الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلم والحرية والصراع الإنساني

قيس جرجس

2018 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


العلم والحرية والصراع الإنساني التاريخي:
حصانان يقودان عربة التطور الاجتماعي السياسي التاريخي لكل المجتمعات القائمة على الأرض، أي عرقلة وتعطيل لهما أو لأحدهما هو عرقلة لعجلة التطور وإعاقة له، تتجلى بالتخلف والجهل والتقهقر والانقسام والحروب العبثية والقلاقل والنكسات.

هما العلم والحرية:
العلم- المعرفة يقود عجلة التطور الاقتصادي الذي يضع الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي على أساس جديد من الصراع، فقراءة التطور التاريخي هو قراءة لمراحل الإبداعات العلمية للعقل والأطوار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على مستوى مجتمعات العالم ككل والتي ترتبت على أساس تلك الإبداعات، فكل إبداع يضع العالم على مستوى جديد من الاجتماع والتنظيم والمصالح والسياسة من ثقافة المحراث إلى ثقافة البستان إلى ثقافة الأبجدية والتجارة إلى ثقافة الثورة الصناعية وأخيرا ثقافة ثورة المعلومات والمعلوماتية نتتبع أشكال وأطوار جديدة ومستجدة للاقتصاد والتنظيم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.


العلم أقوى من التصورات الدينية وخرافاتها السياسية في تنظيم الوجود والاجتماع والسلوك في الحياة ، وهناك صراع حتمي لن ينتهي إلا بانتصار العقل والعلم والمعرفة والذي يراهن على غير ذلك فهون واهم وواهن مهما بلغ الدين من التأثير في عقول الناس كإيديولوجية وعقيدة فاشلة فيما يخص الوجود وتنظيم الوجود على الأرض.


وبشكل مضطرد لتطور العلم والمعرفة والاقتصاد والاجتماع يتطور الفكر السياسي المهتم في تنظيم وإدارة الموارد البشرية والطبيعية روحيا وماديا نسبة لتطور وتنوع المصالح العامة والخاصة في المجتمع ونسبة لتطور السيادة الشخصية والمجتمعية كانعكاس لتطور شخصية الفرد وشخصية الجماعة من خلال تطور فكرة السلطة الطبيعة والصراع على السلطة في المجتمع.


ونجد فكرة الدولة وطبيعتها ووظائفها أهم تطور حصل في الفكر السياسي المعاصر من خلال مخاض طويل لنظريات وعقائد وتجارب لأمم تقودك دائما إلى أن محرك الصراع إلى ذلك هو- الحرية - كحق الصراع من أجل الأفضل أي كحق للتقدم وكقيمة عليا للأفراد كشخصيات برزت واستقلت وجماعات على شكل مجتمعات قومية وطنية توحدت وامتلكت سيادتها على نفسها أيضا.


الحرية بما تعني من حقوق للإنسان كشخصية ذات سيادة وكرامة في جماعة ما وكمواطن في دولة حرة لمجتمع حر معين أخطر ما يواجهها أكثر من حرمانها هو تجزئتها وفق الأهواء السلطوية الاستبدادية من خلال فصل الحرية السياسية عن الحرية الفكرية وفصل تحرير الأرض عن تحرير الإنسان وبالعكس. وطالما الإنسان بالفطرة وبالعلم ينزع نحو الاستقلال والتحرر والارتقاء سيبقي الصراع مفتوحا بين الأنظمة الطغيانية التسلطية بأي طبيعة كانت دينية أو حزبية أو عائلية أو طبقية وبين شعوبها المحرومة من حقوقها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وكل تحوير وتأجيل لهذا الصراع في المجتمع من أجل الأفضل تحت مسميات صراعات أخرى داخلية أو خارجية هو هروب ونكوص وفشل في كلا الصراعين الداخلي والخارجي.


إن الذي يراهن على غير انتصار الحرية كحق للصراع وحق للتقدم هو واهم وواهن أيضا، وكل مجتمع يعاني الحرمان من حقوقه الإنسانية والسياسية والاقتصادية من قبل أنظمة الغائية إقصائية تنظر إلى الدولة كمملوك خاص بها فقط سينفجر عاجلا أو آجلا.


لقد شهد العالم بعد ثورة المعلومات تطورا هائلا على كل المستويات، وكان العالم منقسما معسكرين: 1- معسكر شرقي تسوده نظرة سياسية للدولة على أنها مملوك حزبي انطلاقا من نظرة اجتماعية مادية للتطور التاريخي وقد أفضت إلى أنظمة طغيانية حزبية ايديولوجية اقتصادية ليس هناك إلا ملكية الدولة والحزب الواحد وألغت الحراك الثقافي الفكري السياسي وحرمت المواطنين من حقوقها الإنسانية الأساسية. 2- ومعسكر غربي كانت تسوده النظرة الليبرالية الفردية اختزلت ملكية الدولة كثيرا إلى مؤسسة شرطة داخلية موظفة بيد طبقة الرأسماليين المالكة. وقد راهن الجميع على انفجار الصراع الطبقي في هذه المجتمعات المقسومة انقساما طبقيا حادا نتيجة تمركز الحرمان والفقر في قطب كبير من المجتمع وتمركز السلطة والسطوة والجاه والمال في قطب قليل جدا.


ولكن ما شهدناه من تطور أن هذه المجتمعات تطورت وطوّرت النظرة الفردية وطعّمتها بكثير من الإجراءات الاجتماعية الاشتراكية. فطبقة أصحاب المصارف ذهبت إلى البحث عن عقيدة عن رؤية عن سلوك جنّبها الانفجار الطبقي:
فعلى مستوى الصراع على السلطة سياسيا طوّرت سلوكها السياسي عن طريق تعزيز الديمقراطية القومية الوطنية النظيفة من لوثة الصراع الطائفي والديني على السلطة وتحويله إلى صراع حضاري سلمي عن طريق تأسيس أحزاب ذات طبيعة وبرامج وطنية كالأحزاب الاشتراكية الاجتماعية وأشركت كثيرا من شرائح المجتمع المنتجة في الصراع السياسي من خلال الصندوق الانتخابي الحر ولو بقي تحت تأثير رأسمال صناعي أو تجاري أو زراعي بحيث لا يذهب إلى الصراع العنفي الدموي المدمر على السلطة، وكل ذلك في فضاء حضاري إنساني أسسته مروحة واسعة من الحريات وحقوق الإنسان وبالتالي قضت على الثقافة العنفية في كل منظومة العلاقات الاجتماعية.

وكذلك ذهبت على المستوى الاقتصادي في إرضاء الطبقات المنتجة بمشاركتها في الربح كحد أدنى للحياة الحرة الكريمة من خلال ممارسة سياسية الضمانات الواسعة التي تقضي على كل حرمان في المجتمع.
وفي الدولة أسست للهوية الوطنية الجامعة التي لا تقصي أي جماعة ثانوية في المجتمع ناتجة عن رابطة موروثة مثل الجماعات اللغوية أو العرقية أو الدينية من حقوق المواطنة وذلك بفصل الدين عن الدولة. كما أعطت للدولة مكانها المهم والمالك والموجه والراعي للحفاظ على استقرار المجتمع ووحدته وإطلاق حيويته والدفاع عن حدوده ودعم البحث العلمي وربطه بالتقنية والتنمية في المجتمع، وأسست بذلك إلى ما يسمى ثورة الإبداعات المعلوماتية والانفجار المعرفي.

صحيح أنها لم تقض على رأس المال وعلى الطبقات وهذا شأن طبيعي في تطور المجتمعات، فليس هناك مساواة طبيعية للطاقات والقدرات كاملة بين الأفراد بل هناك مساواة في الكرامة الإنسانية فقط. والمساواتية التي مارستها الأنظمة الشيوعية كإيديولوجية كانت قاهرة ومحبطة وضغطت الأعلى إلى الأسفل بدل أن ترفع الأسفل درجات على طريق الأعلى. لكنها استطاعت أن تقضي أو تحدد دور وحركة الرأسمال الوراثي كسبب في نشوء الاستغلال وتمركز رأس المال في عائلات معينة من خلال فرض الضريبة المتصاعدة على تراكم الربح. وكذلك أبعدت كل الروابط الموروثة كأساس لبناء حقوق المواطنة في الدولة وبناء الهوية الوطنية وهذا ما جنّب المجتمع الانفجار الطبقي الذي راهنوا عليه وغيره من الانفجارات كالدينية والطائفية والإيديولوجية والعرقية الناجمة عن حرمان ما أو إلغاء أو إقصاء من حقوق الهوية والمشاركة في الحياة العامة. وبالفعل بحث الديمقراطيون عن عقيدة اقتصادية اجتماعية واجتهدوا ونجحوا إلى حد مقبول في ذلك. وما هو قائم لا يجسّد تماما ما ذهبت إلية النظرة الليبرالية الفردية في أول انطلاقتها بل هي مطعّمة بكثير من التصورات الاشتراكية والاجتماعية.


وبعد ثورة الاتصالات تداعت الأنظمة االحزبية الديكتاتورية المالكة لكل شيء والمانعة لكل حراك وسقطت وبقيت الأنظمة الديمقراطية الغربية وهي بحالة تطور دائم.

فأمام استحقاق سياسي في بريطانيا وهو الخلاف على البقاء في الوحدة الأوروبية أو الانسحاب ذهبوا إلى الانتخابات ورضخت السلطة للنتيجة وتنحت واستقالت الحكومة والحزب الذي يقودها أمام الآخر البديل ولو كان أي خيار خاسرا فلن يساوي الخسارة التي يدفعها الشعب والدولة أمام تعنّت السلطة في التنازل والتنحي للخيار الآخر ودفع المجتمع إلى الانقسام ولعبة العنف والدم وبالتالي الاستثمار السياسي من الخارج لما يحدث.


وبين الغرب المتطور والشرق المتقهقر بين الانفجار المعرفي والانفجار الدموي العنفي التدميري وبين مقدسين هما القانون والعمل وزحمة المقدسات الدينية والشخصية والنصيّة ما يزال هناك من يراهن على الأنظمة الاستبدادية الاقصائية الالغائية العنفية في البقاء رغم كل ما جلبته وما صنعته أيديها من حرمان في الحريات ولقمة العيش وتعزيز العنف وثقافة الموروث الديني والطائفي مع الفقر والجهل والتخلف وهي لا تتنازل لشعوبها عن حق من حقوقه المستحقة تحت حجة أنه يطمع في المطالبة أكثر وكأن الدولة ملكهم الأبدي وتتهم دائما المؤامرة التي تتحرك كاستثمار سياسي واقتصادي على أثر ما فعلته هي.


ما نشهده من ثورات وانفجارات مهما كانت تسميتها هي بداية عصر جديد في انهيار كل منظومة الاستبداد سياسيا وحزبيا ودينيا. إنه سقوط معنوي مهم للإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني قبل أن يكون سقوط للأنظمة القهرية الاستبدادية السياسية والطائفية. هو سقوط للاستبداد بكل أشكاله الداخلية وللخارجي الاستعماري المهيمن أيضا. والشعب أمام خيارين إما الموت أو الحياة إما الفتنة أو الدولة الجامعة إما الحرية أو العبودية.

فبناء دولة الحقوق والقانون والعدل لكل مواطنيها هو الاستحقاق الذي فشلوا فيه جميعا مهما تستروا بالله والأنبياء و الحماية الخارجية. لكن هناك فاتورة ضخمة من الضحايا ستدفع للأسف بسبب تعنّت تلك الأنظمة أولا وبسبب ما خلّفته من مستنقعات آسنة للموروث الديني الطائفي الاقطاعي.
د. قيس جرجس - كاتب وشاعر سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة