الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول وثيقة فلسطين دولة علمانية ديموقراطية واحدة (2)

حسن شاهين

2018 / 2 / 26
القضية الفلسطينية


مشروع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التاريخي

"المهم أن نهدم إسرائيل كدولة، ككيان عسكري وكيان سياسي وكيان اقتصادي. إسرائيل كدولة وكيان كلها في الحقيقة مرتبطة بالاستعمار وتشكل أداة عدوانية. وفي حالة تحطيم هذا الكيان تصبح أنت أمام مواطنين"
جورج حبش، 1969

"إن هدف حركة التحرر الفلسطينية هو إنشاء دولة وطنية ديموقراطية يعيش فيها العرب واليهود كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات"
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الاستراتيجية السياسية والتنظيمية

تحدث الجزء الأول من هذا المقال عن المشكلة التي افتُعلت بعد الإعلان عن توقيع أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحمد سعدات، على وثيقة فلسطين دولة ديموقراطية علمانية واحدة. وفي اعتقادي حسم ما ورد في ذلك الجزء اللغط الذي أُثير بلا داعي حول الموضوع، وكشف الحقيقة كما هي دون زيف، فنّد الاتهامات التي سيقت ضد الموقعين على الوثيقة وبيّن تهافتها، وأسكت الأصوات النشاز التي شكّكت وطعنت ودلّست. وهو استكمل بذلك المقال الأول حول هذا الموضوع الذي قمت بنشره في جريدة العربي الجديد.
سيبحث المقال في جزئه الثاني موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التاريخي من قضية الدولة الديموقراطية الواحدة، ويحاول أن يبين أوجه التلاقي بين موقف الجبهة الشعبية وما طرحته الوثيقة ووجه الاختلاف، ثم شرح الأسباب التي تجعل طرح شعار الدولة الواحدة اليوم ضرورة وطنية فلسطينية، استناداً إلى ثوابت الشعب الفلسطيني، والبرنامج التاريخي للجبهة الشعبية والثورة الفلسطينية المعاصرة.

تعود فكرة الدولة الديموقراطية إلى ثلاثينات القرن الماضي، حيث ظهرت في الشهادة التي قدمها الفلسطينيّون إلى لجنة "بيل" عام 1937، وعبروا خلالها عن رغبتهم بإقامة فلسطين موحدة ديموقراطية متعددة الأديان، والموقف نفسه طرحته المذكرة التي قدمها "حزب الدفاع" الفلسطيني إلى لجنة "وود هيد" في أيار/مايو 1938.
كما تبنت عصبة التحرير الوطني الفلسطيني (الحزب الشيوعي الفلسطيني فيما بعد) الفكرة في برنامجها السياسي عام 1946، الذي نص على أن حل المشكلة الفلسطينية بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة ديموقراطية تؤمّن الحقوق للعرب واليهود.
وتكرر المطلب الفسلطيني بفلسطين الموحدة اللاطائفية عام 1948 خلال وساطة "برنادوت" لحل النزاع.

بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة
كانت حركة فتح أول من تبنى شعار فلسطين دولة ديموقراطية من فصائل الثورة المعاصرة، حيث نصت المادة 13 من نظام حركة فتح الداخلي على: "إقامة دولة فلسطينية ديموقراطية مستقلة ذات سيادة على كامل التراب الفلسطيني تحفظ للمواطنين حقوقهم الشرعية على أساس العدل والمسماواة دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة وتكون القدس عاصمة لها".
توالى بعد ذلك إعلان الفصائل الفلسطينية المختلفة تبنيها لمشروع الدولة الديموقراطية، وقبل نهاية عام 1969 كانت جميعها قد تبنته صراحة، ونصت عليه وثائقها، باستثناء جبهة التحرير العربية التي شكلت امتداداً لحزب البعث العراقي، حيث أعلنت في بيان أصدرته نهاية آب/أغسطس 1969 أنها "تشجب محاولات إعطاء الهوية الفلسطينية صورة مختلفة عن الصورة العربية، وحتى في بعض الأحيان جعلها في تناقض معها".
كما عارضت القيادة التقليدية البورجوازية المُحتضرة للشعب الفلسطيني، ممثلة في الحرس القديم بمنظمة التحرير، والهيئة العربية العليا، التي لم تكن تعترف أساساً بتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية؛ فكرة دولة فلسطين الديموقراطية.

موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
أولت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أهمية خاصة لموضوع الدولة الديموقراطية، واعتمدتها هدفاً استراتيجياً، في برنامجها السياسي والتنظيمي الذي وضع في مؤتمرها الثاني عام 1969، كما أسهب أمينها العام جورج حبش، في شرح مشروع الجبهة لدولة فلسطين الديموقراطية، في كل لقاءاته الصحافية تقريبًا، نهاية الستينات.
وفي وقت وصلت فيه عملياتها العسكرية إلى أوجها، خاصة عمليات المجال الخارجي؛ كانت الجبهة حريصة على تعريف العالم على مشروع الدولة الديموقراطية، وأنه الرد الفلسطيني على عنصرية وفاشية المشروع الصهيوني. ونشرت كراسة باللغة الإنجليزية تحت عنوان: "فلسطين: نحو حل ديموقراطي"، وهي عبارة عن تجميع لقرار مؤتمر شباط/فبراير 1969 بهذا الخصوص، ولحوار أجرته جريدة الأنوار اللبنانية حول الدولة الديموقراطية، ولتصريحات جورج حبش لصحيفة الأحرار اللنبانية، ولمقابة أجرتها "بغداد أوبزرفر" مع أحد مسؤولي الجبهة. (شؤون فلسطينية، العدد الأول 1970).
إن الجبهة الشعبية لم تكتفي بطرح وتبني فكرة الدولة الديموقراطية الواحدة، بل جعلتها برنامجها ومشروعها السياسي، خصوصًا حين ضمنتها في استراتيجيتها السياسية والتنظيمية الصادرة عن مؤتمر شباط/فبراير 1969. وتحت بند "حرب التحرير الفلسطينية... أهدافها ومعانيها" نقرأ ما يلي:
إن "ارتباط نشوء الحركة الصهيونية بالاضطهاد الأوروبي ضد اليهود، وارتباط نشوء إسرائيل بالإضطهاد النازي لهم خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك سيطرة النفوذ الإمبريالي والصهيوني على قطاعات كبيرة من الرأي العام العالمي، بالإضافة على وجود قوى سياسية تدعي التقدمية والاشتراكية، مضافاً لهذه الصورة تأييد الاتحاد السوفييتي وبعض الدول الاشتراكية لقيام دولة إسرائيل، زائد خطأ بعض القيادات الفلسطينية والعربية في طريقة طرحها لطبيعقة المعركة ضد إسرائيل... كل ذلك أدى إلى تشويه حقيقة حربنا التحررية ومازال يهدد بتشويه الرؤية السليمة لحقيقة هذه الحرب في نظر الكثيرين.
إن حركة التحرير الفلسطينية ليست حركة عنصرية عدوانية ضد اليهود. إنها لا تستهدف اليهود، وإنما هدفها هو تحطيم دولة إسرائيل ككيان عسكري سياسي اقتصادي قائم على العدوان والتوسع والارتباط العضوي بمصالح الاستعمار في وظننا. إنها ضد الصهيونية كحركة عنصرية عدوانية، ترتبط مع الاستعمار، وتتخذ من آلام العالم الغني لخدمة مصالحها ومصالح الإمبريالية في هذا الجزء من العالم الغني بالثروات والذي يشكل مدخلاً لبلدان إفريقيا وآسيا. إن هدف حركة التحرر الفلسطينية هو إنشاء دولة وطنية ديموقراطية يعيش فيها العرب واليهود كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وتشكل جزءاً لا يتجزأ من الوجود الوطني العربي الديموقراطي التقدمي والمتعايش بسلام مع كل قوى التقدم في العالم.
لقد حرصت إسرائيل على تصوير حربنا ضدها كحرب عنصرية تستهدف القضاء على المواطن اليهودي وإلقائه في البحر. وهدفها وراء ذلك حشد كافة المواطنين اليهود وتعبئتهم لحرب حياة أو موت، وبالتالي فإن خطاً استراتيجياً أساسياً في حربنا ضد إسرائيل يجب أن يستهدف فضح هذا التزييف ومخاطبة الجماهير اليهودية المستغلة (بفتح الغين) والمضللة وتبيان التناقض بين مصلحة هذه الجماهير في العيش بسلام وبين الحركة الصهيونية والقوى المتحكمة في دولة إسرائيل.
إن هذا الخط الاستراتيجي هو الذي يكفل لنا عزل الطغمة الفاشية في إسرائيل عن كافة قوى التقدم في العالم. وهو الذي يكفل لنا كذلك، خاصة مع نمو الكفاح المسلح التحرري وتوضيحه هويته، توسيع شقة التناقض القائم موضوعيًا بين إسرائيل والحركة الصهيونية من ناحية وملايين اليهود المضللين والمستغلين (بفتح الغين) من ناحية ثانية".
وإن كانت الاستراتيجية التنظيمية والسياسية قد وطعت الإطار السياسي لمشروع الدولة الديموقراطية، وحددته هدفًا للنضال الوطني الفلسطيني؛ جاءت تصريحات جورج حبش الصحفية المتعاقبة لتشرح رؤية الجبهة لتطبيق هذا المشروع بعد انتصار الثورة.
وفي حديثه مع جريدة "الأحرار" بتاريخ 22 أيار/مايو 1970، قال إن عملية تحرير فلسطين "ستأتي تتويجًا لعملية توحيد وتغيير جذري تشمل المنطقة العربية والمنطقة المحيطة بإسرائيل بشكل خاص، وبالتالي ستكون فلسطين المحررة من الصهيونية والإمبريالية، وبشكل طبيعي جزءاً من وجود عربي ثوري موحد"، إلا أنه استدرك وقال إن "الحل الديموقراطي للمسألة اليهودية هو أمر آخر تماماً ذلك أن كافة المواطنين اليهود يجب أن يتمتعوا في فلسطين المحررة -المتحدة عضويًا بالوطن العربي والأمة العربي- بكافة حقوقهم كمواطنين دون أي تمييز".
وقبل ذلك بأشهر أدلى بحديث هام جداً لجريدة "الجريدة"، بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر 1969، تحدث فيه بتفصيل نادر عن كيف يمكن حل مشكلات تعايش اليهود والعرب في دولة ديموقراطية واحدة، ومن أهم ما جاء في ذلك الحديث: "المهم أن نهدم إسرائيل كدولة، ككيان عسكري سياسي وكيان اقتصادي. إسرائيل كدولة وكيان كلها في الحقيقة مرتبطة بالاستعمار وتشكل أداة عدوانية. وفي حالة تحطيم هذا الكيان تصبح أنت أمام مواطنين". وحين سُؤل كيف يمكن تحطيم الكيان مع بقاء المواطنين اليهود الذين هاجروا من جميع أنحاء الأرض، أجاب: "بعدما تنجح الثورة العربية في تحقيق هدفها يعني في تحطيم إسرائيل ككيان، بدها تصير مسؤولة أمام كل إنسان. فعلاً يعني مسؤولة عن تأمين حماية كل إنسان سواء كان مسلم أو مسيحي أو يهودي أو من أي طائفة".
وفي مكان آخر من المقابلة قال النص الأهم والأوضح وإن بلغة عامّية: "الواحد يتساءل أحياناً. إجمالاً هذه هي الصورة وهي أن كل اليهود مرتبطين بالصهيونية. لكن خلينا نسأل. بتعرف ما فيش شي دائم، ما فيش شي ثابت. كل شي بحالة تطور الآن في عندك الماكس بان، هذه المجموعة تدعو لضرورة إزالة آثار العدوان وضرورة الانسحاب. وفي جماعة دينية إللي أعلنت أنها ضد قيام إسرئيل. بدك تاخذ بعين الاعتبار في حالة نمو المقاومة. نمت المقاومة وظهر أنه في تصميم عربي فلسطيني أنه يضل كفاح كفاح كفاح حتى النهاية. أنا بتصور أنه كثير من المواطنين في إسرائيل بدهم يوقفوا أو يطرحوام السؤال: طيب إلى أين؟ فيما إذا الاستراتيجية العربية طرحت خط أنه نحن مش ضدكم كمواطنين. نحن ضد هذا اليكان.الواحد بيتساءل مش ممكن يوجد تيار اللي يقول نحن هدفنا نعيش كمواطنين؟ وأنه دولة فلسطينية ديموقراطية أفضل لتأمين سلامتنا ومستقبلنا ومستقبل أطفالنا من كيان إسرائيل. إذا وجد هذا الموضوع، عدا عن قيمه الإنسانية، طبعًا نحن منعطي ثورتنا هنا محتويات إنسانية نبيلة، عدا عن هذا الموضوع بالنسبة للمعركة. واضح أنك تخلق تناقض كبير في صف الخصم. نحن مشكلتنا الآن أن إسرائيل قيادتها السياسية والعسكرية ناجحة بإقناعهم بأنهم في البحر. بيسمعوا إنهم بالبحر وكلمالهم عم يتعبأوا. فإذا قدرنا نخلق مشكلة بين السلطة اللي هي رمز أعلى للصهيونية وبين الجماهير أو قطاعات. بيكون هذا تفكير مثالي. وحتى الآن إسرائيل بتزعم أن المقاومة مش أزمة تهدد وجودها تاريخياً وعندها أمل أن تقضي علينا. لكن في حال نمو المقاومة الواحد بيقول إنه بدها تبرز أشياء جديدة بين المواطنين في إسرائيل".
وبعد ذلك بعقود أكد جورج حبش على تمسكه بمشورع الدولة الديموقراطية الواحدة، في كتاب الثوريّون لا يموتون أبداً، 2009، الذي ختمه بالكلمات التالية:
"أنا مع دولة ديموقراطية وتعايش سلمي بين اليهود والفلسطينيين. تلك هي فلسفتي. وسأواصل النضال حتى النفس الأخير من أجل تحقيق هذا المثال".

أوجه التلاقي والاختلاف بين وثيقة فلسطين دولة علمانية ديموقراطية واحدة ومشروع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التاريخي للدولة الديموقراطية:

هناك تطابق كامل بين الوثيقة ومشروع الجبهة، باستثناء مسألة واحدة: العلمانية، التي لم ترد في أدبيات الجبهة الشعبية، لسببين باعتقادي؛ الأول الطبيعة المحافظة لقيادة الجبهة الشعبية، التي ظلت حاضرة ومؤثرة رغم تبني الجبهة للماركسية في البداية، ثم استرشادها بها في وقت لاحق، تلك الطبيعة التي قادت الجبهة إلى كثير من المواقف الأخيرة التي لا تنسجم مع منطلقاتها. وهي مسألة بحاجة إلى بحث أعمق لكن أذكرها هنا على عجالة. الثاني؛ رفض قيادة منظمة التحرير وفتح، وبشكل خاص ياسر عرفات لمسألة العلمانية، والتي التفت عليها حين تحدثت عن دولة فلسطين الديموقراطية اللاطائفية، التوصيف الذي وضعه نبيل شعث عام 1969 وتبنته فتح.
أما باقي المسائل مثل القضاء على الصهيونية ودولة إسرائيل، والاشتراكية، وحق الفلسطينيين بأرضهم التي هجّروا منها، والتعايش بين اليهود والعرب الفلسطينيين، فهناك توافق تام من حيث المبدأ، وإن بنت الوثيقة على المبدأ وطرحت تصورات لحلول بعض المشاكل التفصيلية التي ستظهر بعد القضاء على الصهيونية.

لماذا فلسطين دولة علمانية وديموقراطية واحدة:

منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية كان هناك مشروعان لا ثالث لهما؛ الأول الدولة الديموقراطية الواحدة، والثاني حل الدولتين. موافقة الجبهة الشعبية على حل الدولتين كان مشروطاً بعودة اللاجئين، كخيار "اعتراضي" كما ورد في أدبيات الجبهة لقطع الطريق على تيار التسوية في المنظمة، دون التراجع عن مشروع الدولة الديموقراطية، بدليل تضمينه في البند الأول من النظام الداخلي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. إن فشل مشروع الدولتين الواضح اليوم، علاوة على تنازل القيادة الفلسطينية الرسمية ومعها النظام العربي الرسمي عن حق عودة اللاجئين في مبادرة السلام العربية؛ يجعل التمسك من قبل الجبهة الشعبية بحل الدولتين أمر لا معنى له. المحاولة "الاعتراضية" فشلت فشلاً ذريعاً وبات لزاماً الاعتراف بذلك والعودة إلى المشروع الأصلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا