الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تائي المربوطة: أما آن لها الانعتاق؟

سهير فوزات

2018 / 3 / 9
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها


حين كنت هناك، في عالم الذكورة الطاغية كانت ترافقني تائي المربوطة كحيوان أليف يعرّف بي، يحميني وفي نفس الوقت يستدرّ العطف علي. تربيت معها واعتدت على قبولها والتمسك بها كامتياز أو كدرع حماية. حتى أني كنت إذا حدث وقابلت الناس دونها أتعرض لتهمة الذكورة أو التشبه بالرجال، بل وأكثر من ذلك، تهمة التمرد على العرف والشرع. كانت تائي المربوطة -حين لا يسمح لي باصطحابها ككائن أليف- ترافقني كحجاب يبرر وجوده حول وجهي بالحرص على قيمتي الجسدية ظاهرا وبالترهيب من طاقتي الإغوائية باطنا. وكانت تُطمس في بعض الحالات لتكون نقابا يخفي كل كينونتي تحته ويحمي عالم القيم من خطر أنوثتي.
مضى وقت طويل قبل أن أفهم أنها كائن ثقافي منفصل عني ألصق بي، وأنها هي أصلا تعرضت للتشويه والاضطهاد مثلي. مضى وقت قبل أن أخاطر في الغوص في أعماق اللغة لأستخرج مكنونها وقبل أن أعرف أن اللغات البسيطة لا تفرق بين المذكر والمؤنث بعلامة، بل اللغات المركبة الأكثر تعقيدا، كالعربية والفرنسية وغيرها هي التي تعطي خصوصية للأنثى وتعاملها ككائن مستقل بل وأكثر من ذلك تميّز جنسًا للموجودات حسب الحدس بطاقتها الذكورية والأنثوية لتخلق عالما تحضر فيه الأنثى مثل الذكر تكاملا لا صراعا. فتكون الشمس التي تعطي الحياة والدفء- حتى بلا تاء مربوطة- في اللغة العربية أنثى، والأرض رمز العطاء أنثى والشجرة أنثى بينما يكون الهواء ذكرا والبحر ذكرا وما إلى ذلك من تقسيم الموجودات افتراضيّا. ورغم اختلاف التجنيس بين لغة وأخرى يبقى التوازن بين الجنسين موجودا، هذا حين نتكلم عن بدايات اللغة، كما نبتت عفوية على ألسن متكلميها الأُوَل، في عصور الأمومة والتشارك والآلهة الأنثى، قبل أن تُعقد التاء المربوطة بفعل ثقافة الغزو والسبي وعار القبيلة وشرفها المرتبط بالقهر واغتصاب الحقوق، وقبل نزول الإله المذكر الذي شَرْعَنَ ثقافة الامتلاك والقوّة، ومنح تلك الفوقية الاجتماعية وسطوة الذكورة القالب المقدس الذي لا يقبل النقاش. لتصبح الأنثى مخلوقا من ضلع الذكر في حالة دونية أبدية لا يمكن اجتيازها دون كسر المقدس نفسه.
ثقافة هي خليط اجتماعي ديني يبني أسسه على مفهوم القوّة الجسدية التي مازالت تسيطر على العالم العربي حتى في عصر التكنولوجيا والفكر. بل وكلما ازداد العالم تحضرا وانفتاحا ازدادت تائي المربوطة انغلاقا وتعقيدا وكأنها علبة (پاندورا) التي يخشى منها إن فتحت تدمير العالم وإطلاق كل شروره الجسدية في منظومة فكرية تحارب الجسد وتقمعه.
وصارت كلمة أنثى وامرأة (أو مَرَة كما تلفظ في المصرية كشتيمة) تحمل من مثيرات الخيال ما يوازي حبة فياغرا.
وما يستدعي فوران الدم في رؤوس الأشراف لحمايتها وصونها.
وبقيت المرأة كائنا من درجة ثانية مفردا مضافا إلى الأب أو الأخ أو الابن، وظلت شرف القبيلة وعارها كما أرادت لها ثقافة السبي أن تكون حتى بعد كل المكاسب الصغيرة التي حصلت عليها عبر قرون في حرب كرّ وفرّ مع الذكورة، مِن تعلّم وعمل واقتحام مجالات كانت لمدة طويلة حكرا على الرجال... أنجزت الكثير! حتى صارت -ويا لحظها- تقود السيارة في السعودية وتختار أب زوجها دون الرجوع إلى شروط الشرع في تونس وتمنح الجنسية لأطفالها في دول أخرى…
منذ مدة سمعت قصيدة لشاعرة كيبكيّة جميلة تتحدث فيها عن الياء الصامتة في آخر الكلمة، التي تعتبر علامة التأنيث في اللغة الفرنسية، تقول الشاعرة كلودين بيرتران (أنا الياء الصامتة، أنا الصوت المسروق، حرف الأنوثة، أنا غير المرئية أبدا، خيط رفيع، همس مثير، بالكاد يرتسم... أنا الياء الصامتة التي تكلمت) أفكر في يائها وتائي وأحدّث نفسي: على الأقل ياؤها (الساكتة) تستطيع ممارسة حياتها بصمت، أمّا تائي المربوطة بشرف القبيلة وكرامة الأب وإباء الأخ وحسن تربية الأم ورضا الإله، فكيف لها أن تفك ارتباطها دون أن ينهار بنيانها الحسي بكامله؟ هل تتخيل الشاعرة كلودين التي تشكو تلخيص أنوثتها بثقب حرف الاي(e) أنّ قرينتها في اللغة العربية (ة) يبقى ثقبها مختوما بالشمع الأحمر حتى يفضّه (أو يشتريه) صاحب النصيب المختار حسب المواصفات القبلية والعائلية للجيد والرديء؟ وأن قطع حبلها السُّرّي يعني الوفاة لا الولادة؟
هل تحتمل ياؤها التي خطت مسيرة تحرر قاسية منذ وقت قريب ألا يكون لها الحق في تحديد عدد أطفالها، أو منحهم جنسيتها، أو ممارسة الحب مع من تحبّ بلا ألف قيد وشرط مستحيل التحقق غالبا، أو التخلص من جنين سكن جسدها دون رغبة منها، وهل تتخيل أن تنوس حياتها برمّتها بين كينونتين: آلة متعة و آلة تفريخ! وأنها حين تخرج لسبب أو لآخر عن طاعة الذكر تحرم حتى من أبسط معاني وجودها!
متى ستنطلق تائي المربوطة من عقالها الثقافي وتطلق كل طاقاتها الخلاقة؟
متى تصبح تاءً مفتوحة الابتسامة نحو السماء تمتلئ بالحب غير المشروط وتؤمن بنفسها وبقدرتها الطبيعية على وهب الحياة؟! وكيف تمتد جسرا لرجال تحرروا من ذكورتهم الجوفاء لتوقظ معهم أكسل أمة أخرجت للأمم؟
وهل تستطيع فعل ذلك دون وعيها له، ودون مساندة الرجل ووعيه بضرورة ذلك التحول؟
لا بد أنّ لها (حياة بعيدة من هنا-ك...لكن أين؟ ومتى؟) وهل؟...


je suis le E

voyelle volée
lettre au féminin
totalement invisible
un mince filet
chuchotement évoqué
à peine esquissée
je pense que ma vie est loin d’ici
mais où et quand

je fixe le E muet
qui parle

*Claudine Bertrand








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال