الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشير الهبوط الإضطراري بدل الهبوط الناعم

تيسير حسن ادريس

2018 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


المبتدأ: -
التغيير المستهدف وفق وقائع تطور الثورة الوطنية السودانية لا شك يهدف في المقام الأول لإسقاط النظام الفاسد القائم حاليا، ويسعى في ذات الوقت إلى إقامة نظام ديمقراطي بديل.
والخبر: -
(1)
بعد أن أضاع الجنرال بصلفه وتعنته وجشع طاقم اللحى المحيط به كافة فرص الهبوط الناعم التي وفرتها له بعض أحزاب المعارضة الرافضة للتغيير الراديكالي لأسباب تتعلق ببنيتها الاجتماعية والتنظيمية، ها هو اليوم يعود ليبحث عن أي هبوط مخارجة اضطراري، ولو كان انقلاب عسكري تقوم به اللحى داخل القوات المسلحة من جديد ، فما تسرب عن لقائه بمجموعة من هؤلاء الجنرالات مؤخرا يشي بكنه المسعى وجوهر المغامرة البئيسة، ويدل على انسداد الأفق السياسي أمامه وأركان نظامه الذي تخلخل بعد أن سقطت كافة أكاذيب وأساطير (الابتلاءات) واقتنع الشارع السوداني بأن أس البلاء والابتلاء يكمن في النظام الفاسد.
(2)
نحيب الجنرال في اللقاء الذي خص به عدد من ضباط الحركة الإسلامية داخل الجيش ينم عن هزيمة نفسية عميقة تجلياتها لا تخفى على أحد مهما تلبست أحيانا لباس الرقص والهز الذي شاهدته الجماهير وهي في عز فاجعة عوزها وضيق معاشها في مهرجان افتتاح (الجوهرة الزرقاء)، فكل من شاهد ذلك المنظر الفاضح لوقار مقام الرئاسة قد وصل لقناعة بأن الرجل فقد أي اتزان ويمضي حافيا فوق صفيح ملتهب.
(3)
لم يعدْ المواطن السوداني الذي يطوي نهار المسغبة صابرا معنيا بأمر سفهه الحركة الإسلامية وقياداتها ، والهم كل الهم قد بات منصبًا على كيفية تخليص عنق الوطن من قبضة اللحى المفسدة، أما اجترار وقائع تلك المفاسد التي توالت دون انقطاع طوال ربع قرن ونيف والتذكير بتفاصيلها من جديد فمرحلة نضالية تجاوزها وعي الجماهير، وقد شمرت عن ساعد التغيير، وتعيد ترتيب طلائعها على طريق الخلاص الوحيد المتاح امامها، وهو الانتفاضة الشعبية الثالثة التي تستمد رجاحة عقلها من خبرة التجربتين الثورتين الماضيتين في أكتوبر 1964 وإبريل 1985م، لتستفيد من الإيجابيات وتتجنب مَثَالِبُهما التي عاقت بلوغهما مبلغ التغيير الثوري.
(4)
التغيير المستهدف وفق وقائع تطور الثورة الوطنية السودانية لا شك يهدف في المقام الأول لإسقاط النظام الفاسد القائم حاليا، ويسعى في ذات الوقت إلى إقامة نظام ديمقراطي بديل؛ يحقق المساواة، ويوفر تكافؤ الفرص، والعدالة، ويعزز الحريات العامة، ويتيح المشاركة السياسية الفاعلة لكافة أطياف المجتمع، وهذا يتطلب أن يكون التغيير جذريا وعميقا، يعيد ترتيب الواقع الاجتماعي والاقتصادي على أسس جديدة، ينتج عنها إعادة توزيع مصادر القوة في المجتمع السوداني.
(5)
خبرة التجارب الثورية الماضية قد وضحت أن الثورة تمر بالعديد من الحلقات المترابطة والمراحل، تتحقق في بعضها نجاحات ملموسة نظرا لتوافر متطلبات النجاح، بينما يصيب الفشل مراحل أخرى، وقد لمس الشارع السوداني وتحسس مكنيزم مسار الثورة المعقد هذا خلال التجربتين السابقتين وأكتشف أن التغيير قد ينجح في إسقاط السلطة الفاسدة، في حين تصاحبه العثرات في تثبيت أركان نظام جديد يحقق ما وضع من أهداف ثورية، ليبقى النجاح محدودًا وجزئيًّا ولا تتمكن الثورة من إحداث تغييرات جوهرية عميقة في هيكلية البناء الاجتماعي.
(6)
إذن معيار النجاح الثوري الكامل يكمن في القدرة على تحقيق كامل أهداف وتطلعات الجماهير، واستكمال كافة حلقات سيرورته التاريخية من هدم لهياكل النظام الفاسد القديم والتأسيس الراشد لنظام جديد على أسس واقعية ومؤسسية رشيدة. إن إسقاط النظام السياسي القائم بكافة رموزه من أهم حلقات الصراع الثوري؛ لذا يجب الحرص على استكمال هذه المرحلة الثورية كما ينبغي فلا يكفي إسقاط رأس النظام وحسب؛ بل لا بُدَّ أن يمتد الأمر ليطال كافة رموزه ومؤسساته الفاسدة، ومنهجية إدارته للدولة؛ فرحيل طاقم وأفراد السلطة الاستبدادية التي ظلت تحكم لسنوات طويلة مثل السلطة الإسلاموية الحالية لا يعني بأي حال من الأحوال بأن نظامها القهري قد سقط، فالمكنيزم الباطن لسلطة الاستبداد عادة ما يكون راسخًا في الدولة العميقة - الأجهزة الأمنية القمعية والأجهزة الاقتصادية والسياسية والإعلامية – وقادرًا إن لم يتم استكمال هذه الحلقة من التغيير استكمالا تاما من إعادة إنتاج نفسه في صورة نظام مستبد جديد يعطل التحول الديمقراطي تأمل (التجربة المصرية 25يناير 2011م والتجربة السودانية في إبريل 1985م).
(7)
الوقائي لمسار الثورة من مثل هذه الردة يكمن في مدى حرص القوى الثورية إمكانياتها على مواصلة النضال والنجاح في إنجاز كافة مراحل المسار الثوري المتمثل في تأسيس نظام سياسي بديل كسلطة انتقالية تتوالى مهام صياغة الدستور، وعقد انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة تمهيدا للانتقال للمرحلة الثورية الأصعب والأطوال التي تنجز خلالها التحولات العميقة في أنساق البناء الاجتماعي والاقتصادي ليتم إعادة توزيع مصادر القوة في المجتمع.
(8)
يمر السودان اليوم بمرحلة صراع علني مكشوف بين النظام المتسلط بأجهزته القمعية ومكوناته البشرية والمادية، وطلائع التغيير بمنظماتها وأحزابها، وتظل المحاورة مستعرة بين الطرفين، كل يحاول جهد قدراته حشد أكبر كتلة جماهيرية ؛ ليبرهن للآخر عن قوة موقفه في الشارع، ويستمر رتم المحاورة علوا وهبوطا حتى بلوغ الأزمة الثورية ذروة احتقانها، وتتكامل اشتراطات المخاض الثوري الذاتية والموضوعية؛ فأمر إسقاط نظم الاستبداد يحتاج الوقت، وجاهزية الأدوات النضالية، كما يحتاج توفر عدة عوامل أخرى أهمها قدرة قوى التغيير على اقناع الجماهير وحشدها باعتبار انها العامل الحاسم، فكلما زادت الحشود المعارضة، ازدادت احتمالات نجاح الثورة.
(9)
الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية منذ فترة طويلة تساعد على تسريع عملية التحشيد هذه، آخذا في الاعتبار الكتلة المهولة من الطبقات والشرائح الاجتماعية التي ضاقت ذرعا بسياسات النظام الحالي، وسفه قادته وأجهزته الفاسدة، فالظرف الاقتصادي والمعيشي للمواطن هو كلمة السر في حشد وجذب قطاعات كبيرة تتزايد مع الوقت للمشاركة في العملية الثورية بعيدا عن سفسطائية السياسة، ومماحكاتها، فالأهم لسرعة عملية التحشيد هو التركيز على مشاكل المواطن المعيشة اليومية، والبعد عن رفع الشعارات الحزبية خلال التظاهرات والمسيرات المعارضة؛ للمحافظة على وحدة الصف ، ومتانة النسيج الوطني المعارض.
(10)
وكلما بدأ التحشيد من القواعد الشعبية في الأحياء، وتواصل التدفق منها صوب الميادين والأسواق الصغيرة؛ لتنطلق المسيرات بعد أن يكون قد اجتمع لها قدرٌ معقولٌ من الجماهير نحو الأسواق الكبيرة، والساحات الرئيسة، كان ذلك أجدى وأعطى الفاعلية زخمًا، ودفعة معنوية قوية، مما يصعب أمر ضربها ويشتت تركيز الأجهزة الأمنية التي ترهق وهي تلاحق الكتل الجماهيرية المنتشرة في الأسواق، والميادين المتباعدة، ومن المهم كذلك حسن اختيار المكان والتوقيت المناسب، ونشر الدعوة للمشاركة، على أوسع نطاق جماهيري ممكن مع الحرص على تغطيتها إعلاميا بصورة جيدة تعكس الزخم المطلوب.
(11)
زيادة الحشد مرتبط جدليا بالاستمرارية والتصعيد للحفاظ على ديناميكية الإيقاع الثوري، والانتقال قدما نحو بناء (الكتلة الحرجة) تلك الكتلة من الجماهير القادرة - حين اندفاعها مجتمعة في لحظة الذروة الثورية نحو الشارع - على إنجاز التغيير، ومن المهم اختيار المواقع الحيوية والمناطق الأكثر كثافة بشرية للتظاهر والاعتصام؛ مما يسفر عنه إرباك لافت للنظر في دولاب الحياة الطبيعية للدولة، ومن هنا تأتي أهمية التركيز على العاصمة القومية – دون إهمال تنشيط بقية المدن الكبرى والأرياف – وذلك لسهولة التغطية الإعلامية التي تسهم في الحد من غلو الأجهزة القمعية، فوجود البعثات الدبلوماسية يحرج السلطة الاستبدادية ويكبح جماح توحشها.
(12)
لقد سقط مشروع (الجماعة) الحاكمة فكريا وسياسيا، وعلم الشارع السوداني تواضع قدرات شيوخها، وفقر مخرجاتهم رغم اصرارهم على مواصلة مسلسل الأكاذيب، والادعاء الأجوف، فلو كان المشروع (الإنقاذوي الملتحي)، دجاجة لباضت أو ديك لصاح طوال أكثر من ربع قرن، ولا أظن أن هناك متسعًا من الوقت قد تبقى للمزايدة الكلامية والجعجعة الشعاراتية الكذوبة، والأذى قد مس اللحم الحي، ودنا من عظم، كل فرد سوداني، فلينهض كل غيور ويستنهض جاره دعما لمسيرة الخلاص والتغيير والتي ستبلغ حتمًا مقصدها ذات اجل قريب بإذن الله
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة