الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات وليست ربيعا

منير ابراهيم تايه

2018 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 1848 اندلعت في قارة اوروبا ثورات شعبية هائلة اطلق عليها المؤرخون اسم ثورات ربيع الشعوب. وقد كانت هذه الثورات تحمل اهدافا نبيلة وقامت بها الشعوب الاوروبية لانها لم تكن راضية عن الوضع العام في ذلك الوقت. فقد اصابت الدول الاوروبية في تلك الفترة حالة من الجمود السياسى و الاجتماعى بينما مرحلة الثورة الصناعية كانت قد بدأت بالفعل. والمفاجئ في ثورات 1848 ان شرارة البدء كانت من بلد صغير جدا وهو جزيرة صقلية الايطالية حين استطاعت في يناير عام 1848 القيام بثورة على حكم اسرة البوربون واسست دولة استمرت 16 شهرا ووضعت خلالها دستورا رائعا، شملت هذه الثورات 50 بلدا مختلفا دون تنسيق فيما بينها، انتشرت الثورات في هذه البلاد كما تنتشر النار في الهشيم من فرنسا الى المانيا الى المجر الى الدنمارك الى بولندا حتى ان روح هذه الثورة قد وصلت الى البرازيل في العالم الجديد حقق الثوار في بداية الامر نجاحات ساحقة واستطاعوا في معظم الاحوال الامساك بزمام الامور. ولكن لم يكد عام 1849 ان ينصرم الا وقد استعادت قوى النظام القديم والثورة المضادة سلطانها مرة اخرى وتمكنت من بسط نفوذها بالكامل على أرجاء البلاد وكأن امرا لم يكن، ذلك ان الملوك عندما قبلوا بطلبات الثوار انما كان لكسب الوقت وتنظيم الصفوف. فقد اخذوا في اثارة النعرات القومية عند الاقليات خاصة في البلاد التى تحتوي على اعراق مختلفة كما في حالة المجر. كما ان القوة العسكرية حافظت على ولائها للملوك ورفضت النظام الجديد.، والثوار لم تكن عندهم قوة عسكرية يدافعون بها عن انفسهم خصوصا عندما يتعرضون لغزو خارجي. وهكذا انهار الحلم الالمانى عندما احتلت جيوش الدنمارك بعض الاراضى الالمانية ورفض ملك بروسيا التدخل لحماية هذه الاراضى. فادرك المثقفون والمفكرون والاساتذة المجتمعين في البرلمان في فرانكفورت انهم لاحول لهم ولا قوة. كما ان الثوار انفسهم يتحملون قسطا كبيرا من مسئولية فشل ثورتهم. فقد كانوا فى البداية متوحدين ومجتمعين على نفس الاهداف على الرغم من الاختلاف فيما بينهم في الايديولوجيات والرؤى. الاانهم عندما شعروا بانتصارهم في البداية اختلفوا وتناحروا وانقسموا الى ليبراليين ويساريين فخسروا جميعا.
لكن الثورة كموج البحر ترتفع ثم تتراجع ثم تعود من جديد فان كانت الرياح عاتية ومواتية انطلقت بقوة لتحطم كل ما تجد في طريقها ، فالثورات لا تفشل لانها وان لم تنجح حين تعود من جديد تكون اقسى واصلب وكما البركان المنطفئ فانه حين ينفجر يخرج نيرانه دون سا بق انذار... ومن الخطأ تسميتها بالربيع فالربيع قصير والثورة الحقيقية كبيرة وتأخذ وقتا طويلا، وفي عالمنا العربي الذي يعيش على وقع مرحلة جديدة تجتاحه ثورات شعبية، ثورات تحمل مطالب متعددة بدءا بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية وصولا إلى الإصلاحات السياسية ، ثورات كسرت حاجز الخوف ورسخت ثقافة سياسية جديدة، نظم لم يكن اشد المتفائلين يتوقع لوقت قريب أن تقدم أدنى تنازلات لصالح شعوبها... الثورة إفراز لواقع اجتماعي يختلف من مجتمع إلى آخر، لذلك لا يمكن الجزم بأسباب محددة بعينها تتوفر في كل الثورات لان كل ثورة هي وليدة سياق معين، فتتعدد الأسباب بتعدد الظروف
ومنذ القديم شغلت الثورة الفلاسفة والمفكرين وبحثوا عن ابرز عواملها، فيعتقد أرسطو في مؤلفه الشهير "السياسة" أن أسباب قيام الثورة تعود إلى عدم المساواة ويرجع أسبابها إلى الشعور بعدم الرضا عن الوضع القائم وقد اعتبرها العلة العامة التي تهيئ النفوس للثورة.
وهناك من يحصر أسباب الثورة في العوامل الاقتصادية ومن ابرز المنادين بهذا نجد سان سيمون وماركس، إذ يرى سان سيمون أن التطور التاريخي للجماعات البشرية هو صراع دائم بين الطبقات الاقتصادية في المجتمع بين من يملكون ومن لا يملكون، أما ماركس فيعتقد أن جميع الثورات مهما اختلفت أشكالها ذات طبيعة واحدة، فالثورة حسبه مرحلة طبيعية وحتمية في حياة المجتمعات.
ولا يمكن حصر الثورة في أسباب اقتصادية فقط فعلماء النفس يؤكدون على أن هناك عوامل نفسية تهيئ الأذهان للثورة مثل انتشار الظلم في المجتمع،. إضافة إلى الظلم الاجتماعي الناتج عن استئثار قلة من الناس بخيرات البلاد، ونظام الحكم العبودي الذي يؤدي إلى الكبت والقهر، مما يجعل الشعب يعيش حالة الخوف الدائم ويؤدي به في الأخير إلى الانفجار في وجه هذا الواقع، ولعل الأسباب متعددة وتتقاطع فيها العديد من الثورات وهذا ما أثبتته الثورات المتنامية في الوطن العربي ككرة الثلج بسبب الظلم الواقع على الشعوب، وعقود القهر المتوالية إضافة إلى فشل قيام الدولة الوطنية المرتكزة على المواطنة، و بسبب سيطرة نخبة على مقدرات الشعوب مما ادخلها في موجات من التخلف والفقر زاده الظلم والاستبداد من استبداد سياسي واجتماعي واقتصادي. و من ثم فالأسباب عديدة ومتنوعة، وتختلف باختلاف السياق الزماني والمكاني وبتباين البناء الاجتماعي
أسباب الثورة الفرنسية مجموعة عوامل تراكمت وادت إلى انطلاقتها، النظام السياسي والمتمثل بالحكم الملكي المطلق المستبد وغياب العدالة الاجتماعية وعوامل فكرية واقتصادية واجتماعية وسياسية متداخلة مازالت محل جدل بين المؤرخين. بعد حرب السنوات السبع وحرب الاستقلال الأمريكية، كانت الحكومة الفرنسية غارقة في الديون وحاولت استعادة وضعها المالي من خلال خطط ضرائب لم تحظ بشعبية بين العامة. أيضأ سنوات من القحط سبقت الثورة أثارت استياء شعبي على الامتيازات التي يتمتع بها رجال الدين والطبقة الأرستقراطية. صيغت مطالب التغيير من خلال أفكار تنويرية وساهمت في انعقاد مؤتمر الجمعية العامة في مايو 1789 السنة الأولى من الثورة رأت سيطرة الجمعية العامة واقتحام سجن الباستيل في يوليو وإمرار إعلان حقوق الإنسان والمواطن في أغسطس ومسيرة النساء إلى قصر فرساي التي أجبرت البلاط الملكي على الرجوع إلى باريس في أكتوبر. أهم حدث في المرحلة الأولى من الثورة حصل في أغسطس 1789 حيث إلغي نظام الإقطاع والقواعد والامتيازات القديمة التي خلفها حكم أترافي. خلال السنوات القليلة التالية ظهرت صراعات سياسية بين مختلف التجمعات الليبرالية وأنصار الجناح اليميني الموالي للنظام الملكي الذين حاولوا إحباط إصلاحات رئيسية. تم الإعلان عن قيام الجمهورية في سبتمبر 1792 بعد الإنتصار الفرنسي في معركة فالمي، تم إلغاء الملَكية، وإعلان الجمهورية الفرنسية الأولى "النظام الجمهوري" في سبتمبر 1792، ثم أُعدم الملك لويس السادس عشر في العام التالي، اي عام 1793 أي اعلنت الجمهورية بعد ثلاث سنوات من قيام الثورة شهدت البلاد خلالها إضطرابات كبيرة، وصراعات بين الثوار أنفسهم، و بين الثوار والنظام الملكي، الذي إنتصر في هذه الجولة وفي عام 1799 وصل نابليون الأول إلى السلطة وأعقب ذلك إعادة النظام الملكي تحت إمرته وعودة الإستقرار إلى فرنسا.
إلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية الفرنسية الأولى "النظام الجمهوري" في سبتمبر 1792، بعد اعدام الملك أي ان اعلان الجمهورية تم بعد ثلاث سنوات من قيام الثورة شهدت البلاد خلالها إضطرابات كبيرة، وصراعات بين الثوار أنفسهم، و بين الثوار والنظام الملكي، الذي إنتصر في هذه الجولة وفي عام 1799 وصل نابليون الأول إلى السلطة وأعقب ذلك إعادة النظام الملكي تحت إمرته وعودة الإستقرار إلى فرنسا.
أن الثورات الحقيقية هي التي تنبع من جذور المجتمع وتحدث تغيرات وإن كانت فجائية إلا أنها عميقة التأثير حيث كان المجتمع الفرنسي على استعداد تام لتقبّل الأفكار الثورية بعدما يئس المصلحون من إمكانية الاصلاح السياسي من داخل النظام القديم، فدعوا إلى تغييره ثوريا. كانت ظروف الثورة ناضجة بعد سلسلة طويلة من حركات الاحتجاج التي قامت بها المعارضة الفرنسية ومهدت الطريق لإنجاحها. وهي استفادت من مقولات عصر الأنوار ذات الطابع الانساني لتبلور شعارات المساواة، والحرية، والإخاء...
أن نجاح الثورة الفرنسية جاء بعد أن حققت ثورة سياسية اجتماعية انعكست على اقتصاد وسياسة البلاد، بالإضافة إلى اتساع انتشار الصحف بشكل كبير جدا، والتي تبنى تأسيسها الثوريون ووجهوا من خلالها الثورة من خلال أفكارهم وأطروحاتهم، الأمر الذي شكل ثورة في التواصل، الناس كانوا يتبادلون الأفكار ويناقشوها فضلا عن دعم الشباب لهذه الثورة، والذي مثل وقودا محركا ساهم في استمرارها، فضلا عن الثورة المعلوماتية التي نشهدها اليوم وما تحدثه من سرعة في نشر الأفكار لا يمكن التحكم فيها ومنعها، هذا الجيل يريد المشاركة ويريد حقوقه ويريد أن يسمع صوته، التغير الاجتماعي موجود حاليا على أرض الواقع، الناس أكثر حرية في التحدث عن أنفسهم وما يؤمنون به وما يريدون
أن الاختلاف ما بين الثورة الفرنسية والثورات العربية هو أن الثورة الفرنسية كان قد سبقها صراع فكري، خصوصا في علاقة الفرد والدين والسلطة، بعكس ما حدث في الثورات العربية التي انطلقت ثم جاء بعدها الصراع الفكري ولا يزال، ذلك ان الثورة وليدة سياق اجتماعي خاص بكل مجتمع ودولة، اذ لا توجد قوانين ثابتة للثورات فتبقى كل ثورة متفردة عن غيرها من خلال اسبابها وظروفها الخاصة لكن التاريخ يسير في الطريق الذي دفعت الشعوب ثمنا باهظا له وان تعثرت المسيرة بين الحين والاخر حين تتحول المراحل الاانتقالية في حالات إلى ما يشبه "مصيدة"، يصعب الخروج منه بدون آلام إضافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو