الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرأة الرواية العربية المعاصرة

ماهر رزوق

2018 / 1 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الرواية ليست مجرد حكاية تتلى على مسامعنا لإمتاعنا ، بالرغم من أنها تحقق هذه الغاية أحياناً ، إلا أنها في الحقيقة من أهم أشكال الأدب الذي يحافظ على حضارتنا و تاريخنا من الاندثار و النسيان ...
إنها صندوق سحري ، نحفظ فيه مشاعرنا و صورنا و حكاياتنا و المراحل المتتابعة لتطور مجتمعاتنا ، أو حتى تخلفها ...

يقول هيدجر : " اكتشفت الرواية بطريقتها الخاصة و بمنطقها الخاص ، مختلف جوانب الوجود ، و تساءلت منذ سيرفانتس عما هي المغامرة ، و بدأت مع بلزاك في اكتشاف تجذر الانسان في التاريخ ، و سبرت مع فلوبير أرضاً كانت مجهولة ، و عكفت مع ديستويفسكي على التدخل اللاعقلاني في السلوك البشري . إنها تستقصي الزمن ، اللحظة الماضية التي لا يمكن القبض عليها مع مارسيل بروست ، و اللحظة الحاضرة التي لا يمكن القبض عليها ، و تستجوب مع توماس مان دور الأساطير الآتية من أعماق الزمن لتتبع خطانا "

كما يقول ميلان كونديرا على لسان أحد أبطاله في كتاب الضحك و النسيان :
" هل تعلمين أن الرواية ، هي ثمرة وهم بشري ، وهم إمكان فهم الآخر ، و لكن ما الذي يعرفه بعضنا عن البعض الآخر ؟؟ كل ما يسعنا عمله هو تقديم تقرير عن أنفسنا ، و ما عدا ذلك كذب "

فالراوي و حسب رأي كونديرا الذي أتفق معه ، ليس مطالباً بالكتابة عن الآخرين ، بقدر ما هو مطالب بالحقيقة التي تتفق مع كتابته عن نفسه أكثر من الكتابة عن أشخاص مختلفين عنه حيث يضعه ذلك في موضع الاتهام بالكذب ، إلا إذا استطاع ببراعته الأدبية و اطلاعه الاجتماعي و السيكولوجي أن ينقل الواقع بمصداقية و شفافية ضرورية ...

و الرواية العربية المعاصرة هي المحور الذي سأتكلم عنه ، لكونها حققت تقدماً هائلاً في الآونة الأخيرة على مستوى الجرأة الدينية و السياسية و الجنسية ، (الثالوث المحرم في مجتمعاتنا) ... و هذه الجرأة أصبحت مطلوبة بشدة ، لأن الأدب هو دائماً الشعلة الأولى التي تنطلق منها نار الثورة التي تلتهم كل ما هو قديم و غير صالح و غير متفق مع متطلبات العصر ، لتستبدله بما يتناسب مع العصر الحالي من مطالب و حريات و أفكار جديدة ...

و كمثال على تلك الروايات ، تحضرني رواية الكاتب السوري فادي عزام (سرمدة) ، التي ناقش فيها قضية العصبية الدينية (الطائفية تحديداً) ، و تأثير المجتمع على تطبيق تلك الطائفة لعصبيتها ، و كذلك حملت هذه الرواية بين صفحاتها جرأة دينية كبيرة ، عن طريق أحاديث صريحة و شفافة على لسان أبطالها ... كما حملت أيضاً أفكاراً فلسفية جريئة عن قناعات تحملها طائفة معينة ، و تحليلاً نفسياً جريئاً للشهوة الجنسية التي خصص لها جزءاً مهماً من الرواية ...

كذلك تحضرني رواية (حرمة) للكاتب اليمني علي المقري ، و التي عرّت واقع مجتمعاتنا المنافقة و المتناقضة ، و فضحت دور التربية الدينية المتشددة في صياغة الغايات و الوسائل التي نعيش عبرها شهواتنا و غرائزنا و قصصنا العاطفية ... كذلك لم تخلو تلك الرواية من الجرأة في استخدام التسميات الصريحة للأعضاء و العمليات الجنسية ...

تطول القائمة طبعاً ، إذا أردت أن أذكر كل الروايات العربية المعاصرة التي كان لها نصيب و دور في إحياء تلك الجرأة الأدبية ، لكنني اكتفيت بذكر هاتان الروايتان ، لأنهما بالإضافة إلى جرأتهما ، كانتا عبارة عن تحفتان أدبيتان يفتخر بهما ، و ترتفع معهما نسبة الأمل في نفوسنا لتحقيق التغيير الحضاري الذي يضمن الاحترام لإنسانيتنا و حقوقنا الاجتماعية و الفكرية و السياسية و طبعاً أهمها الدينية ... و أنا أعتقد أن كل الانتقادات التي تتعرض لها الرواية العربية في مسيرتها نحو الشفافية و المباشرة في طرح المواضيع دون قيود أو خطوط حمراء ، هي ليست سوى خوفاً متأصلاً في نفوسنا تجاه أي تغيير ، خوفاً على استقرارٍ ضمنه الجمود و الكسل و تجاهل أبسط الحقوق الانسانية ... و أختتم مقالتي بالوصف الرائع لعملية الوصاية التي يمارسها الكثيرون في مجتمعاتنا ، و التي يختصرها الروائي العظيم (أوسكار وايلد) في المقولة التالية :

" الكتب التي يصفها العالم بغير الأخلاقية ، هي الكتب التي تظهر للعالم عاره "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست