الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السعي إلى الرخاء .. كيف تنطلق الاقتصادات النامية 4 / 4

فتحى سيد فرج

2018 / 2 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


هذا الكتاب أوجد تمييزا مهما بين هذين النوعين من التدخلات الحكومية. فالأولى سياسات تيسر التغير الهيكلي بالتغلب على مشكلات المعلومات والتنسيق والعوامل الخارجية، التي تعتبر جوهرية للتطوير والتيسير الصناعي والتغير الهيكلي. ومثل هذه التدخلات تهدف إلى توفير المعلومات، والتعويض عن العوامل الخارجية، وتنسيق الدخول إلى الصناعة، وتحسين كل من البنية الأساسية الصلبة والناعمة حتى يتمكن القطاع الخاص من النمو بالتزامن مع التغير الهيكلي في الميزة النسبية للاقتصاد. أما الثانية فهي سياسات تهدف إلى حماية بعض المشروعات والصناعات المختارة التي تتحدى الميزة النسبية (محددة في بنية المؤهلات الموجودة) إما في قطاعات جديدة متقدمة جدا أو في قطاعات قديمة فقدت الميزة النسبية.
وكاقتصادي معني بقضايا السياسات العملية والنتائج على الأرض، فقد اخترت الخيار الثاني. أن أدخل مبديا النصيحة. وهذا هو مسوغ الاقتصاد البنيوي الجديد المطروح في هذا الكتاب. وأنا معجب بوانج يانجمينج الذي قال "المعرفة هي بداية الفعل، والفعل هو تتمة المعرفة". وأنا موافق تماما على ملاحظة المؤلف المسرحي الألماني العظيم جون فولفجانج فون جيته : "المعرفة ليست كافية؛ يجب أن نطبق. والرغبة ليست كافية؛ يجب أن نفعل". لقد أدركت أن صناع السياسات حول العالم قد يجدون في الإطار النظري للاقتصاد البنيوي الجديد دليلا مفيدا لتفكير إستراتيجي ولكنهم قد يظلون بواجهون عددا من الأسئلة المهمة: كيف يمكن أن يطبق هذا الإطار بشكل ملموس في ظل ظروف وقضايا محددة في بلدانهم؟ كيف يمكن تحديد الصناعات التي تتمتع بميزة نسبية كامنة؟ كيف يمكن إزالة القيود المكبلة وتيسير دخول الشركات الخاصة في هذه الصناعات؟
إن إطار تحديد وتيسير النمو هو الأداة التنفيذية للاقتصاد البنيوي الجديد. فهو يقترح أسلوبا لتصميم وتنفيذ سياسات صناعية مع أقصى فرص للنجاح، وبالتالي يضمن أن يظل النمو الاقتصادي عملية من التطوير الصناعي والتكنولوجي المستمر. إن ملامحه الأساسية تنطبق على كل من الاقتصادات مرتفعة الدخل والنامية. وفي الدول المتقدمة تميل معظم الصناعات لأن تكون على أعلى مستوى تكنولوجي عالمي، مما يعني أن التطوير يتطلب ابتكارا أصيلا. وبالإضافة إلى الأدوات اللاحقة مثل إعطاء براءات اختراع للابتكار الناجح ودعم منتج جديد من خلال الاقتناء، فإن الحكومة قد تستخدم أدوات مسبقة مثل دعم البحوث الأساسية أو فرض استخدام منتج جديد مثل الإيثانول.
ولتطوير وتنويع صناعات جديدة في الدول النامية، يمكن أن تستفيد الحكومات من ميزة التأخر باتباع الخطوات الست التالية:
• الخطوة الأولى: يجب أن ينتقي صناع السياسات دولا ديناميكية متنامية ذات بنى مؤهلات مشابهة ويزيد متوسط دخل الفرد فيها بحوالي 100%. ثم يجب أن يحددوا صناعات قابلة للتداول حققت نموا جيدا في تلك الدول على مدى السنوات العشرين السابقة.
• الخطوة الثانية: لو كانت بعض المشروعات المحلية الخاصة موجودة بالفعل في تلك الصناعات، يجب على صناع السياسات أن يحددوا العقبات التي تواجه التطوير التكنولوجي أو دخول مشروعات أخرى ويتخذوا خطوات عملية لإزالة تلك العقبات.
• الخطوة الثالثة: في حالات الصناعات التي لا توجد فيها مشروعات محلية، يمكن لصناع السياسات أن يحاولوا جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من الدول المدرجة في الخطوة الأولى، أو ينظموا برامج حاضنة للمشروعات الجديدة.
• الخطوة الرابعة: بالإضافة للمشروعات المحددة في الخطوة الأولى، يجب على الحكومة أيضا أن تولي اهتماما للاكتشاف الذاتي العفوي من قبل المشروعات الخاصة وأن تدعم توسيع نطاق الابتكارات الخاصة الناجحة في الصناعات الجديدة.
• الخطوة الخامسة: في الدول ذات البنية الأساسية الفقيرة وبيئة الأعمال الرديئة، يمكن استخدام مناطق اقتصادية خاصة أو مجمعات صناعية للتغلب على المعوقات التي تعوق دخول المشروعات والاستثمار الأجنبي المباشر وتشجيع تكون التجمعات الصناعية.
• الخطوة السادسة: يجب أن تكون الحكومة مستعدة لتعويض المشروعات الرائدة في الصناعات المحددة أعلاه بمزايا ضريبية لفترة محدودة أو بالتمويل المشترك للاستثمارات أو بإتاحة النقد الأجنبي.
تلك الخطوات الست تقدم إطارا عمليا لصناع السياسات لكي يستخدموه أولا في تحديد القطاعات التي يرجح أن تكون متسقة مع الميزة النسبية الكامنة للبلد ثم في تيسير دخول واشتغال المشروعات الخاصة في تلك القطاعات بإزالة القيود المكبلة وتقديم حوافز للمشروعات الرائدة والمبادرة.
"لاستطيع أي دولة أن تعتمد على معونات التنمية إلى الأبد. إن مثل هذه التبعية تجردنا من إنسانيتنا وتسرقنا من هويتنا، هكذا قال الرئيس الرواندي بول كاجامي في حديث صحفي مؤخرا. ولا يمكن التعبير عن القضية الجوهرية في لب التنمية بأكثر من هذه اللباقة. ففوق الأساس المنطقي المعتاد للنمو والحد من الفقر (دخول أعلى، وفرص عمل، ورفاهة إنسانية أفضل، وعالم أكثر استقرارا)، فإن المسوغ الحقيقي للنمو المستدام هو السماح لكل إنسان بأن يحقق أكثر الأهداف في الحياة حميمية وقيمة: تعظيم مدى تقديره لنفسه كعضو في مجتمع حيوي فعال. ولهذا فإن الفكر التنموي يدور في الحقيقة حول اقتصاديات الكرامة.
إن أهداف القادة السياسيين هي أن يبقوا في السلطة، وأن تكون لهم شهرة طيبة في التاريخ لو أن بقاءهم في السلطة لم يكن مهددا. وكما كتب كينز في الجملة الأخيرة من كتابه العظيم النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود، "ولكن، عاجلا أو آجلا، هي الأفكار، وليست المصالح الشخصية، التي يمكن أن تكون خطيرة في طيبتها أو شرها". إن جماعات المصالح الشخصية موجودة في كل بلد وفي كل زمان. والقادة السياسيون يملكون دائما قدرا من السلطات التقديرية وليسوا بالضرورة رهائن لمصالح شخصية. وبالأفكار الصحيحة، سوف يكون لدى القادة السياسيين الحوافز والقدرة على أن يغيروا مصائر أممهم. وأنا آمل من هذا الكتاب، الذي يتحدى الحكمة السائغة بينما يستفيد من التاريخ والتحليل الاقتصاديين، أن يساهم في أن تدرك كل دولة نامية إمكانياتها في النمو وفي السعي إلى الرخاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران