الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجلة الحكمة ودورها في نشكر الفكر التنويري في مدينة الحلة

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2018 / 2 / 26
الصحافة والاعلام


مجلة الحكمة ودورها في نشكر الفكر التنويري في مدينة الحلة
نبيل عبد الأمير الربيعي
احتضنت مدينة الحلة رواد الفكر التنويري منذُ مطلع القرن العشرين, وبرز في هذا السياق كل من الشيخ يوسف كركوش والشيخ عبد الكريم الماشطة والصحفي رؤوف جبوري والدكتور محمد عبد اللطيف مطلب والدكتور علي جواد الطاهر والدكتور أحمد سوسة والأستاذ أحمد حسون الخطاب وآخرين, وقد تمثلّت جهودهم الفكرية والتنويرية في رفد الحركة الثقافية في مدينة الحلة وإسهاماتهم في مجال الأدب والصحافة والدعوة لنشر السلام والمحبة بين صفوف الجيل الجديد في تلك الحقبة.
وقد برز من بين هؤلاء رائد التجديد والتنوير الصحفي رؤوف جبوري, في اسهاماته الصحفية ونشر الفكر التنويري بين صفوف الشباب مطلع ثلاثينيات القرن الماضي من خلال مجلته (الحكمة) التي حازت على الريادة في ميدان العمل الصحافي في المدينة, ولدور كتابها الفاعل في إغناء الحركة الفكرية التنويرية في المدينة خاصة وفي العراق عامة في نشر الفكر اليساري والفلسفي لمعالجة قضايا علمية قد تنوعت في الاختيار.
في هذا المقال نسلط الضور على رائد الصحافة في مدينة الحلة الصحفي (رؤوف جبوري) بسبب اسهاماته الصحفية في نشر الفكر التنويري في مدينة الحلة, رؤوف جبوري من عائلة بغدادية ولد في كرادة مريم في العاصمة بغداد عام 1911, وانتقلت العائلة بعد ولادته إلى مدينة الحلة الفيحاء لغرض التجارة, بدأ تعليمه في مدارس الحلة الرسمية, ثم تركها في الصف الرابع وارسله والده لمدينة النجف الأشرف ليكون طالباُ في العلوم الحوزوية الدينية, ثم حضر درس الشيخ يوسف كركوش الحلي في النحو في مدينة الحلة, وحضر دروس اساطين علماء حوزة النجف الأشرف, حيث مكثّ فيها عامين لينهل منها مختلف موضوعات العلوم الدينية(1), ثم عادَ إلى مدينة الحلة وسعى لتثقيف نفسه ذاتياً دونما كلل أو ملل, وحضوره دروس الشيخ عبد الكريم الماشطة مرات أخرى في دروس علميّ الفقه والأصول.
بعد مدة من الزمن تقدم لامتحانات الدراسة الثانوية كطالب خارجي ليجتاز بنجاح الامتحان الوزاري الذي مكنهُ من دخول كلية الحقوق في بغداد عام 1939م وتخرجه فيها عام 1943م.
ساهم رؤوف جبوري في نشر فكره التنويري أدبهُ وقصائده الشعرية ومقالاته في الصحف والمجلات الحلية والعراقية ومنها جريدة حمورابي المسائية, وكانت من ابرز نتاجاته وآثاره في تأسيس الصحافة الحلية مجلة الغد الاسبوعية التي صدرت بعد تعطيل مجلة الحكمة عام 1937م, وجريدة الحلة الاسبوعية الأدبية الثقافية التي صدرت بعد احتجاب مجلة الغد يوم 27 كانون الأول 1937.
كانت لمجلة الحكمة أول ظهور في شهر تشرين الأول عام 1936م في مدينة الحلة, إذ ساهمت في العمل على تنوير النخبة المثقفة في المدينة, إذ قال رؤوف جبوري في صفحتها الأولى "أرادت العناية أن تتحقق الفكرة التي كنت اصبو إلى تحقيقها منذُ بضع سنوات, فمكنتني الظروف (في هذه الأيام) من إنشاء مجلة الحكمة, لتكون مناراً للأفكار الحرّة, ومشعلاً للنهضة الثقافية... وعسى أن أوفق لإنجاز هذا الواجب الخطير, وهذا كل ما أرجو تحقيقه في هذه الحياة"(2).
كان لاستحصاله على امتياز صدور مجلة الحكمة دور في انشاء مجلة الحكمة من لدن الحكومة المحلية في مدينة الحلة لتكون مجلة شهرية تعني بالآداب والعلوم والسياسة والثقافة والتاريخ والفلسفة, وكان رئيس تحريرها رؤوف جبوري ومديرها المسؤول المحامي جلال عبد الرزاق, ومسؤول شؤونها الإدارية حمزة الفلوجي.
ولعدم وجود مطبعة صالحة في مدينة الحلة مما اضطر رؤوف جبوري إلى أن تطبع مجلته في مطبعة الغري في مدينة النجف الأشرف, وقد ساهم في دعم المجلة والثناء عليها متصرف لواء الحلة آنذاك أحمد زكي الخياط.
صدر من المجلة ستة أعداد ولستة أشهر, صدر عددها الأول في شهر تشرين الأول عام 1936م وعددها السادس والأخير في شهر آذار عام 1937م, وللراحل رؤوف جبوري مواقف سياسية في حقبة ثلاثينات واربعينات القرن الماضي, منها تأييده لانقلاب بكر صدقي عام 1936, كما ساهم في المشاركة في مظاهرات مدينة الحلة تأييداً للانقلاب(3), وانتسب في اربعينيات القرن الماضي إلى الحزب الوطني الديمقراطي حتى اصبح معتمداً لفرع الحزب في مدينة الحلة عام 1948م, وانتخب رئيساً له.
في الثاني عشر من شهر كانون الأول عام 1948م رحل الصحفي والأديب رؤوف بعد اصابته بمرض عضال وهو في ريعان شبابه مخلفاً وراءه زوجة وثلاث بنات.
مجلة الحكمة وأثرها في الوسط الثقافي الحلي
جاءت محتويات مجلة الحكمة في موضوعاتها المتنوعة, من موضوعات لغوية وادبية واجتماعية وفلسفية وتاريخية وسياسية ومعرفية متنوعة وبارزة, وقد ساهم رؤوف جبوري بكتابة موضوع في كل عدد صادر من المجلة, كما ساهم رواد الفكر والثقافة والأدب في كتابة المقالات فيها منهم : الشيخ عبد الكريم الماشطة, الشيخ يوسف كركوش, الطبيب رشيد معتوق, الاديب جعفر الخليلي, الاديب عبد المجيد لطفي, الاستاذ صادق كمونة, الاستاذ سلمان بيات, الباحث عبد الرزاق الحسني, الشيخ محمد علي اليعقوبي, الاستاذ عبد الامير علاوي, الاستاذ مهدي المخزومي, الاستاذ فاضل الجمالي, الاستاذ عبد الفتاح إبراهيم وآخرين , أي ما يقارب (45) كاتبا ساهموا في الكتابة في المجلة ولستة اعداد صادرة منها, وهؤلاء الكتاب يمثلون النسيج الاجتماعي للعراق ولأغلب مدن العراق منه (بغداد, النجف الأشرف, الناصرية, كركوك, الكوفة, البصرة, الرمادي), ومدن عراقية أخرى.
تناولت المجلة الموضوعات الأدبية والتاريخية والفلسفية والاقتصادية في اعدادها الستة, فضلاً عن عددها الخامس الصادر في شهر شباط عام 1937م, وفي مقال (فوضى المجتمعات الأوروبية. بقلم ع. حسن), والمقال يدعم اهتمام المجلة في مجال الاقتصاد السياسي وتحديد العلاقة بين الاقتصاد والسياسة لمناقشة المسائل ذات العلاقة بثروة البلد دون استبعاد الاعتبارات السياسية والمعنوية والاجتماعية عن المناقشة, فضلاً عن مقال آخر تحت عنوان (كيف تأسس المجتمع الرأسمالي؟) سلطت المجلة في هذا المقال الضوء على مفاهيم ومصطلحات في مجال الاقتصاد السياسي, وتوضيح العوامل المهمة لانهيار المجتمع الرأسمالي من خلال استغلال الرأسماليين للعمال والتحكم بنتاجهم, والتناحر الرأسمالي الصادم بينهما.
أما المقال الآخر في العدد السادس من المجلة , والصادر في شهر آذار 1937م فهو مقال من ترجمة الاستاذ عبد الجليل علي تحت عنوان (الاستعمار آخر مراحل الرأسمالية), إذ يوضح المقال عن كيفية ولادة الاستعمار وترعره في احضان الرأسمالية, مما استنتج المقال بأن الاستعمار هو آخر مراحل الرأسمالية والاستشهاد برؤية الفيلسوف كاوتسكي قائلاً "يجب أن لا نفسر ظاهرة الاستعمار كظاهرة اقتصادية, بل كظاهرة سياسية... وحينئذ نستقرئ أن الاستعمار بحاجة ماسة أو ضرورة للرأسمالية, والاستعمار نتاج الرأسمالية الصناعية المتطورة"(4), فضلاً عن أهمية مقال آخر في نفس العدد تحت عنوان (حقيقة الخلاف بين تروتسكي وستالين) لشهر آذار 1037م صفحة 431, والمقال يوضح حال التاريخ الروسي المعاصر, إذ يعالج المقال اسباب الخلاف بين القائد السوفياتي ستالين والمفكر تروتسكي, والتطرق للنظرية الماركسية ودور ادبيات التاريخ الروسي المعاصر في ثورة اكتوبر عام 1917م.
من هذا نستنتج أن مجلة الحكمة الحلية كان لها الدور الريادي في التنوير الفكري والثقافي والأدبي والسياسي في المجتمع الحلي, والبعض يؤكد أن للمجلة دور في رفد الفكر الماركسي في المدينة فضلاً عن دور الأستاذ عباس بلال في تأسيس الخلايا الأولى للشيوعية في المدينة متزامنة مع دور الأستاذ أحمد حسون الخطاب في هذا المجال, والمجلة قد حققت رسالتها الصحفية السامية التي اعلنته عن لسان حال صاحبها الراحل رؤوف جبوري, حتى باتت من المجلات المعتدلة ذات الشأن في حقبة منتصف ثلاثينات القرن الماضي, حيث اصبحت مجلة الحكمة منبراً ادبياً ثقافياً, وفكراً حراً من خلال تنوع مقالاتها المعرفية والثقافية والتنويرية, وتحطيم ركائز الجهل والتخلف في المجتمع الحلي آنذاك.


المصادر
1- د. صباح نوري المرزوك. رؤوف جبوري الصحفي والأديب. جامعة بابل, بلا دار نشر. 1998. ص2.
2- مجلة الحكمة. العدد الأول. تشرين الأول 1936. السنة الأولى. رؤوف جبوري . فكرة تتحقق.
3- عامر جابر تاج الدين. الحلة لمحات اجتماعية وإدارية وفنية 1858-1958 بغداد. دار الشؤون الثقافية. 2012م. ص269.
4- مجلة الحكمة. العدد السادس. دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة. 2017. ص422. ملاحظة: المجلة تمت اعادة نشرها بأعدادها الخمسة في دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة بالتعاون مع مدير متحف الحلة المعاصر الاستاذ علي عبد الجليل شعابث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب في الحزب الحاكم في بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري


.. التصعيد الإقليمي.. العلاقات الأميركية الإيرانية | #التاسعة




.. هل تكون الحرب المقبلة بين موسكو وواشنطن بيولوجية؟ | #التاسعة


.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. المتحدث باسم البنتاغون: لا نريد التصعيد ونبقي تركيزنا على حم