الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة انعدام الثقة بين المكونات والحكومات المختلفة في الدول الفيدرالية

نجم الدين رشيد خورشيد
(Najmadeen Rashid Khorsheed)

2018 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


طبيعة المشاكل في العراق وبالاخص بين الاقليم والحكومة الفيدرالية تكمن في غياب الثقة بين هاتين الحكومتين، والتي هي نتيجة طبيعية لانعدام الثقة بين النخب السياسية ومكوناتها المختلفة. "الثقة في الانظمة الاتحادية تدل على الاعتماد والثقة التي يفترض وجودها بين الاطراف والحكومات المختلفة في شراكة فيدرالية. بعبارة أخرى، اعتماد الاطراف والحكومات على سلامة بعضهم البعض والالتزام العام للحفاظ على الشراكة. الثقة الاتحادية لا تعني اتخاذ مواقف مشتركة والإجماع في كل صغير وكبيرة. بل على العكس من ذلك، فإنه يفترض عدم وجود توافق واضح في الآراء حول قضايا معينة، ولكن في نفس الوقت يوجد هنالك شعور بالثقة بين الشركاء الاتحاديين على أنهم سيعملون جميعهم معاً بحسن نية.
غياب الثقة قد يقود الجهات السياسية الفاعلة والحكومات المختلفة إلى السعي إلى عقد اتفاقيات قانونية بشأن تقسيم السلطات والمسؤوليات وحل الخلافات في المواضيع العالقة. ولكن مرة اخرى يصعب التوصل إلى اتفاق من هذا القبيل في إطار يتسم بعدم وجود الثقة المتبادلة. في ظل غياب الثقة، وفي ظل وجود دستور يتسم بالغموض والتداخل بين مواده المتعارضة او التي تحمل اكثر من تفسير، يظهر صراعات أخرى في مجالات مختلفة أخرى. وبالتالي تتحول المناطق الرمادية سابقاً الى قضايا مختلف عليها في حد ذاتها مرة اخرى بحيث تتحدى الحلول الواضحة. كيفية إعادة الثقة ربما تبدأ بمصالحة حقيقية شاملة بين جميع المكونات. مصالحة من خلال المفاوضات والنقاشات الصريحة بين النخب السياسية والقيادات السياسية والاجتماعية الواعية للواقع الاجتماعي والسياسي في العراق. ففي النظام الاتحادي العراقي القائم على النموذج التوافقي بين النخب السياسية مع عدم وجود الدقة القانونية فيما يتعلق بتقسيم المسؤوليات والصلاحيات، البحث عن حلول خارج الاطر الدستورية تصبح ضرورة ملحة. حلول قد تكون من خلال منتديات، مؤتمرات، أو اجتماعات دورية سنوية او شهرية حسب الحاجة، لحل الخلافات القائمة بين تلك الحكومات. هذه الاليات غير الدستورية نجحت في الكثير من الدول الاتحادية، مثال على ذلك كندا. كندا كباقي الدول الفيدرالية الأخرى لم تكن بعيداً عن المشاكل بين الحكومات المختلفة داخل الاتحاد، وخصوصاُ بين حكومة مقاطعة كيبك والحكومة الفيدرالية. ولصعوبة تغيير الدستور بسبب جموده، كما هي عليه الحالة العراقية، لجأت النخب الكندية الى تأسيس منتديات فصلية، سنوية او نصف سنوية بحسب طبيعة الموضوع التي أسست له المنتدى، لحل الخلافات التي نتجت عن الغموض الدستوري او بسبب طبيعتها السياسية المعقدة. هذه المنتديات ساعدت على استمرار النظام الفيدرالي وتخطي العقبات التي اعترضتها وتعترضها كل يوم. فالحلول في الانظمة الفيدرالية القائمة على التوافقية بين النخب هي ليست حلول قطعية نهائية وإنما هي حلول توافقية تقوم على المساومات بين تلك النخب، بعيدا عن مفاهيم الاغلبية والأقلية.
حتى المحكمة الدستورية في الدول الاتحادية التي تتسم بالتعددية الإثنية والعرقية مثلا، تحاول أن تلعب دوراً توفيقياً وبالاخص في المسائل التي لها أبعاد سياسية. فمثلا في اعقاب الاستفتاء التي اجريت في مقاطعة كويبك في كندا، طلبت الحكومة الفيدرالية الكندية من المحكمة الاتحادية العليا رأيها القانوني بشأن شرعية الانفصال بموجب الدستور الكندي وبموجب القانون الدولي.
بناءً على ذلك الطلب، أصدرت المحكمة في 20 آب / أغسطس 1998 قرارها بشأن إعلان انفصال كيبيك من جانب واحد. وقد قرر القضاة التسعة للمحكمة بالاجماع فى حكمهم في 78 صفحة، ان كيبيك ليس لها الحق فى الانفصال من جانب واحد عن الاتحاد الكندي. ومع ذلك، ذهبت المحكمة إلى القول أنه إذا قرر المواطنون في كيوبك إعلان الاستقلال، فإن الحكومة الكندية ملزمة بالتفاوض على شروط الانفصال بحسن نية، شريطة أن الكوبيكييون يقرروا الانفصال استنادا إلى سؤال "واضح" للاستفتاء وأغلبية "واضحة".
بعد هذا القرار كلتا الحكومتين، الفيدرالية وحكومة مقاطعة كيوبك، اعلنتا ان هذا القرار صدر لصالحهم وأنه تأييد لرأيهم. الحكومة الفيدرالية فرحت بالقرار لكونه ترفض اي انفصال من جانب واحد، بينما حكومة كيبك فرحت لكون القرار يعطي الحق للمواطنين في كيبك في تقرير مصيرهم.
مع كل هذا، لم تستطع المحكمة البت في هذه المسألة بشكل قاطع، فقراها كانت قراراً توفيقياً أكثر مما هي قرار قطعي واضح للجميع. بل تركت امور اخرى دون ان تحددها مثلا الأغلبية المطلوبة وكيفية صياغة سؤال الاستفتاء، حقوق الاقليات الاخرى الموجود في كيبك، الحدود، الخ.
اذا، لابد من إيجاد سبل وآليات تعاونية أخرى خارج الاطر الدستورية والقانونية التقليدية، ثم بعد ذلك إذا ما تم التوصل الى اية اتفاقية بشأن خلاف ما، يمكن تحويلها بعد ذلك إلى السلطة التشريعية المختصة لإضفاء الطابع القانوني عليها بالشكل الذي يرضي جميع الاطراف ذات المصلحة. هذه الاليات هي ضرورة ملحة فيما يخص اغلب المسائل العالقة بين بغداد واربيل، كالنفط والغاز، المعابر والحدود، الميزانية المناطق المتنازعة عليها الخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم