الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكم البعث في أيامه الأولى

سهر العامري

2018 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لقد حملت المخابرات الغربية صدام حسين وأحمد حسن البكر لحكم العراق للمرة الثانية بعد نجاح انقلاب 17 تموز عام 1968م ، وذلك باعتراف عبد الرزاق النايف مدير المخابرات العسكرية ومنفذ الانقلاب ، فقد ذكر بمذكراته أن السفير البريطاني في بغداد هو من طلب ضم أجمد حسن البكر لانقلابه على حكم عبد الرحمن عارف ، والمؤكد أن المخابرات الغربية صارت على قناعة تامة بضرورة تبديل نظام عبد الرحمن عارف الضعيف بنظام أكثر بطشا وظلما ، وذلك بعد الانتخابات الطلابية التي جرت بموافقة حكومة عارف في الجامعات العراقية خاصة في جامعة بغداد حيث فاز الاتحاد العام لطلبة العراق فوزا ساحقا ، ذلك الفوز الذي سجل على أنه انتصار كبير للحزب الشيوعي العراقي ، فالاتحاد المذكور هو واحدة من منظمات الحزب الشيوعي العراقي المهنية ، ولازلت أذكر تصريحا لصدام حسين أدلى به غب ذلك الانقلاب بأيام قال فيه : لو كان الشيوعيون العراقيون قد تصدوا لانقلابنا هذا لقمعناهم بالطريقة التي قمعناهم بها في انقلابنا عام 1963م ، هذا مع العلم أن صدام يعلم علم اليقين أن قيادتهم عرضت على قيادة الحزب الشيوعي العراقي المشاركة في انقلاب 17 تموز عام 1968م قبل حدوثه ، وذلك من خلال لقاء جمع ممثل الحزب الشيوعي الدكتور مكرم جمال مع أحمد حسن البكر في بيت الأخير ، ولكن قيادة الحزب الشيوعي وقتها لم ترد عليهم لعلمها بوجود قرار سابق اتخذه الحزب الشيوعي يحرم التعاون مع حزب البعث بأية حال من الأحوال بسبب من المجازر الرهيبة التي ارتكبها البعثيون بحق الألوف من الشيوعيين العراقيين ومؤيديهم عام 1963م ، وكنت أنا واحد ممن زج بهم في السجن وعمري 14 سنة ، وحكم علي بالإعدام مع وقف التنفيذ لصغر سني ، وسبب الحكم ذاك هو أنني قمت بتوزيع نشرات تستنكر انقلاب البعث عام 1963م وقتل الزعيم عبد الكريم قاسم .
كان الدكتور مكرم جمال في زيارة لوزارة الصحة بعد ايام من نجاح انقلاب 17 ، وصدفة التقى بوزيرها عزة مصطفى ، فاصطحبه الوزير لمكتبه في الوزارة ، واتصل بالرئيس أحمد حسن البكر قائلا له : إن ممثل الحزب الشيوعي العراقي جالسا معي في مكتبي ، فطلب منه أحمد حسن البكر أن يصحبه الى القصر الجمهوري للقائه في الحال ، وبعد دقائق من وصولهما أعاد أحمد حسن البكر طلب التعاون بين الحزبين قائلا : لمكرم جمال لم نسمع ردا منكم ، فأجابه مكرم جمال قائلا : ماذا تريدون بعد ؟ كنت قد قابلتك في غرفة من بيتك ، والآن أقابلك في القصر الجمهوري.
ومع ذلك فقد اتخذ مجلس قيادة الثورة بقيادة أحمد حسن البكر رئيس الجمهوية بعض القرارات التي من شأنها التقريب بينهم ، وبين الحزب الشيوعي العراقي ، ومنها اطلاق سراح السجناء الشيوعيين ومناصريهم ، وغلق سجن نقرة السلمان الصحراوي البغيض ، وإعادة المفصولين السياسيين الى وظائفهم ، ثم الاعتراف بجمهورية المانيا الديمقراطية على الضد من مشروع مارشال* الأمريكي الذي يحرم الاعتراف بها .
في أحدى الليالي. وبينما كانا جالسين في دارنا في منطقة حسين داي من العاصمة الجزائر طرق الباب علينا من قبل بعض موظفي السفارة العراقية الذين حملوا لنا قرار مجلس قيادة الثورة الخاص بتأميم الثروة النفطية العراقية.
وبعد أيام على ذلك قابلني مسؤول البعثة التعليمة في الجزائر المدعو رافع التكريتي ، وسألني عن سبب وجودي في السفارة ، فقلت له إن السفير عبد الملك الياسين يرفض أن يعطيني رسالة الى السفارة التونسية من أجل الحصول على تأشيرة سفر للجمهورية التونسية . عاد وسألني : ماذا تعلم أنت بعد هذا الرفض ؟ قلت له : سأعتصم هنا بالسفارة ، فرد علي قائلا : اعتصم وسأعتصم أنا معك ! وحين عدت الى العراق صدر علي إلقاء قبض من قبل ناظم كزار مدير الأمن العام لكن مسؤول منظمة البعث في مدينتي صالح فنجان لم يسمح بتنفيذ أمر القاء القبض ، ولم يتعرض لي أحد بسوء ، وقد علمت فيما بعد بأن مسؤول منظمة حزب البعث لديه تعميم صادر من رئيس الجمهورية يحرم على جميع السلطات في العراق اعتقال أي شيوعي من شيوعي العراق.
هذا في الوقت الذي كان فيه صدام حسين نائب رئيس الجمهورية يقود جهازا أمنيا عرف بجهاز حنين الذي قام باغتال عدد من الناشطين السياسيين العراقيين منهم الشيوعي العراقي ستار خضير ، والشيوعي العراقي محمد الخضري ، وأمين حزب البعث فؤاد الركابي ، والضابط عبد الكريم نصرت وآخرين غيرهم . وصدام نفسه هو الذي أعدم رافع التكريتي مسؤول البعثة التعليمية العراقية في الجزائر بعد أن أصبح رافع سفيرا للعراق في تركيا ، وهو الذي قتل أعضاء عصابة جهاز حنين الذي كان يقودها ، ومن بين أعضاء هذه العصابة جبار كردي ، وعبد الوهاب الأعور ، كما أنه هو نفسه الذي أشرف على المجزرة التي ارتكبها بحق رفاقه في قاعة الخلد ، تلك المجزرة التي لم ينجُ منها الا واحد فر بجلده برا الى المملكة العربية السعودية ، ومنها الى سورية بمساعدة السفارة السورية في العاصمة الرياض ، وقد قابلت أنا هذا الرجل الطبيب بعيادته في ضاحية السيدة زينب من دمشق ، ويضاف الى ذلك اعدامه لناظم كزار مدير أمنهم العام ومجموعته ، ومنهم شخص كان طالبا معنا في المدرسة الابتدائية يدعى عبد حاشوش ، وناظم كزار هذا كان واحدا من عتاة مجرمي البعث ، وله تاريخ مشين في الاجرام ، فقد قام بإعدام أحد الشيوعيين العراقيين بعد انقلابهم في شباط عام 1963م ، وبطريقة بشعة تمثلت بوضع ذاك الرجل الشيوعي في تابوت ، ثم قام بنشر التابوت من وسطه بمنشار ، فنشطر التابوت الى شطرين ، مثلما انشطر الرجل معه.
حين صار ناظم كزار مديرا للأمن العامة أخذ يعذب المعارضين من العراقيين بنفسه في قصر النهاية * ، ذلك القصر الذي انتهت به حياة الكثير من العراقيين ، ويأتي في مقدمة هؤلاء الشيوعيون من أعضاء القيادة العامة ، جماعة عزيز الحاج ، ولكن بعض من قيادات البعث فتحت حوارا مع الجناح العسكري لتلك الجماعة ، ذلك الجناح الذي اتخذ من اهوار جنوب العراق مكانا رئيسا لعمله العسكري قبل محاولاتهم لنقل بعضا من هذا العمل الى أرياف الفرات الأوسط ، أو المدن العراقية . ويبدو لي أن ذاك الحوار قد نجح مع عناصر من هذا الجناح ، ففي أحد الأيام ، وبينما كنت أسير في منطقة الحيدرخانة من شارع الرشيد التقيت بمعلم درسني في الصف الرابع الابتدائي هو المعلم حسين ياسين الذي كان أحد قيادات ذلك التنظيم العسكري البارزين ، وبعد سلامي عليه ، وتعريفي بنفسي ، فقد فارقته طفلا ، وأنا الآن طالب في جامعة بغداد ، وكان أول سؤال طرحته عليه هو كيف يأمن على نفسه السير في شارع الرشيد في زمن المجرمين ناظم كزار مدير الأمن العام ، وصدام حسين رئيس جهاز المخابرات ( حنين ) ؟ رد هو علي قائلا : أتيت أنا من الأهوار لمقابلة عزيز الحاج ، والطلب منه بضرورة الانسحاب الى أهوار الجنوب ، فحكام البعث لن يرحموه إذا ما وقع بأيديهم ، ثم أضاف : وإذا لم ينسحب فنحن حل من عملنا المشترك ، وكل واحد يمشي في الطريق الذي يختاره .
كان حسين ياسين متزوجا من بنت عمه حسن ، وهي أخت صديقي طاهر حسن ، وقد تركها نتيجة لدخوله السجن في الأيام الأخيرة من حكم عبد الكريم قاسم عقب الحملة التي شنت على أعضاء الحزب الشيوعي ، ولكنه استطاع الفرار من سجن الحلة بعد أن كان هو واحدا من أبرز السجناء الذين قاموا بحفر نفق من ذلك السجن ، تخلص هو واخرون من هذا السجن عن طريق هذا النفق على أيام حكم الرئيس عبد الرحمن عارف ، وكنت أنا أعتقد أن حسين ياسين خلال تواجده في الأهوار كان يزور أسرة عمه سرا ، ويلتقي بزوجته ، ولكن حسين فاجأني حين سألته عن علاقته بزوجته فقال لي : كن على ثقة بأنه لا توجد شعرة في جسدي تميل لها ، أو تحبها ! وكان هدفي من سؤالي أنا هو معرفة ما إذا كان حسين ياسين يلتقي بطاهر ابن عمه ، والذي هو اخو زوجته ، فقد وصلت لي أخبار من أن صالح فنجان عضو شعبة في حزب البعث ، ومسؤول منظمة حزب البعث في مدينة الفهود ، هو من كان يفاوض عائلة حسين ياسين على تسليم حسين ياسين نفسه للسلطات الحكومية مقابل اسقاط جميع التهم المقامة ضده ، وكان صالح فنجان على علاقة بوزير الداخلية وقتها ، صالح مهدي عماش ، وقد تمت الاتفاق على أن يسلم حسين ياسين نفسه في بيت شريف محمد صالح مدير مدرسة الخزرجية الابتدائية التي كان حسين ياسين واحدا من المعلمين فيها، وانقل لدي طاهر حسن أجواء هذا التسليم الذي طغى عليه حرارة اللقاء ، وتساقط الدموع من عيون الجميع، وفي اليوم الثاني غادر صالح فنجان برفقة حسين ياسين مدينة الفهود في محافظة الناصرية الى بغداد ، واللقاء بالمسؤولين فيها .
كنت أنا على قناعة بعد لقائي بحسين ياسين في شارع الرشيد أن حسين سيترك العمل السياسي ، وأن ما سمعته من أخبار عن تحرك بعض قيادات البعث باتجاهه ، واعطاه وعودا بالعفو عنه ، هي أخبار صحيحة ظهرت نتائجها سريعا بعد سقوط عزيز الحاج بيد اجهزة امن حزب البعث ، وإلقاء القبض عليه وهو في بيت اخته بمنطقة الحارثية من بغداد ، وربما كنت أنا واحدا من بين قلة قليلة علمت باعتقال عزيز الحاج ساعة حدوثه، وكنت أنا في المرحلة الثالثة من كلية التربية جامعة بغداد ، فبعد وصول عزيز الحاج معتقلا الى مبني وزارة الدفاع العراقية الكائن في منطقة الميدان جاءني ابن عمي ناصر الذي كان يعمل في محطة لاسلكي الوزارة المذكورة ، وأخبرني بأن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على عزيز الحاج ، وأنه شاهده بعينه في وزارة الدفاع يحققون معه تحقيقا مصورا تلفزيونيا ، ولكنني كذبت ابن عمي ، بسبب من أن عزيز الحاج صار ثائرا عنيدا لا يمكن الوصول اليه بنظر الكثيرين ، ولكن ناصر عاد وقال لي : ستراه اليوم على شاشة التلفزيون الساعة السابعة مساءا ، وقد تحقق صدق ذلك ، فقد رأيت عزيز الحاج على تلك الشاشة منهارا تماما ، وكان يتناول السجارة بعد الأخرى مباشرة ، وهو شارد الفكر ، مكسور النفس .
________________________
* كشف لي صديقي باهر عبد الكريم من اهالي الديوانية واحد اعضاء الجناح العسكري لجماعة عزيز الحاج عن ظهره ، ورأيت آثار التعذيب عليه وهو التعذيب الذي قام به ناظم كزار بنفسه في قصر النهاية ، فقد كان ناظم كزار يغرز سجارته بظهر باهر بين فترة وأخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة