الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفرين والمصير المرير

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



قالت لي كاتبة كندية، أنها لا تفهم الرابط الذي أقمته في صورة الخراب والدمار، بين كل من مدينتي الرقة وهيروشيما. كان استيعابها محدوداً لحجم الكارثة التي أنزلتها قوات التحالف في المدينة، خلال حربها ووكلائها، ضد تنظيم داعش الإرهابي. وأن هناك من الضحايا المدنيين، ما يفوق قتلى عناصر تنظيم الدولة خلال ثلاث سنوات، وقد تسببت به الهجمات الجوية، والمدفعية الأرضية، في غالب الأحيان نتيجة لمعلومات غير صحيحة، وفي أحايين بسبب احتمال وجود مقاتلين دواعش متحصنين، داخل الأحياء السكنية، قد لا يتجاوز عددهم اصابع اليد. معلومات مضللة كانت تقدمها قوات قسد، التابعة للعمال الكردستاني.
الصورة الذهنية التي تشتغل عليها مؤسسات صنع القرار، وتوجيه الرأي العام والإعلام في الغرب عموما، وفي الولايات المتحدة، هي صورة منزوعة من الجانب الإنساني الذي يفترض أنه في كل عملية عسكرية ، أو حروب، ثمة ضحايا مدنيين يتوجب تجنيبهم الضرر. هذا التوجه، أو بمعنى أدق هذه الصورة تخدم الترويج لفكرة صوابية السياسات، وسلامة ونجاعة الأداء الذي تقوم به في مواجهة الإرهاب العالمي، في ( مناطق نشأته ) بما يحول دون تمدده وانتشاره عبر العالم. فكل ما تم استهدافه هو مجموعات مقاتلة، وجميع الأهداف التي حُققت هي مواقع يستخدمها التنظيم الإرهابي. ضمن عملية منظمة لإخفاء الحقائق عن الجمهور، بالإضافة الى قلبها وتزويرها.
المدنيون إذن في كل حال هم الضحايا الكثر تجاهلاً والأكثر تضرراً من السياسات التي ترسمها الدول، حمايةً وتحقيقاً لمصالحها بالدرجة الأولى. المصالح التي تتصل بالآخرين، قد تاتي في ذيل قائمة الأهداف. الأمر في هذا السياق، ليس مرتبطاً بسياسات كل من الولايات المتحدة وروسيا، لكنه أيضاً، فيما يخصّ بالمسالة السورية، متصلٌ بالدول الإقليمية التي تضع مصالحها الاستراتيجية وامنها القومي في المقدمة، تركيا وإيران مثالاً حيّاً.
تدور في المنطقة حرب كبرى، بكل اتجاهاتها، وجبهاتها، واهدافها هي عار على العالم. لم تنتصر معاركها لقضية الحرية، ووضعت قضية الإرهاب مقدمة لكل عمل امني وسياسي وعسكري، متجاهلة جذور الإرهاب واسبابه، ومصادر نشأته ووسائل دعمه، أعني تماماً نظام الأسد، وحكام طهران، والقوى الحليفة لهما ودوائر الاستخبارات التي غضّت الطرف عن نمو التنظيمات الإرهابية، التي تغولت في المنطقة.
لا تختلف العقلية الأمنية، المبنية على قدرة القوة، لدى البنتاغون و وكالة الاستخبارات المركزية، عن الدوائر المماثلة في انحاء العالم، حيث تتقاطع المصالح، وتتعارض الأهداف بين الخصوم والأحلاف، على حدّ سواء. هذا ما يحدث في سوريا اليوم، وعلى الرغم من كل المؤتمرات والاتفاقات التي أنجزت بين الأطراف الراعية والمتورطة والضامنة في سوريا، فإن أي خطوات جدية باتجاه الذهاب نحو تسوية سياسية عبر التفاوض، لم تتحقق، بما في ذلك اتفاق مناطق خفض التوتر.
كل تلك العمليات السياسية - الأمنية، هي مجرد غطاء لتمرير عمليات عسكرية أحادية، تقوم بها، بما يقود الى منجز جديد، يقوّي من موقفها ودورها على الأرض. روسيا وإيران والنظام الأسدي يواصلون دك المدن والقرى وتهجير عشرات الآلاف، وقتل مئات المدنيين، وواشنطن تحصّن مواضع سيطرتها في الجزيرة شمال سوريا، بقوات جديدة. وتركيا الضامن في اتفاقيات أستانا، تعجز عن فرض التزام روسيا والنظام في مناطق حمايتها. وتستعد لعملية عسكرية في عفرين.
يقطن في عفرين قرابة نصف مليون سوري هم 300ألف كردي ، و200 ألف عربي نازح. أيّاً تكن الأسباب التي تتخذ منها تركيا سبباً للقيام بعمل عسكري، فإن الحقيقة الأساسية، هي أن كارثة إنسانية كبيرة سوف تحل في هذه المنطقة. وسوف ينجم عنها عواقب وخيمة، وستكون مفاعليها على مستقبل العلاقة بين الكرد والعرب، قاسية جداً تُكرّس قطيعة مضافة الى ما حدث بالنسبة لعين العرب والرقة.
بلا شك أن ما قام به حزب العمال الكردستاني، من انتهاكات جسيمة بحق جميع السوريين في المنطقة، أعني شمال وشمال شرق سورية، هو أمر مدان وغير مقبول، ويجب على الكوردستاني، أن ينسحب من عفرين واعزاز وتل رفعت، وجميع المناطق التي يسيطر عليها، كقوة احتلال. أن يقوم بتسليم تلك المناطق إلى إدارات محلية، يعود بموجبها المشردون من البلدات والقرى العربية الى مناطقهم.
ذلك هو السبيل الأمثل لوقف الحرب التي لانريدها، ولا نقبل بها سواء أكانت عبر وحدات الجيش الحر التي تشرف عليها تركيا، أو عبر الجيش التركي مباشرة. أي معركة من هذا القبيل هو تدخل خارجي مرفوض، وليس ثمة أسباب مقبولة، فكل تدخل من هذا النوع لا يصب في مصلحة السوريين والثورة السورية، ولا يساعد في دفع القضية السورية نحو الحل.
الحرب على " العمال الكردستاني " ليست حرب السوريين ، مع كل الضرر الذي يُلحقه الكردستاني بالسوريين وفي مقدمهم أكراد سوريا. فما سوف نجنيه هو مزيد من الضحايا المدنيين، قتلى ومشردين ودمار كبير، وسوف تتكرر مأساة الرقة. فصائل الجيش الحر، في موقف صعب، حيال دخولها مناطق ذات غالبية كردية، وفقاً لخطط أنقرة. بالطبع نحن لانغفل الدور التركي الإيجابي في دعم القضية السورية، وفي احتضان السوريين اللاجئين إليها، بغض النظر عن ملاحظاتنا في هذا الإطار.
معركة عفرين ليست أيضاً في صالح تركيا، السياسات التركية المرحلية بمحاربة تنظيم ب ك ك المصنف إرهابياً، قد لا يحقق أهدافه في حال تنفيذ هجوم على عفرين. الحرب ليست نزهة، والقوى الدولية المنخرطة بمحاربة الإرهاب لن تقف إلى جانب تركيا، وهناك تجارب ودروس يجب الاستفادة منها. نحن مع طرد العمال الكردستاني من عفرين ومن كل المناطق السورية، وضد إقامة الكانتونات التي تقسم وتعزل المناطق السورية، وضد كل ما تقوم به ميليشيا صالح مسلم في الرقة وشرق الفرات، بدعم من واشنطن.
نحن مع الوسائل السياسية التي تحقق تلك الأهداف بعيداً عن الاجتياح العسكري، وبعيداً عن اسهداف المدنيين، وتوليد مآسٍ جديدة في سوريا، وأكراد عفرين ليسوا بالضرورة جميعاً إرهابيون، كما كانت تروج قسد عن مدنيي الرقة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست