الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع السفسطائي المادي-1

أيمن عبد الخالق

2018 / 2 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"إن المفكر الحقيقي هو الذي يسستيقظ من النوم قبل الاخرين، فيرى مالايرون، فيستشعر ثقل المسؤولية، فيجعل مشاكل الأمة مشكلته الشخصية"....محمد أركون
بعد أن فرغنا من محاورة السفسطائي المطلق الذي كان ينكر أصل إمكان العلم والمعرفة البشرية، ننتقل معا للحوار مع صنف اخر من السفسطائيين، وإن لم يسمهم الناس بالسفسطائيين، بل تلبسوا بلباس العلم، وانتسبوا إلى المنهج العلمي، مع تنكرهم للعقل البرهاني التجريدي، الذي هو الميزان الأول للعلم والمعرفة.
ونحن في الواقع لانقصد هنا العلماء الفيزيائيين والرياضيين الكبارالذين قامت النهضة العلمية والصناعية في الغرب على أكتافهم، من أمثال نيوتن، وجاليليو، وكيبلر، وفارادي، وماكسويل، واينشتين، ونيلز بور، وفيلمينج وغيرهم من النوابغ الذين خدموا العلم والبشرية، بل كلامنا مع بعض الفلاسفة الغربيين الذين أحيوا من جديد مناهج الشك والسفسطة من حيث يعلمون أو لايعلمون، من أمثال فرنسيس بيكون، وجون لوك، ودافيد هيوم، وكانط، ونيتشه، وأصحاب الوضعية المنطقية، وحلقة فيينا، وفلاسفة مابعد الحداثة، الذين شككوا في أدوات المعرفة، والعقل البرهاني التجريدي، والمبادئ العقلية الأولية، التي هي أساس العلم والمعرفة، وجعلوا الأصالة والحاكمية للمنهج الحسي التجريبي، فأوقعوا البشرية في مستنقع الشك والحيرة، وفي هذه المتاهة المادية.
والان دعونا نذهب لنستمتع معا بحوار جديد مع هذا السيناريو من السفسطة المتلبسة بلباس العلم والحداثة:
o السفسطائي: كيف حالك ياصديقي الفيلسوف...أراك مازلت غارقا في أفكارك وتأملاتك، وكأنك لاتعيش في هذا العالم الذي نعيش فيه.
• الفيلسوف: ماالذي تقصده بكلامك هذا؟
o السفسطائي: أقصد متى تستيقظ من أحلامك، لتعيش معنا في عالمنا، لا في عالمك، وبرجك العاجي.
• الفيلسوف: وهل الفيلسوف لايعيش في العالم، وهل كل من يفكر بعمق، فهو عندك يعيش خارج العالم؟!
o السفسطائي: ألم تسمع قول برتراند رسل ( إنّ الفيلسوف إنسان يمشي على الأرض، ورأسه فوق السحاب ) فهو في عالم اخر، لايعنيه مايجري هنا على سطح الأرض.
• الفيلسوف: غريب جدا ماأسمعه منك...تقصد بكلامك هذا أنّ الفيلسوف يعيش في عالم الخيال والوهم، ولايلتفت إلى هذاالعالم؟ مع أنك تعلم أنّ الفلاسفة منذ بداية التاريخ، هم الذين أسسوا العلوم والفنون، والفيلسوف هو الإنسان الباحث عن الحقيقة والواقع، لا الوهم والخيال.
o السفسطائي: أي حقيقة تتحدث عنها ياصديقي وأي واقع؟
• الفيلسوف: اتحدث عن حقيقة الأشياء في نفسها، لا في مظهرها السطحي، أتحدث عن مبادئ الأشياء الأولى، وأسبابها العليا، والتي لايمكن معرفة حقائق الأشياء إلا بها، لاأسبابها القريبة منها.
o السفسطائي: هههه...هذه أمور ولى زمانها ياعزيزي، وانتهى مفعولها العلمي، لقد ماتت الفلسفة والميتافيزيقا- كما يقول نيتشه – منذ زمان بعيد، وأنت مازلت تعيش هناك!.
• الفيلسوف: أنا لاأدري كيف تموت الفلسفة؟!، ولا أدري ماهو المسوغ الذي جعل نيتشه يعلن وفاة الفلسفة، ألا يعتبر نفسه هو، ويعتبره أتباعه فيلسوفاً، ألا تعلم أنّ كل من أراد أن ينتقد الفلسفة فقد تفلسف، كما يقول أفلاطون...ثم من الذي أعطاه الحق في هذا، وعلى أي حال هذا رأيه، وقد أعلن من قبله إخوانه السفسطائيون موت العلم والمعرفة منذ أكثر من 27 قرن.
o السفسطائي: هذا ليس فقط رأي نيتشه، بل رأي كل المفكرين الكبار في الغرب، الذين شيدوا أركان الحداثة والتنوير، وأنت تعلم ذلك جيدا.
• الفيلسوف: على أي حال...مع احترامي لكل هؤلاء، إلا أنني تعودت أن أعرف الحق بعقلي، لا بالرجال، وليس هناك أفضل من أن يكون الإنسان مستقلا في تفكيره، دون أن يكون تابعا لهذا أو ذاك....المهم دعنا ندخل في الموضوع...ماالذي تريد أن تقوله أنت بغض النظر عن كلام الاخرين.

o السفسطائي: أنا اعتقد ياعزيزي أنّ الإنسان العاقل في زماننا هذا، لاينبغي له أن يصدق إلا بما يمكن أن تشاهده عيناه، أو تلمسه يداه من الأشياء.
• الفيلسوف: تقصد أنك تريد أن تحصرالمعرفة البشرية في إطار المحسوسات لاغير؟
o السفسطائي: تماما هذا ماأريد أن أقوله بدقة.
• الفيلسوف: ولماذا كل هذا الإصرار، وهل تريد أن تحصر الموجود في المحسوس، بحيث يصبح كل شيء لانحسه، أو لايمكن أن نحسه فهو معدوم، وغير موجود
o السفسطائي: لا...أرجوك، أنا لاشأن لي بما هوموجود أو معدوم في هذا العالم، أنا أتكلم عن حدود المعرفة البشرية، وأنها لاينبغي لها أن تتخطى المحسوسات، وتتورط في أمورخرافية وراء الحس، أمور لايمكن إخضاعها للتجربة الحسية الموضوعية.
• الفيلسوف: نعم... واضح ماتقوله...ولكن اسمح لي أولا أن أبدأ معك من البداية، وأسألك عن الأسباب أو الدوافع التي دعتك إلى ذلك الاعتقاد؟
o السفسطائي: هذا سؤال مشروع، وكنت أتوقع منك أن تسألني هذا السؤال.....في الواقع ليس هناك سبب واحد، بل أسباب كثيرة، هي التي دعتني، ودعت كل إنسان عاقل حر، أن يتبني هذا المنهج العلمي الجديد.
• الفيلسوف: وأنا كلّي أذن صاغية لك، فالفيلسوف يبحث عن الحقيقة أينما وجدها، وليس عنده أحكاما مسبقة غير واضحة يتعصب لها...تفضل...ماهي تلك الأسباب؟
o السفسطائي: أولا: إنّ البشرية قد عانت ماعانت منذ قديم الزمان من الأفكار الأسطورية والخرافية التي عطلت العقول، وأهدرت الكرامة الإنسانية، وأدت إلى تخلف البشرية لقرون مديدة.
• الفيلسوف: نعم تقصد عصور الميثولوجيا، والأساطير التي غلبت عليها الاعتقاد بالألهة، والجن والشياطين والطوطم والأرواح الشريرة، كما نقله هوميروس في الإلياذة قبل الميلاد.
o السفسطائي: نعم بالضبط هكذا...وثانيا: إنّ البشرية قد عانت الكثيرالكثير ممن انتسبوا إلى الأديان السماوية المختلفة، سواء من رجال دين أو متدينين، من أصحاب العقول المتحجرة، والذين حاربوا العلم والعلماء، وزرعوا الحقد والتعصب في قلوب الناس، وفرقوا بين االشعوب، وأسسوا للاستبداد باسم السماء، وأنشؤوا محاكم التفتيش، وأحرقوا الأبرياء، واشعلوا الحروب والصراعات الدينية والمذهبية على مر التاريخ....وكل هذه الأمور لاتخفى على أمثالكم.
• الفيلسوف: نعم نعم ... أنا اتفهم جيدا كل ماتقوله، ولكن لم أفهم إلى الان ماعلاقة كل هذا بموت الفلسفة، وإقصاء العقل الفلسفي، مع أنّ الفلاسفة كانوا من أكبر ضحايا هؤلاء على مر التاريخ.
o السفسطائي: لأنه بكل بساطة العقل الفلسفي الماورائي، والمجرد عن الحس والتجربة، وهذا النحو من التفكير غير العلمي، هو الذي فتح الباب على مصراعيه أمام دخول كل هذه الغيبيات، والخرافات، والأساطير، ومهد الطريق لتغلغلها بين الناس، وماندعوا إليه كعلماء محدثين، هو إغلاق هذا الباب بالكلية، والاكتفاء بالمنطق العلمي الجديد كما سماه بذلك فرنسيس بيكون، وهو المنهج العلمي القائم على الحس والتجربة العلمية، لاالتأمل العقلي الحدسي الصرف، كما كان يفعل الفلاسفة.
• الفيلسوف: يعني أنت تعتقد بأن العقل الفلسفي، هو أساس كل المشاكل الفكرية، ومنشأ كل العقائد الخرافية، وأننا لكي نتخلص من كل ذلك، علينا الاكتفاء بالمنهج العلمي التجريبي لاغير، ونسيان المنهج العقلي التجريدي.
o السفسطائي: نعم هذا ماأريد أن أقوله بدقة....وهناك أسباب ومبررات أخرى يمكن أن أذكرها لكم إن كان لديكم وقت.
• الفيلسوف: للأسف الشديد، ليس لدي الوقت الكافي هذه الليلة لأستمع إلى بقية كلامكم، فلنؤجلها إلى ليلة أخرى، نظرا لأهمية الموضوع، وأنا في نفس الوقت اتفهم جيدا ماتقولون، وأقدّره، ومازلت أفضل أن أُنصت لبقية الأسباب والدوافع، لأتأمل فيها أولا، ثم نتناقش حولها بعد ذلك بالتحليل والنقد الموضوعي....شكرا لكم على أي حال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر