الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفر الجامعة ومشكلة الفناء وداعش

محمد سرتي

2018 / 1 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا كان سفر الجامعة هو خلاصة حكمة الملك سليمان عليه السلام، فخلاصة هذا السفر في العبارة التالية: "كل ما هو فان فهو باطل، كل شيء يفتقد للخلود فهو عديم المعنى"
تختلف الأديان الإبراهيمية عن الهندوسية بتأكيدها على أن هذا العالم ليس وهماً أو حلماً، بل حقيقة وواقع موضوعي. ولكن هل هذا الواقع الموضوعي غائي أم عبثي؟ في الحقيقة لا تملك اليهودية ولا المسيحية إجابة واضحة قطعية عن هذا السؤال، الإسلام وحده يملك الإجابة: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين).
إذاً لكي تكون حياة الإنسان ذات معنى يجب أن يكون الإنسان خالداً، بل ولكي يكون هذا العالم كله ذو معنى يجب أن يكون العالم كله خالداً، بمعنى لا توجد نهاية لهذا العالم ولكن انتقال من واقع موضوعي إلى واقع موضوعي آخر أكثر كمالاً (يوم تبدل الأرض غير الأرض) وهكذا وصولاً للكمال المطلق (الجنة) وهي غاية الضرورة ونهاية الصيرورة باكتمال الخلق. فالجنة في القرآن ليست هناك في عالم الخيال والأحلام، بل وصفها القرآن وصفاً دقيقاً كعالم واقعي موضوعي محسوس ملموس، نعيشه بأجسادنا المادية بعد الاستيقاظ من الموت.
نحن هنا، أيها السادة، لنبقى. لقد وجدنا في هذا العالم ليستمر وجودنا فيه إلى الأبد. وما الموت إلا نومة طويلة؛ أو ربما قصيرة، من يدري. لذلك نشعر جميعاً نحن بني البشر، دون استثناء، سواء اعترفنا بذلك أم لا، بأن الموت حالة غير طبيعية، غير عادلة، يجب أن لا تحصل. ورغم كل حالات الموت التي نواجهها يومياً نظل نعتبر الموت أمراً غريباً، غير معقول، غير منطقي. وسيظل الموت أكبر مشكلة وجودية نواجهها: لماذا نموت!
وسواء أدركنا ذلك أم لا؛ تسيطر مشكلة الموت على جميع تفاصيل حياتنا. جميع تصرفاتنا، سواء على المستوى الفردي أم الاجتماعي، تتمحور حول مشكلة الموت. لأننا، ببساطة، ندرك تكوينياً/بنيوياً أننا خالدون، ولكن مشكلة الموت تشوش علينا هذه القناعة، فتبدو غير مفهومة في ظل التناقض بين قناعتنا الراسخة بخلودنا وبين حقيقة أننا نموت!
هروبنا من هذا القلق الوجودي يتمظر في استماتتنا غير المفهومة لتخليد وجودنا ميتافيزيقياً في الأشياء (على المستوى الفردي) وفي الانتماء (على المستوى الاجتماعي). وعلى كلا المستويين يظهر بوضوح مدى ضخامة هذا القلق الوجودي لدى الذكور مقارنة بالإناث. ودون الخوض في التفصيل هنا؛ أحببت في هذه العجالة السريعة عرض مشكلة داعش على هذه النظرية، وبعمومية مقتضبة جداً.
داعش، باختصار، هي عملية انتحار جماعي لثقافة تحتضر، لم يستطع أهلها مواجهة الفناء الثقافي المحتوم، فاختاروا الموت السريع على الموت البطيء، هرباً من آلام الاحتضار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي


.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل




.. بحجة الأعياد اليهودية.. الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي لمدة


.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر




.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري