الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجليات وأوهام سوتشي

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



كان لابد من سوتشي، كي ينقشع الغمام وتتضح الرؤية، لمن في بصيرته بعضٌ من غبش. فقد أخذ من وقت السوريين وجهدهم الكثير، على أمل أن يتحقق أي شئ يقود الى تغيير الحال، وفقا لما خيّل إليهم، وبأن موسكو التي تشن حربا شرسة ضد السوريين، سوف تنهكها الحرب، وتبحث عن نافذة تمكنها من تدوير العجلة باتجاه القطاف السياسي، في مرحلة وصل فيها الإنهاك السوري ويُتم ثورته، ذروة قصوى. فيكون لها التحكم بمسار المعارك على الأرض، وبمصير السوريين في المستقبل، وتنتزع شرعية الاستحواذ على الملف السوري، لوحدها في هذا العالم المضطرب سياسياً. لكن ذلك التصور انتج عكس ما أريد له أن يكون من تداعيات، كما اعتقد.
دون أدنى شك، القضية السورية، لم يعد من الممكن إيجاد حلّ لها، دون تدخل قوى خارجية فاعلة وحاسمة. والمعضلة الأساسية، ليست كامنة في الأطراف السورية وحدها، او فيما بينها، كما يعتقد البعض. ولكنها أشد تعقيداً، نتيجة لتدخل القوى الخارجية، وتشابك المصالح، الى درجة شديدة التباين. المعضلة تكمن في أن القوى الدولية المؤهلة لوضع حلّ حقيقي، هي ذاتها القوى المتحاربة والمتصارعة على الساحة السورية، سياسياً وعسكرياً وأمنياً. وبالتالي فإن أي حل سوف يكون في خدمة مصالح تلك القوى، وما ينتج عن تلك التوازنات قد يقود في الهامش الى حلّ جزئي ومؤقت في سوريا.
جميع الافكار المطروحة للحل، سواء من قبل الولايات المتحدة، أو روسيا، لا ترتقي الى حجم المشكلة الحقيقية في سوريا، ولاتتلمس جوهر الصراع بين قوى الاستبداد، والمدّ الثوري الشعبي، الذي ضاق ذرعاً بقيود الطغاة فخرج عليهم. ولايزال الخطاب السياسي في دوائر صنع القرار، يدور حول المسألة من خارجها، بينما هو في صلب القضية، جزءٌ منها، على الأرض، وتتحكم بأدوارها ومفاعيلها وقراراتها، المؤسسات الأمنية والعسكرية، فيما يستمر الجانب السياسي والديبلوماسي صدى لذلك، فتبقى القضية السورية، بعيداً عن طاولة البحث وأولوية معالجتها، كقضية تتصل بالسلام العالمي، قد تحدد أطراً جديدة في سياق التنازع بين موسكو وواشنطن.
تدّخل القوى الخارجية، بالصورة التي نشهدها اليوم، سيقود بالضرورة الى حل تتفق عليه القوى الدولية والإقليمية، وتفرضه على السوريين. هذا قائم، وتجري الامور في سياقه، طالما ان السوريين لا يمتلكون المقدرة على انتاج حلّ، ولا يمتلكون الوسائل لذلك في حال الاتفاق على رؤية شاملة، وآليات تطبيقها. لاإرادة دولية في كل الحالات، ولا قرار لدى المعارضة السورية، كما أن النظام الأسدي فاقد لأدنى أساسيات ودعائم السيادة الوطنية. والحل الذي سوف يُفرض على السوريين، سوف يكون مفصلاً على مقاسين متضادين، روسي واميركي، ولذلك سيبقى حاملاً لبذور التنازع، بين مختلف الأطراف والقوى.
على الرغم من تجليات الضعف والوهن، أعاد سوتشي الاعتبار لدورالمجتمع الدولي، من حيث لا يقصد. لقد فشل المؤتمر في تسويق الرافعة الروسية للحل ، وأظهر ضعف الأداء السياسي للدبلوماسية الروسية، في الإطار الدولي، كما على الصعيد السوري، خاصة فيما يتصل بمحاولة الكريملين الحثيثة على تجاوز مبادئ جنيف، ولقاءات التفاوض التي جرت خلال السنوات الثلاث الأخيرة. أي القفز على دور الأمم المتحدة، وطيّ أهم القرارات التي اتخذها مجلس الامن بشأن الحل السياسي في سوريا: القرار 2254.
في الواقع، فرضت موسكو مؤتمر سوتشي، واجبرت الامم المتحدة على المشاركة فيه، على الرغم من عدم الاستجابة للشروط التي حددها الأمين العام للمنظمة الدولية غونتيريس، والتي تضمن الالتزام بمسار الامم المتحدة، وان يكون سوتشي خطوة دافعة فيه نحو الحل. وعلى الرغم ايضاً من موقف واشنطن وباريس ولندن من المؤتمر، وهو موقف لم يكن نابعاً من الإيمان بضرورة دعم السوريين لوقف الحرب ضدهم، وإنما على خلفية التخاصم بين تلك الدول، وروسيا.
على أية حال، الأمم المتحدة نفسها، بين حجري الرحى، قد تكون أحسن حالاً من المعارضة السورية، قليلاً. فقد فشل مجلس الأمن عشية ختام سوتشي في تمرير قرار قدمته الكويت والسويد، لدعم وتطوير الاجراءات الإنسانية الإغاثية في المناطق المحاصرة والمنكوبة في سوريا. وعلى الرغم من ذلك، فإن التمسك بالمبادئ الأساسية للحل في سوريا يعود الى الساحة مجدداً، حتى وإن كانت الخطة الخماسية المقترحة لا تتضمن مصير الاسد ورحيله. وفي مقدمة تلك الأسس، هو الانتقال السياسي، عبر هيئة حكم انتقالية، وهو ما تريد موسكو القفز عليه، وطيّه تماماً سواء عبر سوتشي، أو كل المشاورات واللقاءات التي دعت إليها ورعتها، وكذلك تلك التي لعبت فيها دوراً محورياً في تطويع نتائجها بصورة نسبية كما في فيينا، يجنب اتخاذ موقف دولي حاسم برحيل الاسد، وتغيير النظام الحاكم في سوريا، منذ نصف قرن ونيّف.


كان لابد مما جرى في سوتشي، لننظر بعين واسعة ومدركة لمرام وغايات أية خطوة تتقدم باتجاهها المعارضة السورية. صحيح أنها محكومة بدور القوى الاقليمية والدولية، غير انها تملك هامشاً يمكنها من اتخاذ سبيل الصواب، فلا يمكن المشاركة في (حوار) مع الروس او النظام الأسدي والإيراني، في ظل استمرار ارتفاع وتيرة القصف الوحشي الذي تتعرض له المدن والقرى السورية. لا يستقيم اي حوار في ظل الحصار الخانق والتجويع المفروض على السوريين، لا يمكن مشاركة القتلة والمحتلين في ظل المصير المجهول لعشرات آلاف المعتقلين والمختطفين والمغيبين قسراً.
كان لا بد من سوتشي، كي نعرف جيداً أين يقف كلٌ منا، وماهو موقع القضية لديه، وكيف يفكر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء