الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنكبوت الأرملة

معتز نادر

2018 / 3 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


منذ مدة يتملكني هاجس التفكير بسلوكيات هذا الكائن ، ذلك التصرف الغريزي الحتمي والمُحكم يأخذ عقلي، ألاحظ أنها ليست كبقية الحيوانات ذات السلوك المباشر التقليدي من حيث رد الفعل فحمار الوحش أو الغزال يدفعان حياتهم ثمنا لخيارات سريعة وغير مدروسة فيقعان طعاماً للمفترسات الكبيرة ، مع الأرملة الحكاية مختلفة إذ كل حركة أو سلوك تقوم به يكون واعيا ومنضبطاً وبغاية الدقة ، فهي تنتظر وصول الضحية لشبكة الأمان الخالد التي تنسجها بأناة ورويّة ، هي لا تهادن ومتصالحة تماماً مع غريزتها القاطعة حيال من يحاول الإعتداء على أمنها التاريخي الخاص أو الإقتراب منه وسيدفع ثمن غلطته أو جرأته مثلما يحصل مع ذَكرِها
يأتي الذّكر الذي يغامر بمصيره كي يلعب لعبة تعبّرعن مغزى حياته لعبة تحدّي عبثية مع الأنثى التي سيكون على الأغلب غذًاءً لأطفالهما هناك في أحشائها ، بالنسبة للذكر الدخيل يبدو أنه يتحدى نفسه أكثر من أي شيئ أخر -إنه يلاعب الموت فيما الانثى ليست إلا مادة لهذا التلاعب - بالفعل هذا الذَكرالمستميت التواق مغامر من الطراز الأول
في سلوك الأرملة ليس ثمة تصرف مجاني لا فائدة منه والمبهر في قوة سلوكياتها يكمن بكونها لا تغفر لمن يدوس على عالمها وطقسها المتين فالزوج سَيؤكل بعد أن ينجز مهمته الجنسية التي يتوق إليها رفقة قاتلته في حال إرتكب أي هفوة أو في حال لم يكن في يومه في خضم محاولة الهرب التي سيقوم بها وبدورها الأرملة لن تنسى أنه دخل عالمها بالرغم من كل ما جرى بينهما لاحقا من ملاطفات وجنس ، هنا النقطة الحاسمة لما سيكون -تعدّي أحد ما على عالم الأخر- ، بالمحصلة الذّكَر إرتكب الخطأ المميت وليس من عِشرة بالنسبة للانثى تعوّض ضرورة حفاظها على غريزة البقاء
العنكبوت ملك الحشرات وزعيمها التقني فأثناء الصراع بين عنكبوتين لا يتم التصادم المباشر المميت إلا بعد نفاذ كافة الخطوات التكتيكية بكامل دقتها وجمالها
ما ألحظه في منظومة الكائنات المتحركةٌ التي نحن جزءٌ منها هو أن الحشرة متمسكة بغريزتها أكثر من أي كائن أخر إذ تُظهر الحشرات تفوقها من ناحية إنسجامها الكامل المتقشف مع غريزتها
أحيانا أشعر بأنها تعرف أنه من السهل قتلها لأنها صغيرة أكثر من اللازم *كم هي رائعة هذه المخلوقات التقنية الصغيرة *
بالنسبة لصراصير المطبخ الصغيرة لديهم قدرة كبيرة على الإستفزاز الذي يجعلك تَهم لقتلهم إنهم ماكرين سريعين وشهوانيين ،
نحن لدينا نفس غطاء الحماية القريب من معنى تلك شبكة العنكبوت
في عالمنا ثمة فسحة للتفاوض والمقايضة -ثمة مكان للتحالفات بين أشخاص لديهم نفس التوقد والسطوة ، ليس ثمة أقدر من الإنسان في الدفاع عن أمنه وهو اعظم من تلك الأرملة ،إذ يسمح لنا عقلنا المميز إبان الشعور بالتهديد والخطر وبسبب تأثير البيئة ونزعة اللجوء الإجتماعي بأن نُرجع غطاء الحماية ذاك إلى الخلف قليلا إلى حدّ مسموح إلى أن تتفاقم الخلافات مع الذي يقترب من أمننا فنعيده مرة أخرى إلى الخلف قليلا ذلك لأن السلام مع الأخر غالي بشكله العام حتى لو كان مزيفاً إلى ان تنتفي إمكانية التراجع فتصبح الأذية مشروعة وحاسمة وتغدو تراجيديّة لا رحمة فيها وبالتالي يصبح تصرفنا قريبا من تصرف الأرملة السوداء وعندها سأفتك بخصمي أكثر من أي وقت مضى ،وهذا ما سيقوم به أكثر الناس صدقاً وخيراً عندما يقع التناقض وتصبح المواجهة قدر لا مفر منه ، ربما لا يفعل ذلك بنفسه وإنما مريديه أو أن يطوّع أناسا للقيام بذلك ، فغطاء الحماية ليس أمرا للمزاح و المناكفة .
الشخص منّا يتصارع مع الشرط الذي تسبب بوجوده –مع الظرف الذي جعله يعيش ويتنفس
-الفرد يخلق قِيَمهٌ لا لكي يؤمن بها تماماً وإنما كي يتصارع معها ومن ثم يطلب الفناء بجانبها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج