الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصبية و الخطر الوجودي

ماهر رزوق

2018 / 2 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لنبدأ أولاً بتعريف العصبية ... ما هي العصبية ؟؟
العصبية (بحسب الجابري) ، هي كلمة مشتقة من كلمة العصبة ، و التي تعني الجماعة التي تضم أفراداً متقاربين بالدم ربما ، أو ينتمون جميعاً إلى منطقة جغرافية معينة ، أو دين واحد ، أو قومية معينة ...

لنتساءل الآن عن الخطورة التي يطرحها عنوان هذه المقالة ، ما هي خطورة العصبية ؟ و من أين تنبع هذه الخطورة ؟ و ما مدى جدية هذا الخطر ؟؟

لنجيب عن هذه الاسئلة ، لابد لنا من شرح العلاقة بين عصبية معينة و الأفراد المنضوين تحت جناحها ... فالعصبية تمنح الفرد الإحساس بالقوة الجماعية و الكلية التي تتسامى على الضعف الفردي و الجزئي ... و من العصبية يستمد الفرد قيمته و دلالته ، و من موقعه ضمنها يستمد مكانته ...
و هذا يتضح لنا من خلال ملاحظاتنا لتنامي العصبية و تزايد أثرها على الأفراد في حالات اللجوء الانساني أو حتى الهجرة العادية ... فالفرد الذي ينتقل للعيش في بلاد مختلفة كلياً عن بلاده ، من حيث العادات و التقاليد و التقدم الفكري و الحداثي ، يشعر أنه وحيد و ضعيف ، بعد أن اعتاد على القوة بين أفراد العائلة أو الأصدقاء أو شركاء العقيدة و الطائفة ، لذلك قد يصبح هذا الفرد لقمة سهلة للداعين في تلك البلاد البعيدة إلى تجديد رباط العصبية و تقويته ، مما يؤدي كنتيجة حتمية إلى تجديد الشعور بالأمان و القوة و المكانة القديمة عند ذلك الفرد ...

و نجد أيضاً أن هذه العصبية تكون أقوى عندما تعززها رابطة الدم بدلاً من رابطة الأخوة المجازية (الأخوة في الله ، أو في العقيدة و الطائفة)
فعندما تتوفر في الخارج عائلة كاملة متهيئة للدخول في قفص العصبية ، فإن ذلك يدعم قوتها و مكانتها في نفس الأفراد أكثر ... فالثقة تكون أكبر ، و القضية تصبح أسمى ، بتوفر الواجب تجاه العصبية نفسها و الواجب تجاه الأخوة التي لوحدها تشكل عصبية من نوع آخر (عصبية عائلية) ...

و في الحقيقة إن الهدف الذي تصبو إليه العصبية هو هدف سام و جيد ، و ليس مدمراً (بمظهره على الأقل) كما نعتقد ، فهي تهدف إلى إنتاج أفراد مثاليين ، ملتزمين بقواعد معينة ، تعتبرها هذه العصبية أنها الأفكار الأصح في العالم ، باعتبار أنها تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ...
و تعمل العصبية على تعزيز ثباتها على هذه القيم المثالية ، من خلال زرع عقيدة مقاومة التغيير في نفوس أفرادها ، لأنها الوسيلة الأمثل ، للإبقاء على حالة الجمود و الثبات التي تتمتع بها و التي تكفل لها الاستمرار كقيمة بحد ذاتها ... فالعصبية تضع لأفرادها هدفاً مثالياً ، يعمل جميع الأفراد بتكاتف و تشاركية و تضامن لتحقيق ذلك الهدف الذي يضمن التسامي و التميز للجميع (الأفراد و العصبية) ...
و تدعم عمل هؤلاء الأفراد و روحهم المعنوية ، بسرد العديد من الوقائع التاريخية التي تؤكد على ثباتها في وجه كل المحاولات القديمة للنيل منها و من طموحها في تحقيق الهدف ، فقد نجد في أدبياتها العديد من الأساطير و القصص المنقولة التي تؤكد على العزيمة و محاولات الغير الفاشلة لتغيير أيديولوجيتها ، و كيف أنها واجهت و تغلبت على هذه المحاولات برغم كثرتها و جبروتها ...
فأي محاولة للشك أو التساؤل هي بمثابة خيانة في نظر هذه العصبيات .. كما أنها تعتبر التغيير أو أي محاولة للتغيير جريمة عظمى ... و بالتالي هي تؤكد على ثقافة الانتماء و الولاء ، و تجرّم ثقافة الانجاز و البناء ... فالإنجاز كما نعرف جميعاً ، هو عملية تغيير في الظروف التي نعيشها ، بالتالي هو ممنوع ضمن إطار العصبية الضيق ...

و تكمن خطورة العصبية في أنها لا تقاوم التغيير الداخلي فقط ، بل إنها أيضاً تعتبر الآخر في الخارج عدواً لها ، لأن كل مخالف يشكل خطراً على قيمها و عاداتها ، فهي تحذر منه دائماً ، مادامت لا تملك القوة لمجابهته ، لكنها بالمقابل عندما تمتلك القوة و الأدوات اللازمة ، فإنها تعمد إلى اعتبار الآخر عقبة وجودية ، و تعمد بالتالي إلى إنهاء وجوده !!
فالعصبية من خلال قيم مثالية و أسلوب أبوي عاطفي ، تشجع على القتل الذي يصبح في نظر أفرادها ليس مجرد جريمة ، و إنما واجباً مقدساً (قومياً أو وطنياً أو دينياً)

و هذا ما يؤدي بنا إلى التعصب ، الذي هو نتاج أعوام و أعوام من زراعة الأفكار نفسها و تكرارها ضمن قفص العصبية ، من خلال التربية المنزلية و الاعلام ، أو المراكز الدينية و الحزبية ... و هذه الأفكار لا تلبث أن تصبح من أساسيات العقل اللاواعي عند الفرد ، ذلك العقل الذي يتحكم بجزء كبير من حياتنا ...
فالتعصب هنا كما قلنا ، نتيجة عملية طويلة ، و لا يمكن ببساطة مناقشة أفكار مختلفة مع الشخص الذي يعاني منه ... فالأمر ليس بهذه السهولة ، لأن التعصب يجعل الفرد الذي ينتمي إلى عصبية معينة ، يظن بأنه أوعى و أسمى و أكثر مثالية من غيره من الناس خارج العصبية ، فنفس الفكرة قد يقولها فرد من أفراد عصبيته و تلقى استحسانه ، و قد يقولها فرد من خارج إطار عصبيته ، فتلقى استهجانه ... فهو يعاني من انغلاق فكري كامل تجاه الآخر الذي لا يمثل سوى عدواً محتملاً له ، و الهدف الأسمى لا يكتمل إلا بإنهاء وجود هذا الآخر عندما تسنح الفرصة و الأدوات و الظروف ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر