الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار حول أسباب التحرش الجنسي

سعيد الكحل

2018 / 3 / 8
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها


ماهي أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي؟
يمكن التركيز على المجتمعات العربية التي تحتل المراتب الأولى فيما يتعلق بانتشار ظاهرة التحرش الجنسي لمحاربة هذه الظاهرة . فهذه المجتمعات تتميز بهيمنة ثقافة الذكورة على تفكير وسلوك ووجدان شعوبها مهما كانت الوضعية التعليمية والاجتماعية لأفرادها. يضاف إلى هذا العامل سبب آخر وهو غياب القانون الذي يحمي النساء من كل أشكال العنف في الفضاءات الخاصة والعامة معا.
1ــ العوامل الثقافية لظاهرة التحرش : يتداخل الديني بالثقافي في تحديد صورة المرأة في المجتمعات العربية اعتبارا لارتباطهما وتفاعلهما على مدى قرون . فالدين الإسلامي ، وإن تضمن نصوصا ترقى بإنسانية المرأة وحقوقها وتسمح بالاجتهاد في أفق تكريس تلك الحقوق في كل أبعادها ، فإن الأعراف الاجتماعية وثقافة النخاسة والجواري تلبّست بالدين وصارت جزءا لا يتجزأ منه . لقد اعتاد الإنسان العربي على وجود فئة من النساء حولتها الصراعات القبلية إلى إماء وجواري يتناقل ملكيتها الأفراد، وغدا جسدها بدون حرمة وملكا مشاعا حين يخرج إلى الفضاء العام . ثقافة الجواري هذه استبطنها الإنسان العربي وصارت توجه سلوكه وتحدد مواقفه من المرأة كلما انفرد بها أو تواجد معها في الفضاء العام . وقد جاء القرآن ببعض التعاليم عساها تحد من الاعتداء الجسدي على النساء ،خاصة الحرائر اللائي طالبهن بوضع علامات تميزهن عن الجواري فلا يؤذين (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب :59) . هذه الثقافة كانت تعتبر جسد النساء مستباحا في الفضاءات العامة ، وظلت توجه سلوك هذه الشعوب إلى اليوم . فما أن يجد الرجل العربي نفسه وجها لوجه مع المرأة في الأماكن العامة حتى يستيقظ فيه ”الذكَر” العربي صاحب السيادة والسلطة على المرأة التي تظل بالنسبة إليه ”جارية” فثقافته الموروثة تشجعه على استباحة جسد الأنثى ولا تردعه أو ترقى به؛ ثقافة لا تربي فيه عامل الكبح بقدري ما تذكي فيه عناصر الهيجان الغريزي.
هكذا يلعب العامل الثقافي دورا أساسيا في تحديد سلوك الأفراد تجاه النساء ،الأمر الذي يشجع على التحرش ويشرعنه . وقد شجعت التنظيمات الإسلامية هذه السلوكات التي تستهدف كرامة النساء وأجسادهن بأن ضخمت الميولات الجنسية لدى أفرادها وعموم الأفراد عبر إشاعة ثقافة تجعل المجتمعات ضحية النظرة الجنسية للمرأة ،بحيث صار الذكور يرون المرأة ويفسرون تصرفاتها بغرائزهم الجنسية . فكثير من شيوخ ودعاة هذه التنظيمات يحرضون على تعنيف النساء بدون حجاب ولا يتورعون في توصيفهن ب“اللحم المكشوف” و“الحلوى المكشوفة”التي تجلب الذباب؛ بل منهم من أفتى بوجوب نهش أجساد الإناث بدون حجاب .
2 ــ غياب القوانين التي تحمي النساء من كل أشكال العنف . بل إن القوانين التي لازالت سائدة في كثير من المجتمعات العربية تشرعن العنف وتجعله عامل ردع المرأة وإعادة تربيتها وتوجيهها ،خاصة العنف الزوجي . كما لازالت معظم الدول العربية تمتنع عن وضع تشريعات تحمي النساء في الفضاءات العامة رغم العرائض والمطالب التي ترفعها الهيئات النسائية والحقوقية .
ليس غريبا إذن ، أن نجد قوانين الأحوال الشخصية تربط الإنفاق على الزوجة بالمتعة ، بحيث تسقط النفقة عن الزوجة الناشز . فضلا عن كون المجتمعات العربية تحمّل النساء مسئولية العنف والتحرش الذي يتعرضن له نتيجة هذه الثقافة التي تحصر المرأة في بعدها الجنسي وتجعلها سبب إثارة شهوات الذكور .

لماذا يتم التكتم على التحرش الجنسي في معظم الحالات؟ حتى في الدول الغربية المتقدمة؟
أكيد أن نسبة التكتم على التحرش الجنسي متباينة بين المجتمعات العربية والمجتمعات الغربية لاختلاف الثقافات والأعراف والقوانين ؛مما يسمح لنا أن نتابع قضايا تتعلق بتهم التحرش مرفوعة ضد رؤساء دول أو رؤساء حكومات غربية، بينما تنعدم في دولنا العربية . ففي المجتمعات العربية لا عذر لأي سيدة تعرضت للتحرش ، فهي مسئولة عن وضعها . وأي سيدة اشتكت أو فضحت الجهة التي تتحرش بها لن تجد ما يكفي من المساندة . بل ستواجه شكايتها بالرفض والإدانة وتتهم السيدة في عرضها وشرفها وأنها هي من تستفز الذكور . فضلا عن موقف أسرتها أو زوجها الذي قد تكون له ردود فعل غير محسوبة . مخافة هذه المآلات ، تضطر النساء إلى التكتم عن التحرش الذي يتعرضن إليه ،الأمر الذي يشجع الذكور على التمادي في ممارساتهم واعتداءاتهم على النساء . ولعل الفرق واضحا بين الدول الغربية والدول العربية في التعامل مع شكايات التحرش . فإذا كانت الأولى تحرك مساطر المتابعة القضائية بمجرد أن تقدم أي سيدة شكاية في موضوع تعرضها للتحرش ، فإن في الدول العربية سرعان ما تتعطل المساطر إن وجدت .وكمثال على هذا الفارق بين الدول إياها ، تقدمت ضحية مفترضة يوم الأربعاء 7 مارس 2018 إلى نيابة باريس رسمياً بملف اتهام طارق رمضان، باغتصابها في تسع مناسبات على الأقل، تحت تأثير "السطوة الفكرية، والعاطفية، والاستعباد العقلي، واستغلال ضعفها" ، وقبلت النيابة العامة توجيه هذه التهم ومتابعة المعني بالأمر بها ؛ بينما في الدول العربية فالمرأة ضحية الاغتصاب أو التحرش بحاجة إلى تقديم كافة الأدلة على اغتصابها أو التحرش بها قبل أن يفتح القضاء الملف ويستدعي الجاني .
إن تعقّد المساطر وطولها أحد العوائق التي يستغلها الجناة في ممارسة التحرش والإفلات من العقاب . والتحرش أو الاغتصاب لم يعد مرتبطا بعامل الفقر والأمية ، بل صار ظاهرة تشمل كل الشرائح من مختلف الأوساط الاجتماعية والمهنية والثقافية .
كيف يمكن مواجهة ظاهرة التحرش الجنسي، قانونيا واجتماعيا؟ لا تخفى على أحد أهمية القوانين في الردع وتعديل السلوك والحد من الظاهرة ، أي ظاهرة اجتماعية كانت .والمسلمون يدركون من خلال قولة عثمان بن عفان "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" . فالتعاليم الدينية نفسها لم تفلح في الردع رغم أن جميع المسلمين يرددونها وينتقدون بعضهم بعضا على أساسها . بل إن المجتمعات الإسلامية تعاني من انفصام عام ونفاق اجتماعي صارخ . فمظاهر التدين تعم هذه المجتمعات لكن آثارها تنتفي على مستوى الممارسة والمعاملة . فمن يخشى على حذائه في المسجد لن يطمئن على عِرضه في الشارع . ورغم كل مظاهر التحرش والاستنكار المصاحب له ، فإن الحكومات العربية لم تمتلك الجرأة السياسية لسن قوانين صارمة ضد المتحرشين بالنساء . كما لم تعتمد هذه الحكومات برامج تعليمية وإعلامية للتحسيس بخطورة التحرش الجنسي والارتقاء بوعي وسلوك المواطنين وإشاعة قيم الاحترام للمرأة كإنسان وتغيير تلك النظرة الدونية التي لازمتها منذ قرون عدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة