الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السنة الأمازيغية: من الاحتفالية إلى التحديث والتثمين

الحسين أيت باحسين

2018 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


السنة الأمازيغية: ظاهرة احتفالية شعبية مدنية وبيئية شمال إفريقية:
منذ أن تمت الإشارات إلى هذا التقويم الفلاحي – الأمازيغي؛ في العصور القديمة والوسطى، وخاصة منذ الدراسات الوصفية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من طرف بعض المستكشفين الأوروبيين، وكذا من طرف بعض المهتمين بالعادت والتقاليد الشعبية من المغاربة وغيرهم ممن كتبوا باللغة العربية؛ من حيث بعد تقويمها الزمني (يناير اليولياني) ومن حيث التقاليد والعادات والطقوس المصاحبة لها؛ وهو يتخذ طابع الاحتفالية الشعبية والمدنية والبيئية، ويعرف إشعاعا كبيرا تحت مسميات مختلفة، وإن غلبت عليه تسمية "ئنّاير" كتسمية عامة.
لقد قدمتها لنا تلك الإشارات وتلك الدراسات الوصفية كظاهرة احتفالية مدنية شعبية تعم مختلف مناطق شمال إفريقيا، كما أكدت العادات والتقاليد والطقوس المرتبطة بها أنها تعم كل مناطق المغرب، بواديه وحواضره، وكل شرائح مجتمعه، ناطقين وغير ناطقين بالأمازيغية، علما أن هذا الاحتفال خاص بشمال إفريقيا، ولا توجد له، حسب علمي، مظاهر خارج شمال إفريقيا.
كما أن تلك الدراسات الوصفية، وهذه العادات والتقاليد والطقوس المرتبطة بها، قدمتها لنا، في مرحلة أولى، تحت مسميات متنوعة بتنوع مرجعيات تمثلاتها لأسس هذه الظاهرة الاحتفالية ودلالاتها وغاياتها؛ وفي مرحلة ثانية تحت مسمايات شعبية موحدة مرتبطة بتقويم زمني أو بعادات أو تقاليد أو طقوس تغذوية؛ لتتطور إلى تسمية أُسِّسَت على تقويم زمني بمختلف أبعاده و"تقويم تأريخي" تمت المواضعة / الاتفاق / الموافقة عليه؛ كما هو الشأن بالنسبة لكل تقاويم حضارات وشعوب العالم؛ انطلاقا من "حدث تاريخي" تم اختياره كبداية انطلاق تأريخي للحضارة الأمازيغية عبر التاريخ، ومرجعية هوياتية للثقافة الأمازيغية بمختلف جوانبها وأبعادها؛ لتستقر التسمية، وطنيا ودوليا، تحت تسمية "السنة الأمازيغية" كظاهرة احتفالية، وعي هوياتي، حدث تاريخي، بعد تقويمي، بعد بيئي ومطلب سياسي.
وبذلك يمكن القول بأن "السنة الأمازيغية"، في البداية، انبعثت من ممارسة ذات صبغة عائلية، إلى ممارسة جمعوية ذات صبغة ثقافية وفنية، تنظم في مقرات الجمعيات وحتى في مؤسسات عمومية (كالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية)، وفي الساحات العمومية (كساحة شارع محمد الخامس بالعاصة الرباط أما البرلمان)؛ ومرتبطة بمطالب الحركة الأمازيغية. وبدأت تثير اهتمام وسائل الإعلام الوطنية والدولية.

اختلاف التسميات باختلاف المناطق والمحتفلين به:
من بين التسميات الشعبية التي تطلق على هذه الظاهرة الاحتفالية، نذكر ما يلي:
- "ئنّاير / يينّاير": في كتسمية عامة وشائعة في مختلف مناطق شمال إفريقيا؛ وخاصة في الجنوب الشرقي والغربي للمغرب؛
- "نّاير": في شرق المغرب وفي بعض مناطق الجزائر حيث نجد أيضا تسمية "نّار"؛
- "حاكَّوزة" أو "حايكوزة": في بعض مناطق المغرب؛
- "لحوادس": في منطقة الشاوية ودكالة بالمغرب؛
- "بّا شّيخ": في تاركيست، قبائل صنهاجة بالريف بالمغرب؛
- "بيانّو": في بعض مناطق المغرب والجزائر؛
- "تاكّورت ن ؤسكّاس" أو "تابّورت ن ؤسكّاس"، خاصة في القبايل بالجزائر؛
- "السنة الفلاحية"، على شاكلة "السنة الهجرية" و"السنة الميلادية" أو "السنة الإدارية" و"السنة العبرية" وتمييزا عنها.

تطور التسميات شعبيا:
بعد استعادة هذه الظاهرة الاحتفالية؛ بعد عرفت نكوصا في فترة مّا؛ بدأت تظهر تسميات شعبية تعرف انتشارا جديدا، مرتبطة إما بتقويم زمني وإما بطقوس مّا؛ ومن بينها ما يلي:
- "ئض ن ؤسكّاس"، "ئض سكّاس"، "ئض ن ؤسكّاس أماينو": في مناطق المغرب (وتعني الليلة التي تسبق فاتح السنة الأمازيغية الجديدة)؛
- "ئض ن تكلاّ": (وتعني: ليلة العصيدة، أي الليلة الخاصة بتهيئ طبق العصيدة)؛
- "ئض ن ؤركيمن": (وتعني الليلة التي يُقدَّم فيها طبق مكون من سبعة أنواع من حبوب الشعير والذرة ومجموعة من حبوب القطاني التي تطبخ مع "ئفنزا ن تفاسكا" "الكرعين المحتفظ بها من عيد الأضحى)، في قدر طيلة يوم 13 يناير؛
- "ئض ن ئفولّوسن": (وتعني الليلة الخاصة بتقديم طبق الدجاج البلدي أو الديك الحبشي مع البيض البلدي)؛
- "ئض ن سّكسو د زّكَزِيو" (وتعني الليلة التي يقدم فيها طبق الكسكس المهيّأ بسبعة أنواع من الخضر الطرية والمتوفرة في تلك الفترة من السنة مضاف إليها الخضر المجففة التي تم الاحتفاظ بها لأجل هذا الطقس التغذوي).

تحديث "ظاهرة ئناير الاحتفالية":
لكن هذا الاحتفال، وما يتعلق به من "تقويم زمني"، و"تقويم تأريخي"، و"تقويم تاريخي"؛ ومن عادات وتقاليد وطقوس، تَطَّلب، من الباحثين والمهتمين، الانكباب على مختلف هذه الجوانب المرتبطة به من أجل دراستها للوقوف على حقيقة ممارساتها ودواعيها ومعرفتها ودلالاتها ورمزياتها وأهدافها؛ والاهتمام بتطور ممارساتها بعد انبثاق الحركة الأمازيغية؛ خاصة في غياب الدراسات الخاصة بها والمعمقة بصددها، الشيء الذي ترك الباب مفتوحا أمام التأويلات ذات الطابع الأسطوري لهذا الاحتفال. والسبب في الاختلافات والتأويلات، قلة المعطيات التاريخية والسوسيولوجية والأنتروبولوجية عند البعض، والخلفيات الأيديولوجية المعادية لكل ما هو أمازيغي.
ورفعا لبعض الالتباسات التي تحيط بهذا الاحتفال، تنبغي الإشارة إلى أنه لا ينكر أحد أنه مرتبط ببلدان شمال إفريقيا دون غيرها؛ من حيث مختلف عاداته وتقاليده وطقوسه ورمزياته ودلالاته، ومن حيث زمانه ومكانه ومناسبته. كما ينبغي التمييز بين سبعة مفاهيم: "ظاهرة الاحتفال"، "التقويم الزمني"، "التقويم التأريخي"، "التقويم التاريخي"، "ئنّاير الفلاحي"، "التقويم الأمازيغي" و"السنة الأمازيغية".
كما ينبغي استحضار وجود، في كل الثقافات والحضارات وعند مختلف شعوب العالم، أربعة أنواع من الاحتفالات:
- "احتفالات دينية" قد تخص ثقافة معينة أو شعبا معينا، وقد تتقاسمها ثقافات متنوعة أو شعوب مختلفة (ولدينا في المغرب حاليا خمسة أعياد دينية: فاتح محرم، عيد المولد النبوي، عيد الفطر، عيد الأضحى، عاشوراء)؛
- "احتفالات وطنية سياسية" مرتبطة بأحداث سياسية خاصة بكل دولة قائمة بذاتها (ولدينا في المغرب حاليا سبعة أعياد: تقديم وثيقة الاستقلال، عيد العرش، ذكرى استرجاع وادي الذهب، ذكرى ثورة الملك والشعب، عيد الشباب، ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال)؛
- "احتفالات دولية" (ولدينا حاليا عيدين مرتبطين إما بأحداث اتخذت صبغة عالمية مرتبطة بالعولمة (السنة الميلادية) أو بقيم إنسانية (عيد الشغل بالمغرب أو عيد العمال بالجزائر)؛
- احتفالات بيئية-مدنية-شعبية مرتبطة بالبيئة وبنوع تمثل مجموعة بشرية ما للمظاهر البيئية التي يتفاعلون معها بشتى العادات والتقاليد والطقوس وما يرافق ذلك من دلالات رمزية محايثة لمختلف سلوكاته الاحتفالية؛ كما هو الشأن في كثير من بلدان القارة الأمريكية، والقارة الأسوية والقارة الأوروبية وكذا في القارة الإفريقية.

لقد استمدت هذه الظاهرة الاحتفالية عاداتها وتقاليدها وطقوسها من ارتباط الإنسان بالأرض وبالطبيعة وبلغته وثقافته وهويته وتاريخه وحضارته، أي بمميزات لغته وثقافته وهويته وتاريخه وحضارته وواقعه الاجتماعي وتمثلاته الأنتروبولوجية، فربطها؛ في لحظات من تاريخه بالدورة السنوية وب"دورة السنة الفلاحية"؛ مميزا بينها وبين "السنة الميلادية اليوليانية"؛ و"السنة الميلادية الكَريكَورية" و"السنة الرومية"، و"السنة الهجرية"؛ معتمدا في شؤون الفلاحية "السنة الشمسية"، وفي أموره الدينية "السنة الهجرية" بسميات خاصة بلغته. لقد كانت الظاهرة الاحتفالية المرتبطة بالطبيعة في شمال إفريقيا مرتبطة بفصول السنة الأربعة: "تاكَرست" (فصل الشتاء)؛ "تافسوت" (فصل الربيع)؛ "أويلان" (فصل الصيف) و"أموان" (فصل الخريف). وكانت لكل فصل من هذه الفصول، عادات وتقاليد وطقوس خاصة؛ قبل أن يلتحق عاشوراء ليلتقط بعضها، في كل حين، خلال أزمنته المختلفة، وفي دورته السنوية وعبر مختلف فصول السنة؛ لكونه مرتبط بزمن السنة القمرية والسنة الهجرية؛ وهي باختصار شديد:

- طقوس الخطوبة والخصوبة في فصل الربيع (ومن بقاياها: احتفالات النزاهة في مراكش وتارودانت وفاس وفي بعض المناطق القروية في مختلف جل مناطق المغرب)؛
- طقوس الماء والنار في فصل الصيف (ومن بقاياها: احتفالات العنصرة والنار)؛
- طقوس الاستسقاء في فصل الخريف (ومن بقاياها: احتفالات "تاسليت ن ؤنزار" أو "تل غنجا")؛
- طقوس التضامن والتآزر والتقاسم وتدبير الندرة أو القلة في فصل الشتاء (ومن بقاياها: احتفالات ئنّاير)؛

إن هذه الطقوس، كلها، مرتبطة بعلاقة الإنسان بالأرض خاصة، وبالطبيعة عامة وبالبيئة بصفة أعم. إن ارتباط إنسان شمال إفريقيا بالأرض، منذ أقدم العصور، تثبته كثير من القرائن الجغرافية والتاريخية والعقائدية والاجتماعية والانتروبولوجية (العودة إلى أسطورة: "الصراع بين هيراقل اليوناني مع عانتي الأمازيغي" من أجل تمكن الأول من الحصول على التفاحات الذهبية من فردوس الهيسبيريد الموجود في منطقة بجنوب طنجة)، لا سبيل للتفصيل فيها هنا.
كما أن تعدد تلك التسميات و تنوع تلك العادات والتقاليد والطقوس من منطقة إلى أخرى، واختلاف تلك الطقوس التي كان يتقاسمها، من قبل، الناطقون وغير الناطقين بالأمازيغية، قد عرفت بعد الاستقلال؛ لأسباب عديدة، منها ما هو ثقافي وما هو اجتماعي وما هو سياسي؛ عرفت تقلصا من حيث شرائح المجتمع التي كانت تمارسها، كما عرفت نكوصا، من حيث المجالات الجغرافية التي كان الاحتفاء بها فيها مشهودا، خاصة في المدن؛ كما تقلصت مدة الاحتفال من 7 أو 5 أيام إلى 3 أيام خلال 12 و13 و14 يناير الكَريكَوري: (12 (لطقوس تحضيرية وتطهيرية) (و13 لطقوس تغذوية وتضامنية وتآزية) و14 لطقوس صيدلية وتجميلية) إضافة إلى ما يتخلل ذلك من طقوس رمزية ودلالات ثقافية وسوسيولوجية وأنتروبولوجية: مثل "أصيفض"، وإخفاء نواة التيمن بالسعادة والتربية على المسؤولية؛ والتفاؤل بالوفرة؛ والتقاسم مع الغير بما في ذلك من الكائنات الغير المرئية، ومواساة الطبيعة في تحولاتها وآلامها ومآزرتها، وتدبيرالندة أو القلة، والعلاقة الحميمية بين الإنسان والطبيعة حفاظا على توازناتها، والتربية على الادخار؛ وغيرها من الطقوس الرمزية والدلالات الثقافية والسوسيولوجية والأنتروبولوجية التي ينبغي الانكباب عليها لإبراز مختلف قيم هذا الاحتفال).

لكن مع نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية تَمَّ الشروع في استعادة الظاهرة، خاصة في المجال الحضري، وتمت محاولات تحديث طرق الاحتفال بها، وربطها بالبعد الهوياتي، وبالذاكرة التاريخية والثقافية، وبمطالب الحركة الثقافية الأمازيغية الثقافية والحقوقية والهوياتية والتاريخية والحضارية، والبحث عن جذورها التاريخية، ودلالاتها الرمزية؛ وقيمها التدبيرية والتضامنية؛ وتأسيسها على مرجعية تقويمية تميز بين "التقويم الزمني" و"التقويمي التأريخي" والتقويم التاريخي"، والمواضعة / الاتفاق على نقطة بداية للتأريخ بها باعتباره "التقويم الأمازيغي"، المؤسس والموحد لكل تلك التسميات المختلفة في اسم "السنة الأمازيغية"؛ هذا "التقويم الأمازيغي" المضاف للتقويم الهجري والتقويم الميلادي اللذين يعتمدهما بلدنا استجابة لمقتضياته الهوياتية، وحفاظا على العيش المشترك، وانفتاحا على الغير، والتحاقا بنادي الدول والشعوب التي تحتفي، ضمن أعيادها وعطلها الاحتفالية، بأعياد بيئية منسجمة بقضايا الطبيعة والبيئة التي نص عليها الجيل الخامس من أجيال حقوق الإنسان (أي بعد الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية)؛ ألا وهو "الحق في البيئة"، الذي يستهدف محاربة التغيرات المناخية من أجل تمرير بيئة نظيفة وسليمة للأجيال المستقبلية. وقصد تربية الأجيال المستقبلية على القيم والحقوق البيئية كخامس جيل من أجيال حقوق الإنسان. خاصة وأن إشكالات البيئة لم تعد تخص فقط الدول المصنعة؛ واستجابة لدعوات وتوصيات المؤسسات الدولية؛ المعنية بالحفاظ على التوازن البيئي وعلى التوازنات المناخية؛ التي توصي، من بين ما توصي به، على الاهتمام بالمعارف التقليدية (Savoirs traditionnels) والمعارف – الأدائية (Savoir-faire traditionnels) للشعوب الأصلية.
وأخير نتمنى بمناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة 2968 عيدا سعيدا؛ في انتظار إقراره رسميا، من طرف الدولة، عيدا وطنيا-بيئيا؛ ويوم عطلة مؤدى عنها؛ خاصة وأنه قد اكتسب واقع احتفال مدني وشعبي بامتياز.
وذلك اعترافا للمرأة المغربية المحافظة على العادات والتقاليد والطقوس والقيم المحايثة لها؛ وللفلاح الحريص على عدم الإخلال بالتوازنات البيئية؛ ولكل المغربيات والمغاربة حفاظا على العيش المشترك في ظل السلم الاجتماعي والأمن الثقافي.

ألقيت هذه المداخلة، بمناسبة حلول السنة الأمازيغية 2968، في كل من المركز الوطني لمفتشي التعليم بالرباط يوم الأربعاء 10 يناير 2018 وفي فرع منظمة تاماينوت بمدينة تيزنيت، يوم السبت 13 يناير 2018.
الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام