الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصاصات سيلوسية 9 من روسيا : ب من المخاوف الى مناطق اقامة قسرية لليهود

سيلوس العراقي

2018 / 3 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تتمة لقصاصة سابقة نشرت بعنوان
قصاصات سيلوسية 8 من روسيا : آ ـ مخاوف الارثوذوكس الروس من اليهود

نستكمل قراءات مختارة من كيفية تدرج تعامل الروس مع اليهود من الخوف المطلق منهم الى اتخاذ مواقف أكثر واقعية نسبيًا لأسباب قسرية حكمها واقع التطورات الجيوسياسية حينها وأحيانا ديماغوغية أو دينية أو تجارية، من دون زوال الخوف تمامًا، ليصح قولنا فيها : تعدّدت الاسباب والخوف واحد من اليهود

ففي زمن الامبراطورة كاترينا الكبيرة التي وإن لم تكن تحمل كراهية وضغينة في داخلها تجاه اليهود، لكن لأسباب سياسية تهدف الاستقرار والتوازن في البلاد، تمسّكت بالتقليد المتميز بالتمييز العرقي. وبعد شهرين من وفاة زوجها أصدرت تشريعًا غير قابل للنقاش : ـ

اليهود من الذكور ومن الأناث ممّن يتواجدون في اوكراينا وفي مدن روسية أخرى، يجب أن يتم اقصاءهم حالاً الى الحدود الروسية، ومذّاك لن يكونوا مقبولين في روسيا لأي حجة أو ذريعة كانت، وستتم مراقبة ذلك في
كلّ الأراضي الروسية بدقة وصرامة

في الحقيقة لم تكن عملية اقصاء اليهود عملية سهلة وفورية، لأسباب الفساد في الدولة ولسبب الحيل والخداع اللذان رافقا عملية التنفيذ، بالرغم من كلّ الأصوات وبالذات أصوات التجار الروس التي كانت تأمل التخلص من اليهود لتحقيق مكاسب ومنافع مالية
فيقول ديديروت مثلا بأن دخول اليهود الى روسيا يمكنه أن يسبّب خسارة فادحة للتجار الصغار الروس، لأن اليهود في هذا المجال يستحوذون على كلّ الأعمال

في عام 1743 ابنة بطرس الأكبر، اليزابيت بيتروفنا، أصبحت امبراطورة، وأوضحت موقفها بوضوح منذ بداية تسلمها لمسؤوليتها : ـ
من لدن أعداء المسيح لا أحبّ أن أجني لا فوائد ولا أرباح

وتم الابقاء على اليهود في منطقة هامشية من الامبراطورية القيصرية في فترة حكم كاترينا الثانية ففي بين السنوات 1789 ـ 1796 بدأ اليهود بالسكن في أرضٍ أصبحت تدريجيًا ما أطلق عليه
certa osedlosti
or
residence zone

منطقة الاقامة القسرية

وكان مصير هذه المنطقة التوسع في كلّ مرة تقوم بها روسيا في ضمّ أراضٍ جديدة بولونية، غالبية سكانها من اليهود، واستمر حالها هكذا لغاية ثورة اوكتوبر 1917

نتيجة لذلك وباختصار، منذ نهاية القرن الثامن عشر وصل عدد اليهود في مناطق الاقامة القسرية المتوسعة الى 750 ألف وحدة أغلبهم كانوا من أراضٍ بولونية تم ضمّها الى روسيا
مما اضطرّ القيصر الروسي بولس الأول في عام 1799 الطلب من أحد خبرائه المقرّبين منه المدعو، كابريلا ديرتشافين، (وهذا كان أيضًا شاعرًا روسيًا شهيرًا ) في وقت ضرب فيه الجفاف والمجاعة روسيا البيضاء، وتم اتهام اليهود حينها بأنهم السبب في انتشار المآسي وبتشجيع الشعب على الافراط في تناول الخمور. كلّفه القيصر بالقيام بتحليل ودراسة للمشكلة. وتضمّن تقريره المؤلف من 88 نقطة مشروعًا لاصلاح واعادة تنظيم الجماعات اليهودية الكبيرة
ومما جاء فيه من تناقضات غريبة: ـ

ان اليهود هم أذكياء، ذوو فطنة وثاقبي الفكر، لهم روح مرحة، قنوعين ومعتدلين، يفرحون بالقليل.... لكن من جهة أخرى، فهم مضحّون، نتنون، كريهو الرائحة، كسالى، عاطلين عن العمل، محتالين ومكارين، جشعين، غدّارين، خبثاء، أشرار، سيئين ..وهلمّ جرًا
الكثير منهم يحملون أسماء متشابهة وكأنها ذات الاسماء فأغلبهم لهم أسماء : موشي، ابرام، ليبا، لازاروفيتش، حاييموفيتش وهكذا..وكلهم يلبسون لباسًا أسود، فيزرعون الحيرة ويجعلونك تفقد الذاكرة حين تريد تعدادهم أو التمييز بينهم فرادى. وهذا يثير مشكلة وحيرة بالأخص في مجالس القضاء والمحاكم المدنية، فمن الصعب عليك العثور على المتهم: فيتم احضارعدد كبير منهم وليس من بينهم المطلوب. وهذه فقط أمثلة بسيطة حول دهائهم ومكرهم وفطنتهم

اندهش ديرتشافين لما كان عليه اليهود من استعداد للتضحية بكلّ شيء من أجل دراسة التلمود، ومع أنه يعتبر من متنوري زمانه ظنّ بأن ليجندا "طقوس القتل" التي أقلقت نوم الروس وسبّبت لهم الكوابيس يمكن أن يكون قد تم اخراجها من اساسها. لكنه كان مقتنعًا بأن السيناغوغات لم تكن سوى أوكارٍ لزرع الكراهية ضد المسيحية وللخرافات التي تمكّن الجماعة من تشكيل خطر في تأسيس دولة داخل الدولة، وانه لم يستبعد وجود يهود متطرفين يقومون بين وقت وآخر بأعمال وحشية تستند الى خلفية طقسية
وقدم ديرتشافين للقيصر بولس الأول مقترحاته لبرنامج اصلاحيّ
من جهة يقترح بدفع اليهود أو اجبارهم على التخلي عن تقاليدهم وعاداتهم، وتوجيههم نحو امتهان الحرف والزراعة، ويقترح نقل بعضهم الى منطقة نوفوروسيا
ومن جهة أخرى يقترح اجبارهم على التحدث باللغة الروسية وتبني الثقافة الغربية، كوسيلة لتشجيعهم على الانفتاح على مباديء المسيحية
لكن سيموت القيصر بولس بعد استلامه لتقرير ديرتشافين ومقترحاته لاصلاح الحال في الجماعات اليهودية، ولم يكن موته بسبب التقرير اياه ولم يمت على أيدي اليهود بل مات ميتة طبيعية
ماذا سيكون مصير تقرير ديرتشافين ؟


نلتقي بسلام
في قصاصة سيلوسية لاحقة من روسيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السؤال الأزلي
معلق قديم ( 2018 / 3 / 10 - 15:43 )
بكل صدق وحسن نية أحاول تعريف من هو اليهودي وأتصور أن الرد ليس بسيطا يمكن تلخيصه في جملة واحدة

من المقال فهمت وقد أكون أسأت الفهم _ أن اليهود حينئذ لم يكونوا يتحدثون بالروسية
وكانت أزياؤهم تختلف عن باقي الناس...أأفهم أنهم غير روس وفدوا من بلاد وسط أوروبا
وكذلك عاداتهم وتقاليدهم بل وصفاتهم الجسمانية منها والذهنية...أهم أجانب إذن؟

فهل اليهود جنس؟ (يعني موضوع جينات وكروموزومات..فكيف ومن أين العيون الزرقاء والشعر الأشقر؟) يبدو ان التعريف كجنس بشري لا يصلح

هل يشكلون قومية تختلف عن باقي قوميات سكان أوروبا؟..وفي هذه الحال ما الغريب أن تشرّع البلاد الأوروبية قوانين وتنظيمات لحصر أو حظر تواجدهم في أقاليم أو مدن أو مناطق فيها فهذا واجبها تجاه شعوبها؟


أسئلتي ليست في سبيل الحذلقة
أقول بصدق تام أنني لا اهدف إلى كسب النقاط بل هي لأفهم وأكوّن رأي فالبشر في اعتقادي متساوون لكن موضوع القوميات والأديان يجب الاعتراف بوجوده والأخذ به

ليتك يا أستاذنا تكتب لنا مقالا وافيا واضحا في ذلك

اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة