الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كامل الجادرجي والشيوعية

سيف عدنان ارحيم القيسي

2018 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



في الاول من شباط 2018،مرت خمسون عاماً على وفاة الجادرجي،كتب الكثير عن السياسي العراق كامل الجادرجي عن دوره السياسي والشخصي وعن جوانب اخرى سجلت في سفر الباحثين،في حين هناك جانب مهم يستوقف الباحث للتأمل به،وهو موقف الجادرجي من الشيوعية التي برزت هي الاخرى مع ولوج جماعة الأهالي التيار الديمقراطي الذي برز في ثلاثينيات القرن العشرين وكان الجادرجي احد اقطابه.
ان فكر الجادرجي بعيد الى حد كبير عن الشيوعية كتنظيم،ولكنه تقبل الأفكار الاخرى التي يعتنقها خصومه من السياسيين وجعلته يؤمن بكل فكر يؤمن به معتنقه،وهذا يعود الى الانفتاح الى مثلته جماعة الاهالي التي ضمت تحت جناحيها شخوص ذوي خلفيات متعددة منهم رجل الدين الذي كان احد اقطابه جعفر ابو التمن،هناك من حمل الاشتراكية شعاراً له مثله عبدالفتاح ابراهيم،وهناك من تبنى الفكر الشيوعي كعبدالقادر اسماعيل البستاني،الذي حمل مبادئ حزبه ليبشر به من خلال جماعة الاهالي،في ظل هذه الأجواء تكاملت الى حد ما شخصية الجادرجي السياسية التي أسهمت في انفتاح الجادرجي وتقبله للأخر دون أن يضع خطوط حمر حولهم.
وحتى مساهمة الجادرجي وزيراً للاقتصاد والمواصلات في وزارة حكمت سليمان الانقلابية 1936 وهو مؤمن بان الانقلابات العسكرية هي عكس المسار الذي يؤمن به الجادرجي نفسه،ومن ثم انقلاب حكمت سليمان احد اقطاب الاهالي على جماعته بعد ان ابتعد كثيراً عن مفاهيم جماعة الاهالي الاصلاحية،وبدأ يميل لكفة بكر صدقي قائد انقلاب 1936،ليقدم الجادرجي استقالته اسوة بزملائه الثلاث بعد ان بدأت توجه لهم تهمة الشيوعية دون ان يعلن براءته منها.
وحتى في ظل اجازة حزبه الوطني الديمقراطي في عام 1946،وجد بعض الشيوعيين ضالتهم في حزب الجادرجي بعد ن رفضت وزارة الداخلية اجازة حزب التحرر الوطني الذي مثل الشيوعيين،لأنهم وجدوا في الحزب الوطني الديمقراطي نوع من الحرية الفكرية دون غيره من الاحزاب.
وبدخول عناصر شيوعية الى الحزب الوطني الديمقراطي قد دفع الحكومة والعناصر المناوئة للشيوعية ان توجه نقدها للحزب الوطني الديمقراطي بأنه حزب شيوعي،وهذا ما دفع الجادرجي ان يدعو قيادة الحزب ان تتبنى فلسفة محددة للحزب كي تعطي جواباً شافياً لكل من يثير تسأول حول فلسفة الحزب.
بالرغم منه اعطى جواباً لهذا التسأول فقال"يمكن ان نعطي جواباً للآخرين من خلال صحيفة الاهالي التي تمكنت ان تشق لها طريقاً فكرياً عن الطريق الفكري الشيوعي،يعتمد على الديمقراطية كأساس وعلى الاشتراكية بقدر ما تعطي من حلول اقتصادية واجتماعية لمشاكل العراق.
فهو بين "أننا لاشك تقدميون ولكن للتقدمية مفهوم واسع يجمع الشيوعيين والاشتراكيين والديمقراطيين والراديكاليين واليساريين،ولكن نحن غير شيوعيين".
وهو من جانب اخر ندد بالإعدامات التي طالت قيادة الحزب الشيوعي العراقي في 1949 دون ان يسميهم"ان الفئة الحاكمة تطرفت في مكافحة الشيوعية بالإحكام الصارمة على الشيوعيين حتى ان حكم الاعدام قد علمت كان خلافاً لرأي الانكليز".
وبين الصعوبات التي تعترض نشاط الحزب الشيوعي العراقي"ان موقف الحزب الشيوعي العدائي حيال الانكليز ما دام موقف الاتحاد السوفيتي من بريطانيا غير ودي في الوقت الحاضر وما دامت الاحزاب الشيوعية في العالم تقف هذا الموقف من انكلترا ايضاً،ولذلك اعتقد بأن مجال العمل سواء للشيوعيين او اتباعم التي يعتقد الانكليز انها متطرفة في آرائها أو متأثرة بسياسة الاتحاد السوفيتي الخارجية سيبقى ضيقاً الى أبعد حد ما دام النفوذ البريطاني في البلاد هو الكل في الكل،وما يساعدهم على عدم فسح المجال للشيوعيين هو موقف الحكومة المؤيد للبريطانيين.
ومن طريف ما يذكره الجادرجي انه في 22-12-1949 زاره زكي قدري شقيق تحسين قدري رئيس التشريفات في البلاط الملكي،وسأله الجادرجي عن قصد الفئة الحاكمة من الميول اليسارية التي اعتنقها فهل يظنون انني شيوعي؟؟،قال زكي قدري لا يظنون ذلك في طبيعة الأمر وانما اذا تكلم احدهم في هذا الموضوع يتكلم من باب الدعاية المضادة ليس الا،انهم يريدون ميولاً يسارية لينه،ولما كانوا يعتقدون بك الصلابة فأن الميول اليسارية التي تحملها وان لم تكن شيوعية غير انها ليست من النوع المرغوب فيه,وقبل ان ينهي زيارته تبين ما كان يريد ان يقوله وهو بيت القصيد.
ان وقوف الجادرجي موقف التباعد عن كل ما يدعو الى كلمة شيوعية عن حزبه هي محاولة النأي بحزبه من الغلق والملاحقة التي كانت حجة تتذرع بها الحكومات العراقية،فعندما بدأت حركة انصار السلام تاخذ طريقها في بداية عام 1950 والتي تبناها الحزب الشيوعي العراقي ،كان الجادرجي من اول الموقعين على نداء استوكهولم لتحريم الحرب دون ان يذكر على صفحات جريدة الاهالي اسماء العراقيين الموقعين على بيان السلام،وهذا ما سبب خلافات داخل الحزب الوطني الديمقراطي واستقالات في صفوفه،فرد الجادرجي على هؤلاء"أننا جميعاً من أنصار السلام ومن أشد الناس تحمساً لتحريم السلاح الذري،وعندما وجه الي نداء استوكهولم وقعت عليه بدون تردد وأرسلته حالاً،وقلت لكل عضو الحرية للتوقيع على البيان دون الحزب".
ان موقف الجادرجي والنأي بنفسه وحزبه عن الشيوعية هو بسبب موقف الحكومة التي تحارب كل فئة تقدمية وتحاول ان تصبغها بالشيوعية والإعمال الاستفزازية تساعد على ذلك كثيراً،وإذا كان حزبنا قد تمكن من أن يصمد حتى الان ولم يزال في الوجود وبالرغم من تقدميته التي لا تشوبها أية شائبة وبالرغم من مناوئته للاستعمار بصورة مستمرة فهذا يعود الى استقلالية الحزب في اعماله واتجاهاته عن الشيوعيين واتجاهاتهم.فوجود حزبنا في هذه الظروف يعتبر ثروة وطنية لا تقدر بثمن.
بقى الجادرجي قريباً من القوى السياسية ومن الحزب الشيوعي العراقي،التي تكللت في انتفاضة تشرين الثاني 1952 عندما رفع الشيوعيين شعار اسقاط الحكومة وتشكيل حكومة يكون كامل الجادرجي رئيساً لها وحمل عزيز الشيخ رسالة من سكرتير الحزب الشيوعي بهاءالدين نوري وابلغه انه موفد من قبل الحزب ليبلغه بأن الجماهير الثائرة في الشارع تطالب بإسناد رئاسة الوزراء اليه ونحن الشيوعيين ندعم هذا المطلب وندعمه،ولم يعلق الجادرجي بشيء ولكن رئيس تحرير جريدة الاهالي عبدالله عباس علق على رأي الجادرجي ينبغي ان يكون لرئيس الوزراء رأيه في اختيار وزرائه لا أن يفرضوا عليه،وأرسل اليه الحزب فيما بعد الضابط غضبان السعد مبيناً له انه همزة الوصل بين الحزب الشيوعي وبقية الاحزاب الاخرى وطالبه بضرورة توحيد المواقف تجاه النظام الملكي.
وبعد اخفاق انتفاضة تشرين الثاني تم اعتقال المشاركين في انتفاضة تشرين الثاني ومنهم كامل الجادرجي،ويذكر ان عزيز الشيخ التقى بالجادرجي في معتقل ابو غريب وسأله الجادرجي"هل افلحت السلطة في اعتقال قيادتكم،اجابه الشيخ كلا لم تفلح قيادتنا في خير،رد الجادرجي هذا مبعث سروري وسنخرج جميعاً من السجن ما دامت قيادتكم سالمة".
ولم تنقطع لقاءات الشيوعيين بالجادرجي فكان هناك لقاء يعود الى عام 1954 بسبب سياسة وزارة نوري السعيد التي عرفت بمراسيمها"الارهابية"،عندما زاره ثابت حبيب العاني والدكتور صفاء الحافظ.فيذكر ثابت حبيب العاني ان لقاءه بالجادرجي كان من امتع اللقاءات فقد رحب بنا الجادرجي بحرارة وبينا له ضرورة التعامل سوية فقال لهم الجادرجي ان نوري السعيد لن يعطينا الحرية بل سيذبحنا،وهذا ما دفع صفاء الحافظ ان يرد على الجادرجي بشيء من الانتقاد قائلاً له الم تقل انت في انتخابات 1954 مخاطباً الناس انت برلمان الشعب.
وفي عام 1955 زار وفد اخر مثل الحزب الشيوعي العراقي محاولين هذه المرة الدعوة لتوحيد الصفوف لاقامة جبهة وطنية تضم الاحزاب السياسية لمواجهة حلف بغداد،ويذكر ثابت حبيب العاني انه عندما التقى بنا قال حدثنا بشيء من الطرافة قال لنا يجب ان نصفي الخلافات بيننا قبل بدء الحوار،قلت له مع من قال مع الحزب(يقصد الحزب الشيوعي)،قلت اية حزب تعني فقال معكم وضحك معنا.
وبين الجادرجي بلقاءه مع وفد الحزب الشيوعي العراقي عن توحيد الجهود السياسية لتوحيد القوى السياسية"انه لا توجد بصفة عامة رغبة قوية بالاشتغال في القضايا العامة التي تتصف بالانتهازية،فبين لهم ان وحدة العناصر اليسارية والوطنية والمستقلة وغيرها غير مستحيلة فيما اذا تخلت بعض العناصر اليسارية عن فكرة تزعم الغير واستقرت على منهج معين غير استفزازي وسارت على خطة ثابتة لمدة طويلة والتزمت التزاماً كاملاً بذلك،وان هذه النقطة كانت اثر حاسم لجلب الشيوعيين للجبهة.
ومهما يكن من امر ان الجاردجي لم يقف موقف معارض من الشيوعية كمبدأ وتنظيم وما يؤكد ذلك انه لم يعارض على انتماء ابنه نصير الجادرجي الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي عام 1955 عندما يذكر نصير ذلك"لم اخبر الوالد بانتمائي في حينه لكنه قدر ذلك من خلال حسه السياسي".
وفي الوقت ذاته لم يعارض من زواج ابنه البكر رفعت من الناشطة الشيوعية بلقيس شرارة وهو ما تؤكده شرارة فتقول"دخلت بيت الجادرجي وانا فتاة غريبة في محيطه تؤمن بالمفاهيم اليسارية حكم على والدها بالسجن.فتاة يعود اصلها الى بلد آخر غير العراق،وطائفته دينية غير طائفته،فتاة ليست بالثرية،فكان الجادرجي لا تهمه مثل هذه الاعتبارات وكان ما يقلقه شيء واحد فقط استمراري في الانخراط السياسي الذي قد يخلق له مشاكل هو في غنى عنها،وقد تتبدد قلقه بعد ان اخبرته باعتزال السياسة".
بقى الجادرجي قريباً من الشيوعيين ولم يكون هناك تباعد في بعض المواقف العامة طيلة سنوات عمله السياسي،ووصف الحزب الشيوعي العراقي ومن خلال صحيفته طريق الشعب السرية في برقية نعى فيها الجادرجي ووصف وفاته بأنها"خسارة للحركة الوطنية في العراق".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح