الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يناير.. وواشنطن.. وروبرت جيتس.. (الموقف المركب والبحث عن المصلحة)

السيد شبل

2018 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


مذكرات روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي أثناء أحداث يناير 2011 بمصر، والتي صدرت في 2014 تحت عنوان "الواجب"، مهمّة للغاية. وهي تكشف أن الإدارة الأمريكية كانت منقسمة إزاء آلية التعامل مع المظاهرات والاحتجاجات في الأيام الأولى، لكن مع الوقت، ومع الأسبوع الأول من فبراير حسمت أمرها فقط باتجاه دعم إخراج حسني مبارك من السلطة.

رغم الانقسام إلا أنه كانت هناك مبادرة من كافة الأطراف للاتصال بقادة الجيش ودفعهم للالتزام بالسلمية وعدم التعرض للمتظاهرين. سامي عنان رئيس الأركان المصري حينها حمل هذه الرؤية الأمريكية معه في الطائرة عند عودته لمصر في 28 يناير، وكان آخر وجه قابله في المطار قبل مغادرة أمريكا هو جيمس ماتيس قائد القيادة المركزية الأمريكية وقتها ووزير الدفاع الآن. وعند عودة عنان اقترح، بحسب مذكراته التي صدرت في صيف 2013، على وزير الدفاع حسين طنطاوي تنفيذ انقلاب ناعم في 29 يناير، لكن طنطاوي لم يطاوعه وطلب منه أن لا يتحدث في ذلك، لكن عنان، الذي يبدو أنه كان طموحًا للسلطة أيضًا، سيتخذ خطوات فعلا في اتجاه تنفيذ خطته، حيث سيجتمع بقادة الجيش في 1 فبراير، بدون طنطاوي، وسيخرج عن الاجتماع بيان يؤيد المحتجين والمطالب الشعبية، كما سيتم بالاتفاق مع قائد الحرس الجمهوري نجيب عبد السلام -الذي سيكشف في لقاء على فضائية "القاهرة والناس" عن أنه كان راغبًا في تولي الإخوان للحكم- عدم تعبئة أسلحة الحرس من الرصاص الحي. وقد فهم مبارك الأمر على أنه انقلاب فعلا حينها، وحصل احتكاك بينه وبين عنان في اجتماع موسّع دعا إليه بـ 1 فبراير، كما حصل الأمر ذاته مع قائد الحرس*.

بالعودة إلى جيتس فإنه يقول بمذكراته أنه كان من ضمن الفريق الذي رفض الضغط العنيف على مبارك، وكان يطالب بضرورة إعطائه الفرصة للمغادرة وتسليم السلطة أيضا، لكن بكرامة، وبضرورة مراعاة أن الرجل حليفهم، ومتعاون جيد مع طلباتهم على مدار 3 عقود، وأن الغدر به سيوصل رسالة سيئة لكافة حلفاء أمريكا بأنها تبيعهم و"تلقي بهم للذئاب"، كما أنه عبر عن خشيته من حصول فراغ بالسلطة يملأه الأصوليون وأشار إلى الثورة الإيرانية، كما أن الشعب المصري، بحسب جيتس، لن ينسى بسهولة أن أمريكا هي راعية مبارك لعقود، لذا فلا داعي للتودد المفرط للمحتجين، وكان معه في هذا الموقف نائب الرئيس جو بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.

جيتس اليوم، وهو قد غادر وزارة الدفاع منذ صيف 2011، صار معروفًا كقريب من الإمارات والسعودية وموقفه بهذه الأيام متوافق مع واقعه اليوم، وقد كشفت تسريبات بـ 2017 عن مراسلات بينه وبين سفير الإمارات يوسف العتيبة. وقد لعبت السعودية والكويت دورًا كبيرًا في تحريض أمريكا على عدم التخلي عن مبارك، وكان الأهم بالنسبة للرياض هو بقاء النظام البحريني، حيث اعتبرت أن أي مبادرة من واشنطن لدعم الاحتحاجات في البحرين هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لها.

جيتس في مذكراته يؤكد أن فريق الشباب (فريق الأمن القومي) منهم "الحقوقية" سامنتا باور**، كان يستحث أوباما بحماس مفرط على تأييد المحتجين، ويطالبه بضرورة توجيه مبارك نحو التنحي العاجل.

في سياق آخر تكشف المعلومات عن الاتصالات بين هذا الفريق وبعض النخب التي عامت على سطح الاحتجاجات الشعبية في مصر، وكانت تلك النخب قريبة من قطر ودوائر التمويل الأجنبي، ويُحسب أغلب النشطاء المصريين المعروفين في سياق أحداث 2011، على هذا الجانب***.

ويبدو أن هذا الفريق الشبابي تسيّد وانتصر منذ اتصال أوباما بمبارك في 1 فبراير 2011، بعد خطابه العاطفي، وحينها طلب أوباما من مبارك بأن يحدث تغيير الآن، ثم ألقى خطابا كرر فيه مضمون قريب من مضمون الاتصال، ووجه التحية للجيش المصري على التزامه بعدم استخدام العنف ضد المحتجين.

في 2 فبراير حصلت اشتباكات موقعة الجمل، وحينها ظهر روبرت جيبس، المتحدث الصحفي باسم البيت الأبيض، ليفسر كلمة أوباما، قائلا: ((التغيير يجب أن يحدث الآن.. والآن يعني الآن أو أمس)).

خطاب أوباما مثّل صدمة لدى الرياض و"تل أبيب"، حيث اعتبرته الأخيرة خيانة للحلفاء.. لكن موقف سلطات الاحتلال سيتطور، فيما يبدو أنه، تماشيًا مع حقائق الأمور، حيث سيقول وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك في حديث مع القناة الثانية العبرية مساء الأربعاء 2 فبراير: " أن عهد مبارك انتهى دون شك".. وأن عليهم أن يستعدوا للقادم، ولمواكبة أي تطور" ****.

قبل أن تحسم أمريكا موقفها بالكامل ضد مبارك، كانت قد أرسلت بمبعوثها فرانك ويزنر لمصر في أواخر يناير، وويزنر كان مستشار مقرب من جمال مبارك وخططه "النيو ليبرالية"، بحسب شهادة اللواء جمال البنا أحد أعضاء سكرتارية مبارك في فترة ما، و"ويزنر" سفير سابق لأمريكا في مصر، وقد جاء إلى القاهرة ومعه "مشاريع أمريكية للحل" تضمنت تعهد مبارك بأن لا يترشح للرئاسة، وأشياء أخرى، وهي الأشياء التي أعلنها مبارك في خطابه مساء 1 فبراير، لكن جيتس يعتبرها في مذكراته قد جاءت متأخرة، كما أن فريق الشباب المحيط بأوباما كان قد أخذ الأمور كثيرًا نحو العمق والمطالبة بأن يخلي مبارك منصبه.

يقول جيتس أنه اتصل بوزير الدفاع محمد حسين طنطاوي، وأكد على ضرورة أن يلتزم الجيش بعدم اتخاذ أي إجراء ضد المتظاهرين، وأنه مسؤول عن أمن البلاد واستقرار أحوالها، وأن طنطاوي كان لبقا في كلامه، وأكد المسؤولية الوطنية للجيش في حماية الشعب والبلد، وأن مصر لن يحدث لها أي سوء.

تساوقًا، مع رواية جيتس ينقل نضال حمادة في كتابه "الوجه الآخر للثورات العربية"، أن ضباط الجيش الأمريكي بدأوا في إرسال رسائل لضباط الجيش المصري الذين تلقوا تدريبات في أمريكا، يحرضونهم فيها على الوقوف إلى جانب مطالب المُحتجين، وعلى عدم استخدام العنف ضدهم أو إطلاق النار، وأن لا يتشبثوا بسفينة مبارك التي تغرق، خاصة أن وريثه المفترض بالحكم هو ابنه الذي لا يرضى عنه الجيش.

في هذا الوقت كانت قد بدأت اتصالات كلينتون وبايدن باللواء عمر سليمان بغرض تليين موقفه في اتجاه الضغط على مبارك بهدف التنحي.

وفي 8 فبراير صرّح بايدن لعمر سليمان بأن مبارك يجب أن يرحل.

ومع تصاعد المظاهرات في الميادين.. كان قادة الجيش قد اتخذوا قرارهم النهائي بأن مبارك لا بد أن لا يكون بالصورة، وقد اقترح أحدهم تنفيذ انقلاب صريح.

وكان، حسب جيتس، هناك توقعات واسعة بأن يكون خطاب مبارك 10 فبراير هو خطابه الذي سيعلن فيه تنحيه لكنه لم يفعل.. وفي 11 فبراير ظهر عمر سليمان ليعلن تنحي مبارك.

---
* القصة والرواية كاملة وردت بمذكرات سامي عنان، كما نشرها مصطفى بكري في عدد من المقالات.
** سامنثا باور ستتولى منصب مندوب الأمم للمتحدة في نهايات 2013، وستقود الحملة ضد سوريا طوال السنوات اللاحقة، كما هي من داعمي التدخل الأمريكي لأغراض "حقوق الإنسان، لذا فقد أيدت عدوان الناتو على ليبيا ب 2011.
*** وائل غنيم مؤسس صفحة خالد سعيد كان متصل بجاريد كوهين، مدير أفكار جوجل ومستشار لكوندليزا رايس ثم هيلاري كلينتون، كذلك محمد البرادعي كان عضوًا بلجنة الأزمات الدولية وممولها الرئيسي جورج سورس، كما هناك تدريب عناصر بـ6 إبريل، باعترافهم، في صربيا لدى منظمة أوتبور المتعاونة مع المخابرات الأمريكية، وهناك نشاط مجموعات ليبرالية متصلة بواشنطن، كذلك المتدربين في المعهد الديمقراطي والمعهد الأمريكي وفريدوم هاوس. هذا بخلاف أموال أوبن سوسيتي وروكفلر للنسبة الأكبر من النخب الإعلامية. وهناك الاتصال مع جماعة الإخوان من 2005، والذي تعزز مع وصول أوباما. لكن هذا لا ينفي أن الملايين العديدة التي خرجت للتظاهر في 28 يناير لم تكن متآمرة أو أخذت المال من أحد.. هي خرجت لتعبر عن غضبها من نظام مكروه ويستحق أن يُطاح به ويُحاكم، وتطمح لحياة ماديّة أفضل وأن تحكم نفسها. وهؤلاء لم تحركهم أطراف خارجية، لكنها كانت ممسكة وعارفة بالنخب التي قادت كثير من تحركاتهم، وشكلت الحوامل التنظيمية لهم. من هنا يجب الفصل بين يناير الشعبية، ويناير النخبوية والتنظيمات (والأخيرة قد خانت الأولى).
**** الخبر موجود للآن على موقع قناة الجزيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟