الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في ظاهرة التحرُّش الجنسي – التعريف، السلوكيات، الأسباب و العلاج.

نضال الربضي

2018 / 3 / 7
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها


قراءة في ظاهرة التحرُّش الجنسي – التعريف، السلوكيات، الأسباب و العلاج.

تعريف التحرش الجنسي
--------------------------
تُعرِّف ُ لجنة تكافؤ فرص العمل الأمريكية EEOC تعبير: التحرُّش الجنسي، و بحسب وثيقة باللغة الإنجليزية، منشورة على موقع الأمم المتحدة *** تحمل العنوان: "ما هو التحرش الجنسي؟"، على أنه:

1 أي سلوك "غيرُ مرحَّبٍ به" Unwelcome يتسم بطابع جنسي،
2 أو أي سلوك يتضمَّن طلباً لتحقيق رغبة (خدمة، حاجة) جنسية،
3 أو أي قولٍ أو فعل ٍ بشكل ٍ عام له طابع جنسي بحيث:

أ يكون الرضوخ لهذا السلوك و القبول معيارا ً مباشرا ً أو شرطا ً غير مباشر، يؤثر على الحالة التوظيفية للفرد.

ب يتم استخدام قبول الفرد أو رفضه للسلوك، كأساس لاتخاذ قرارات تؤثر على الفرد.

ج يكون هدف السلوك أو نتيجته، التدخل (التأثير) غير المنطقي (غير المبرَّر) في أداء الفرد الوظيفي أو خلق بيئة عمل عدائية أو غير مريحة أو مُهينة.

و تمضي الوثيقة إلى تعريف ٍ شديد الوضوح و الدقة لتعبير: غيرُ مرحَّب ٍ به Unwelcome، لِتُبيِّـن أنه لا يعني على الإطلاق أن الضحيَّة التي تتعرض ُ له سترفضه بالضرورة أو لن تتجاوب َ معه، بمعنى أن َّ: الضحية قد تقبل طوعا ً السلوك على كونه مُهينا ً لها، و من الممكن أن تتجاوب معه و لا تُعلن رفضها، دون أن يكون هذا القبول أو التجاوب سببا ً لتحويله إلى سلوك ٍ مشروع، و بإقرار ٍ واضح ٍ و صريح أن القبول أو التجاوب من الضحية لا يغيران من كون السلوك: تحرُّشا ً جنسياً.


سلوكيات التحرش الجنسي
---------------------------
نجد في الوثيقة ِ ذاتِها لائحة َ سلوكيات ٍ مُحدَّدة يشملها تعبير ُ "التحرش الجنسي" مثل:

- الاعتداء الجنسي بشكل ٍ عام، أو محاولة الاغتصاب، أو الاغتصاب الفعلي.
- الضغط على الضحية لتقديم خدمات (إشباع رغبات) جنسية.
- السلوك غير المرغوب من الضحية (الذي لم تطلبه) بأن يتم لمسها، أو الالتصاق بها (الميل عليها)، أو التضيق الجسدي عليها (حشر في مكان ضيق)، أو قرصها.
- نظرات أو إيماءات جنسية لم تطلبها الضحية.
- كل ما ترفضه الضحية من رسائل أو مكالمات هاتفية أو أي مادة تُرسل لها، ذات طابع جنسي.
- الضغط على الضحية لقبول المواعدة و اللقاءات.
- مضايقة الضحية بكلمات أو نكات (جمع نكتة) أو ملاحظات أو أسئلة، ذات طابع جنسي.

- استخدام كلمات توصيف للضحية تحمل معنى ً جنسيا ً (ملاحظة من الكاتب: لن أترجم الكلمات الإنجليزية التي استخدمتها الوثيقة كونها خاصة بالمجتمعات الغربية و سأضع بدلا ً عنها ما نستخدمه في مجتمعاتنا مما أعرفه، و لا أزعمُ الإحاطة بجميع الكلمات لكن أقدم بعضها و للقارئ الكريم أن يقيس َ عليها)، مثل كلمات: خسِّه، جمل، فرسه، مكنه، شقفه، قطقوطه، حُصتي، صاروخ، قنبلة، طريِّه، ملبن، لهطة قشطة، بتخصني،...الخ مما يحمل ذات الطابع الجنسي أو الحميمي غير المبرر.


- إصدار صوت تصفير.
- إصدار صوت مواء قطة.
- التعليقات ذات المضمون الجنسي.
- تحويل مجرى بعض المحادثات أثناء العمل عن موضوعها إلى موضوعات جنسية.
- أي حديث يحمل تلميحات ٍ (و لو خفيفة) جنسية، أو يحتوي على قصص جنسية.
- سؤال الضحية عن أحلامها أو خيالاتها أو رغباتها الجنسية، أو عما تفضله في الجنس، أو عن تاريخها الجنسي.
- الأسئلة الشخصية عن الحياة الاجتماعية أو الحياة الجنسية (ملاحظة من الكاتب: لا يبدو لي موضوع السؤال عن الحياة الاجتماعية تحديداً ذا معنى ً مرتبطٍ بالتحرش الجنسي إلا إذا كان يهدف إلى تحقيق غرض جنسي أي إلا إذا كان في سياق الفعل أو القول أو المضمون الجنسي، مع تأكيدي على أن الأسئلة الشخصية عن الحياة الاجتماعية تعتبرُ قلَّة ذوق في أحسن الحالات و انتهاكا ً فضوليا ً للخصوصية بالمجمل ممجوجاً بطبيعته).

- التعليقات ذات الطابع الجنسي عن ملابس الضحية أو شكل جسدها أو مظهرها.
- إصدار أصوت تقبيل أو أصوات حيوانية (عِواء، نُباح، الخ) أو التمطُّق بالشفتين، بحضور الضحية.
- نشر الإشاعات أو القصص الكاذبة عن حياة الضحية الجنسية.

- عمل مساج لرقبة الضحية، أو لكتفيها (ملاحظة من الكاتب: يبدو هنا بوضوح شديد كيف يلجأ المُعتدي إلى سلوكيات قد تبدو بريئة أو تودُّدية من باب الصداقة أو العشم أو القُرب النفسي، أو كسلوكيات كانت ستكون مرغوبة من الضحية أو مُتداولة في بعض البيئات الثقافية لكن فيما لو كانت في سياق ٍ آخر، بينما هي في حقيقتها ترجمة خبيثه لغريزة العدوان الجنسي التي يحملها لكن في صورة يُراد لها أن تنسجم مع الإطار الحضاري أو الثقافي له و للضحية).


- لمس ثياب أو شعر أو جسد الضحية في مكان العمل.
- تقديم الهدايا الشخصية.
- المكوث في حيز الضحية (بشكل غير مبرر).
- الاحتضان، التقبيل، التربيت على الجسد و تحسُّسه (بتمرير اليد، فيما يُعرف بـ: التحسيس أو الحلمسة).
- لمس جسد الضحية، أو فركه بجسد المُعتدي، بصورة جنسية، بحضور شخص آخر.
- الاقتراب من الضحية (الوقوف غير المبرر بجانبها)، أو الاحتكاك بجسدها.
- أن يقوم المعتدي بالنظر إلى الضحية من الأعلى إلى الأسفل (بشكل كامل) أو بالعكس.
- التحديق في الضحية.
- إرسال الإشارات التي توحي بمضمونها الجنسي.
- تعابير الوجه ذات المضمون أو الإيحاء الجنسي، و الغمز بالعين، أو إرسال القبلات الهوائية، أو لعق الشفتين (ملاحظة من الكاتب: في مجتمعاتنا الشرقية نجد سلوكا ً مشابها ً هو العض على الشفتين).
- القيام بالإيماءات الجنسية بواسطة اليد أو الجسد.


ضحايا التحرش الجنسي
--------------------------
استخدمتُ في الفقرات السابقة كلمة: الضحية، لوصف كل من يقع عليه فعل التحرش سواء ً كان المُتضرِّرُ: أنثى أو ذكر، فقد يكون المُعتدي ذكراً (كما في الغالبية الساحقة من الحالات) و الضحية أنثى، أو في حالات أقل (بكثير، شبه معدومة) قد تكون الضحية ُ ذكرا ً و المُعتدي أنثى.


أسباب التحرش الجنسي
-----------------------
قبل الغوص عميقا ً في جذور التحرش الجنسي لا بدَّ أن نتخلص من أي أوهام ٍ أو هذيانات (اعتقادات تخالف الوقائع و الأحداث) بأن الضحية تتحمَّلُ مسؤولية ما يقع عليها من سلوكيات، على اعتبار أنها قد أثارت الغريزة الجنسية للمُعتدي، و فرضت عليه سلوك التحرش. و هنا لا يمكننا إلا أن نقف باندهاش أمام محاولات تبرير و إضفاء مشروعية كاذبة على أعمال خسيسة بواسطة ما يُراد له أن يبدو أنه منطقي أو طبيعي بينما لا يعدو كونه سفسطة مُتهافتة و تدليساً مفضوحاً، لشرعنة سلوكيات الاعتداء بهدف زرع ثقافة قبولها في الوجدان المجتمعي لضمان تكرارها من جهة، و تسهيل الظروف للمعتدي من جهة أخرى، و تغيب أي مُساءلة اجتماعية أخلاقية أو ملاحقة قانونية له من جهة ثالثة. و يجب ُ علينا هنا أن نقول بكل وضوح أن سلوك الاعتداء و التحرش مرفوض في ذاته، و مُدان أخلاقياً، و خاضع للملاحقة القانونية.

بالنظر ِ إلى أسباب التحرش الجنسي أرى أننا أمام عوامل عدَّة منها:

- الكبت الجنسي الذي يعودُ إلى تربية صارمة تحرِّم الحديث عن الجنس تلميحا ً أو تصريحاً، و تخلو من: أي معاملة مع الحاجات الجنسية للمعتدي أو مناقشة للأسئلة الفطرية الطبيعية.


- أو التربية المُنحلَّة غير الخاضعة لأي ضابط، و التي تشترك مع الأنواع الحيوانية (كلاب، قطط،الخ) في اتخاذ أقل الوسائل ارتقاء ً و أكثرها انحطاطا ً و تلقائية ً لإشباع الغرائز و الحاجات، دون تهذيب أخلاقي، أو مذهب حياة أو ثقافة إنسانية، تستمد من العقل طرقها و وسائلها و أساليبها الحضارية لإشباع الغرائز.


- أو الجهل في التعامل مع متطلبات الغريزة الجنسية نظرا ً لغياب الثقافة الجنسية.


- أو غياب الإشباع الصحِّي لغريزة التفاعل غير الجنسي مع الجندر الآخر، بحيث يتم تصريف طاقة هذه الحاجة عن طريق القناة الجنسية على الرغم من كونها في الأصل حاجة غير جنسية.

- أو الثقافة المجتمعية الذكورية في حالة كون المُعتدي ذكراً، و التي تضع سلوك التحرش ضمن الطيف السلوكي المقبول طالما بقي َ مسكوتا ً عنه، و تدينه بشكل ٍ ناعم ٍ جزئي في حال خروجه إلى العلن أو تسليط الضوء عليه مع الحرص عندها على تناول الموضوع بشكل ٍ مُبتسر لوقت ٍ قصير مع الإشارة بالاتهام إما ً ضمنا ً أو صراحة ً للأنثى الضحية و تحميلها كامل المسؤولية أو جزءا ً منها.


- غياب الثقافة الإنسانية عن وجدان المُجتمع الذي تكثر فيه التحرُّشات و تشكِّل ظاهرة مُلفته (دون نفي وجودها في المجتمعات المتحضرة لكن لا كظاهرة إنما كحالات فردية لا يُعتدُّ بها)، و استشراء ثقافة بدائية مهووسة بالأنثى، تُعلي من قيمة الذكر و تعطيه حق الوصاية الشاملة على فكرها و سلوكها و جسدها و حرِّيتها في المُجمل و حقوقها الإنسانية التي يدعمُ القانون نقصها و دونية َ استحقاقاتها أمام الذكر.


علاج التحرش الجنسي
-------------------------
بالنظر إلى المجتمعات العلمانية المتحضرة، و التي ترفض التحرش الجنسي كثقافة و فكر و سلوك، و تنخفضُ فيها نسبُ التحرُّش تبعا ً لذلك، نجد أننا بحاجة إلى تبني ذات الأسباب التي أدَّت إلى غياب هذه الظاهرة عندهم، و ألخِّصُها فيما يلي:

- سيادة الفكر الإنساني الذي يرى أن البشر متساوون في الكرامة الإنسانية و الجوهر الإنساني و الحقوق، و بالتالي ينظر للمرأة على أنها إنسان لا كائن جنسي، و بحسب كرامتها الإنسانية لا من منظور حاجة الذكر الجنسية لها.

- سيادة مبدأ الحرِّيات الذي يعترف لكل إنسان بحقه في أن يحيا كما يحب و يرتدي ما شاء و يمارس نشاطاته اليومية بدون رقابة من المجتمع أو وصاية من مجموعة ٍ ما أو تقديم ٍ للذكر على الأنثى، و بالتالي يصرف الذهن نهائيا ً عن الانشغال بالأنثى و مراقبتها و الهوس بها و التمركز و الدوران حولها و في فلكها.

- تدريس مادة الثقافة الجنسية في المدارس و الجامعات، و التي تتم صياغتها بشكل علمي نفسي مدروس غير مثير للغرائز، و ضمن إطار إخلاقي جميل يستمدُّ قوته و مضمونه من الفلسفات الإنسانية العالمية و المُخرجات الحضارية الشمولية للنوع البشري.

- العمل على الارتقاء بالفكر و الذوق العام من خلال تدريس مواد: الفلسفة، الفنون المسرحية، الآداب، الرسم و الموسيقى العالمية، في المدارس منذ سنوات الطفولة الأولى، و في الجامعات، و إعطائها قيمة مساوية للمواد التي تشكِّل معاير تقيم للتحصيل الدراسي، و الحرص على عدم تهميشها أو اعتبارها مواد اختيارية.

- بناء مراكز التفاعل الإنساني (مدارس، جامعات، مؤسسات عمل حكومية و خاصة، أماكن ترفيه و خدمات، نوادي،الخ) بحيث يكون اختلاط الذكر و الأنثى طبيعيا ً ضمن سياق أهداف تلك المراكز (تعليم، اقتصاد، إشباع حاجات إنسانية، الخ).

- تعديل الدساتير و القوانين للاعتراف بالحق الإنساني في الكرامة الإنسانية القائمة على المساواة بين الجندرين، و بتجريمٍ واضح ٍ و صريح لجميع ممارسات التحرش الجنسي.

في النهاية: أشكركم(نَّ) جميعا ً لتفضلكم(نَّ) بالقراءة، و أتمنى أن أكون َ قد قدَّمتُ مادة ً ذات فائدة للقارئ الكريم يستطيع أن يبنى عليها و بشكل ٍ شخصي - ليلتقي مع الآخر في النهاية - قناعة ً و منهجا ً و ثقافة ً تُعلي من شأن الإنسان، الذي هو عندي دائما ً و أبداً: المقدَّس الأول!


--------
المصادر:
*** وثيقة منشورة على موقع الأمم المتحدة بعنوان: What is Sexual Harassment؟
http://www.un.org/womenwatch/osagi/pdf/whatissh.pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
موريس جهارة ( 2018 / 5 / 10 - 09:22 )
مرحباً
بما أنك أردني وابن ثقافة البادية تلك
أنا صدمت بتعليقات الأردنيين على مواقع التواصل
شاهدوا نساء بلا حجاب ترقص فالكل من وراء الشاشات يكتب ويعلّق تظن لوهلة أنهم يحملون سكاكين ليهجمون بها ويفرّغوا أمراضهم العقلية والنفسية لكن شاشات الكمبيوتر تمنعهم
إما تعليقات غاضبة وتهدد بالقتل أو اعتبارهم يرقصون بملهى تعرّي وبذاءة وجنون جنسي

أتمنى أن تشاهد التعليقات بالمقطع هذا بالرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=rx6wHAeOQ1w&feature=youtu.be&t=20s


2 - تعليق
موريس جهارة ( 2018 / 5 / 10 - 11:23 )
وأتمنى لو ترد وتعلّق على ذلك


3 - الأخ موريس جهارة
نضال الربضي ( 2018 / 5 / 10 - 11:56 )
تحية طيبة أخي موريس و شكرا ً لتعليقك،

بالنسبة لكلامك أني أردني و ابن ثقافة البادية أقول:

نعم أنا أردني، لكني أعدت تشكيل ثقافتي، لذلك أعتبر أن ثقافتي إنسانية لا بدوية و لا مذهبية.

بالنسبة لصدمتك من التعليقات على فيديو اليوتيوب أقول:

- المعلقين كما قرأت كانوا من جنسيات كثيرة، و كلهم انطلقوا في تعليقاتهم من مبدأ تنزيه النفس و تبخيس الآخر و إفراغه من قيمته، و هي الثقافة السائدة للأسف في البلدان العربية بشكل عام (مع الاعتراف بوجود استثناءات).

- من جهتي فأنا لا أقرأ التعليقات على الصفحات العامة سواء ً الفيسبوك أو اليوتيوب أو غيره، لأن خبرتي مع المعلقين أفادتني أن المجموع العام لا يتصرف بعقلانية أو أخلاقيه لكن يتصرف ككيان جمعي بدائي ينفث العدوانية، و بالتالي لا أتوقع أن يخرج عنه سوى ما تفضلتَ بإبرازه. نصيحتي لك أن تستثمر وقتك وجهدك في قراءة مواضيع مفيدة أخي الكريم.

في الماضي كتبتُ هذا المقال عن ظاهرة قريبة جدَّاً، يمكنك الاضطلاع عليه تحت هذا الرابط:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=486127

أتمنى لك نهارا ً سعيداً.

اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة