2006, pp. 267-283.
وأيضا:
J. BOWMAN: «Holy --script--ures, lectionaries and the Qur an», International Congress fur the Study of the Qur an. Australian National University, Canberra, 8-13 May 1980. Canberra 1981, pp. 29-37.
وكذلك الأعمال الأخيرة لكلود جيليو التي من بينها:
C. GILLIOT: « Le Coran, production littéraire de l’Antiquité tardive ou Mahomet interprète le lectionnaire arabe de La Mecque», Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée 129 (2011), pp. 33-34.
وقد قمنا بترجمة هذا النّص إلى العربيّة وهو منشور هنا في حلقتين على موقع الحوار المتمدن [المترجم]:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=330629
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=332128
أو أيضا:
« Des indices d un proto-lectionnaire dans le lectionnaire arabe, dit Coran», in Comptes Rendus de l Académie des In--script--ions et Belles Lettres. Paris 2011, pp. 455-472, et «Mohammed s Exegetical Activity in the Maccan Arabic Lectionary», in C. A. SEGOVIA/B. LOURIÉ (éds.): The Coming of the Comforter, When, Where and to Whom? Studies on the Rise of Islam and Various Other Topics Memory of John Wansbrough. New Jersey 2012, pp. 371-398 et surtout pp. 394-397.
(3) أنظر مثلا:
A. L. DE PREMARE : Les fondations de l islam. Entre écriture et histoire. Paris 2002, pp. 304-305:
"من ناحية أخرى، من الواضح أنّ بعض مقاطع القرآن الحالي، من حيث محتواها، هي مستَلْهَمة من أناشيد البيْبل وأحيانا تكاد تكون منقولة حرفيًّا. وهذا الحديث النّبوي [إشارة إلى حديث يُشبِّه فيه النبي صوت أبو موسى الأشعري وهو يرتِّل القرآن بمزامير آل داود...] يقوّي عندنا فكرة أنّ الكثير من نصوص القرآن كانت مرصودة لتملأ وظيفة ليتورجيّة".
Aux origines du Coran. Questions d hier, approches d aujourd hui. Paris 2004, pp. 45-46:
"... يُشبه القرآن نوعا من كتاب فصول تناسَبت بعض نصوصه مع وظيفتها المتمثِّلة في قراءة جماعيّة مُرتَّلة".
(4) أنظر بالخصوص:
J. WANSBROUGH: Quranic Studies. Sources and Methods of --script--ural Interpretation, Oxford 1977. Réimpression New York 2004.
نقرأ في الصفحة 26 وما بعدها بخصوص السورة 55 وبعض من آياتها التي يمكن أنّه كانت لها "وظيفة ليتورجيّة" (ص 27). أنظر أيضا لنفس المؤلِّف:
The Sectarian Milieu. Content and Composition of Islamic Solvation History. Oxford 1978. Réimpression New York 2006.
وبخاصّة ص 61 وما بعدها أين يبحث المؤلِّف لإقامة الدّليل على أنّ "كتاب الإسلام المقدّس في أصوله كتاب ليتورجي من حيث الشكل والوظيفة على حدّ سواء".
(5) حول صيغ التسابيح والابتهالات القرآنيّة على ضوء الليتورجيا اليهوديّة وخاصّة المسيحيّة، يمكننا أن نقرأ:
A. BAUMSTARK: « Jüdischer und christlicher Gebetstypus im Koran », in Der Islam 16 (1927), pp. 229-248.
في موضوع العلاقة بين الليتورجيا (هنا ليتورجيا كنيسة كاثيزما) والقرآن (وبالتّحديد سورة مريم)، يمكن أن نقرأ مقال:
G. DYE : « Lieux saints communes, partagés ou confisqués, aux sources de quelques péricopes coraniques (Q 19 :16-33). In I. DEPRET/G. DYE (éds.) : Partage du sacré. Transferts, dévotions mixtes, rivalités interconfessionnelles. Bruxelles 2012, pp. 55-121.
أنظر على سبيل المثال ص 62، هامش 19 المتعلّق بصيغة قرآنيّة قد تكون أثرا لممارسة ليتورجيّة؛ ص 64 وما بعدها حول التوازي بين الأسلوب الليتورجي السرياني في الترانيم "سُوغيثا" وبين أسلوب سورة مريم (تحديدا في جزئها المخصّص لمريم).
(6) أنظر:
T. W. JENNINGS Jr.: «Liturgy» Dans: The Erncyclopedia of Religion. New York 1987, vol. 8, p. 580 et P. V. MARSHALL: «Liturgy» Dans: The Encyclopcdia of Christianity. Michigan, Cambridge, Leyde/Boston 2003, vol. 3, p. 324. S. SALAVILLE : Liturgies orientales. Notions générales. Éléments principaux. s. l. 1932, p. 13.
(7) JENNINGS Jr. 1987, vol. 8, p. 580 et MARSALL 2003, vol. 3, p. 324.
(8) JENNINGS Jr. 1987, vol. 8, p. 580.
(9) نفس المصدر
(10) MARSALL 2003, vol. 3, p. 324
(11) نفس المصدر
(12) بالنّسبة للحالة الأولى يمكن الإستفادة أيضا من قراءة قائمة « religious terms » عند MINGANA 1927, pp. 85-87 ؛ وفيما يتعلّق بالحالة الثانية فإنّه يمكن على سبيل المثال العودة إلى مقالات:
S. GRIFFITH: « Christian lore and the Arabic Qur an. The Companions of the Cave in Surat al-Kahf and in Syriac Christian tradition. », G. S. REYNOLDS (éd.): The Qur an in Its Historical Context. Londres/New York 2008, pp. 109-137, K. VAN BLADEL: «The Alexander Legend in the Qur ân 18:83-102», pp. 175-203.
(13) E. THEODOROU: «Liturgy», The Encyclopedia of Christianity. Michigan, Cambridge 2003, vol. 3, p. 327.
(14) نفس المصدر
(15) إنّ ثلاثيّة "قُدّوس" (بالسّريانيّة: قَدُّوش، قَدُّوش، قَدُّوش، وبالعبريّة: قَدِّيش، قَدِّيش، قَدِّيش) هي أيضا مهمَّة في علاقتها بالتّفسير. يمكن أن نقرأ في هذا الموضوع:
C. GILLIOT : « Reconsidering the Authorship of the Qur’an”, in REYNOLDS 2008, p. 92.
الذي يقول إنّ "التعبير "قدّوس، قدّوس" يمكنه أن يكون مؤشِّرا على وجود آثار للّيتورجيا المسيحيّة في اللّغة العربيّة".
(16) M. ABDEL HALEEM : Understanding the Qur’an. Themes and Style. Londres 2011, p. 171
أين يكتب: "إنّ الطَّلْبة (ترديد التراتيل في القدّاس المسيحي)، حتّى في المعنى الغامض للكلمة، غريبة جدّا عن القرآن وعن الطريقة التي يُتلى بها في شعائر الصّلاة في الإسلام. في الإسلام، إذا قرأ شخص (سواء كان الإمام أو شخص آخر) القرآن بصوت عالٍ فإنّه يجب على الآخرين الإصغاء بانتباه شديد، وعليه فليس هناك وجود لشكل من أشكال إمام/مردِّدون".
(17) مالك بن أنس، الموطّأ. بيروت (بدون تاريخ)، ص 75: كتاب الصّلاة 3، باب 11، حديث رقم 48. سلسلة الإسناد قبل الوصول إلى النّبي هي: يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب وأبو سلمة عن عبد الرحمن عن أبي هريرة. نجد هذا الحديث مذكورا مرّتين عند مُسلِم: صحيح. بيروت 1993، مجلد 1، ص 307: كتاب الصّلاة 4، باب 18، حديث رقم 72 و73. والأسانيد هي على التوالي: يحيى بن يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وحرملة بن يحيى عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب؛ وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. وقد أورد نفس هذا الحديث ابن داود: سنن. الرياض 2007، ص 163: كتاب الصلاة 1، باب 172، حديث رقم 936 بهذا الإسناد: القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، وأبة سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. والملاحظ أنّ هذا الحديث أورده ابن ماجه في سُننه مرّتين: سنن، الرياض 2008، ص 158: كتاب إقامة الصلاة والسنّة فيها 5، باب 14، حديث رقم 851 و852 مع بعض التغييرات الطفيفة: إذ نجد "القارئ" عوض "الإمام". جاء إسناد الحديث رقم 851 كالتّالي: أبو بكر بن ابي شيبة وهشام بن عمار عن سفيان بن عُيَيْنة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
(18) مالك بن أنس، نفس المرجع، ص 75: متاب الصلاة 3، باب 11، حديث رقم 49 بهذا الإسناد: مالك عن سُميّ، مولى أبي بكر، وأبو صالح السّمّان عن أبي هريرة. ثمّ نجد نفس متن الحديث ثلاث مرّات عند ابن حنبل: المسند، بيروت 1999-2001، مجلد 12، ص 112، مجلد 13، ص 95 ومجلد 16، ص 17: على التوالي الأحاديث رقم 7187، رقم 7660 ورقم 9922 بالأسانيد التالية على التوالي: عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة؛ وعبد الرحمن وإسحاق عن مالك عن سُميّ، مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة. نفس المتن يوجد مرّتين عند البخاري: صحيح. بيروت 2007، مجلد 1، ص 187: كتاب الآذان 10، باب 113، حديث رقم 782 ومجلد 3، ص 141: كتاب التفسير 65، باب 1، حديث رقم 4475 بالإسنادين التاليين: عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سُميّ، مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة؛ وعبد الله بن يوسف عن مالك عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة. ودائما نفس هذا الحديث بدون تغيير الذي يرد عند أبي داود، ص 163: كتاب الصلاة 1، باب 172، حديث رقم 935 بالإسناد التالي: القعنبي عن مالك عن سمي، مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة. هذا الحديث ذكره بنفس الطريقة الحاكم النيسبوري: المستدرك على الصّحيحيْن. بيروت 2009، مجلد 1، ص 340: كتاب الصلاة 4، حديث رقم 797. أخيرا، يوجد المتن عند الدّارمي: سنن. بيروت 1997، مجلد 1، ص 314: كتاب الصلاة 2، باب 38، حديث رقم 1246 بهذا الإسناد: نصر بن علي عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة، مع تغيير طفيف: ""القارئ" عوض "الإمام".
(19) مسلم 1993، مجلد1، ص 307: كتاب الصلاة 4، باب 18، حديث رقم 76 بإسناده: قطيبة عن يعقوب، أي ابن عبد الرحمن عن سهيل عن أبي هريرة. ثم نجد هذا الحديث بدون تغيير عند الدارمي 1997، مجلد 1، ص 314: كتاب الصلاة 2، باب 38، حديث رقم 1245 بإسناده: يزيد بن هارون عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة. أخيرا، نلاحظ وجود صيغة مماثلة عند الحكيم النيسبوري 2009، مجلد 1، ص 357: كتاب الصلاة 4، حديث رقم 849، ولكن لا يتعلق الأمر بالنبيّ وهو يتحدّث عن قارئ ولكن بشخص يدعى نعمان وهو يتحدّث عن أبي هريرة: أحمد بن سلمان عن محمد بن الهيثم عن سعيد بن أبي مريم عن الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمّر: كنت وراء أبي هريرة فقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" ثم قرأ بأمّ القرآن حتى بلغ "ولا الضّالين" قال: آمين، وقال النّاس: آمين [...]".
(20) أبو داود 2007، ص 163: كتاب الصلاة 1، باب 172، حديث رقم 932 بإسناده: محمد بن كثير عن سفيان عن سلمة عن حجر بن أبي العنبس الحضرمي عن وائل بن حجر. ونجد عند نفس المصنِّف هذا الحديث (كتاب الصلاة 1، باب 172، حديث رقم 934) مع إبدال "إذا قرأ" بعبارة "إذا تلا". بالإضافة إلى ذلك فإنّ الحديث يقف عند "آمين" (إسناده: نصر بن علي عن صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله، ابن عمّ أبي هريرة عن أبي هريرة. يأتي هذا الحديث في صياغة أخرى أخرجها الترمذي: سنن. الرياض 2008، ص 71: كتاب مواقيت الصلاة عن رسول الله 2، باب 72، حديث رقم 248، بإسناد بُندار محمد بن بشّار عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن سلمة بن كُهيْل عن حُجر بن عنبس عن وائل بن حجر، قال: سمِعتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ "غَيْرِ المَغضُوبِ عليْهِم ولا الضَّالّين"، فقال "آمين"، ومدَّ بها صوتَه. ونجد عنده حديثا آخر (كتاب مواقيت الصلاة عن رسول الله 2، باب 72، حديث بدون رقم) يقف عند "آمين" بإسناده: شُعبَة عن سلمة بن كهيل عن حُجْر بن أبي الأنبس عن عِلِقِمة بن وائل عن أبيه. أخيرا، نجد هذا الحديث في سنن الدارمي 1997، مجلد 1، ص 315: كتاب الصلاة 2، باب 38، حديث رقم 1247، مع تغيير بسيط جدّا: استعمال الحاضر "يَرْفَعُ" عوض الماضي "رَفَعَ" وذلك بالإسناد التالي: محمد بن كثير عن سفيان بن سعيد عن سلمة بن كُهَيْل عن حُجْر بن الأنبس عن وائل بن حُجر.
(21) نفضّل استعمال هذه التسمية بدلا من "مسلمون"، وهو تعبير خارج عن السّياق بدليل أنّ أولى صحابة النبيّ محمّد كانوا من الواضح يُطلِقون على أنفسهم "مؤمنون" وليس "مسلمون". بهذا الخصوص، أنظر قبل كلّ شيء:
M. SHARON: «The Birth of Islam in the Holy Land» Dans: M. SHARON (éd.): Pillars of Smoke and Fire. The Holy Land in History and Thought. Leyde/Johannesburg 1988, pp. 225-236-
ثمّ:
F.M. DONNER: Muhammad and the Believers. At the Origins of Islam. Cambridge (Massachusetts)/Londres 2010, p. 57sqq.
(22) نجد باستمرار هذه التسميّة "فاتحة الكتاب" وحدها (وليس "سورة فاتحة الكتاب) خاصّة في الحديث. أنظر على سبيل المثال ابن حنبل 1999-2001، مجلد 35، ص 20-21؛ البخاري 2007، مجلد 1، ص 181-182، إلخ. ومن النّادر أن نجد العبارة "فاتحة القرآن"، كما هو الشأن عند الكليْني: أصول من الكافي. طهران 1388 (=1968)، مجلد 3، ص 312-313.
(23) أنظر: W.A. GRAHAM: «Fâtiha». Dans : EI2, vol. 2, p. 189، تجدر الملاحظة بأنّ سورتي القرآن الأخيرتين (113 و114) وكذلك الآيتين الأخيرتين لسورة البقرة لها أيضا شكل أدعية يبتهِل بها النّاس إلى الله.
(24) نفس المصدر، 190. أنظر أيضا ابن النديم، الفهرست، بيروت 2002، ص 42: "كان عبد الله بن مسعود لا يكتُبُ المُعَوِّذَتيْن في مصحَفِه ولا فاتحة الكتاب". كما يمكن أن نقرأ أيضا: محمّد أركون «Lecture de la Fatiha» الذي يشير إلى عدم وجود سورة الفاتحة في مصحف ابن عبّاس. مقال منشور في:
P. SALMON (éd.): Mélanges d islamologie. Volume dédié à la mémoire de Armand Abel. Leyde 1974, p. 23.
(25) حول هذه المسألة في المصادر الشيعيّة، أنظر: GRAHAM, vol. 2, p. 189، كما يمكن أن نقرأ الحديث الذي ذُكِر في:
E. KOHLBERG et M. A. AMIR-MOEZZI : Revelation and Falsification. The Kitab al-qira’at of Ahmad b. Muhammad al-Sayyari. Leyde/Boston 2009, p. 16 (النّص العربي)، وقد جاء فيه استبدال لفظة "آمين" بعد قراءة الإمام بالجملة "الحمد لله ربّ العالمين (أي الآية الثانية من الفاتحة)، وكذلك الهامش 43 في الصفحة 73: "يرفض فقهاء الشيعة التقليد السنّي (الذي يعزونه لعمر [...]) والمتمثّل في قول "آمين" بعد أن ينتهي الإمام من قراءة سورة الفاتحة". في الكتب الشيعيّة، أنظر أيضا "باب النّهي عن قول آمين بعد الحَمْد" عند الطوسي: الإستبصار فيما اختُلِف من الأخبار. بيروت 2005، ص 181-182؛ وكذلك الكوفي: الإستغاثة في بدع الثلاثة. بيروت 1408/1987. أعادت طبعه دار النشر ساركودها – باكستان (بدون تاريخ)، ص 61 حيث يشرح في البدعة الثانية كيف أنّ عمر بن الخطّاب أفسد عليهم [أي أهل السّنة] "من حدود الصلاة أنّه استنَّ عليهم في قراءة الحمد بعد فراغها قول "آمين" فصارت عند أوليائه كأنّها من كتاب الله حتى أنّ من يلقَّن من الأعاجم وغيرهم وعوام النّاس وجهّالهم سورة الحمد يلقّنوهم هذا الحرف، فكانت هذه كلمة زائدة منهم في سورة من القرآن [...]". وبالتحديد لأنّ عمر بن الخطاب هو من تمسّك بقول "آمين" بعد قراءة الفاتحة، فمن هنا جاء تحريم هذا التقليد عند الشيعة.
وقد جاء ترك "آمين" في المصادر ااسنّية، أنظر على سبيل المثال ابن ماجة 2008، ص 158 (كتاب إقامة الصلوات والسنّة فيها 5، باب 14، حديث رقم 853): "حدّثنا محمد بن بَشّار، ثنا صفوان بن عيسى، ثنا بشر بن رافع، عن أبي عبد الله، ابن عمّ أبي هريرة؛ عن أبي هريرة؛ قال: تَرَكَ النّاس. وكان رسول الله صلى الله عليه إذا قال "غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين" قال: "آمين" حتى يسمعها أهلُ الصّفّ الأوّل. فيرتجُّ بها المسجِد".
(26) A. JEFFERY : « A Variant Text of the Fatiha » in MW 29 (1939), p. 158:
"... لم تكن في الأصل جزءًا من النّص [أي الفاتحة] ولكنّها دعاء [...] مرصود للتّلاوة قبل قراءة الكتاب".
(27) S. D. GOTEIN : Studies in Islamic History and Institutions. Leyde/Boston 2010 (1966), p. 83
يُضيف المؤلِّف قائلا: "محتوياتها [الفاتحة] تدلّ على أنّها تأليف ليتورجي أُنْشئ عمدا لهذا الغرض ....".
(28) ARKOUN 1974, p. 24 :
بخصوص ما يُسمّيه "البروتوكول اللّيتورجي": "ترديد الكلمات المقدّسة لسورة الفاتحة هو عبارة على إعادة تحيين اللّحظة التدشينيّة التي قال فيها النّبي لأوّل مرّة كلمات الفاتحة؛ وهذا يعني إذن الإلتقاء مرّة أخرى بالظرف العام للخطاب المَنْطُوق 1: المواقف الشّعائريّة، والتّواصل الروحي مع جماعة المؤمنين الحاضرين والغائبين...".
(29) أنظر:
A. NEUWIRTH/K. NEUWIRTH: « Surat al-Fatiha – Eröffnung des Texte-Corpus Koran order ‘Introitus der Gebtsliturgie’ ? », in W. GROSS (éd.) : Text, Methode und Grammatik: Wolfgang Richter Zum 65. Ottilien 1991, pp. 321-357.
(30) JEFFRY 1939, p. 158 : "[الفاتحة] كانت دعاء أُلِّف لكي يوضَع في بداية الكتاب المجموع [المصحف، ما جُمِع بين الدفَّتين من نصوص (المترجم)] وذلك بهدف تلاوته قبل قراءة الكتاب، وهو تقليد ليس غريبا عنّا إذ كان متداولا في كتب الشرق الأدنى المقدّسة الأخرى".
(31) لقد رجعنا إلى عيِّنة هزيلة من أربعة كتب فصول سريانيّة يمكن الحصول عليها بسهولة، نصفها كان يحتوي على نمط المقدِّمة التي سنشرع في عرضها، والنّصف الآخر خال منها (وهذا النصف الأخير يتمثّل في المخطوطين رقم 53 ورقم 2 بدير مار مرقس للسّريان الأرثوذكس في اورشليم القدس، ويعود تاريخهما على التولي إلى 1413-1414 و1549 ميلادي).
(32) أنظر:
A. SMITH LEWIS (éd.): A Palestinian Syriac Lectionary. Containing lessons from the Pentateuch, job, Proverbs, Prophets, Acts, and Epistles. Londres 1897. Réimpression Cambridge 2012- A. SMITH LEWIS/M. DUNLOP GIBSON (éds.): The Palestinian Syriac Lectionary of the Gospels (Evangeliarium Hierosolymitanum), Londres 1899.
(33) على التوالي Palestinian Syriac Lectionary, p. vii و Lectionary of the Gospels, p. ix
(34) Palestinian Syriac Lectionary, p. 2 Fol. 1a.
(35) Lectionary of the Gospels, p. 1 Fol. 3a.
(36) بالفرنسيّة: «le Bienfaisant, le Bienveillant»، حسب ترجمة:
D. GIMARET, Les noms divins en Islam. Paris 2007, p. 378.
إنّه من المهمّ ملاحظة أنّ القُدّاسة (الموعظة) الثالثة المنسوبة لنسطوريوس (ت حوالي 450 ميلاديّة) تحتوي على تضرُّع (كشوفو) يبدأ هكذا: يا أيّها الربّ! الله الحنون، والرّحمن والرّحيم!" (أو مُرْيُو آلُهُو حنُونو وْمَرْحْمُونو وْمْرَحْفونو)، أنظر: F. Y. ALICHORAN (éd. Et trad.), Missel Chaldéen. Paris 1982, p. 78 (نصّ بالسريانيّة). بالإضافة إلى ذلك نُشير إلى نصّ حِجاجي مسيحي كُتِب بالعربيّة ويعود تاريخه إلى بداية العصر العبّسي، وهو نصّ يروي اللقاء بين الرّاهب النسطوري بحيرى ومحمّد يقوم فيه الأوّل بتلقين الثاني دروسا في الشّعائر المسيحيّة ويقدّم من خلال هذه الدروس المعنى "الحقيقي" لبعض مقاطع من القرآن من بينها "البسْمَلة" التي يقول عنها بأنّها تمثّل "الثالوث"، أنظر: S. GRIFFITH : The Beginnings of Christian Theology in Arabic – Muslim-Christian Encounters in the Eary Islamic Period. Aldershot 2002, p. 167. أنظر أيضا ملاحظات: S. ORY : « Aspects religieux des textes épigraphiques du début de l’islam », in Revue du Monde Musulman et de la Méditerranée 58 (1990), p. 31: "إنّ استعمال البسْملة يمكن أن يكون مستنبطا من الصيغة المسيحيّة المماثِلة [...] "بسم المسيح المُخَلِّض...".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عمل رائع
على سالم ( 2018 / 1 / 7 - 22:06 )
الاستاذ القدير ناصر بن رجب , شكرا على هذا العمل المبدع الكاشف والهادف, بالتأكيد مقالاتك تفضح الشئ المقدس والذى كان مسكوت عنه من قرون طويله , لايوجد ادنى شك ان هذه القداسه زائفه ومخادعه ويحاولوا بجميع الاشكال عمل التجميل والتزويق لهذا الكتاب الارهابى ؟ لكن هيهات وهيهات , الحقيقه سوف تظهر سواء رضوا او لم يرضوا , هذه سنه الحياه , بالفعل اسم القرأن هو اسم سريانى وكان يسمى قريانى , القريانى تم تحريفه بواسطه البدو العربان اللصوص الى قرأن ؟؟؟


2 - مقال هام
ماجدة منصور ( 2018 / 1 / 8 - 04:01 )
مقال هام جدير بالدراسة و التمحيص
احترامي

اخر الافلام

.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ


.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا




.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل