الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قتل السياسة فى مصر؟!!

محمد نبيل صابر

2018 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


بعد 7 سنوات من حراك سياسى وشعبى فى الشارع المصرى قد نختلف على تصنيفه ودوافعه ونتائجه الا اننا نتفق جميعا حول انه تسبب فى ربط رجل الشارع العادى باحداث السياسة فى مصرنا . رجل الشارع العادى الذى اصابته حالة من الهلع والملل من احداث السياسة طوال ما يقرب من ثلاثين عاما هى فترة حكم مبارك وتفرغ للسعى وراء لقمة عيشه تاركا الساحة لمتسلقى الحزب الوطنى وبجوارهم الاخوان فى نسختها القطبية مع بقايا يسارية هنا او هناك من حركات نضال السبعينات اتفقوا على الا يتفقوا وتشتت بينهم دم اليسار فى مصر.
اطلقت احداث يناير 2011 شرارة ايقاظ هذا المواطن وادراكه ان لقمة العيش التى يسعى اليها هى ايضا فى صميم السياسة وتتأثر بها صعودا وهبوطا ويتمد هذا الى الاعلام والقنوات التى يستمع اليها والضرائب وكافة جوانب حياته. واستيقظ هذا المواطن ليعيد الزخم الى الحياة السياسية المصرية التى ولدت فى العصر الحديث على يد قدوم الحملة الفرنسية وما استتبعها من مقاومة وانتفاضات وظهور زعامات مصرية وما اعقبها من ظهور اسرة محمد على والتلاحم والتنافر مع السلطنة العثمانية ثم ظهور اول برلمان مصرى 1866
تعرض المواطن المصرى ولمدة تقرب من الثلاث سنوات الى دعايا وانتخابات وفضائيات وشرح ايدلوجيات ممنهج من اقصى اليمين لاقصى اليسار وارتباط تلك الايدلوجيات بالاقتصاد وبالحياة العامة واختصارا عاش المواطن المصرى والسياسة المصرية حالة من التسيس الشامل لكل مناحى الحياة
ومع صعود وهبوط الاخوان وصعود السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسى الى سدة الحكم فى 2014 ومع ازدياد شدة الحرب على الارهاب وما صاحبها من الدعايات والاشاعات التى تطلقها ماكينة الاخوان الاعلامية وحلفاءها فى الداخل والخارج انطفأت جذوة السياسة فى مصر رويدا رويدا حتى اصابت البلاد حالة شاملة من الانسداد السياسى تجلت وبشدة فى المشهد المؤسف المصاحب لفتح باب الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية والبحث عن مرشح سواء من الحكومة او المعارضة للترشح امام السيد الرئيس حتى تقدم احدهم قبل غلق باب الترشح ب 10 دقائق .
قبل ان نبدأ فى تحليل الدوافع والافعال التى ادت الى هذا المشهد دعونا نبدأ فى السؤال المهم :- هل نحتاج الى السياسة فعلا؟!.. هل يحتاج الانسان العادى الى السياسة ؟:-
يقول روبرت دال فى مقدمة كتابه "التحليل السياسى الحديث": ".. فالمواطن يتعامل مع السياسة عند تصريف امور الدولة والمدينة والمدرسة والكنيسة والشركة والنقابة والنادى والحزب والجمعيات التطوعية .. وغير ذلك كثير من منظمات عديدة اخرى. فالسياسة هى حقيقة من حقائق الوجود الانسانى لا يمكن تجنبها فكل فرد يجد نفسه مشتركا بطريقة ما فى لحظة ما فى شكل من اشكال النظم السياسية "
"فالواقع انه رغم اننا قد نحاول تجاهل السياسة فأنه لا يمكننا تجنبها وهذا فى حد ذاته يعتبر سببا قويا يدفعنا الى محاولة فهم السياسة ".. ثم يستمر الكاتب ليقول "لا يمكننا انكار ان البشر فى عمومهم يحتاجون الى فهم العالم الذى يعيشون فيه وواقع الامر ان اى فرد يستطيع ان يفهم السياسة بقدر"
والامر فى منطقتنا لا يبدو بهذه السهولة ولا بهذه البساطة ولكن نتاج الاحداث التى مرت بها منطقتنا العربية عموما ومصر خصوصا من عام 2011 وحتى الان يدعوا الجميع الى التحرك بفاعلية نحو معالجة اسباب الانسداد واعادة احياء السياسة فى مصر. اذ ترتبط العديد من العوامل الداخلية والخارجية والتى تضغط على الافق السياسى لانتاج مسار قريب الشبه من عملية ديمقراطية (وليس عملية ديمقراطية كاملة ) وهو مسئؤلية مشتركة للحكومة والمعارضة فى ظل ارتكابهما جريمة قتل السياسة فى مصر
ولنبدأ بالحكومة
والحقيقة ان مصطلح الحكومة هنا مصطلح خاطئ بل الانسب هو "النظام الحاكم " اذ طوال عهد السيد الرئيس منذ 2014 تبدو الحكومة فى شقيها التنفيذى والتشريعى مجرد ادوات تنفيذية لتحقيق رؤية واهداف الرئيس مع القليل من النقاشات واقل من القليل لدراسة رد فعل الشارع او الانتباه اليه من الاساس
واحقاقا للحق يبدو هذا الخط عبارة عن امتداد للحكومات المتوالية والبرلمانات شهدتها مصر منذ 2011 وثلاثة دساتير تم العمل بها. اذ لا يمكننا ان ننسى صيحة المستشار الخضيرى بأن مجلس الشعب سيحول ارادة المجلس العسكرى ليصوغها فى قوانين وما فعله مجلس شورى الاخوان من دعم قرارات مرسى وخلافه .ولكن تم ازاحة كل تلك الحقبة أملا فى فجر جديد يقترب بمصر رويدا رويدا من الديمقراطية المأمولة والتى لازلنا بعيدين عن ان نحبو فى اول خطواتها
فمنذ انتخاب الرئيس 2014 وحكومة شريف اسماعيل والبرلمان لا يتوانوا عن اتخاذ القرارات الصادمة دون عرض على الاقل لمبررات اتخاذ هذا القرار مهما كانت مصيريته وتجلى سوء هذا الاسلوب فى ادارة ملفات التعويم وقرض صندوق النقد الدولى وتيران وصنافير .هذا الاسلوب الذى تسبب فى موجات عاتية من التخوين والعنف اللفظى المتبادل والتجهيل وسمح بانتشار بحر من الشائعات والاخبار المغرضة والتى تسببت فى هز صورة نظام الحكم وفتحت الباب لعريضة من الاتهامات اقلها الجهل واعلاها جريمة الخيانة العظمى
نتفق او نختلف حول ماهية الملفات واراؤنا الشخصية فيها ودرجة التأييد او الاعتراض على القرارات ومبرراتها ولكن يبقى الاصل دائما طريقة اتخاذ القرار وتنفيذه كارثة ينجم عنها العديد من الاضرار الجانبية والتى تزيد من الضغوط على الرئيس داخليا وخارجيا وتدفع بالزيت الى النار تحت اتون الشائعات والاخبار المغرضة وما يستتبعه من جهد لتتبعها ونفيها او يدفع الرئيس الى المزيد من الارتجال فى اقرب خطبة او حوار تليفزيونى وهى نقطة لا تعد ضمن نقاط قوته
كان هذا الاسلوب وتلك الطريقة باعلان القرارات مباشرة دون تمهيد ودون عرض مقدمات او دوافع او شرح او تمهيد سياسى عبر الاذرع الاعلامية هى الطعنة النجلاء التى سددها النظام الحاكم فى قلب السياسة . هذا الاسلوب الذى افقد للسياسة اى معنى واى مفهوم منطقى. اذا اصبحت الامور تدار بمنطق "هو كدة" وهو منطق لا يجوز التحدث بعده عن سياسة وسياسيين واحزاب وتحركات وايدلوجيات
ومع ثقتى ان الرئيس فى معرض كلامه الاخير حول "عدم تكرار ما حدث من سبع سنوات " "وانه ليس سياسيا " لم يكن يتوجه الى عرابى ومثقفى الفيسبوك او العاملين عموما بحقل السياسة اى كانت درجة ارتباطهم بهذا الحقل كمتابعين او فاعلين وانما كان يتوجه الى نفس المواطن البسيط الذى استقال من السياسة وهموها والذى تبدو فيه كلمات السب واللعن فيما حدث من سبع سنوات كرأى عام له وزنه واعتباره وانه لا يحتاج الى السياسة بقدر ما يحتاج الى ضمان التغلب على الازمة الاقتصادية الخانقة وان يلمس تحسن المعدلات فى الشارع وفى حياته اليومية . الا ان تلك الجملة تبدو تتويج وعنوان رئيسى لما شهدته البلاد خلال الاربع سنوات من انسداد السياسة وفراغ الملعب السياسى فيها اذ ان الرئيس نفسه لا يعتبر نفسه سياسيا رغم انه قادم للمنصب من منصب وزير الدفاع وهو منصب يتطلب الكثير من ادراك السياسة بطبيعة الحال وبالنظر الى طبيعة المنصب فى دولة مركزية مثل مصر ومنطقة حساسة مثل الشرق الاوسط وفى توقيت شديد الحساسية مثل اعوام القلاقل منذ 2011 وهذا بخلاف خبرته السابقة كملحق عسكرى فى المملكة العربية السعودية فى اثناء ترقيه فى حياته المهنية
ان الملهاة التى شهدناها منذ فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية يدفعنا دفعا للتساؤل عن مدى امكانية وجود مستشار سياسى ذا ثقل لرئيس الجمهورية. ورغم سابق تحذيرى فى العديد من المقالات فى الاعوام السابقة عن خلو مكتب الرئيس مما يطلق عليه "لاعبو السياسة المحترفون" من عينة اسامة الباز وبطرس غالى وغيرهم من اعمدة نظام مبارك والذىن تربوا منذ صغرهم فى دهاليز السياسة واصقلتهم التجارب والخبرات بجانب الدراسة . اذ ارتفع العقير عبر الاذرع الاعلامية بالبحث عن مرشح من جانب النظام وضرورة ان تكون الانتخابات بين عدد من المرشحين وبدا الامر انه لا خيار اخر سوى هذا رغم وجود البند الدستورى الذى يسمح بالمرشح المنفرد والذى كان يمكن تطويع تلك الحالة لتكون نتيجة التصويت ونسبة الحضور علامة تدعم المنشور عن القبول الشعبى للرئيس واجراءاته ولكن الاصرار على وجود مرشح اخر مع التضييق السياسى على بقايا اطياف السياسية احال الامر الى مأساة حقيقية بمرشح وهمى بدا منذ اللحظة الاولى لا يملك من امره شيئا

سيدى الرئيس من اجل مصر عليك ان تدرك ان السياسة ليست شرا مستطيرا وعلى الجميع الاتعاظ بافعال جمال مبارك وزمرته بعد انتهاء عهد الساسة حول مبارك والتى نجم عنها الانسداد السياسى فى برلمان 2010 وانفجار 2011 فلا يلومن الا نفسه
اما عن مساهمة المعارضة فى الجريمة والحلول المقترحة فهذا حديث أخر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قتل السياسة هو اعتراف بالفردية و إلغاء للمجتمع 1/2
عماد عبد الملك بولس ( 2018 / 5 / 14 - 14:23 )
السياسة هي الأداة الرئيسية لحركة المجتمع، و بها تتحدد الطرق و قوانين التعامل بين المصالح المختلفة، و بدونها تفقد المصالح قوة التقائها و اتحادها في الاتجاه نحو هدف واحد و يفقد المجتمع (و معه الوطن) قوة وحدته و تتشتت قدرته بل و يعجز عن الرؤية أو الحركة بكفاءة

و العجز عن توحيد المجتمع خلف معتقد وطني واحد، و في اتجاه أهداف بعينها، يعكس فشل العقل الجمعي و الضمير الجمعي أن يقيِما وضع المجتمع و تحدياته، فلا يدركان ما يجمعه و لا ما يتهدده و لا يعلمان كيف يواجه مشاكله، فيتوه عن مصادر قوته، و يبلغ المرض الاجتماعي ذروته بالثورة من أجل الثورة و التمرد من أجل التمرد، كمراهق تعتريه تغيرات فسيولوجية و نفسية لا يدركها و لا يستطيع تفسيرها فتسيطر عليه العاطفة و التفاعلات الكيميائية و بغيب العقل تماما و ينكره الجسد و ينفصل عن الكيان كله

الأمرٌ في هذا الموضوع أن الجسد و الكيان الواحد ( الذي لا يدرك واحديته) يظل يبحث عن علاج بالقطعة (فردي)، أو يسد ثغراته واحدة واحدة تائها عن السبب الحقيقي للمشكلة و هو أنه لا يتعامل ككيان واحد و لا يستفيد من قوته بل ينكرها و يتجاهلها و يرتد ضعيفا، عاجزا عن التعقل (يتبع


2 - قتل السياسة هو اعتراف بالفردية و إلغاء للمجتمع 2/2
عماد عبد الملك بولس ( 2018 / 5 / 14 - 14:41 )
(تكملة الجزء الأول)

فعندما تتملك الفردية المرضية من مجتمع، يصير في أضعف حالاته و يتمكن أضعف الأعداء من مهاجمته و استنزاف قوته و تكبيده الخسائر بأقل مجهود، لا يكلفه الأمر إلا اللعب علي هذه الفردية و علي العاطفة (الفردية أيضا) و هذه حرب ينتصر فيها الأدهي و الممسك بمفاتيح اللعبة

اقتضت الظروف في مصر، لأننا ترديِنا إلي الدرك الأسفل من الوحدة في العقل (الفكر) و الهدف (الرؤية) و الحركة (النظام) بعد أن وصلنا إلي مستوي من العشوائية لا مزيد عليه إلا الفوضي الكاملة المدمرة، أن يُمسك بالأمر (الحكم) عنصر منظِم ضابط و منضبط، ليعيد البلد إلي كونه بلدا، و ليفرض حدا أدني من النظام يستطيع به البلد أن يستمر في الحياة

و لهذا، فليس من حق المجتمع أن يفهم، و لا أن يستريح، و لا أن يُحاسب المسئول، و لا أن يطَلِع علي الحقائٌق، و لا أن يحصل علي العدل، إلا إذا تمسك بكونه نسيجا واحدا وطنيا، لا تعلو علي أولويات الوطن لديه أولويات، و هذا في ظني ما استقر في عقيدة حكامنا الآن
!!!!!

تحياتي لجرأتكم علي هذا الموضوع الشائك

اخر الافلام

.. الخبز يعيد بارقة الأمل الى سكان غزة | الأخبار


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس




.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق


.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي




.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع