الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج النسق(11)

ماجد الشمري

2018 / 1 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعد عرضنا الموجز لثلاث أنماط ( نماذج )

نوعية متميزة من الاغتراب في السرديات الحديثة ، و بالرغم من الاختلاف والتفاوت في الفهم و التفسير و التحليل لماهية و أشكال و وجوه الاغتراب التي بُحثت كأسباب تارة و كنتائج تارة اخرى ، او كجزء من البنية السيكولوجية التكوينية للانسان ، عند : فيورباخ ، و ماركس ، و فرويد . مرة كأغتراب لاهوتي ، و مرة كعمل مغترب ، و مرة كأغتراب الفرد النفسي عن الحضارة . و مع الاختلاف في التناول و المعالجة لظاهرة الاغتراب ، الا ان هناك وشيجة جامعة تربط مابين مفاهيم و تصورات الثلاثة بخيوط نسيج واحد ، و خلفية سيكولوجية متشابهة وحدتهم بقراءة الاغتراب كعلاقة بين
:الانسان - الفرد - الذات ، و بين مايتصوره روحياً - وجدانياً ، و ما يخلقه او يصنعه او يبتكره او يشيده الانسان بنفسه من قيم مادية و انجازات ، و يغترب عنه في نفس الوقت . هي علاقة سايكولوجية اساساً لأن طرفها الدائم هو الانسان . فالدين كتجريد هو اغتراب روحي - عقلي للانسان عن ذاته و صفاته و طبيعته . كما ان العمل المأجور المغترب هو استلاب مادي ، و ايضا نفسي للعامل المنتج عن ما ينتجه من سلع . و الحضارة كعمران و تنظيم اجتماعي هو اغتراب نفسي مزدوج للفرد عن ما انجزه و أقامه من حضارة و عمارة و تطور ، و انسلاخه و غربته عما ابدع و حقق ، و لكن كل هذه التمظهرات المتنوعة لوجوه الاغتراب المتعددة تبقى متصله و متداخلة بمشترك سايكولوجي واحد - انساني ، فاعل و منفعل ، مؤثر و متأثر ، ذات و موضوع . فالانسان هو الجزء الثابت في معادلة تلك الاغترابات ذات السمات المتغايرة و المتباينة : دينياً ، اجتماعياً ، حضارياً ، و المتحدة انسانياً . الذات - الدين / الذات - العمل / الذات - الحضارة . فبالنسبة لفيورباخ الذي كان يعتقد بأن زوال الاغتراب الديني هو ممكن ،.و لكن مشروط بأدراكنا لغربتنا الدينية كأسقاط بشري و همي لجوهر الانسان ذاته على كائن مصطنع و متوهم هو ( الله) . وحين نعي ذلك و نفهمه سنتحرر منه و من كل الاغترابات . و قد ذكرنا انه ليس (المؤمن ) فقط بالدين هو المستلب، بل ايضاً: ( الملحد ) و ( اللاديني ) و ( اللاادري) و كل من هو متحرر و خارج الدين يعانون ايضاً من اشكال اخرى من الاغتراب . و بغض النظر عن طبيعة ذلك الاغتراب . فنجد امامنا بديلاً للاغتراب الديني هو الاغتراب ( الالحادي) اللاايماني !. و كذلك الامر ينطبق على اطروحة ماركس : فالعامل مغترب عما ينتجه من سلع ، و الرأسمالي ايضاً مغترب عن ما يتملكه و يحصل عليه دون المشاركة في انتاجه !. و تلك مفارقة غريبة : أن تملك فأنت مغترب ، و ان لا تملك فانت مغترب كذلك . فهل الاغتراب طبقياً كما يقرر ماركس؟! و ماذا عن بقية الطبقات غير المنتجة و غير المالكة؟!. لقد اعتقد ماركس بأن زوال الاغتراب مرتبطاً بزوال الملكية الخاصة ، و العمل المأجور ، و زوال الطبقات و اضمحلال الدولة و زوالها ، و تحقق المجتمع المشاعي في الانتاج و التوزيع و الاستهلاك ، اي اشباع الحاجات البيلوجية الغرائزية الضرورية للبقاء و هذا لن يتحقق كما نعتقد و كما بينا : زوال الاغتراب في المجتمع الفردوسي الطوباوي قطعاً !. أما فيما يتعلق بفرويد ، والذي كانت له قواسم مشتركة مع فيروباخ و ماركس في نزعتهما المتفائلة المادية و المؤمنة ايديولوجياً بزوال الاغتراب بتوفر شروط زواله ، والذي قال :" لا شك ان الانسان سيتوصل يوم يقطع رجاءه من عالم الغيب ، او يركز كل طاقته المحررة على الحياة الارضية ، ان يجعل الحياة قابلة للاحتمال من قبل الجميع و لن تسحق الحضارة بعدئذ احداً " . و مع ان هذه الكلمات هي مجرد امنية عامة وكلام مرسل على عواهنه و تمني غير قابل للتحول الى واقع ، الا ان فرويد كان مرتاباً بل يائساً من زوال الاغتراب ، فهو واحداً من قلة اعتقدت بأستحالة زوال الاغتراب النفسي للانسان و هو يواجه و يصارع مارد الحضارة بعدائية و حرب دائمة . فمن اجل القضاء على الاغتراب الديني ازاح فيورباخ الله - الانسان المقدس ليضع بديله الجديد المطلوب : الانسان - الله ! و من اجل ازالة اغتراب العمل نحى ماركس ( انسان ) فيورباخ المجردالخيالي اللاتاريخي ليضع مكانه الطبقة العاملة المتصورة كفارس نبيل و محرر لنفسه و للمجتمع من الاستغلال و الاستلاب ، و كأداة اجتماعية - اقتصادية للتغيير و غاية تاريخية مهمتها أزالة نفسها كطبقة و معها كل الطبقات ، و قامة المجتمع المشاعي السعيد! . أما فرويد فأبد التناقض بين الحضارة و الفرد و بين التاريخ و الطبيعة فهو واحد من نزر يسير ك ( روسو ) و ( اريك فروم) وأخرين اعتبروا الاغتراب ظاهرة بنيوية تتسم بالديمومة المصاحبة للانسان - الفرد- و المعارضة للحضارة المجتمعية و أستبعد اي نهاية للاغتراب الا بتوفر ظروف التحرر الكامل من الدين - و هذا غير وارد !- و ايضاً بجعل الحياة الارضية قابلة للاحتمال بتقبل الفرد و تصالحه مع واقعه الحضاري و التكيف التوفيقي مع متطلباته من كبت و أخضاع و قطيعية - و هذا ايضا مستبعد!- . لكن فرويد ايضاً اخطأ عندما اختزل الاغتراب الى مجرد اغتراب نفسي دائم عن الحضارة ، فحضارة فرويد - التي عاش في كنفها- في العصر الفكتوري الطهراني على المستوى الاخلاقي - القيمي المحافظ في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين عندما كانت الضغوط الاجتماعية و الاقتصادية و الجنسية تسحق الفرد و تطلعاته و اندفاعاته النفسية . و لكننا اليوم و في عالم مابعد الصناعي المهول في تقدمه ، و بالرغم من كسر اغلب التابوات و الممنوعات ، و ترك حبل الحريات على الغارب للفرد، حيث فسحت الحضارة المجال و قدمت تنازلات كثيرة للفرد في ممارسته لحريته الفردية ، و اطلاق العنان لنزعاته الجنسية بلا رادع ، فهو يستطيع ان يفعل ما يشاء في حياته ، فتقلصت الفجوة المتناقضة بين الفرد و الحضارة . و مع كل ذلك نجد نسبة عالية من حالات الانتحار في اكثر تلك المجتمعات رفاهاً و حرية و تحضر !- و كما نعرف فأن الانتحار هو احد الظواهر النوعية الدالة على تجلي الاغتراب و بأجلى معانيه !- اذاً فالحضارة ليست سبباً وحيداً لاغتراب الانسان المعاصر ، و ابعد من ان تكون علته الوحيدة هي الحضارة فقط . و رغم وجاهة و طبيعة نظرية فرويد ذات النزعة السيكولوجية و التي تعتبر الحضارة المادية مضادة لكينونة الانسان و نقائه ، و اسبقية الحس الغرائزي على الوجود المادي ، والذي يعلي من شأن العنصر السيكولوجي على موضوعية الظواهر الاجتماعية - السياسية - الاقتصادية ، كدالة حاسمة للشعور و اللاشعور . الا انها تبقى قاصرة عن تفسير الاغترابات الاخرى خارج نطاقها الضيق . و ما نعتقده أن لا الاغتراب الديني ( فيورباخ) و لا اغتراب العمل ( ماركس ) و لا الاغتراب النفسي الحضاري للفرد ( فرويد) يغطي كل وجوه ظاهرة الاغتراب المتعددة و المتنوعة . و التي يعاني منها انسان القرن الواحد و العشرين . أريك فروم الذي حاول ان يطعم علم النفس و التحليل النفسي بالمنهجية الماركسية و الفكر الاجتماعي اليساري مع قدر كبير من المرونة و الانفتاح المتفائل بمستقبل اكثر اشراقاً و املاً يقول في احد كتبه : " حين يوسع الانسان حريته يقع تحت عبئها ، و بابتعاده عن الدين و تقديس الالهة يكون قد خلق لنفسه أقانيم جديدة ، وبتجاوزه لبعض أشكال الاغتراب يصبح الانسان أكثر اغتراباً ، وسواء أكان عن نتاج عمله، ام عن الاخرين ، ام عن نفسه ، مما يولد لديه اللامبالاة و الاكتراث بالحياة و حنيناً لاوهام الماضي للاندماج بالطبيعة فاقداً فرديته و تفرده ككائن بشري " - انها نفس رؤية فرويد بالضبط - فحتى لو زالت الاشكال القديمة للاغتراب من : دينية و اجتماعية و حضارية ، فهناك اغترابات اخرى جديدة تنشأ و تتناسل و تتطور مع تطور الحضارة . و لا منجى من الاغتراب مع ذات غريبة تفقد باستمرار فرديتها و طبيعتها و كينونتها البشرية الضائعة !..
دافع الانسان عن نفسه ودائما ضد الطبيعة وانتهكها،وضد الآخر وقمعه.وصنع حضارة مبنية على القوة والسيطرة والتسلط،وزرع الخوف والاتكال والتنافس.فكل ماقدمه الانسان من تقدم ورقي وتطور تقني وعمراني،نعم وفر قدرا وبعض الرفاهية والعيش المريح،ولكن بموازاة ذلك ابتكر آلات العنف والتدمير من اجل الحفاظ على الهيمنة والتنافس المميت،فصرنا اكثر وحشية من الحيوانات المفترسة-الحيوانات التي هي اكثر (انسانية)في تعاملها مع بعضها البعض-فكل مكتشفاتنا العلمية وظفناها للشر والحروب فحضارتنا متعفنة وخاطئة منذ بايتها ونستطيع ان نقول حتى نهايتها الهمجية.فعندما تتصدع اسس النظام الاجتماعي القويمة فأن ذلك التصدع والتمزق يتمخض عن ذلك الذي اطلق عليه اميل دوركايمanomieوهي الحالة التي تعبر عن ذلك الفراغ او الخواء الاجتماعي،وبمعنى اخر:الاغتراب،لان الوجود الفردي يصبح منقطع الجذور مع البيئة الاجتماعية الحاضنة،المتماسكة والمحافظة على لحمة المجتمعات،حيث تسود مظاهر الاغتراب من:الانتحار والجريمة والفوضى،فتفقد دوافع الحياة اتجاهها ومعناها،فيطغى التنافر والاغتراب دليلا على اختلال العلاقة بين الانسان واخيه الانسان،وبين الانسان وبيئته.فبون شاسع بين تطورنا المادي،وبين تطورنا النفسي-الروحي.فالحضارة التي يعيشها الفرد المنسحق هي حضارة مريضة ومرعبة ومن البدء،وربما فات الاوان على التغيير!.......
...........................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر