الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترباية (تربية) نمر مرقس!

عصام مخول

2018 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



صدق الطريق
ما الذي كان يجعل عيونهم تبرق وهم يقولون باعتزاز: "أنا ترباية نمر مرقس". هل هو الرغبة في التمثّل بقوة الحجة والثقة بصدق الطريق؟ هل هو عمق الموقف والشجاعة في الطرح والقدرة على بناء أطر الوحدة الكفاحية الواعية التي تدفع النضال الى مرحلة أعلى؟ أم هي البساطة والوضوح والمباشرة في قراءة الواقع من أجل تغييره؟ أم أنه الحزم في جدل الفكر والتنظيم ومقت الانتهازية وفضح الانتهازيين ومواجهتهم؟ أم هو العطاء والتواضع والاستقامة الفكرية التي بها تقاس المواقف؟ أم أنها قدرة نمر مرقس على إزالة المسافة تماما بين الموقف وبين ممارسته، وبين النظرية الكبيرة وبين تطبيقها


كان النصف الاول من سبعينيات القرن الماضي شاهدا على تبلور الحركة الطلابية العربية في الجامعات الاسرائيلية وإن كانت إرهاصاتها الاولى قد ظهرت في بعض الجامعات في فترة مبكرة أكثر. في هذه الفترة كانت ساحات الجامعات الاسرائيلية تعج بالحراك الطلابي العربي واليساري التقدمي، وسط نهوض وطني تقدمي شامل شهدته الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل، هذه الجماهير التي خرجت منتصرة بقيادة الشيوعيين وحلفائهم من المعركة لإسقاط الحكم العسكري في العام 1966. وكانت قد برزت أسماء كبيرة من أعلام المواجهة للقضاء على الحكم العسكري وتحدي مشاريعه وإفشال مخططات التجهيل التي كانت تبيتها.. وكان اسم نمر مرقس اسما ساطعا وسط هذه الكوكبة من المناضلين ومن قادة هذا التحدي، وهو المعلم الملاحق، والمنفي والمفصول من جهاز التعليم، الذي قارع سياسة قطع الارزاق وكم الأفواه وكسر المعنويات برأس شامخ، وسخّف مع رفاقه سياسة مقايضة الحق في العمل وفي لقمة العيش بالخضوع للسياسة المهيمنة والدوران في مداراتها وتحدّى وإياهم هذه السياسة، وقاد الناس معهم، لمقاومتها وتحطيمها، والانتقال بالأقلية القومية العربية في إسرائيل من موقع الضحية إلى مواقع الوحدة الكفاحية.
ترافقت حالة النهوض الوطني بين الجماهير العربية في اسرائيل،مع الانتقال الى مرحلة أعلى من تأطير نضالات الجماهير العربية كجزء من خلق آليات الصمود والمواجهة والتطور الكريم فوق أرضها. وفي القلب من هذا الانتقال، نشأت لجان الطلاب الجامعيين العرب والاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب، ومنظمات كامبوس اليهودية العربية التقدمية، واللجنة القطرية للطلاب الثانويين العرب، وصولا الى جبهة الناصرة الديمقراطية، ولجنة الدفاع عن الارض ولجنة المبادرة الدرزية ومنظمات الأكاديميين والتجار، من بين ما نشأ من أطر كثيرة قضّت مضاجع حكام اسرائيل ولن يتسع المقام هنا للتوقف عندها على أهميتها.
كانت الساحة الطلابية وما يجري عليها حاضرة في وجدان شعبنا، يرصدها ويتفاعل معها كلما عمقت حركتنا الطلابية تفاعلها مع هموم الشعب وقضايا الناس ومعاركهم في كل بلدة وكل حي وكل منطقة.
كنا مجموعة من مؤسسي الحركة الطلابية، القطرية والاتحاد القطري للطلاب العرب في الجامعات الاسرائيلية، لم نكن ننتمي في هذه المرحلة، الى الحزب الشيوعي، ولكننا كنا ننتمي الى مدرسته الفكرية والسياسية، ونسبح في مياهه الاقليمية، لأنها كانت المياه الطاغية على مشهد المواجهة الوطنية والتقدمية السياسية والاجتماعية مع سلطة الاضطهاد العنصري والقهر القومي وعكاكيزها بين ظهرانينا. أخذت بدايات تيار يساري واعٍ وواعد، تتبلور على الساحة الجامعية بين الطلاب العرب وفي النضال العربي اليهودي التقدمي، دفعته الممارسة والمتابعة والتجربة والخطأ الى الاقتراب أكثر وأكثر من الحزب الشيوعي والجبهة، لتصبح منظمة الحزب والجبهة الطلابية لاحقا، التيار الأكبر الذي قاد الحركة الطلابية القطرية والمحلية منذ تأسيسها وصاغ أسسها وأسّس لفكرها السياسي وثوابتها الكفاحية.
تبلورت الحركة الطلابية العربية وسط صراع فكري وتنظيمي ومطلبي. كان علينا في مراحل التأسيس أن نخوض معركة صعبة على الوعي، وكان علينا ان ندحر بالأساس تيارا توهم وحاول أن يوهم، أن مستقبل الطلاب العرب وجماهيرنا عامة مرهون برضا سلطات القهر القومي والزهود عن النشاط السياسي والطلابي، تيارا لم يتخلص بعد من عقلية الخوف ومن رهبة الحكم العسكري وعقلية مجاراة السياسة الرسمية، ومشاريع التدجين، و"امش الحيط الحيط وقول يا رب السترة"، وتمنينا على مجرد أننا نمارس حقنا في التعلم، ومحاولات إغراء الطلاب بالمنح الزهيدة المقدمة من القسم العربي في الهستدروت، في محاولة لهزم مشروع تنظيم الحركة الطلابية ووأده في المهد، ودفع الطلاب الى الانفضاض عن لجان الطلاب العرب واتحادهم القطري.
وكان علينا أن نواجه بالمقابل خطابا مثاليا منزوعا عن الواقع يستعيض عن الحسابات السياسية الواقعية المتعقلة التي يستطيع جمهور الطلاب ان يحملها ويتحملها ويسير من خلفها، بالشعارات القومجية الرنانة والمتهورة، "وما عاد ينفع إلا المدفع "، يستعيض عن تحشيد الطاقات الكفاحية الطلابية وبناء آلياتها الفعالة بعقلية المغامرة التي تساعد السلطة اكثر مما تساعد النضال. (وهو موضوع يخضع لرصد وتحليل شامل قريب لا تتسع له هذه العجالة )
كانت المعارك على الوعي وعلى قيادة الحركة الطلابية وتنظيمها وعلى صياغة مفاهيمها تحتدم.. ويزداد وزنها على الساحة الوطنية والشعبية.
وتحولت الجامعات الى ميدان فرز سياسي، والانتخابات لهيئات حركتنا الطلابية الى ساحة مواجهة فكرية وسياسية عارمة تلفت الانظار وتشغل الناس في طول البلاد وعرضها.. تؤثر على ساحتنا الوطنية وتتأثر بما يحدث عليها، تفعل وتتفاعل.
ومع بداية كل عام دراسي كانت الساحة الطلابية تتحول الى ورشة تعج بالحراك والنشاط والتجنيد ودمج الطلاب الجدد بالحركة الطلابية الناشئة... نعمل ونتنافس على جذبهم وعلى وعيهم وعلى ميولهم وانتماءاتهم السياسية.
كان الطلاب القادمون الى الجامعات من كفرياسيف ومنطقتها، فوجا بعد آخر أكثر انخراطا في النشاط الطلابي، تلتف غالبيتهم الساحقة حول الموقف التقدمي والوطني الذي تبلور لاحقا في الجبهة الطلابية والمنظمات الشيوعية في الجامعات.. اذا سألت أحدهم أو إحداهن عن إلمامه او إلمامها بما يحدث على الساحة الطلابية أو حاولت أن تتحسس وجهة مواقفه وخياراته السياسية، يقول لك بكبرياء: أنا ترباية نمر مرقس..
لقد بقيت هذه الأجوبة عالقة في ذهني لسنوات طويلة تلهب خيالي، كنت خلالها كلما جمعتني المعارك بنمر مرقس أكثر، وقربتني من شخصيته السلسة الحبيبة المتواضعة، أحاول أن أفهم سر قائد مواصفاته منثورة كزهرة "منثور" متفتحة بين أجيال من الشباب الثوري كما ينثر كاهن بوذي رماد فيلسوف هندي في النهر العظيم..
تنتصب أمام مخيلتي الآن أرتال من طلاب كفر ياسيف الذين مروا من الساحة الطلابية الكفاحية ومن قيادات الشبيبة الشيوعية والنضال الشعبي الوطني والأممي التقدمي.. وأحاول ان استخلص: ماذا فيهم من نمر مرقس، ما الذي كان يجعل عيونهم تبرق وهم يقولون باعتزاز: "أنا ترباية نمر مرقس" لا فرق كم إن كان ذلك حقيقة أو ادعاء.
هل هو الرغبة في التمثّل بقوة الحجة والثقة بصدق الطريق؟ هل هو عمق الموقف والشجاعة في الطرح والقدرة على بناء أطر الوحدة الكفاحية الواعية التي تدفع النضال الى مرحلة أعلى؟ أم هي البساطة والوضوح والمباشرة في قراءة الواقع من أجل تغييره؟ أم أنه الحزم في جدل الفكر والتنظيم ومقت الانتهازية وفضح الانتهازيين ومواجهتهم؟ أم هو العطاء والتواضع والاستقامة الفكرية التي بها تقاس المواقف؟ أم أنها قدرة نمر مرقس على إزالة المسافة تماما بين الموقف وبين ممارسته، وبين النظرية الكبيرة وبين تطبيقها. بين القدرة على التعامل مع الهموم والنضالات اليومية الطبقية والوطنية والمطلبية الصغيرة والكبيرة، بمنظار النظرية الشاملة ومن منطلقاتها، والقدرة على إثراء فهمه للنظرية الكبيرة من خلال التجربة الكفاحية اليومية والنضالات العينية التي تمد النظرية بالقدرة على التطور والحياة. أم أنها كل هذا معاً؟
إنها المعركة على الوعي واشراك الناس في النضال السياسي وتثوير الجماهير الشعبية ونقلها من نفسية الضحية الى نفسية المواجهة والرأس المرفوع، وتأسيس مدرسة أولى للمقاومة الشعبية علمت الأجيال من الباقين في وطنهم أن الكف قادرة على ملاطمة المخرز، وقادرة على لي عنق مخرز القهر والتمييز، بالموقف الثوري الصحيح والوحدة الكفاحية دون غيرها من أشكال الوحدة.
فلا غرابة عندها، أن صار وجه الحزب كوجه الشعب، وصار وجه الشعب كوجه الحزب، وصار وجه الناس ووجه الحزب كوجه نمر مرقس ورفاق دربه.. فنحن أيضاً "ترباية نمر مرقس"..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة