الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقدة النقص بين الاستلاب الديني و السياسي

ماهر رزوق

2018 / 3 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقالتي اليوم ليست سوى استكمالاً لما كنت قد بدأته سابقاً ، و أعني بذلك المقالات الثالثة السابقة ، و التي تتحدث كلها عن موضوع واحد متشعب إلى أقسام عدة ، و هو موضوع العلاقة الوثيقة بين الخضوع الديني الثقافي و الخضوع السياسي ...

لماذا بعض الشعوب لا ترغب بالثورة ، أو إن صح القول ، قسم كبير من تلك الشعوب لا يرغب ؟؟
لماذا لا يشعر ذلك القسم الكبير ، بالظلم و استلاب الكرامة و القيمة ؟؟
لماذا يصل بهم الحال أحياناً أن يدافعوا (حتى بأرواحهم) عن تلك الأنظمة التي تستعبدهم ؟؟

أجابت المقالات السابقة عن بعض الأسئلة ، حيث تحدثت فيها عن أفكار ثقافية و دينية تساعد على انعدام الشعور بالحاجة إلى الثورة ... فتلك الأفكار تعمل كمخدر طويل الأمد ، يبدأ عمله منذ الطفولة و يستمر أحياناً حتى انقضاء الأجل ... و كأمثلة عن تلك الأفكار ، ذكرت فكرة الأضحية ، و فكرة العيب (كعادة و ثقافة متبعة) و فكرة الفضيحة ...

أما اليوم فأود التحدث في نفس النطاق ، عن فكرة أخرى تساعد بشكل كبير لتفعيل ذلك المخدر إلى أطول فترة ممكنة ... و أقصد بذلك فكرة (أو عقدة) النقص و عدم الثقة بالذات ، و التي يتم زراعتها في نفوس أفراد تلك المجتمعات منذ مراحل متقدمة جداً (الطفولة) و يتم ترسيخها و تعميق أثرها فيما بعد ، عن طريق التخويف و الترهيب الديني و الثقافي ....

تبدأ عملية التكوين الأولى لتلك المشكلة ، في اللاوعي الطفولي الذي يكون مستعداً و مجهزاً لتلقي أي شيء ، جيداً كان أم سيئاً ... فاللاوعي كما هو معروف علمياً ، لا يفرق بين ما هو جيد أو سيء ، و إنما يفعل دائماً ما يظن أنه الأفضل و يصب في مصلحة الفرد ، و الذي يعني طبعاً : المعتاد ، أي ما اعتاد عليه منذ البداية كحل سحري نافع ...

و المجتمعات المتخلفة تعمل منذ المراحل العمرية الأولى على تأكيد عقدة النقص و تدعيمها في نفوس أفرادها ، فعن طريق قناعات دينية معينة ، تجعل جميع هؤلاء الأفراد يقتنعون بأنهم لا يمتلكون الملكات العقلية اللازمة و الضرورية لتمييز الخطأ و الصواب ... و أن أي محاولة لمنطقة الأشياء (أي فهمها قياساً للمنطق البشري العلمي و الرياضي) هي محاولة للنيل من المعتقد العام ، و بالتالي محرمة تماماً ...

يتم تلقين الأفراد أن هناك أفراداً مميزين بينهم (الشيوخ و فقهاء الدين) هم الأقدر و الأجدر ، و هم فقط من يستطيع أن يبت و يشرّع و يسن القوانين الأخلاقية و الاجتماعية ، لأنهم تعمقوا و تبحروا في الشريعة الدينية التي هي أصلاً من الله ، و ليست مدنسة بأيدٍ و عقولٍ بشرية !!

لو جرب أحدكم أن يناقش صديقاً متديناً ، باستعمال الحجج المنطقية العلمية فقط ، دون الاعتماد على النصوص الدينية و المعتقدات الميتافيزيقية ، فإنه حتماً سيصل معه إلى طريق مسدود ، حيث سيحتج الصديق المتدين أنه غير متعمق في أمور الدين ، و أن هناك من يفهم أكثر منه ، والذي بالتأكيد يستطيع الاجابة عن التساؤلات التي استحالت عليه !!

هذه الثقافة و هذه الطريقة في الاعتراف بالنقص تظهر عندما يتباحث هؤلاء الأفراد في أمور تم تلقينها و تحفيظها لهم منذ الصغر دون البحث في مدى صحتها أو قياسها بالمنطق العلمي ... و هنا يأتي السؤال : كيف لا يقبل الفرد ، الذي تعلم دائماً أن هناك أفراداً آخرين يعلمون أكثر منه الطريقة التي سيعيش بها و يموت بها حتى ، كيف لا يقبل أن هناك أفراداً آخرين يعلمون أكثر منه في شؤون السياسة و الحكم ، و كيفية تسيير شؤون الدولة و الاقتصاد ، و أن عليه أن ينصاع لقراراتهم مهما كانت مجحفة بحقه و حق الآخرين ؟؟

هكذا تسهل على هذه المجتمعات أن تخضع للديكتاتور الحاكم و تسلّم له و لجماعته ، شؤون حياتها و تقرير مصيرها ... فعدم الثقة بالذات ، كذات فاعلة متفاعلة ، و ذات مفكرة و قادرة على تقرير مصيرها ، ينمو شيئاً فشيئاً منذ الطفولة و يصبح فيما بعد أمراً اعتيادياً يلجأ له العقل اللاواعي عند الأزمات (كالثورات و الحروب) ، حيث تتغذى عقدة النقص (في مراحل السلم) كل يوم على القمع والتحريم الديني في المساجد و القنوات الفضائية و الكتب التي يعاد بها اجترار التراث دون تجديد (إلا من حيث اللغة و التعابير) ، و عندما تتعرض تلك الشعوب للقمع السياسي ، تقبله بلا نقاش أو احساس بالاستلاب الفكري و الانساني ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل