الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة عامة على لوحة -الساقي المغني- للفنان جاك فيتريانو

الاء السعودي

2018 / 1 / 8
الادب والفن


لا يوجد فنان حديث انقسمت حوله الآراء واختلف بشأنه النقاد بمثل ما اختلفوا وانقسموا حول الفنان والرسام البريطاني جاك فيتريانو، ورغم ذلك، يبدو الجمهور في حالة ترقب دائم لاعمال هذا الفنان المتواضع، وتشير التقديرات إلى أن فيتريانو يجني سنويا اكثر من ربع مليون جنيه استرليني من بيع "نسخ" لوحاته التي يتهافت على شرائها المشاهير والناس العاديون!! قصة فيتريانو تذكرنا على نحو ما بالقول العربي المأثور: "لا كرامة لنبي في وطنه"!! فنقاد الفن في اسكتلندا، حيث مسقط راس الفنان، يبدون اقل حماسا واحتفاءا بلوحاته!! بل إن بعضهم يصفها بأنها مجرد "إيحاءات جنسية فجّة ورخيصة"!! والبعض الآخر لا يرى فيها اكثر من تشكيلات لونية باردة وبلا روح!! لكن للسوق والجمهور رأيا آخر مختلفا ومغايرا!! إذ أن أعمال فيتريانو هي اليوم الأكثر تفضيلا من بين الرسامين المعاصرين لدى الجمهور، بل إن عدد النسخ التي بيعت من اشهر أعماله، وهي لوحة "الساقي المغني"، تفوق بكثير ما بيع من أعمال اكثر الفنانين شهرة واحتفاءا!! وقد بيعت هذه اللوحة قبل خمس سنوات في مزاد علني بمبلغ مليون ونصف المليون دولار، وبالنظر إلى تكوينها الفريد وألوانها الرائعة وجوها الرومانسي فإن اللوحة توحي بأكثر من معنى، وتنطوي على سحر خاص، ورومانسية لا مثيل لها!!
في اللوحة نرى الافق منخفض والسماء محجوبة بالغيوم الداكنة والثقيلة!! في وقت يبدو انه اللحظات الاولى للشروق، قدما المرأة حافيان، على الرغم من أن ذراعيها مغطيان بالقفازات المطابقة باللون من لباسها، وهي تستدير لتكشف عن ظهرها تحت ثوب حفلة احمر خفيف، وركها الأيمن يميل نحو شريكها الذي يرتدي ملابس سهرة، الزوجان المتأنقان يبدوان كما لو أنهما هربا من حفلة وفضلا أن يشكلا ثنائيا راقصا على هذه البقعة البعيدة من شاطئ البحر!! الزوجان المبتهجان ليسا وحدهما هنا، هناك أيضا بمعيتهما خادمة وساق، وكل منهما يحمل مظلة واقية من المطر!! الساقي يبدو وكما انه يحمي سيده او ربما سيدته من المطر المتساقط بجعل مظلته فوقهما، الخادمة تضع يدها على قبعتها خوفا من ان تلقي بها الرياح بعيدا، تحمل مظلة هي الاخرى وعلى الشاطئ تركت حقيبتها في انتظار انتهاء رقصة العاشقين، العاشقين غير مبالين لما حولهما وقد اندمجا بروح الرقص، انعكاسات الملابس والأقدام تبدو ناعمة على الرمال المبللة، ومع ذلك فهذه اللوحة غامضة بشكل بارع!! تنظر إليها فتشعر كما لو أن وراءها قصة تتكشف فصولها تباعا!! تم انتقاد اللوحة من قبل نقاد كثيرون لم يبدو إعجابهم بها، حيث ان الإضاءة غير متناسقة ووجود الرياح غير حقيقي ولَم يستطع الفنان ان يوصل للمتأمل الغاية التي رسم على اثرها اللوحة، كذلك الوضعية الغريبة لرقص العاشقين على رأيهم، حيث انه تم عكس حركات الرقص، حيث انه عادة يتولى الرجل قيادة حركات الرقص مع إمساك يده اليسرى اليد اليمنى لشريكته بالرقص، ووضع يده اليمنى على أو أسفل الكتف الأيسر للمرأة، في حين تضع يدها اليسرى على ذراعه اليمنى، أسفل الكتف مباشرة!! حيث انه بنظر الكثير من النقاد، يبدو ان المرأة في اللوحة هي من تتولى قيادة الرقص وليس الرجل برفقتها.
لوحة الساقي المغني هي لوحة زيتية صغيرة نسبيا رسمها فيتريانو عام 1992، وأصبحت منذ ذلك الحين لوحة معلمية في بريطانيا!! شيء ما شبيه بهذا حدث في أمريكا من قبل، عندما أصبحت لوحة "القوط الأمريكيون" لـغرانت وود صورة أيقونية لا يكاد يخلو منها منزل أمريكي!! او حينما اصبحت لوحة ليلة النجوم لفان جوخ المثال الاول لعظمة وابداع الفن التشكيلي الهولندي، كذلك الحال مع لوحة القبلة للنمساوي جوستاف كليمت!! ومع أن ملامح الرجل والمرأة غير ظاهرة، فإنه يمكن بسهولة تخيّل طبيعة انفعالاتهما في تلك اللحظة!!
المعروف أن فيتريانو أصاب نجاحا عالميا باهرا، خصوصا في الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، لكن المشكلة في المثال الذي يجسّده فنان مثل فيتريانو هي أن الناس يفترضون في الفنان أن يكافح ويتعب ويناضل طويلا حتى يعترف الناس بموهبته ويحصل على الشهرة، وهذا لا يحدث في الغالب إلا بعد أن يموت أو يصاب بالجنون!! لكن فيتريانو، وهو بالمناسبة شخص على درجة عالية من الأدب والتواضع، رفض هذا النمط التقليدي، مما جلب عليه غضب وسخط المؤسّسة الفنية في اسكتلندا!! ورغم أن مؤيّدي فيتريانو من النقاد قليلون، فإن بعض الشخصيات المرموقة في ميدان الأدب والفن هبوا إلى نجدته ومؤازرته، ومن بين هؤلاء المؤلف آل كينيدي الذي وصف منتقدي فيتريانو ومهاجميه بأنهم "جماعة من الحمقى الذين أعمى الحقد والحسد قلوبهم"!! فيتريانو نفسه يقول انه رسم اللوحة، ببساطة، لسببين: أولهما أن امرأة أخبرته ذات مرة انه بارع في رسم الشواطئ، والثاني أن شاطئ البحر هو "المكان الذي يقصده العشاق عادة"، ولو افترضنا أن الشاطئ في اللوحة حقيقي، فإنه ربما يكون جزءا من شاطئ ليفين باسكتلندا، والذي كان فيتريانو يتردد عليه عندما كان صبيا!! غير أن منتقدي الرسام يتهمونه بالانتحال وبسرقة شخوص لوحاته من رسامين اخرين!!
ويبدو انه من غير المعروف ما إذا كان النقاد سيغيرون موقفهم تجاه فيتريانو وفنه قريبا!! لكن من يدري، بعد مائة عام من الآن، ربما يكون لجاك فيتريانو ولوحاته ما لفان جوخ ورمبراندت ودافنشي ورينوار من صيت وتقدير وشهرة وانتشار هذه الأيام!!
يمكنك إلقاء نظرة على اللوحة من خلال الرابط: http://www.jacksgallery.co.uk/wp-content/uploads/2015/02/The-Singing-Butler.jpg








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في