الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة من أعلى فى السعودية

رياض حسن محرم

2018 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


كثير من الثورات بدأت هكذا، بقرار من القيادة يتحول الواقع شيئا قشيئا الى تغيير جذرى أشبه بثورة، ربما حدث هذا سنة 1952 فى مصر، مع مثيلاتها فى مرّات عديدة، توجد فى السعودية "على ما يظهر" عملية مراجعة شاملة تحاول الإنتقال من دولة شبه قرطوسية الى نظام حديث يحقق مساواة المرأة بالرجل وتمكين الشباب والشفافية ومحاربة الفساد وإن كان المشوار ما زال فى بداياته.
يقيناً أن الأمير محمد بن سلمان لا يسعى إلى إضفاء الصبغة العلمانية على المملكة العربية السعودية، فحسب تصريحاته المعلنة فهو يريد تنقية الإسلام مما علق به من إرث وهابى شديد الوطأة، وإعادة الوجه السمح له " كما يعتقد" قبل سيطرة رجال الدين و "المطوعين"على المناهج التعليمية والفضاء العقائدى وفرض السلوكيات الصارمة على المجتمع بواسطة شرطة آداب دينية "جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"، وتغّول هذا الشكل المتشدد خصوصا بعد عام 1979 الذى شهد قيام الثورة الأسلامية فى إيران وإحتلال الحرم المكى بواسطة جماعة جهيمان العتيبى، وبدئا من هذا التاريخ شرع حكام السعودية فى عملية واسعة لتمكين الجماعات المتشددة وتصدير الفكر الوهابى ونشر المدارس الإسلامية والمراكز والمساجد والكتب لكل الدول الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء، وذلك فى منافسة للدور الإيرانى فى تصدير الثورة الإسلامية بقيادة الخومينى، أخطر ما فى «ثورة التغيير» تلك الآن هو فك الارتباط التاريخى بين الدعاة المتشددين والحكم فى السعودية وتهميش دور هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى كانت بمنزلة «فزاعة» تعطل الأفكار الجديدة وتطور المجتمع. والتى لم يجرؤ أحد من ملوك السعودية من قبل على الاقتراب من هذا الارتباط التاريخي، وهو تحد كبير فى دولة قامت أساسا على التحالف بين ابناء محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب "صاحب المدرسة الوهابية" وأبناؤه.
يجب الإعتراف بأن نظام الحكم الأسرة السعودية قد أدرك أخيرا أنه لا يمكن إستمراره على هذا المنوال، من تبقى من أبناء الملك عبد العزيز "المؤسس" قد وصلوا الى أرزل العمر، ووصية الرجل أن يتداول الحكم فى أبنائه الذكورفقط الأكبر فالأكبر لم تعد مناسبة، ووجود نسبة طاغية من الأحفاد وأبنائهم من الشباب ومن الكفاءات العلمية والإدارية ليس لديهم فرصة للمشاركة فى الحكم، وفى ظل مجتمع فتى به نسبة الأقل من 30 عاما حوالى 70% معظمهم تلقوا تعليمهم بالغرب وتشربوا آليات وأساليب الحضارة الإنسانية من نظم حكم ديموقراطية وحريات فردية وأحزاب وتداول للسلطة تتنافى مع نظام الكفيل وعدم السماح بقيادة المرأة للسيارة ومنع سفرها أو تحركها بدون ولى الأمر وغيرها من القوانين والأعراف، ولكت الآن وبعد ما يحدث من تغيير فإن القوانين تتغير بسرعة خاطفة ويتم السماح للنساء بالقيادة وإسقاط نظام كفالتها فى معظم المعاملات ومنها إصدار جواز سفر والسماح للفتيات بممارسة الرياضة بالمدارس، والتصريح لهن بحضور المباريات الرياضية والسماح بإفتتاح دور سينما بالمملكة وإنتاج الأفلام والتصريح ببناء دار للأوبرا وغيرها الكثير والكثير.
الأخطر فى الموضوع هو القبض على عشرات الأمراء والوزراء والمتنفذين فى الدولة والتحقيق معهم بتهم الفساد والإستيلاء على أموال الدولة بدون حق ( كانت بدايتها اعتقال 49 شخصية بارزة بينهم 11 أميرا ، ووزراء حاليون وسابقون)، ورغم ما صاحب ذلك من إحتجازهم ووضعهم في أفخم سجن في التاريخ وهو فندق ريتز كارلتون بالرياض، فإن ما حدث يعد غير مسبوق فى تاريخ المملكة، فلم يكن يتصور مجرد أن يتم سؤال أحدا فى مكانة متعب بن عبد الله أو الوليد بن طلال عن مصدر ثروته أو يرغم على تسديد جزء من أمواله مقابل الإفراج عنه، لا شك أن تلك العملية شابتها شوائب كثيرة، الى درجة وصف البعض لما يحدث بأنه حرب النخبة على النخبة، ولكن تلك العمليات فى النهاية تزيد من شعبية محمد بن سلمان خاصة بين الشباب والنساء الذين يمثلون النسبة الأعظم فى المملكة، وبعد أن كان التغيير فى السعودية يستغرق عقودا بسبب الخوف من التيار المحافظ، أصبح محمد بن سلمان، ذلك الشاب الطموح الذى لا يزيد عمره على 32 عاما يقود حملة تغييرات قوية جملة واحدة، وحتى تلك الإعتقالات الشعبوية هى الحصان الذى يمتطيه ويهدف من ورائها إلى الظهور بأنه قريب من الشعب البسيط ويتفهم قلقه.
يضاف الى ما تقدم إقدام الأمير الشاب على ثورة على الإقتصاد الريعى الذى يطبع الإقتصاد الحكومى من إعتماد شبه كلى على موارد النفط، والتعاطى الواقعى مع ذلك الجانب الإقتصادى بدل الهرب منه كما كانت عليه الحال في السنوات الماضية التي كان التفكير فيها محصورا بأنّ النفط لن ينضب يوما، فبدأت الدراسات الحقيقية لتنويع مصادر الدخل ورسم مشاريع واعدة مثل "نيوم" الذى يعتمد على مصادر متنوعة كالإلكترونيات والسياحة والمناطق الصناعية والطاقة البديلة وغيرها، إن السعودية تتغير سريعا فالقيود الإجتماعية الصارمة تتبخر سريعا والأوضاع الإجتماعية تشهد حراكا متواترا، ويتم نسف كثيرا من الأفكار الرجعية العتيقة التى تكبل المجتمع.
رغم أن شعبية الأمير الشاب تبدو فى أوجها لكن الخطر يظل قائما من الثورة المضادة، وتلك الثورة تعتمد أساسا " كما هو حادث دائما" على العناصر المتضررة من تلك التغييرات، وعلى رأسها قطاع لا بأس به من الأمراء الشباب الذين يشعرون أنه تم إنتهاك حقهم فى الحكم والثروة، كذلك من رجال الدين الذين يرتكزون على إرث طويل من الإستبداد الدينى والنظرة المتشددة، كذلك على ما تحقق لهم من سيطرة وثروة دامت لأكثر من قرن على جزء لا بأس به من السلطة وترك الحبل لهم على الغارب يمرحون ويسرحون، لا يجب الإستهانة بقوة هؤلاء الخصوم، وإستغلالهم حالة التذمر المتصاعدة من إستمرار الحرب على اليمن وإرتفاع كلفتها الإقتصادية والبشرية، بالإضافة الى مكائد دول الجوار وعلى رأسها قطر وإيران.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشيوعي رقم 2
فؤاد النمري ( 2018 / 2 / 17 - 14:13 )
أنت الشيوعي الثاني الذي يعترف بالحقائق في السعودية


2 - الثورة ليست من فوق، بل سلطة تجنبت ثورة
جلال البحراني ( 2018 / 2 / 17 - 17:52 )
في سنة ليست بعيدة، تخرج عدة ألالف سعودي من أمريكا و دول الغرب مرة واحد
جلهم كان بالرياض، واجهت السلطة مشكلة كبيرة معهم، فهم يتجمعون و يمارسون حياتهم كما لو كانوا بالغرب!
إضطرت السلطات لتوزيعهم على عده مدن وفقا لأعمالهم و نجحت بتفريقهم
جسر البحرين، و طريق الإمارات كان قطر أيضا، يكتض بألاف السيارات كل خميس و جمعة، من سعوديين من مختلف المدن و حتى البعيدة، يأتون للبحرين، طلبا لبعض التسلية، سينما، مجمع تشرب فيه عائلة عصير دون مضايقة و تقوم المرأة بالسياقة، حديقة عامة، بار ينسي موظف كدح إسبوع من العمل، مدرس يهرب قليلا من جو الكأبة
وفقا للكثير من المواقع، السعوديين هم أكثر شعوب المنطقة شراء للألعاب، فليس له تسلية أخرى!
بالحقيقة السلطة السعودية تجنبت ثورة داخلية كبيرة، كانت تختمر، والقليل استطاع التعبير عنها، كتابة، لكن بتويتر و وسائل التواصل يعبر السعوديون عن جام غضبهم، الكثير يعلن إلحاده، بل أن بعضهم هاجر لإسرائيل!
و لا تجد من يؤيد السلطة، غير جيشها الإكتروني بتويتر و الفيسبوك
ما يحدث جيد، حقوق المرأة عني شخصيا ساهمت بمئات الحملات فيها، هذا يكفي الليبراليين


3 - تابع
جلال البحراني ( 2018 / 2 / 17 - 17:53 )
أما مهمة الشيوعيين فهي يجب أن تقوم على الدفع للمزيد، يجب إستغلال الفرصة
لقد أخطأ شيوعيي البحرين، عندما تحولوا لطبالة، (دمبكجية)لإصلاحات كان الأجدر بهم لأنهم أكثر من يقرأ التاريخ معرفة بطلانها، كان يجب أن يدفعوا للمزيد، إكتفوا بتعطف (الشيخ) لكي يحول نفسه ملك في خطوة تكتيكية ! تعطف عليهم بتكوين جمعيات سياسية (قشمرهم=ضحك عليهم)، بينما البحرين مؤهلة لدخول مرحلة تكوين الأحزاب
ما هي الجمعيات، في عرف الشيوعيين، هل نستطيع أن نقول جمعية إشتراكيين، جمعية شيوعيين، جمعية عمال، أم حزب عمال، جمعية المنبر و جمعية أمل ... و ماذا يفعل عمال البحرين بمنبر و أمل؟!! هل يرون فيهم وجدوهم الطبقي
خطأ شيوعيي البحرين، كان سبقه مئات الأخطاء للشيوعيين العرب
إدفعوا للمزيد، طالبوا أقلها السماح بتكوين مجالس بلدية منتخبة، إغتنموا الفرص


4 - تابع
جلال البحراني ( 2018 / 2 / 17 - 17:54 )
إذا الماما أمريكا حقا تريد الإصلاح بالسعودية، ستضغط على الحكم، أما سينما و سياقة مرأة و دار أوبرا، فكل شيوعيي العالم يرونها حقوق طبيعية أساسية للبشر لا ينبغي حتى التكلم بها، بل نحن (كشيوعيين) نمارس هذه الحقوق رغما عن أنف أشد السلطات رجعية و قمعية، نمارسها كبشر، نكون فرق موسيقية، نكون مسارح، نخرج مع نسائنا حاسرات، إلخ،، (و يا كثرهم بالسعودية)
طلال المداح و محمد عبده يغنون، هناك مسرح ليس رسمي ، بل و الكثير منهم يصنع الخمر ببيته! فما الجديد؟
إذا الثورة ليست من فوق، بل سلطة تجنبت ثورة

اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا