الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رشيد

أكرم شلغين

2018 / 2 / 3
الادب والفن


لم يتساءل عن البداية أو كيف جاءت علاقته به أو متى ميّز وجوده للمرة الأولى أو كيف راح يحدثه حول أدق تفاصيل حياته بدون أدنى تحفظ، إن ما صبغ طبيعة علاقتهما هو انعدام الحواجز والتقارب أكثر فأكثر مع مرور الوقت دون أن يتساءل عن الحد الذي يقترب فيه من ذلك الشخص الذي لم يكن يشبهه فقط في الشكل لدرجة بدا معها وكأنه توأمه أو نسخة عنه بل وأكثر أيضاً في الجوهر والصميم إلى نقطة تكاد تبدو وكأنها تحدّ صارخ لما يسمى بالاختلاف فكلّ ما أقدم عليه جاء بانسجام وتوافق تام معه، وراح يعتمد على رأيه وقراره في كل ما يقوم به. كثيرا ما كان حال رشيد معه وكأنه ينظر في المرآة. لم يعرف إن كان ذلك الآخر أخاه أو توأمه الملتصق به دائماً حتى أصبح جزءاً منه أو ذاته. هكذا كانت حياة رشيد بوجود من يشاطره الرأي ويساعده في الوصول إلى القرار حول أية مسألة وفي أي خطوة يتخذها دون اعتراض وبتوافق مطلق. توغل رشيد في استسهال كل شيء وحتى اتخاذ أصعب القرارات لان هناك من يشجعه ويصور كل شيء يفعله على أنه عين الصواب مهما كانت طبيعته، وأكثر من ذلك فقد أضحى وكأنه يقرأ أفكار رشيد ويدفعه على تنفيذ كل ما يخطر بباله. مع مرور الوقت تطورت الحالة وبات رشيد يتصرف وبسرعة ودون عناء وبلا تفكير لأن كل ما يأتي عنه هو عين الصواب.
عندما أنهى رشيد دراسته الجامعية وقرر أنه لا يريد أن يعمل بمهنة التعليم كان ذلك بالتوافق مع رأي وميل ذلك القريب الشبيه، وعندما قرر رشيد أن يسافر ليعمل في الخليج كان ذلك بمباركته، بل وكان يعيش معه طموحاته وآماله، يعيش الصدق والكذب، يعيش الحالات الإنسانية عندما يلتقي هنديا مظلوما؛ وعندما تأزم نفسياً من الوسط الاجتماعي في الخليج لم يكن ملازمه ليقول له أي حرف خارج ما يفكر به. عاد رشيد من الخليج وقرر أن يقوم بمشروع تجاري في القرية، كان ملازمه يشجعه بأن المشروع سيدر الأموال فسارع إلى المضي قدما بتنفيذ ذلك. بعد أكثر من سنة فشل المشروع وراح يندب حظه لخسارته، ولكنه لاحظ في تلك الأيام أنه كان يتألم بمفرده. بعد مضي أشهر على خسارته فكر في التقدم لخطبة سلمى ابنة الطبيب الأشهر باختصاص القلب وأمراضه ولكن ملازمه راح يختلف معه مرة ويتفق معه أخرى حول تلك المسألة فتارة يرسم له صورة المستقبل الجميل وطوراً يحذره من مغبة ما يفكر به مصوّراً له كيف سيطرده والد سلمى وربما سيعاقبه على وقاحته إن تشجع وطلب يد ابنته! وذلك سيسبب له الحرج الشديد وسيصبح على لسان كل من يعرفه فالأفضل له ألا يتقدم لخطبتها. مضى بعض الوقت تزوجت خلاله سلمى من شخص لا وظيفة ثابتة له ولا راتباً يأتيه بشكل دوري وإنما كان يؤمن قوته من عمله اليومي الذي يشمل العمل اليدوي من العناية بأشجار الزيتون إلى سقاية أشجار الحمضيات حتى إلى العمل تنظيف الشقق أو البيوت. راح رشيد يندم على تلكؤه في طلب يد سلمى حيث أنه أفضل ممن حظي بها.
ذات مساء كان رشيد صاغراً كلياً لما يتفتق عنه رأي وقرار ملازمه حين راح الأخير يذكّره بقطعة الأرض التي يملكها على أطراف القرية وقد ورثها عن أبيه. وانتشى مع فكرة أنه سيضع المبلغ الذي سيكسبه منها في الاستثمار السريع أسوة بما يفعله الكثير إذ سيودع المبلغ لدى المقاول الذي حظي وبسرعة فائقة بثقة كل من عرفه وراح يعيد لأوائل زبائنه نسبة عالية من الأرباح لم يتوقعها أحد، وراح يعدهم بالمزيد إذ أن مشاريعه في أماكن أخرى تدر أرباحاً كبيرة وهو رجل ـ على حد قوله "يعرف أن هناك دنيا ومقابلها آخرة" ولا يريد أن يأكل حق أحد أو يستغل أحداً، وهكذا لم يتردد في بيع قطعة الأرض وإعطاء كامل المبلغ للمقاول للاستثمار والربح فقد وعده أن حصته الربحية ستبدأ مع نهاية الشهر الجاري. قبل نهاية الشهر اختفى المقاول ولم يستطع أحداً تقفي أثره أو معرفة أي شيء عنه! كان رشيد يتقلب ما بين ألم خسارة الأرض التي ضاعت في لمحة عين وما بين أمل يوهمه به ملازمه أن الرجل على خلق وسيعود ليفقأ عين الجميع ويعيد بالحد الأدنى ما أخذه منه ومن البقية. لكن الحقيقة كانت غالبة فقد اختفى للأبد ذلك المقاول المستثمر.
كان الصاحب ليس فقط مشاطراً في الرأي بل وبعض الأحيان آمر بتنفيذه، فمرة يقول لرشيد أنت إنسانيا وصاحب كرامة ويجب أن يكون سلوكك مطابقاً لذلك. ولكنه مع مرور الوقت كان يحقنه بآراء تحثه على ألا يستمع لأحد أو أن يجادل أحداً، كان يدفعه مرة إلى الحقد وأخرى إلى اللؤم وكان يناغي بأفكار إجرامية معه. مرات ومرات حاول رشيد الابتعاد والاستقلال في اتخاذ القرار ولكنه فشل لأنه كان يشعر أنه بحاجته وبرغم كل شيء. كان تأثر رشيد به يفوق كل وصف. لم يستطع رشيد الهروب منه أو من تأثيره عليه، بل بات مع مرور الوقت عصبياً يبرر له ذلك شبيهه ولكنه يأبى الاستماع لرأي أي كان غيره أو أن يتقبل الانتقاد وهكذا كان كل من يقابله أو يصادفه يستهجن طباعه الحادة فقد تشاجر مع كل من أبدى أي رأي حول حياته، حاضره أو ماضيه أو أراد أن يحكي معه عن المستقبل، ورويداً كان يميل الجميع للابتعاد عنه ويمضي في طريق العزلة التامة. كان يتألم بمفرده فقد أصبح منطويا بالكامل على نفسه.
ذات مغيب راح يفكر للمرة الأولى بأن ملازمه كان المسؤول الأول عن كل مآسيه فأراد التخلص منه؛ قرر قتله. في اليوم التالي عاد رشيد وكان بمفرده فقد قتل رفيقه وملازمه وصاحب قراراته. بقيت مسألة تخلص رشيد من رفيقه غير عادية إذ لم يلحظ أحد غيابه وبعد ذلك لم يكن لأحد أن يفشل في ملاحظة أن رشيد أصبح ذو وجه خال من الانفعال والتفاعل؛ بشخصية تكاد تفتقد المقومات؛ شخصية ردود أفعالها وحدة تعابيرها واحدة تجاه الفرح والحزن، حيال الدهشة أو الملل، حيال الكآبة أو الانطلاق، لا يعرف إن كان مبتسماً أم عابساً، حاقداً أو لئيماً، مرنا أو عنيدا، مجرما أو إنسانيا، كان واحداً بتعابير وجهه إن أكرمته أو إن مارست عليه الابتزاز...! أصبح مجرد مخلوق يتحرك وقسمات الشيخوخة بادية على وجهه، إنه الشخصية التي لن يفتقدها أو يلحظ غيابها أحد حتى لو مات أو رحل عن المكان!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81