الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظرة العكسية للِنتَاج الإنساني

معتز نادر

2018 / 2 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يُبتغى من هذا العنوان تقديم عرض لـ سلخ ذات بشري مٌسقط على واقع هش وقاسي ومتقلب من الناحية الحضارية جراء ما يحصل من تجاوزات بكافة بقاع العالم ، فبالمحصلة سنظل لكوننا أشخاص نتأمل ونفكر -ممتنون للفرصة التي جعلتنا نكتب ،
- فليس هدف الكتابة أن تنشد على الدوام عالم نقي خال من العيوب لا تشوبه شائبة ،وإنما تطمح بعالم يمنحنا على الدوام فرصة أن نتصوره بطريقة أفضل ، وبالتالي الشعور بعالمٍ تكتنزه تفاصيل وتعقيدات غاية في الغرابة والإثارة والريبة على حد سواء، إن حالة الرغبة في السعي والتطوير عبر رفض الحالة الواقعية التقليدية التي هفت إليها أبرز الأعمال الفنية والموسيقية والحركات السياسية المختلفة على طول الزمان لم تكن مجرد موضة تكمّل معيشة تلك العصور بل كانت بحث جدي داخلي وفوضوي عملاق لإيجاد أفضل صيغة بين جوهر الفكرة وصداها الحركي التي تعبر عنه طبيعة المجتمعات ونظام حياتها، أي البحث عن أفضل انسجام بين ماهية الفكرة وانفلاتها النوعي الملموس واقعيّا، هو بالضبط محاولة لتقريب غرابة تلك الفكرة لتغدو وجهة نظرعمومية تسعى نحو الجمال المطلق .
فكرة -تحريك الوهم- :
من البديهي أن يجعل الفرد من الماضي والحاضر مادة
لتوقعاته ولطريقة تفكيره ، بالنسبة لي أرى أن التفكير بأحداث الماضي يجعلنا نحاكي الحاضر بطريقة عميقة وأكثر شمولية ،
وعلى هذا سنأخذ كمثال إيحائي تجربة –بوذا- النفسية الغنية والعظيمة كمثال يخدمنا هنا إذ أن –سيدهارتا غواتاما – الإسم الأصلي لـ ـبوذا لم تقدّمه الظروف كـ نبي تقليدي لديه معجزات تعزز قيمته لدي مريديه ، ولم يطرح أفكاره كـ ديانة جديدة وإنما قدّم أفكاره بوصفها أفكارٍ تجردّية تدعو إلى التصوف والتزّهد ولم يطلب من مريديه تلاوة أي طقوس متعلقة بالبوذية بشكل خاص ، وإنما ما أراده هو التوحّد والتأمل بروعة الكون الواسع ، ومع ذلك تحولت البوذية مع مرور الزمن وعبر مئات السنين لديانة رسمية بطابع فلسفي تتبع لها معابد ضخمة في الهند ونيبال والتيبت وتايلاند وغيرها من مناطق شرق أسيا و،هذا عكس ما كان ينادي به بوذا نفسه ، وليس المقصود هنا وضع اللوم على البوذيين وقد تناولنا فكرتهم كمثال وإنما المقصود أن كافة شعوب العالم لا تلتزم بما يطرحه مؤسس الفكرة وإنما تضيف وتغيّر أشياء تتناسب مع حاجتها للأمان والخلاص الأبدي من ناحية ، وحاجة بنية المجتمع لهذه الإضافات من ناحية أخرى،
إن الشعوب دائما ما تحتاج لهوية إجتاعية سياسية تحميها من المجهول قبل أي شيئ أخر .
فكرة تحريك الوهم لا تحتاج لمجهودٍ خارقٍ من قِبل المؤسس بل تحتاج لإيهام ذاتي يجعل الفئة المستهدفة تسعى للمزيد وتقديم إبداعات أخرى تضيف للفكرة الأساسية أبعادٍ أخرى ، وهذا يختلف عن تطور الفكر الإعتيادي عبر الأجيال عندما يأتي مفكر يضيف لـ فكرة مفكر سبقه ، في فكرتنا هنا لا يوجد مؤلفات بوصفها مرتكزات تسمح بالإضافة ،
الفيلسوف الإغريقي -سقراط - 469 ق.م - 399 ق.م ، يُعتبر من أكثر الفلاسفة تأثيرا في الفلسفة الغربية من دون أن يكون له مؤلفات تُقرأ ،
والمعروف أن الفيلسوف أفلاطون قام بمهمة نشر تعاليم أستاذه ،
إذا إتطلعنا على سيرة سقراط الذاتية سنجد أن قيمته كـ متمردٍ هي أكثر من كونه فيلسوفا تقليديا مُهمّاً ،لقد دفع حياته ثمنا لأفكاره ومعتقداته الشجاعة الغريبة عن عصره أنذاك ، فيما عجز الكثيرون من اتباع خطاه ، فطلبت منه الطغمة الحاكمة أن يشرب السُم –أن ينتحر قسرّيًا.
بعيدا عن تأثير سقراط الهائل على اثنين من أبرز الفلاسفة الإغريق أفلاطون وأرسطو فقد كان المعروف عن سقراط أنه كان يحرّك تأملات الأناس البسطاء الذي كان يلقاهم ويحدثهم في الشارع بشكل دائم ،
فقد كان يعتقد أن تلك الطريقة أكثر فائدة من تدوين الأفكار على الورق ،
الفلسفة الغربية طوّرت عبر افلاطون وأرسطو وما لحقهم من فلاسفة أفكار الطبيب العبقري سقراط ولم تقدمه ثقافيّاً أو عبر الإرث الشعبي لاحقاً كقيمة متمردة ٍمن الطراز النادر ،إذ ربما يؤدي دوره كـ مُفكر متمرد على الإستقرار السياسي الإجتماعي مشاكل لمنظومة الحكم أنذاك .
لقد تحول سقراط مع الزمان ولأنه لم يترك مؤلفات ملموسة إلى مادة تتحمل أي تغيير في المنظومة الفكرية لأي طريقة تفكير فلسفية قادمة .
ومنعاً للبس لا يُعنى بالوهم في موضوعنا بوصفه شيئ ثانوي تافهٍ لا قيمة له ، وإنما بوصفه ذلك الإرهاص النفسي الذي يُحركه ذاك الحدث الثقافي الصادم والعميق الغور ،
وبالتالي فإن عرض الفكرة ليس كناية عن مؤامرة أو شيء خبيث أو مؤامرة دنيئة يخطط لها الأخرون ، وإنما تسير بشكل يسير من دون تخطيط محكم لأن الفرد لا يتعامل مع إرهاصاته العميقة بطريقة واضحة ،لأن لكل إنسان وَهمهِ الخاص ،
من أكثر الأشياء أهمية في شخصة المبدع انه يجعل المتلقي يتفاعل بشكل جدّي مع نزعاته الشخصية وهذا تماما ما يفعله المبدعون .
قال أحدهم :إن ( التاريخ يكتبه المنتصرون ). ربما التاريخ يكتبه المنتصرون ولكن بعد أن يضيفوا إليه شيئا من وهمهم الخاص كي يقتربوا أكثر من نشوة انتصارهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر