الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف الحزب الشيوعي العراقي من إسقاط الجنسية عن يهود العراق

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2018 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


موقف الحزب الشيوعي العراقي من إسقاط الجنسية عن يهود العراق
نبيل عبد الأمير الربيعي
جرت أحداث داخلية كثيرة في العراق كان للحزب الشيوعي مواقف ووجهات نظر مختلفة تجاهها, ومن تلك الأحداث مسألة إسقاط الجنسية عن يهود العراق وفسح المجال أمام هجرتهم إلى فلسطين, فمن المعروف أن اليهود شكلوا واحداً من النسيج العراقي ولهم مساهماتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية للعراق(1).
ومنذُ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في آب 1921م شاركوا في المجلس التأسيسي العراقي وحدد القانون الأساسي عام 1925م أربعة أعضاء منهم في مجلس النواب الذي كان عدد اعضائه (ثمانية وثمانين) عضواً, وواحداً في مجلس الأعيان من عدد أعضاءه البالغ (عشرين) عضواً, ارتفع هذا العدد إلى ستة نواب عام 1946م, كما ساهموا في عدد من الحقائب الوزارية(2).
وبتخطيط منظم ساهمت الدائرة البريطانية وبعض المسؤولين العراقيين عقب إعلان تقسيم فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل ولتحفيز اليهود على الهجرة, ومما يجدر ذكره أن بن غوريون قال سنة 1949م "أن هدفنا في بدايته يقوم على جلب اليهود إلى إسرائيل, نطلب من الآباء مساعدتنا بإحضار أبنائهم إلى هنا, فلو رفضوا المساعدة فنحن سنحضر الشباب إلى إسرائيل(3).
وبمشورة بريطانية افسحت الحكومة العراقية المجال لهجرة من يشاء من يهود العراق إلى فلسطين, على الرغم مما يسببه مثل هذا العمل في تقوية إسرائيل من جهة وارباك الاسواق التجارية التي يهيمن عليها اليهود في العراق من جهة ثانية, فقد كانت الهيمنة اليهودية على الاقتصاد العراقي نافذة منذ عام 1948م على سبيل المثال كانت 20% من واردات العراق بيد اليهود, و5% من عقود العراق بيدهم, و2% من الصادرات بيدهم(4).
وهذا ما جرى إبان وزارة توفيق السويدي الثالثة, ضمن مشروع قانون قدم إلى مجلس النواب في الثاني من آذار 1950, نص القانون في المادة الأولى "لمجلس الوزراء أن يقرر إسقاط الجنسية العراقية عن اليهودي العراقي الذي يرغب باختيار منهُ ترك العراق نهائياً بعد توقيعه على استمارة خاصة أمام الموظف الذي يعينه وزير الداخلية", وصدر القانون بعد إطلاع صالح جبر وزير الداخلية أركان السفارة البريطانية عليه(5), ولم ينته عام 1950م حتى سجل (90) الف يهودي اسمائهم لمغادرة العراق وسمح لكل واحد أن يأخذ معه (50) ديناراً, ونقلتهم إلى داخل إسرائيل شركة نقل جوية امريكية بالاتفاق مع الوكالة اليهودية(6).
أيد سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بهاء الدين نوري في بادئ الأمر قرار الحكومة العراقية, إذ يشير في مذكراته حرفياً :"اتخذت بصفتي سكرتيراً للحزب موقف التأييد لإطلاق حرية الهجرة لليهود العراقيين منطلقاً في ذلك من حقيقة أنهم مضطهدون في العراق, وان حرية الهجرة قد تكون طريقاً لتحررهم من هذا الاضطهاد فضلاً على أنه من حق الانسان أن يعيش حيثما يرغب وبعد مدة غيرت موقفي هذا وأدنت القانون الصادر عن حكام بغداد باعتباره تواطؤاً مع الاستعمار والصهيونية"(7).
فقد عارض الحزب الشيوعي العراقي ذلك القانون, وكتبت جريدة (القاعدة) :"إن اصدار لائحة إسقاط الجنسية عن اليهود العراقيين لبث روح الكراهية وتفرقة الصفوف وإثارة النعرات الطائفية, وإن هذه اللائحة الجديدة تساعد اليهود العراقيين على مغادرة البلاد وتعود اسبابها إلى اتفاق مسبق ومساومات بين الاستعمار الانكلو- امريكي على اقتسام أرض فلسطين وضم القسم العربي منها إلى مستعمرة الاردن وتثبيت السيطرة عليها من إسرائيل(8).
وعبرَّ أحد قياديي الحزب الشيوعي عن رأيه بذلك القرار وعملية نقل اليهود بأنها جرت بالتواطؤ مع الاستعمار من أجل تقوية دولة إسرائيل, واعتبرها تلبية واضحة لطلب بن غوريون بالمسارعة إلى حشد أكبر عدد من يهود العالم في إسرائيل(9).
كما أن معظم من هاجر كان من المثقفين والشباب والمهنيين والأطباء والمحامين وكانوا قوة بشرية وطاقة علمية لخدمة إسرائيل(10).
لكن بيان الحزب اعتبر قانون إسقاط الجنسية تكريساً للكراهية والأحقاد, كما هاجم التنسيق الانكلو – امريكي بالتعاون مع الحكومة العراقية لتقسيم فلسطين وتقوية إسرائيل, ومما تجدر الإشارة إليه أن الحزب الشيوعي العراقي وقف موقفاً مناهضاً من الحركة الصهيونية, وتكفي الإشارة إلى أن أحد قيادتها نشر كتاباً بعنوان كفاحنا ضد الصهيونية(11).
كانت للحزب الشيوعي العراقي مواقف وآراء إزاء العديد من القضايا العربية والدولية وكان من بين أبرز القضايا قضية فلسطين, واللافت للنظر أن ذلك الموقف يتناقض مع توجهات الشعب العربي في كل أقطاره, ففي مقال لجريدة القاعدة دعا الحزب الشيوعي العراقي إلى الصلح مع إسرائيل وأكد محبته للشعب اليهودي الشقيق وأبدى أسفه للظروف غير الاعتيادية التي تمنع تلاقي الاشقاء, وتطرق إلى أمر لا يمت إلى الشعب العربي بصلة عندما أشار إلى "أن شعوبنا العربية تكن للشعب الإسرائيلي الشقيق أخلص الاحترام والأخوة الصادقة, أما الظروف غير الاعتيادية الموجودة في الوقت الحاضر فهي ليست تعبيراً عن وجهة نظر واتجاه الشعوب العربية وشعب إسرائيل, ولهذا فإن الشعوب العربية تناضل ببسالة جنباً إلى جنب مع الشعب الإسرائيلي لإعادة العلاقات الأخوية الصادقة(12).
وفي ضوء منطلقات وفكر الحزب الشيوعي العراقي فإنه ربط قضية فلسطين واطماع المستعمرين عندما عدَّ أن الغاية الأساسية لإبعاد القضية الفلسطينية, هو أن تتخذ الدول الاستعمارية من هذه القضية "قميص عثمان" ولتكون ذريعة لضرب الحركات الوطنية التحررية وتصفية الحريات الديمقراطية وفرض مشاريعهم العدوانية على الشعوب العربية والنيل بهدف تقييدها(13).
إن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي أصبح جزءاً لا يتجزأ من تاريخ العراق وتراثه, شأنه شأن العديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية التي راجت وماجت فوق ترابه الوطني, ولنستفيد في المستقبل من تجارب الماضي ونبني وطناً قوياً.

المصادر
1- سيف عدنان ارحيم القيسي. الحزب الشيوعي العراقي من إعدام فهد حتى ثورة 14 تموز 1958م. دمشق. دار الحصاد. ط1. 2012. ص87.
2- جعفر عباس حميدي. التطورات السياسية في العراق 1941- 1953. مطبعة النعمان. النجف.ط1. 1976. ص626/627؛ سيف عدنان ارحيم القيسي. الحزب الشيوعي العراقي من إعدام فهد. مصدر سابق. ص87.
3- صادق حسن السوداني. النشاط الصهيوني في العراق 1914- 1952. دار الشؤون الثقافية. بغداد. 1980. ص147/182.
4- صادق حسن السوداني. النشاط الصهيوني في العراق. مصدر سابق. ص25.
5- عبد الرزاق الحسني. تاريخ الوزارات العراقية. عشرة اجزاء. دار الشؤون الثقافية. بغداد.1988. ج8. ص156.
6- ستيفن همسلي لونكريك. العراق الحديث من 1900- 1950. ترجمة سليم طه التكريتي. جزآن. الفجر للنشر. ج2. بغداد. 1988. ص590.
7- بهاء الدين نوري. مذكرات بهاء الدين نوري. مطبعة جامعة صلاح الدين. السليمانية. ط1. 1995 . ص91.
8- جريدة القاعدة. العدد 2. السنة الثامنة. آذار 1950. ص1؛ سيف عدنان ارحيم القيسي. الحزب الشيوعي العراقي. مصدر سابق. ص89.
9- عبد الرزاق الصافي. كفاحنا ضد الصهيونية. منشورات طريق الشعب. بغداد. 1977. ص50.
10- محمد حسن سلمان. صفحات من حياة محمد حسن سلمان. الدار العربية للموسوعات. بيروت. 1985.ط1. ص246.
11- سيف عدنان ارحيم القيسي. الحزب الشيوعي العراقي. مصدر سابق. ص90.
12- سيف عدنان ارحيم القيسي. الحزب الشيوعي العراقي. مصدر سابق. ص161/162؛ جريدة القاعدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي. العدد 9. تشرين الأول 1953؛ فكرت نامق عبد الفتاح. سياسة العراق الخارجية في المنطقة العربية 1953- 1958. دار الرشيد. بغداد. 1981. ص189.
13- فائق بطي. صحافة الحزب وتاريخ الحركة الوطنية. مطبعة الاديب. بغداد. د. ت. ص147.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لمن يحب العراق؟
سيلوس العراقي ( 2018 / 2 / 5 - 18:53 )
العراق لا يحب من يخدمه ويحبه ويطوره
العراق يحب من ينهبه ويسرقه
ولا مستقبل لمن يحب خدمة العراق في العراق
ويبدو ان الحكم القائم اليوم هو الملائم تماما للعراق

اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل