الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآفاق السياسية والاقتصادية الدولية والعربية 2018

محمود يوسف بكير

2018 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


التوقعات السياسية

سوف تؤدى السياسة الانعزالية للرئيس ترامب بالإضافة الى ارتفاع الدين العام الأمريكي إلى ما يزيد عن 100%من الناتج المحلي الإجمالي، وتوقع زيادة نسبة العجز في الميزانية الأمريكية نتيجة تخفيض نسبة الضرائب، سوف تؤدي على الارجح إلى انسحاب أمريكا من لعب دورها المؤثر على الساحة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية. كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي سوف يؤدى إلى تقلص دورها العالمي. وأيضا قد تؤدي الإصلاحات الداخلية الشاملة التي يدعو الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون إلى إدخالها في الاتحاد الأوروبي على مدار العشر سنوات القادمة إلى انكفاء الاتحاد على نفسه.

وبالنتيجة فإن قيادة الغرب للعولمة قد يسدل الستار عليها بشكل تدريجي ما لم يحدث تطور جديد في الغرب، وهناك الآن بشائر لظهور قوى جديدة على المسرح الدولي تسعى للعب الدور الذي كانت تلعبه أمريكا والغرب، والمنافسة محتدمة بين الصين وروسيا، وتعتمد الصين في هذا على استثماراتها الضخمة في جميع انحاء العالم بما فيها أمريكا وأوروبا. أما روسيا فإنها تنشر نفوذها عن طريق اتباع سياسة التحالفات الإقليمية مثل ما تفعله الآن في الشرق الاوسط مع سوريا ومصر وإيران وتركيا وكوريا الشمالية.

وهناك مشكلة هامة تواجه الغرب ولا يوجد حل سريع لها وهي فجوة الدخل والثروة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء وقد سبق لنا أن تناولنا هذه المشكلة الخطيرة في مقالات سابقة وخلصنا إلى ان هذه الفجوة تلعب دورا رئيسا وبشكل خاطئ في زيادة الاحباط والشعوبية والتوجه الانعزالي في الغرب.

وبشكل عام فإن الكثير من السياسات الاقتصادية المتبعة في العالم كله حاليا تؤدى الى زيادة حدة المشكلة مثل السياسات الضريبية وتوجه الحكومات الى تمليك الأصول المملوكة للدولة للقطاع الخاص بدعوى رفع مستوى كفاءتها. صحيح أن كفاءتها يمكن أن تزيد ولكن ثمارها تذهب للأغنياء ولا يتساقط للفقراء سوى الفتات والبقايا.

ووفقا لتقرير منظمة أوكسفام الاخير فإن عام 2017 شهد أكبر اتساع لفجوة الدخل والثروة حيث حصل أغني 1% على مستوى العالم على 82% من مجموع الثروة التي تم تكوينها خلال هذا العام بينما لم يحصل 50% من مجموع سكان العالم على أي شيء من هذا النمو، بمعنى أن أحوالهم لم تشهد أي تغير.

التوقعات الاقتصادية

يتوقع غالبية الاقتصاديين وخبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن يكون للتحسن الملموس في بعض المؤشرات الكلية للاقتصاد الأمريكي مردودا طيبا على الاقتصاد العالمي.
وفي هذا فقد سجل معدل البطالة في أمريكا أدنى مستوى له منذ عقود‘ إذ يبلغ الآن حوالي 4% فقط ، وهذا يعني ان سياسة التوسع النقدي QE التي اتبعها البنك الفيدرالي في أمريكا حققت أهدافها بشكل جيد وهي ذات السياسة التي اتبعتها البنوك المركزية في أوروبا واليابان وبريطانيا وأدت أيضا إلى تحسين معدلات النمو الاقتصادي في هذه الكتل الاقتصادية بشكل لم يحدث منذ عام 2011 .
وسوف نوضح في الجدول التالي نسب النمو المتوقعة في عام 2018 مقارنة ب 2017 :

المنطقة 2017 % 2018
المتوسط العالمي 2.8 3.2
الولايات المتحدة 2.4 2.6
الصين 6.1 6.3
الهند 7.4 7.8
منطقة اليورو 1.6 2.2
اليابان 0.8 1.2
منطقة جنوب شرق آسيا 5.5 5.6
بريطانيا 1.3 1.5
روسيا 1.5 1.8


ولعلنا نلاحظ من الجدول السابق أن معظم هذا النمو يأتي من اقتصادات المنطقة الآسيوية.

الصين

عانت الصين والتي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم من مشاكل عديدة من جراء ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي في العقد الماضي حيث ارتفعت نسبة التلوث البيئي بشكل خطير، كما ارتفعت نسبة المديونية في مختلف القطاعات الاقتصادية بمعدلات فلكية حيث وصلت نسبة الدين العام الى حوالي ثلاثة أضعاف ( 300 % ) الناتج المحلي الاجمالي وفي أمريكا تصل هذه النسبة إلى 100 % .

وكما أوضحنا في الجدول السابق فإن نسبة النمو في الصين قد انخفضت إلى حوالي 6 % فقط وحاليا تركز الحكومة على تنظيف البيئة وإغلاق المصانع الملوثة لها كما إنها تسعى بجدية لمعالجة مشكلة ارتفاع الديون وقد بدأت بالفعل في تحجيم قدرة المؤسسات المالية على خلق نقود جديدة وبالتأكيد فأن هذه السياسة ستقلل من احتمال تكون فقاعات مالية نتيجة ارتفاع قيمة الأصول بسبب السيولة الكبيرة التي توفرها الديون.


أسعار النفط والسلع

أما بالنسبة لأسعار النفط فإن البنك الدولي يتوقع أن تكون في حدود 58% للبرميل (وللعلم فإنها تقترب الآن في يناير 2018 من 70 دولار) وهو ما يمثل أخبارا سارة للدول المصدرة للنفط بعد فترة عصيبة من انخفاض الأسعار ومنافسة الوقود الصخري الأمريكي. ولكن سعر 70 دولار للبرميل سوف يؤدي حسب تقديرنا إلى عودة الكثير من منتجي الوقود الصخري في أمريكا إلى السوق مرة أخرى وهو ما يؤدي عادة إلى انخفاض الأسعار من جديد.
اما بالنسبة لأسعار السلع مثل الحاصلات الزراعية والمعادن والخامات فإنه يتوقع أن تتحسن اسعارها مع زيادة النمو العالمي وارتفاع الطلب عليها خاصة من جانب الصين وهذه أخبار جيدة للدول النامية.

المخاطر

بالرغم من التوقعات المتفائلة حاليا نتيجة تركيز المؤسسات الاقتصادية الدولية على النواحي الاقتصادية الإيجابية بشكل كبير واعطاء وزن خفيف كالمعتاد للجوانب السياسية والاجتماعية، إلا أننا نرى أن هناك مخاطر كثيرة وكامنة يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على التوقعات السابقة واليكم بعضها:

• ارتفاع المديونية العالمية بشكل كبير حيث يحذر بنك التسويات الدولية المستثمرين من تجاهل الاشارات المقلقة الآتية من الأسواق المالية الدولية والتي تظهر أن أسعار الأصول المالية مرتفعة بشكل مبالغ فيه وان الديون الحكومية والشركات والأفراد مرتفعة بشكل مخيف حيث وصلت إلى حوالي 233 ترليون دولار بنسبة 32.7 % من الناتج المحلي الاجمالي العالمي في سنة 2017 بزيادة قدرها 46% مما كانت عليه عند اندلاع الازمة المالية العالمية في عام 2017.

• وتعني هذه الأرقام أن هناك فقاعات مالية كبيرة عرضة للانفجار في أي وقت خاصة وأننا نشهد معدلات نمو مرتفعة في ظل سياسات نقدية غير تقليدية مثل التيسير النقدي (QE) وتدني أسعار الفائدة بشكل غير مسبوق، ونحن نؤكد هنا على أن ارتفاع قيم الأصول المالية والمادية وصعود مؤشرات الأسهم في كافة أسواق المال العالمية يرجع في جزء كبير منه إلى سياسات التوسع النقدي والسيولة الضخمة التي تضخها البنوك المركزية في الأسواق.
ويكفي هنا أن نشير إلى مجموع أصول الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وصل حاليا إلى أكثر من 4.5 تريليون دولار بعد أن كان في حدود 1 تريليون دولار منذ نحو عشر سنوات فقط.


• والآن يخطط بنك الاحتياطي الأمريكي للبدء في الإقلال من سياسة ال QE وشراء السندات من الاسواق المالية والبنوك والبدء التدريجي في رفع أسعار الفائدة ، وبالطبع فإن هذه السياسات سوف تؤثر على سيولة الأسواق العالمية وربما معدلات النمو ولذلك فإن البنوك المركزية مترددة في زيارة أسعار الفائدة بمعدلات سريعة نتيجة المديونية الثقيلة التي يعاني منها قطاع الشركات والقطاع العائلي والخوف من عجزهم عن الوفاء بهذه الديون نتيجة زيادة الفوائد عليها.

• كما ان شعار ترامب " أمريكا أولا " أدى إلى إشاعة حالة من القلق من مختلف دول العالم والحد من الاستثمار او التعاون الاقتصادي مع أمريكا ترامب. كما أن تهديدات هذا المجنون لكل دول العالم تدفع الدول الأوربية الى التوجه شرقاً، وهناك توجه للبحث عن بديل للدولار كعملة رئيسية للتسويات والاحتياطات الدولية وقد بدأت الصين ومجموعة BRICS التي تتزعمها مع روسيا في البحث عن بدائل إقليمية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية التي تسيطر أمريكا عليهم.

• أضف إلى هذا أن اعتماد الكونجرس الجمهوري مؤخرا لبرنامج ترامب لخفض ضرائب الدخل على الشركات والأثرياء من 35% إلى 21% فقط سوف يؤدي بالضرورة الى ارتفاع الدين العام وزيادة العجز في الموازنة الأمريكية وربما انخفاض قيمة الدولار. لكل ما سبق بالإضافة إلى السياسات الخارجية الأمريكية لإدارة ترامب وتصريحاته وتصرفاته غير المسؤولة والمتناقضة ليس من شأنها بأي حال دعم التجارة والنمو الاقتصادي العالمي.

ولذلك فإن عام 2018 سوف يكون عاما حاسما في رأينا لتحديد معالم الاقتصاد العالمي لفترة طويلة.

منطقة الشرق الأوسط:

تبدو الآفاق السياسية معتمة حيث تعاني المنطقة من حروب أهلية في سوريا وليبيا واليمن، وقلاقل وعدم استقرار في منطقة الخليج العربي والعراق ولبنان ومصر والسودان وتونس وإيران وتركيا، كما أن المشكلة الفلسطينية ازدادت تعقيدا بفضل سياسات ترامب التي تتسم بعدم المسؤولية.

والآفاق الاقتصادية ليست أفضل حالا حيث تطبق معظم دول المنطقة نماذج وسياسات اقتصادية لا تعتني كثيرا بأكبر مشكلة تواجهها وهي البطالة المرتفعة بين الشباب وهذا الموضوع يستحق مقالا منفصلا. والخلاصة أن آفاق المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ملبدة بالغيوم بكل آسف بسبب نظم الحكم الرجعية وخوف النخبة وضعف الشعوب وتفشي الجهل والدجل والشعوذة وانتظار أن يأتي الفرج من السماء التي لم تعد تمطر معجزات. ولأن الانتظار حتما سيطول فإننا ندعو الله أن يعطينا ويعطيكم طول العمر.

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE