الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة -سنوات الدم-..لا -شهر عسل-

سماح هدايا

2018 / 3 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ثورة "سنوات الدم"..لا "شهر عسل"

لأنّ ثورة سوريا مصيرية، ذات تأثير تاريخي عميق؛ فالحرب ضدها شرسة متوحّشة. لكنّ أغلب التفكير عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الثورة المضادة، يذهب لقوى نظام الطاغية وحلفائه وأنصاره الذين يشنون ضد الثورة هجوما عسكريا وسياسيا وحرب إبادة وأسلحة فتاكة، بالتعاون مع مؤسسات إعلاميّة تضلّل الرأي وأجهزة استخبارات تنشر الفوضى والفتنة والصراعات. وقلّما يذهب التفكير للثورة المضادة التي اخترقت الثورة والمعارضة، لكي تحاربها من داخلها.
حرب مضادة من قلب الثورة
في أجواء تتجه نحو مزيد من الحرب والتصعيد إقليميّا ودوليّاّ بين أطراف الصف الروسي السوري الإيراني وأطراف معارضيه، يشتد فعل الثورة المضادة في داخل الثورة السوريّة، خصوصا في اتجاه إضعاف المقاومة العسكرية وتفتيت الحواضن المدنية، لتفكيك الصلة بين المقاتلين وبين مجتمعهم، فيعملون على إشاعة الفوضى والحرب النفسيّة والتخويف والتشكيك؛ لكي ينخروا في حواضن الثورة السوريّة. هذا الاختراق لا يقتصر على الجوانب السياسية ، بل يتعمق في جوانب أخرى عسكرية ومدنية وثقافية وإعلامية.
ليست الغرارة الفكرية وقلة الفطنة السياسية والتشتت والفرقة، الأسباب الوحيدة المباشرة لتمدد الثورة المضادة داخليّا؛ فهناك اسباب أخرى؛ مثل وجود الجاسوسية واختراق الثورة والمعارضة بسياسيين وعسكريين ومسؤولين وناشطين غير منضبطين بقيم وطنية، وغير منسجمين مع مبادىء الثورة السورية الجوهرية المتمثلة بالحرية والكرامة، كانوا تسربوا إلى المشهد السياسي بادّعاء تمثيل مناطق ثائرة من سورية، أو فئات من الشعب السوري. واختراقها أيضا، بمشاريع ومنصات امتدت على الواقعين السياسي والمدني، لها ارتباطات دولية مريبة، أو علاقاتها مع جهات معيّنة من الخارج أقوى بكثير من علاقة الانتماء الوطني.؛ مما خلط مؤيدو الثورة بأعدائها، وموّه الاختراق، وللأسف أسهم الفساد والفوضى في تسهيل هذا الاختراق. فتفرّقت الفصائل وتفردّت في مناطق، وتفرّقت المرجعيّات؛ فوجد العدو طريقه ليقضم بشكل متواصل من المناطق الثائرة، والجبهات، ويتمدّد على الرّغم من التضحيات الكبيرة والبطولات.
هناك من يعمل تحت مظلة المعارضة والثورة، وهو ليس بصاحب إدراك وطني، وليس مخلصا لحقوق الإنسان؛ حاضر لدور سياسي مطلوب من طرف ما في ظرف ما، أو يقوم بتمثيل منافع ضيقة ونفوذ لجماعة محدودة، اجتماعيّة أو دينيّة أو قومية، تحت مسمى تمثيل مكوّنات الشعب السوري، أو باحث عن عمل ومهنة ورزق باسم الثورة والمعارضة، وقد يكون عميلا. المشهد السياسي مخترق بأشخاص من هذا النوع، انصبغت ألسنتهم بلهجة الداعم أو بمشروعه السياسي، حصلوا على مواقع ومناصب سياسية وعسكريّة وإعلامية مؤثرة في المشهد السياسي العام. وطيف واسع منهم ذو خلفيّة تصالحيّة توافقيّة مع النظام أو مع حلفائه، بل بعضهم موفد من طرفهم أو يشتغل معهم. هؤلاء من داخل المعارضة والثورة، قاموا بأعمال أضرّت جدا بقضية الثورة وجرت ضدها، إذ عملت على على تشكيل وعي اجتماعي وسياسي وقيمي مناهض للثورة عبر التشكيك بشرعيتها الأخلاقية ونزاهتها، والتشكيك بمشروعها الوطني، ثم بإدخال مشاريع فئوية بديلة أسهمت بتفتيت القرار الجمعي. ووظفت المغالطات السياسية والفكرية بين المقاومة والإرهاب في الشأن السياسي والاجتماعي والفكري، لكي تحارب الثورة وتمكّن المصالحات مع النظام التي هي (هزيمة وخسارة).
الواقع لم يعد يحتمل أنصاف المواقف واللبس في المبادىء...
الدّماء والتضحيات التي قدمتها الثورة وحواضنها وعموم المجتمع السوري تحت نيران نظام الأسد وحلفائه وميليشياته جعلت مسارات الحوار والاتفاقات التي أوجدتها الظروف الإقليمية في ظل الخلل في توازن القوى، غير مقبولة؛ لأّنها وهميّة وتكرّس التخلي عن المقاومة بعنوان خفض التصعيد؛ فأستانة وغيرها لم تنجح إلا في إسكات جبهات القتال لصالح النظام وروسيا وإيران، وتأجيج الصراعات في داخل قوى المعارضة والثورة سياسياً وعسكريا، ولم تقدّم أيّ التزام بحل سياسي عادل. العدو باطش يقول:" إما أنا أو أنت..". يعني حل عسكري للاستلام . عمليّة التحاوّر والتّفاوض والتمثيل السياسي تدور بالمماطلة والخداع وتفسح المجال في تكاثر المناصب والأدوار السياسية والمدنية والإعلامية من متحدثين وناطقين إعلاميين وناشطين ومدنيين وعسكريين؛ فتتضخم أعدادهم وأطيافهم؛ لكنْ، تقل الجدوى والفائدة من أعمالهم. وهو مايزيد في تشويش الخطاب المرتبط بالثورة والمعارضة.
كان لفتح معارك جانبية واقتتال داخلي بين الفصائل العسكرية؛ كذلك بين الأجسام السياسية ؛ وبين المؤسسات المدنية أيضا، بدل التعاون والتوحد على بوصلة محاربة النظام دوره في محاربة الثورة؛ فتأجيج الفتنة وإثارة الشكوك والنزاع حول قضايا إشكاليّة، أسهم في توسيع الفوضى والتناقض، وبالتالي عوّق العمل المشترك تحت راية واحدة، ومظلة سياسية واعية. فانشغلت الناس، لفترة، بصراعات مصالح فئوية وخسرت من دماء أبنائها، عبر الانقياد للفتنة والصراعات الجانبية، بالتشكيك لتهديم المرجعيات والقواعد العامة المتفق عليها اجتماعيا وقيميّا. وقد انعكس هذا في تعطيل بناء الوحدة الوطنية، وبالتالي سهّل الطريق أمام الحاضن الشعبي ليفقد الثقة، مرحليّاً، بالخطاب العسكري والسياسي للفصائل والمؤسسات السياسية، وأثار مزيدا من الشكوك في العلاقة بين الداعم والقوى المقاومة على الأرض وفي المشهد مصداقية الحديث باسم الثورة وبخطابها الوطني الأخلاقي؛ فزاد الاضطراب... وبالطبع وعمل حلف النظام على تسويق الصورة المشتتة للثورة ، التي أسهم هو في تصنيعها، كدليل على الغوغائية والطغيان والعمالة.
طبيعي أن يكون هناك تناقضات واختلافات في صفوف المعارضة والثورة؛ لأنّ فيها أطيافاً متعددة، من الراديكاليين والمعتدلين والقوميين...لكن ان يتخذ الجميع شكل التطرف والعنف والعدوانية في مواجهة الآخر، فهو أمر يجعل الثورة تعيد إنتاج المنظومة السابقة من القمع والاستبداد.، ويسهّل للعدو أن يقسّم القوى، لكي يتمكن من السيطرة وإجهاض الثورة.
ومقابل تهديم المرجعيات والمصداقية من داخل الثورة، برزت نقطة معاكسة هي ترويج رموز معينة وخطاب معين يخدم إعلام سياسي إقليمي أو مآرب سياسية معينة، وتسويقها على الساحة الإعلامية والثقافية والسياسية وجعلها مرجعية على هشاشتها؛ لتحل محل الرموز الوطنية المستقلة المخلصة والواعية؛ فظهرت مرجعيات دينية وإعلامية وسياسية لا تختلف كثيرا عن مرجعيات النظام الطاغية، وبيدها قنوات إعلامية ومراكز أبحاث حاولت استقطاب الشباب المتحمس أو الغاضب وإثارة القضايا التي تزيد في الضغط على الثورة ومحاصرتها.
خاتمة
الثورة المضادة للثورة من داخلها اقوى وأساسها أخلاقي قبل أن يكون سياسي.... فالجهل لا يقتصر على قلة المعرفة؛ هو مرتبط بوضوح القيم ومنظومة الأخلاق والإرادة. الشعب ثار، لكن مازالت في جيوبه المترهلة مساحات لمجموعات ومعتقدات اعتادت الخنوع والموالاة والفساد، ولم يتطوّر فكرها أو ينمو ضميرها الوطن للاستحقاق التاريخي.
الثورة لا تنتصر إلا برؤية وطنية موحدة لا لبس فيها، وبمواقف حازمة ثابتة على الأولويات لاتقبل المساومة .. التمويل على حساب القضية مرفوض. وضع قضية الثورة الأساسية على الرف مقابل تنفيذ قضايا الممول التي لا تهم السوريين حاليا، هو بمثابة خيانة للثورة السورية وانجرار نحو الهلاك. الاستمرار في الانصياع لجهات التمويل تجعل قوى المعارضة والثورة تتخبّط بين الدول ، تتصارع فيما بينها بحسب مصالح الدول التي تموّلها، ووفق صراعاتها، فتضعف. يجب الاستقلال والتوحد تحت راية واحدة سورية. وبندقية واحدة ومبدأ واحد وخطاب موحّد، وفتح المعركة على النظام ومنظومته، بشكل شامل وعميق.
الإمكانات أقوى من الهبات. والإرادة الواحدة المستندة إلى الضمير الوطني تستطيع أن تتغلب على شح الإمكانات والصمود أقوى في المعركة. لا مجال للثقة في غير مكانها ولا للتخوين في غير موقعه.
د. سماح هدايا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا