الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرر من المرجعية الدينية شرط النهضة

فرانسوا باسيلي

2018 / 2 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كثيراً ما يتوهم البعض خاصة في المجتمعات الشرقية الدينية، أن الموبقات المجتمعية مثل الفساد والرشوة والمحسوبية والكذب والنفاق وغيرها ترجع لأنحطاط الأخلاق، وبالتالي يظنون أن العلاج هو المزيد من الوعظ الديني والتبكيت الأخلاقي والترهيب الإلهي، فيزيدون من الجرعات الدينية للمجتمع، ويزداد الإقبال علي المساجد والكنائس ويزداد التشدد الديني والتمسك بالمسالك والعبادات ثم الغلو والتعصب والتطرف، ليكتشفوا في النهاية أن الفساد والكذب والنفاق وبقية الموبقات والتشوهات الانسانية الفردية والجماعية قد ازدادت بدلاً من أن تنقص، وهو ما تجده في مصر حين تقارن بين المجتمع المصري في الخمسينات والستينات حين غابت عنه الدروشة الدينية، وبينه منذ منتصف السبعينات وإلي اليوم حيث تصاعدت ثم تسيدت وسيطرت الدروشة الدينية أو الجرعة الدينية الزائدة، وربما أبسط مثال للدلالة هنا هو أن يتعاطي إنسان جرعات زائدة من دواء فبدلاً من أن يشفي نجده يصاب بتسمم أو جلطة يموت بها موتاً سريعاً أو موتاً سريرياً بطيئاً.

الإنسان علي الأرض كائن يحمل صفات فسيولوجية واحدة رغم إختلاف الثقافات والحضارات واللغات والمعتقدات، ولذلك يمكن لأي إنسان أن يعالج صحياً في مستشفي في أي بلد آخر دون حاجة الأطباء إلي تغيير أساليب علاجهم، لن الجسد واحد، وما يجعل مجتمعاً أفضل من غيره، حضارياً وسلوكياً ومادياً وروحياً، ليس سببه أن الإنسان فيه كان أرقي أخلاقياً منذ البدء، ولكن أن طرقاً وأساليب معينة تطورت وطبقت في هذا المجتمع أدت إلي مستوي أجدي وأنفع من السلوكيات الاجتماعية الحضارية.

إذا نظرت إلي تطور الحضارة الحديثة ستجد أن أساسها هو عصر النهضة وحركات التنوير في أوروبا وخاصة فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا، وهو العصر الذي بدأت فيه النخبة المثقفة في التحرر من السيطرة الدينية التي كانت ضد العلم والتحرر العقلي خوفاً من مناقشة ألدين نفسه، ومع تحرر العقل البشري من المرجعية الدينية التي تحرم التفكير خارج التسليم الموروث، ولجوئه إلي مرجعية إنسانية يصنعها هو بنفسه، إستطاع أن يعتمد المعرفة العلمية أساساً للبناء الإنساني والإجتماعي، دون خضوع قسري لأي موروث أخر ديني أو ثقافي، مع عدم حرمان النفس والمجتمع من الاستفادة من أي موروث يظل مفيداً، دون إضفاء أي نوع من القداسة عليه حتي لا تصبح القداسة حاجزاً مانعاً لحرية التفكري والإبداع.

بمجرد أن تحرر العقل الاوروبي من سلاسل التسلط الكهنوتي راح يجوس في أرجاء الكون الخارجي للطبيعة والداخلي للجسد والنفس البشرية، وراح يكتشف قوانين الطبيعة في الحالتين، وعليها وضع أساسيات أجدي وافضل للتصرف في جميع المجالات، من التربية والتعليم في الطفولة، إلي سلوكيات العدالة وضبط علاقتها بالحقوق والحريات، إلي المفاهيم الاقتصادية بمختلف ألوانها، إلي النظم السياسية، وأساليب الإدارة الحديثة، وبالطبع حرية الفكر والإبداع والتعبير، وفنون الإعلام والصحافة والتسويق، وغيرها المئات من مجالات الأنشطة الانسانية.

لا يعني هذا إجبار أي انسان علي التخلي عن معتقداته الدينية، ولكن كانت النقلة النوعية في منع التسلط الديني علي الحياة السياسية أو الاجتماعية أو أي حياة أخري عامة، مع ضمان حرية المعتقد أو اللامعتقد للجميع، دون إنحياز من الدولة لأي دين، أو ضد أي دين.

كان التحرر من السيطرة الدينية هو السبب الأساس في النهضة الأوروبية الحديثة، التي كانت بدورها الأساس في نهضة كل المجتعات العصرية الأخري التي اقتادت بها وتقتدي بها حتي اليوم.

بدون إستيعاب هذه الحقيقة التاريخية وتمثلها في مصر والشرق العربي بشكل هاديء علمي غير متشنج يكون الحديث عن أي تقدم هو مضيعة للوقت والجهد، وجريمة في حق الأجيال القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل