الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يجب الفصل بين الدين والعلم ؟!

محمد عبد القوي

2018 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقول لنا السلفيون والفرانكو آراب أن الدين = العلم وأن كل الإكتشافات العلمية التي كانت والتي سوف تكون هي موجودة بالفعل في الدين، وبغض النظر علي أن هذه النظرة تنتج مجتمعاً متكاسلاً متخلِّفاً لا حاجة له لأن يبحث ويصوغ ويبتكر ويقتحم الآفاق لأن لديه بالفعل الحقائق كلها فلماذا يبحث إذن ؟! وبغض النظر أيضاً عن إظهار الدين وكأنه أدني من العلم في الرتبة، لدرجة أن العلم - أي البشر – هم المقياس المحدد لصواب الدين من عدمه – أي بمعني أدق، إهانة الدين – من دون قصد

بغض النظر عن كل ما سبق لأني تحدثت عنه تفصيلياً من قبل، لكني الآن أود أن أذكر نقطة هامة جداً كي نعرف لماذا يجب أن يتم الفصل التام بين العلم والدين، وأبدأ حديثي بتساؤل بسيط للغاية : إذا كان الدين = العلم، وإذا كان السلفيون والفرانكو آراب يستخدمون العلم لتأكيد الدين فهل يمكن عمل العكس ؟! أي إستخدام الدين لتأكيد العلم ؟! لنتأكد أن الإثنين فعلاً مساويان لبعضهما البعض ؟!
من هذا التساؤل البسيط الحاسم، يمكننا أن نجرِّب هذا الأمر ونحاول أن نستخدم نصوص الدين لنؤكد بها العلم لننظر إذن في ضوء محاولة تفسير القرءان الكريم لصالح العلم في ضوء الآية الكريمة مثلاً {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} وكذلك الآية الكريمة {فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} هنا عملية تحويل مباشر وفوري في الخلقة والخلق فهل ذلك صحيح علمياً ؟!
تلك العملية لم تعتمد التطور منهجاً لها ولا المنهج العلمي في التفكير من الأساس، وبالطبع لأن أهل ذلك الزمان ما كانوا يعرفون العلم، ما كان ليحدثهم بلسان نظرية التطور لأنه لم يكن لديهم مختبرات ولا ميكروسكوبات إلكترونية ولا مناهج علمية في البحث والتفكير ولا مراكز علمية متخصصة تصرف في بحوثها المليارات ولا مكتبات ضخمة تطبع آلاف الكتب يومياً ولا نظام بيئي سليم يوفِّر الظروف المناسبة للبحث والدرس، بل ولا يوجد أي شيء حضاري علي الإطلاق

إن أي كتاب ديني أصبح بعد إكتشاف المنهج العلمي في التفكير ليس مصدراً للمعرفة لأن طريقة التفكير إختلفت – المنهج نفسه إختلف حتي أن الإنسان قد إنتقل به - أي بهذا المنهج - إلي مرحلة ما بعد الهوموسيبيان أي إلي الإنسان السوبر الذي كان قد تنبأ به نيتشه - أي إلي إنسان يغيِّر المناخ من حر إلي برد ومن برد إلي حر ويضع قلوب الأموات في قلوب الأحياء ويحلِّق في الكون مخترقاً السموات والآفاق ...إلخ ...إلخ
أما الكتب الدينية فهي تخص إجابات ذلك الزمان ومعارف ذلك الزمان لأن أهل ذلك الزمان ما كانوا يعرفون الذرة والخلية والتطور والتليسكوب والصواريخ ...إلخ، وقد جاء الإسلام ليخاطبهم بلسانهم وعلى قدر عقولهم، لقد جاء ليقول لهم ما يعلمونه مسبقاً من أديان ومعارف متواترة، وكان طبيعياً أن يخاطبهم حسب إدراكهم الذي هو أقل بألف وأربعمائة عام من إدراكنا نحن الآن ومنهجنا نحن الآن، منهجنا الذي ينتج في عام واحد ما يعادل ما أنجزته الإنسانية كلها عبر تاريخها منذ وجدت على الأرض

سأسرد مثالاً يوضح جيداً ما أعنيه بالمنهج العلمي في التفكير الذي صار الإنسان به متفوقاً متسامياً، وبين المنهج الديني الذي هو شأن الإنسان فقط ولا علاقة له بالتقدم أو بالتأخر

إنك إذا قولت لأحد يسألك عن تكوين المياه، أن الماء يتكون من (أكسجين وهيدروجين) وقال لك (لست مصدقاً بذلك) فإنك ستذهب به إلي المعمل لتجري عملية تحليل كهربي للماء لينحل إلي عنصريه، وبالتالي تكون قد أثبت له أن الماء فعلاً يتكون من (أكسجين وهيدروجين) وحسمت هذا النقاش، لأن الموضوع هنا خضع للتجربة أي للعلم أي للمنهج العلمي في التفكير، أما إن كان الموضوع أساساً الذين تختلفون عليه لا يمكن أن يحسم لأي منكما أي لا يمكن أن يخضع للتجربة أي للعلم أي للمنهج العلمي في التفكير فإن حينها سيكون أي كلام من إحداكما هو مجرَّد رأي، مجرد وجهة نظر لن يتفق عليها أي طرف فيكم، لأن كل منكما لديه رأي ووجهة نظر يعتز بها ومتمسِّك بها

مما سبق يتضح لنا، خطأ جسيم مرَّ علي تاريخ المسلمين
في القرون الماضية، دارت صراعاتٌ رهيبة بين نخبة المسلمين حول موضوعات لا يمكن أن يتفق عليها أي طرفٍ فيهم، لهذا وصلت الصراعات الكلامية إلي حد القتال العنيف المرير الممزق لنياط القلوب
لقد تقاتل المسلمون فيما بينهم علي إختلافات وفروقٌ هائلة، لم ولن يتفق عليها أحد فكيف سنعرف أن (القرءان الكريم) قديم قدم الله تعالي أم هو مخلوق ومحدث من قبل الله ؟!، كيف سنعرف أن صفات الله هي عين الذات أم هي شيءٌ آخر غير الذات ؟!، كيف سنعرف أن الجنة والنار خلقتا وموجودتان أم لم تخلقا ولم توجدا بعد ؟! هل يستطيع أن يفعل أي من الطرفين مثلما فعلت أنت مثلاً في إثباتك علي أن الماء يتكون فعلاً من (أكسجين وهيدروجين) ؟!هل يستطيع أي من الطرفين أن يأخذ الطرف الآخر في رحلة للسموات ليريه هل الجنة والنار خلقتا أم لم تخلقا بعد، أو ليريه هل أن الصفات غير الذات أم هي والذات شيءٌ واحد ؟! هل يستطيع أحد أن يفعل ذلك ؟!

إن المسلمين الذين فرَّقوا وحدتهم ولم يعتصموا بحبل الله جميعاً وتقاتلوا وتخاصموا، كانوا لا يدركون أن منهج تفكيرهم خطأ، أن المنهج نفسه خطأ، كانوا لا يدركون أنهم يتقاتلون علي شيء، لم ولن يتم الإتفاق حوله، لأنه لا يقبل الإثبات أو النفي، بل هو غير مرئي أساساً، بل هو غيبٌ مطلق، لأنه منهج ديني – منهج إيماني للإنسان أن يؤمن به أو لا يؤمن - بعكس المنهج العلمي في التفكير الذي يحسم الأمر ويجعل أي إختلاف ينكمش ويتراجع وينهزم أمام الدليل المادي المباشر المشاهد

وللعودة لتساؤلنا البسيط الذي إنطلقنا منه، يمكننا أن نقول، أن هناك فرق هائل بين المنهج الإلهي والعقل الإلهي، وبين المنهج الإنساني والعقل الإنساني

كلام الله تعالي لا علاقة له بمنطقنا وعقلنا لأن الله له قدرة إلهية، ونحن قدرتنا بشرية – هو إله، ونحن بشر – هو قوي مهيمن، ونحن ضعفاء – هو متعالي علي الكون، ونحن متسقون مع الكون – هو له منهج تفكير، ونحن لنا منهج تفكير أيضاً، فعندما يقول الله أن هناك صخرة تلد ناقة أو أن هناك عصاة تشق البحار أو أن هناك نملة وهدهد يتكلمون أو أن هناك نبي يستطيع إحياء الموتي أو أن هناك كفيف يُشفي بكلمة أو إبادة الشعوب بصيحة أو أن هناك جن وملائكة وغيوب فلا غرابة مطلقاُ لكن طبقاً له لأنه إله قادر متعالي بينما كل هذا بالنسبة لنا غريب، لأنه لا علاقة له بعقلنا نحن - لأننا بشر، ضعفاء، متسقون مع الكون - أي لأن لنا منهج تفكير خاص بنا
لهذا - وفي النهاية - لابد من إتباع المنهج العلمي في التفكير أما المنهج الديني – المنهج الإلهي فهو للإيمان – أن تؤمن به – أن تصدِّقه – أن تضعه في قلبك وتمارسه في بيتك ومسجدك في أوقاته المعلومة المفروضة أو لا تؤمن فهذا شأنك الخاص - هذا شأن الإنسان وحده

إن ذلك هو التعامل الحقيقي الصحيح مع العلم والدين، وما ينبغي أن يكون حقاً وصدقاً حتي ترتقي مجتمعاتنا وتتقدم بلادنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مفهوم كلمة عالم
Amir Baky ( 2018 / 2 / 8 - 11:18 )
العالم فى المفهوم الدينى هو رجل الدين الذى يفهم فى كل العلوم الدينية و غير الدينية و الذى يستطيع بحركة واحدة جعل كل العلم الدنيوى موجود بالعلم الدينى. فرجل الدين كالحاوى الذى يسحر عقول المغفلين.
فى الغرب كلمة عالم أو علم غير مرتبط برجل الدين. فرجل الدين المعاصر هناك لا يقحم نفسة فى علوم الدنيا .
العلم مبنى على فكرة الشك و النظرية الإفتراضية و البحث عن إستددلالات للوصوا إلى النتائج. العقلية الشرقية و رجل الدين فى مجتمعنا دورة أخذ النتائج النهائية من علوم الغرب و سرقتها و نسبها للدين.
و فى النظريات التى تم البت فيها مثل كروية الأرض بيتم مهاجمة العلم الحديث لإثبات خزعبلات ثقافة بشرية قديمة على إنها الصحيحة. و هكذا للطب النبوى يسيرون على نفس النهج لو ثبت العلم عكس ما قاله النبى أو صحابتة او حتى رجال السلف فى الأمور العلمية.
لذلك الفجوة ستزيد يوما عن يوم بيننا و بين الغرب لأن برمجة العقول مختلفة

اخر الافلام

.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام


.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-




.. #shorts - 14-Al-Baqarah