الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإلحاد و الدينية و العلمانية... صراع الحدود..؟؟!..2

اكرم هواس

2018 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


العلمانية... كما ذكرنا في المقالة السابقة من هذه السلسلة ... اصبحت كما هو الدين اداة للبعض للوصول الى السلطة او شرعنة مسار سياسي او منهج فكري اجتماعي .. او التخفي في ظلالها تعبيراً عن رفض و إنكار الواقع الاجتماعي ... و هكذا تبدو الحدود مبهمة و تختلط احداثيات الصور الذهنية و الواقعية لدى الكثيرين...

و في محاولة لرسم ملامح واقعية لتصوراتنا اعتقد انه لابد من الانتباه الى بعض الملاحظات العامة و هي:

اولا... يجب ان نعرف ان الحدود بين الأشياء و منها المكونات الفكرية لا تتمتع بالصلابة كما توحي الطروحات ... و هي ليست ثابتة الا من خلال الشعارات و السلوكيات السياسية .. و هذا معناه ان المشاريع الفكرية و حتى التجارب البشرية تتقارب بل و تعتمد على بعضها سواء عموديا اي تاريخيا و حضاريا و فلسفيا... او افقيا اي جغرافيا او التبادل التجاري و الثقافي و السياسي و بناء شبكات المصالح و غيرها..

ثانيا... ان العلمانية هي نتاج في الفكر السياسي - الاجتماعي يختص بادارة المجتمع و لا يتعداه الى القيم الاخلاقية العليا و لا الى الحرية الشخصية للإنسان ... العلمانية هي تجربة سياسية لا تختلف عن اية تجارب سياسية في تاريخ الانسانية ... بل هي خلاصة و تطوير للمناهج السياسية التاريخية لإدارة المجتمع و الدولة منذ بداياتها الاولى في الحضارات القديمة و عبر مراحل مختلفة من التقاطعات بين الادارة الحكيمة و الدولة المتسلطة و الدكتاتوريات المختلفة ...

ثالثا... في التجربة العلمانية لا يتم التغاضي ابدا عن البعد الاخلاقي و القيم لدى السياسيين ... فكل الأحزاب لديها اسس فلسفية ترتكز بشكل او باخر على فلسفات و أديان ... لكن بدل الأعلان المباشر عن هذه الفلسفات و الأديان يتم وضع اسس اخلاقية في اطار ما يسمى بالثقافة السياسية Political Culture ... هذه الأسس تدخل في اطار البعد الاخلاقي للسياسات و المصالح العامة ...لكن في المقابل فان الظروف الواقعية و الحاجات اليومية هي التي تحدد كيفية ادارة المجتمع و الدولة من حيث وضع خطط واقعية و واضحة و قابلة للتطبيق و تخدم المجتمع و حياة الفرد اليومية بشكل مباشر و بسيط حتى يوفر للجميع فرصة التفاعل و المشاركة ...

بكلام اخر ... ان التجربة العلمانية في ادارة المجتمع و الدولة ليس لها علاقة بالصراع المفاهيمي حول وجود الله .. بل هي محاولة لابعاد الخلط بين الكنيسة من حيث كونها مؤسسة مختصة بإعتقادات الفرد و علاقته مع الله و طريقه الى الآخرة ... و بين ادارة شؤون الحياة اليومية للفرد من حيث توفير الأمن و الغذاء و الدواء له... و هذا هو واجب الاب و الام في العائلة كما هو واجب الخكومةً في المجتمع و الدولة ...

فالصياد و المزارع و العامل و التاجر يقوم صباحا و يصلي و يطلب من الله ان يرزقه هو و اطفاله... و لكنه لمجرد ان يخرج من بيته يقوم بنفسه بإعداد شبكة الصيد او أدوات الزراعة او الصناعة او إقامة علاقة جيدة مع هذا و ذاك من التجار و الزبائن... و عندما يعود مساء يشكر الله مرة اخرى على الرزق ( اذا كان قد ربح و اذا خسر فلا يشكر على مكروه سواه )... لكن في كل الاحوال لابد ان يجلس مع نفسه او بالمشاركة مع اخرين ليعد خطة الغد ... و هكذا ..

إذن لدينا جزء إيماني نفسي و هذا عمل الكنيسة او المسجد ... و جزء عملي (تعلم و إعداد خطط و اليات تطبيق) يختص بِنَا افرادا و جماعات... و هذا التقسيم للشؤون هو بالضبط ما طورته التجربة العلمانية في المجتمعات الغربية و حددت له ضوابط و قوانين و إجراءات يمكن معها ضبط إيقاع التطور الاجتماعي بشكل كبير..

لكن العلمانية... بما انها تجربة سياسية.... فإنها كثيرا ما يتم إقحامها مع الايديولوجيات و المشاريع السياسية المختلفة... بعضها تخدم مجتمعاتها ... و بعضها الاخر تؤسس لمجتمعات احادية دكتاتورية ... و قد تعادي المجموعات الدينية او الاثنية او القومية و غيرها و تفرض عليها تغييرا قسريا... و في هذا فهي لا تختلف كثيرا عن الدول الدينية .... او اللادينية هنا و هناك في العالم ..

في الخلاصة الأولية ... ان العلمانية ليست مرادفة بالضرورة للإلحاد بل توفر للانسان حق الاحتجاج حتى على الثوابت الى درجة التنكر .. او الإلحاد بها...و الإلحاد لا يعني بالضرورة عدم الإيمان ... بل يعني معاداة الهيكلية الدينية فكريا و اجتماعيا... و اخيرا التدين لا يعني بالضرورة مطلق الإيمان و التخلي عن العقل ... لكن العقل له أولوياته التي تحددها تجاربه و اعتماد التجارب مقياسا هو أساس العلمانية...

انها إذن مشكلة الحدود ... و لعلنا نخطىء عندما نعتقد ان الأشياء اصبحت واضحة جلية لاننا نملك في أيدينا الكتب المقدسة و افكار الفلاسفة العظام و انه " قد تبين الرشد من الغي... البقرة 256."... و اننا أصبحنا قادرين ان نعرف الحدود..

سلوكنا مع ذاتنا و مع الاخر توحي ان الانسانية ما تزال تعيش مرحلة البحث عن الضوء... و ان كثيرا مما نفعله هو من عالم الغي و ان الرشد ما يزال هناك بعيدا عن الحدود التي نرسمها... نؤمن بها و نقدسها و نفدي بها ارواحنا و ارواح الآخرين ....!!!..

في مقالة لاحقة سنحاول تبين الخيط الأبيض من الأسود في المفهوم الديني للدولة و المجتمع و علاقته بالإلحاد ...حبي للجميع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد